اتفاقية بازل الثانية وكفاية رأس المال في البنوك التجارية .
يبدأ تنفيذ اتفاقية بازل الثانية الخاصة بكفاية رأس المال في البنوك التجارية هذا العام، والجانب الأساسي في هذه الاتفاقية هو كيف تتمكن البنوك من المواكبة والتكيف لثلاثة أنواع أساسية من المخاطر وهي: مخاطر الائتمان ومخاطر السوق والمخاطر التشغيلية بما يضمن المحافظة على مستوى مقبول لرأس المال؟ان غالبية المخاطر التي تواجهها البنوك التجارية مرتبطة بعناصر الميزانية العمومية متمثلة
بشكل أساسي بنشاطات الاقراض والاقتراض Lending and Borrowing أو القيام بوظيفة الوساطة المالية، على الرغم من أن هناك نشاطات تقوم بها هذه البنوك لا تعكسها الميزانية العمومية تكون مصحوبة بمخاطر معينة مثل النشاطات الاستشارية وأعمال الوكالة، وادارة الاستثمار وخدمات القروض.
ونتيجة لتنوع المخاطر والخسائر الكبيرة التي يمكن أن تنجم عنها في حال وقوعها مما يهدد بقاء واستمرار ونجاح البنك التجاري فقد اتجهت الكثير من البنوك التجارية في البلدان المتقدمة الى استحداث ادارة مستقلة للمخاطر.
ويمكن أن تواجه البنوك التجارية العديد من المخاطر مثل مخاطر الائتمان، مخاطر السوق، المخاطر التشغيلية ، مخاطر السيولة، مخاطر التسويات، مخاطر الرافعة، الأخطار السياسية والأخطار المتعلقة بالسيادة، مخاطر العمليات المصرفية الدولية، مخاطر البنوك الأخرى ذات المصالح المشتركة، المخاطر القانونية. وحيث إن اتفاقية بازل الثانية ركزت على ثلاثة أنواع من المخاطر المشار اليها في أعلاه، في ما يلي اشارة مختصرة لهذه الأنواع الثلاثة: مخاطر الائتمان:
Credit Risk يعتبر هذا النوع من المخاطر من أكثر الأنواع التي تواجهها البنوك التجارية، ويشير أحد الكتاب إلى ان هذا النوع يمثل 60% من مجموع المخاطر التي تواجهها هذه البنوك.
وتظهر هذه المخاطرة عندما يتخلف المقترض عن سداد القرض في التاريخ المحدد، وهذا يقود الى انخفاض القيمة الحالية للأصول، ويضعف قدرة البنك على الوفاء بالتزاماته المختلفة والمخاطرة الحقيقية للائتمان تتمثل بانحراف أداء المحفظة عن القيمة المتوقعة. ومن المعروف أن البنوك التجارية غالباً ما تمنح القروض مقابل ضمانات معينة، وبعد مرور فترة من الزمن قد تنخفض قيمتها، وهذا يعتبر من المشاكل أو المخاطر التي توجهها في هذا المجال. وتقليل درجة تأثير هذا النوع من المخاطر من خلال التنويع، لكن
لا يمكن ازالتها بالكامل بسبب أن جزءاً منها التخلف عن السداد يكون مرتبطاً أو متأتياً من مخاطر السوق.
مخاطر السوقSystematic Risk or Market Risk : وتظهر هذه المخاطرة عندما يحصل هناك تغير في قيمة الأصول نتيجة عوامل اقتصادية مختلفة. ولا يمكن تجنب هذا النوع من المخاطر عن طريق التنويع، ويمكن مواجهة الخسائر الناتجة عنه عن طريق التغطية لهذه الخسائر .
ومخاطرة السوق يمكن أن تأخذ أشكالاً متعددة لكن على مستوى البنوك التجارية يمكن أن تظهر نتيجة التقلبات في معدلات الفائدة وقيمة العملات ونتيجة التقلبات في أسعار الأدوات المالية.
فالبنك التجاري من المتوقع ان يتعرض لمخاطرة السوق المرتبطة بأوراق الدين مثل السندات او اتفاقيات سعر الصرف الآجل والأدوات المستقبلية والخيارات ، والبيع والشراء الآني للعملة (المبادلة)، والبيع الآجل للتحويل الخارجي. وبسبب تأثير العوامل الاقتصادية في عمل البنوك التجارية، فإن غالبيتها تحاول تخمين أو تقدير تأثير مخاطر السوق على مستويات الأداء، لذلك تحاول تغطية الخسائر الناجمة عنها، حيث يمكنها تقليل درجة الحساسية للتغير في العوامل التي لا يمكن التحكم بها.
المخاطر التشغيلية: Operational Risk تظهر هذه المخاطرة نتيجة عدم الدقة في تنفيذ العمليات المختلفة أي ارتكاب الأخطاء، أو فشل أنظمة التشغيل في الاستجابة لتعليمات أو قوانين معينة، أو نتيجة الخداع أو الاحتيال.
تم تشكيل لجنة بازل في اطار بنك التسويات الدولية للرقابة على البنوك للمرة الأولى في عام 1974 وقد قامت هذه اللجنة باصدار اