اولاً: تعريف القسمة لغة:
جاء في لسان العرب ان القسم مصدر قسم الشيء يقسمه قسما فانقسم، والموضع مقسم مثاله مجلس وقسمه أي جزاه وهي القسمة، وقال الجوهري القسم بالكسر أي بمعنى النصيب والحض من الخير مثل طحنت طحنا والطحن الدقيق (1). والقسمةُ اسم من الاقتسام(2) وقاسمه الشيء أي اخذ كل قسيمه(3) وقسم قسم قسما الشيء أي جزأه وفرقه، ويقال قسم الدهر القوم أي فرقهم (4) .
وكتب عن ابي الهيثم انه انشد قائلا:
فمالك الا مقسم ليس فائتا به احد فاستأخرن او تقدما
والقسمةُ وقسم ايضا وهي ان يأخذ كل من الشركاء او الورثة قسمه من المال او الميراث او نحو ذلك او هي النصيب(5) ويقال قسمت الشيء بين الشركاء واعطيت كل شريك مقسمه وقسيمه وسمي مقسم بهذا وهو اسم رجل ومنها حصاة القسم(6) وقسمت الشيء بينهم قسما وقسمه: والقسمة مصدر للاقتسام وفي حديث قراءة الفاتحة قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين اراد بالصلاة ههنا القراءة تسمية للشيء ببعضه وقد جاءت مفسرة في الحديث القدسي حيث قال الرسول الكريم (ص) قال الله تعالى: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فاذا قال العبد الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي…) (7).
ثانياً: تعريف القسمة اصطلاحا:-
1- في القانون:
لقد عرف الفقهاء القسمة بتعاريف عديده، فنجد ان منهم من عرفها بكونها عملية يراد فيها استبدال الملكية الشائعة بملكية مفرزة. (8) كما عرفها آخرون بانها اخراج الملك من حالة الاشتراك الى حالة ينفرد فيها كل شريك بجزء معين منه يختص به دون غيره عينا كان او دينا أي سواء اكانت الحصة التي ينالها الشريك جزءا من المال الشائع او مالا اخر سواه (9) او بانها وسيلة الهدف منها انقضاء الشيوع بتقسيم المال الشائع بين الشركاء واعطاء كل منهم جزءا مفرزا يتناسب مع حصته(10) او هي العملية التي تتحول فيها الملكية الشائعة للشيء الشائع الى ملكية مفرزة لصالح كل من الشركاء او لصالح احدهم (11) او بانها وبمعناها الواسع وسيلة يراد منها اخراج المالك من الملك المشاع الى ملك خاص يستقل به دون باقي الشركاء (12). الا اننا نلاحظ على التعريف الاول انه لا يعرف القسمة وانما يعرف وسائل انهاء الشيوع وما القسمة الا قسيم من اقسامها ومن ثم كان التعريف شاملا لها ولغيرها وهذا ما يتعارض بصورة منطقية عما يطلب من التعريف فالاخير يطلب منه تحديد معنى الشيء المطلوب تعريفه وبصورة تحدد حقيقته من جهة وتمنع اغياره من الدخول تحته من جهة اخرى وهو مالم يتحقق في التعريف المتقدم. واما في التعريف الثاني فأهم ما نلاحظه عليه هو انه يقول.. عينا كان او دينا .. وعليه فهو يشمل الديون ايضا بالقسمة وهو ما يتعارض مع موقف الفقهاء المسلمين في عدم جواز قسمة الديون. واما في التعريف الثالث فنجد انه لم يكن تعريفا جامعا شاملا لجميع ما يندرج تحت المعرف كونه يصرف الذهن الى نوع معين من الانواع التي تدخل ضمن مفهوم القسمة الا وهي القسمة العينية وذلك لانه يقول… اعطاء كل منهم جزءاً مفرزا.. في حين ان القسمة لا تنحصر في القسمة العينية وانما قد تكون قسمة تصفية والاخيرة تحصل اذا كان المال الشائع تأبى طبيعته القسمة العينية ومن ثم فلا وجود لعملية الافراز…وفي التعريف الرابع للقمسة نلاحظ انه يقول… لصالح كل من الشركاء او لصالح احدهم … ومن غير المقبول ان ترد نتيجة القسمة لصالح احد الشركاء فقط دون الباقين. اما في التعريف الخامس للقسمه فإنَّ مما يؤخذ عليه ايضا انه يقول … اخراج المالك … مما يعني ان الشريك المشتاع سيتم اخراجه من حالة الشيوع بدون رضا وذلك عن طريق اللجوء الى القسمة القضائية في حين ان القسمة لا تقتصر على القسمة القضائية فقط بل يمكن ان تكون قسمة رضائية وهو ما لا يشمله التعريف. كما انه يقول.. من الملك المشاع الى ملك خاص.. فنجد ان مما يؤخذ عليه انه تعريف سلبي فهو لم يضع بالتحديد ما يتعلق بحصة كل شريك من الشركاء فضلا عن كونه لم يوضح ذاتية القسمة وذلك لمعرفة حقيقتها وماهيتها لتمييزها عن غيرها.. ومن خلال عرض جميع التعريفات السابقة للقسمة يمكننا الخروج بتعريف نجمع فيه بين مزايا بعض تعريفات الفقهاء السابقة ويلائم التصوير الفقهي الاسلامي للقسمة فنعرفها بانها:-
عملية حل المقسوم بتعيين الحصة الشائعة وتحول الملكية الشائعة لكل من الشركاء الى ملكية مفرزة في نصيب كل شريك يستقل بها دون باقي الشركاء فحينما نقول.. حل المقسوم .. نخرج بذلك من تعريف القسمة حالة المهاياة (او القسمة المؤقتة)، وحينما نقول.. بتعيين الحصة الشائعة … فنحن نحدد بذلك ما هية عملية القسمة وحقيقتها ذلك لان حصة كل شريك في المال المشاع وقبل اجراء القسمة كانت سارية في كل جزء من اجزاء المقسوم وبعد اجراء القسمة تصبح هذه الحصة معينة لكل شريك دون غيره من الشركاء. اما القول.. تحول الملكية الشائعة لكل من الشركاء الى ملكية مفرزة .. وذلك كي نجعل منه تعريفا جامعا شاملا لكل اشكال القسمة بحيث تندرج ضمنها القسمة العينية او قسمة التصفية وسواء تمت رضاء ام قضاء وسواء اكانت قسمه كلية شاملة لجميع المال ام جزئية ترد على بعض اجزاء المال فتنهي الشيوع فيها دون البعض الاخر منها. ولم يورد القانون المدني العراقي تعريفا محددا للقسمة وكذلك الحال في القانون المدني المصري، الا اننا نجد ان المادة 1038 من القانون المدني الاردني قد عرفتها بانها (افراز وتعيين الحصة الشائعة..) (13)
2- في الفقه الإسلامي:
لقد برع الفقهاء المسلمون(14) وعلى مختلف مشاربهم واتجاهاتهم الفقهية في تعريف القسمة وصوغ احكامها، فنرى ان فقهاء المسلمين من الحنفية يعرفونها بانها جمع النصيب الشائع في مال معين على وجه لا يفوت المنفعة المقصودة منه (15) في حين عرفها البعض الاخر منهم بانها معرفة نصيب الواحد من المقسوم عليه(16) او انها تميز الانصباء وافرازها عن بعضها البعض (17) وبهذا الاتجاه ايضا اخذت مجلة الاحكام العدلية وذلك في المادة 1114 منها حيث عرفت القسمة بقولها: (هي تعيين الحصة الشائعة يعني افراز وتمييز الحصص بعضها عن بعض..) الا ان هذا التعريف لم يسلم من النقد من جانب بعض الفقهاء؛ ذلك ان النص يقول.. افراز الحصص عن بعضها البعض.. وبالتالي سينصرف الذهن الى القسمة العينية ولاسيما عندما ترد القسمة على اشياء مثليه في حين نجد ان القسمة قد تكون عينيه او قد تكون قسمة تصفيه وغيرها… (18) واما عند فقهاء المسلمين من المالكية فقد عرفوها بانها تمييز الانصباء واما عرفا فهي عندهم تعيين نصيب كل شريك مشتاع في مال مشاع ولو كان ذلك باختصاص تصرف، وقال فيها ابن عرفه (.. انها تعني اختصاص كل شريك بمشترك فيه عن شريكه زمنا معينا من متعدد او متحد ويجوز في نفس منفعته وليس في غلته) (19) واما عند فقهاء الشافعية فقد عرفوها بانها حل المقسوم الى اجزاء متساوية بقدر احاد المقسوم عليه او انها تعني تمييز الحصص عن بعضها البعض(20) وذات الاتجاه نجده ايضا عند فقهاء الحنابلة(21) . واما عند فقهاء الجعفرية فهي تبديل الملكية الضعيفة لكل واحد من الشركاء في العين بملكية قوية لكل واحد في بعضها(22) في حين عرفها البعض الاخر من فقهائهم بالقول [… ان القسمة هي تمييز حصص الشركاء بعضها عن البعض وليست ببيع ولا معاوضة ولا يجرى فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان المختصان بالبيع ولا يدخل فيها الربا…] (23) كما عرفها جانب اخر منهم بكونها تعيين الحصة المشاعة من المال المشترك في جزء معين منه سواء ادى ذلك الى انقضاء الشيوع عن المال بشكل كلي او جزئي ومثاله ان يقسم المال المشترك بين اربعة اشخاص الى قسمين حيث يشترك كل اثنين منهم في جزء من المال(24) .
____________________
1- انظر الامام ابو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي المصري ، لسان العرب ، المجلد 8 والمجلد 12 ، ط1 ،بيروت ، دار صادر ، 2001 ، المجلد الثاني عشر، ص478.
2- الاستاذ ابو عبد الرحمن محمد عبد الله قاسم ، المعتمد قاموس عربي عربي ، ط1 ، بيروت ، دار صادر ، 2001 ص668.
3- العلامة اللغوي مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزابادي ، القاموس المحيط، اعداد وتقديم محمد عبد الرحمن المرعشلي، بيروت، مطابع دار احياء التراث العربي، 2003، ص1059
4- الاستاذ كرم البستاني والاب موترد والاستاذ عادل انبوبا والاستاذ انطوان نعمه ، المنجد في اللغة والاعلام ، ط22 ، المطبعة الكاثوليكية ، دار المشرق ، 1973 ، ص628.
5- الاستاذ جبران مسعود، ص 1175.
6- وهي حصاة تلقى في اناء ثم يصب فيها من الماء قدر ما يغمر الحصاة ثم يتعاطونها وذلك اذا كانوا في سفر ولا ماء معهم الا شيء يسير فيقسمونه هكذا.. انظر في ذلك الامام محب الدين ابو فيضي السيد محمد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي، شرح القاموس المسمى تاج العروس، ج9، بيروت، دار الفكر للطباعة ، د.ت ص26.
7- رواه مسلم بن حجاج ابو الحسين القشيري النيسابوري، صحيح مسلم، للمحقق محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت، دار احياء التراث العربي، د.ت، ص296.
8- د. حسن علي الذنون ، شرح القانون المدني العراقي الحقوق العينيه الاصلية ، بغداد ، شركة الرابطة للطباعة والنشر المحدودة ، 1954 ، ص76 .
9- د. حامد مصطفى، الملكية العقارية في العراق مع المقارنة بالقانون المدني المصري، ج1، بغداد، 1964 ص121.
10- د. محمود جلال حمزة، الوسيط في شرح القانون المدني الاردني ج5، ط1، عمان ، دار الحامد للطباعة، 1998، ص68.
11- د. حسن كيرة، اصول القانون المدني الحقوق العينية الاصلية احكام حق الملكية، ج1، الاسكندرية، منشأة المعارف، 1963ص441.
12- الاستاذ زهدي يكن، شرح قانون الموجبات والعقود اللبناني، ج14، بيروت ، دار الثقافة ، 1969 ، ص322 .
13- ومصدر نص المادة 1038 مدني اردني هي المادة 1114 من المجلة، وانظر في ذلك المذكرات الايضاحية للقانون المدني الاردني، المصدر السابق، ص655.
14- لقد استدل الفقهاء المسلمون في جواز مشروعية القسمة على ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية وفي المعقول:-
اولا: في القرآن الكريم: لما جاء في قوله تعالى: (ونبئهم ان الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر) سورة القمر اية 28ومعنى ذلك ان الماء مقسوم بينهم وبين الناقة فلهم يوم هو نصيبهم من الماء وكذلك للناقة يومها وانظر ايضا في تفسير هذه الاية بهذا المعنى في تفسير الجلالين الامامان الجليلان جلال الدين محمد بن احمد المحلي وجلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي ، تفسير الجلالين ، ط2 ، بغداد ، مطبعة بابل ، عبد الرحمن حياوي ، 1984 ،ص707،وكذلك ما جاء في قوله تعالى:(واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسة وللرسول)سورة الانفال اية41،وفي قوله تعالى:(تلك اذا قسمة ضيزى) سورة النجم اية22
ثانيا: السنة النبوية: لقد وردت العديد من الاحاديث النبوية الدالة على جواز القسمة ومنها قوله (ص):(الشفعة فيما لم يقسم فاذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة) رواه الشيخ محمد بن اسماعيل ابو عبد الله البخاري الجعفي، صحيح البخاري، تحقيق د. مصطفى ديب البغا، ج2، ط3، بيروت، دار ابن كثير اليمامة، 1987، ص770، كما يروى انه (ص) كان قد قسم غنائم خيبر بين الصحابة الفاتحين كما انه (ص) قسم غنائم بدر بشعب يقال لها الصفراء (والصفراء واد في ناحية الجنوب من المدينة المنورة كثير النخل والزرع وكما جاء ذلك في خبر الصحيحين للشيخ ابي الحسن بن علي بن موسى ابي بكر البيهقي ،سنن البيهقي الكبرى، للمحقق محمد عبد القادر، ج9، مكة المكرمة، مكتبة دار الباز، 1994 ص56. كما يروي انه (ص) قال (ان الله قد اعطىكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث الولد للفراش وللعاهر الحجر وحسابهم علىالله) رواه الشيخ محمد بن عيسى ابو عيسى، سنن الترمذي، تحقيق احمد محمد واخرون، ج4، بيروت، دار احياء التراث العربي، د.ت ص433.
ثالثا: في المعقول:- ان للقسمة اهميتها في دفع الضرر والمشاحنات التي تحدث نتيجة للاشتراك في المال بين عدة شركاء وهو غالبا ما يحدث: انظر السيد علي فكري، المعاملات المادية والادبية، ج1، ط1، القاهرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ص253، كذلك استدل الفقهاء في دليل المعقول على قوله تعالى: (وان كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم) سورة ص اية 24.
15- الشيخ فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي الحنفي، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، ج6، بيروت، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون ص401.
16- الشيخ مصطفى السيوطي الرحيباني، مطالب اولي النهى في شرح غاية المنتهى ، ج4، دمشق، منشورات المكتب الاسلامي، ص602.
17- الامام فخر الدين عثمان بن علي الزيلعي ، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ، ج6 ، بيروت ، منشورات محمد علي بيضون ، دار الكتب العلمية ص401.
18- انظر في ذلك د. حسن علي الذنون، المصدر السابق ص76.
19- الشيخ ابو بكر حسن الكشناوي، اسهل المدارك شرح ارشاد السالك في فقه امام الائمة مالك، ج3، ط2، القاهرة، ص45.
20- الشيخ عبد الله حجازي بن ابراهيم الشافعي، حاشية الشيخ عبد الله بن حجازي بن ابراهيم، ج2، بيروت، دار المعرفة هامش ص497.
21- انظر في ذلك الشيخ ابو اسحاق برهان الدين ابراهيم بن محمد المؤرخ الحنبلي، المبدع في شرح المقنع، ج10، قطر، المكتب الاسلامي ص119.
22- الامام ابو الحسين ال كاشف الغطاء، تحرير المجلة، ج3، النجف الاشرف، المطبعة الحيدرية، المكتبة المرتضوية، 1361 هـ ص223.
23- الشيخ محمد ابراهيم الكرباسي، منهاج المتقين ، ج2، ط2، النجف الاشرف، مطبعة الآداب، 1973 ص152: وانظر كذلك بذات المعنى السيد محمد علي الموسوي الحمامي، هداية المسترشدين ، ج2، القسم الاول ،بيروت، دار الزهراء ، 1995م 1416 هـ ص94.
24- السيد علي الحسيني السيستاني ، منهاج الصالحين ، ج2 ، ط4 ، بيروت ، دار المؤرخ العربي ، 1998 ، ص167.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً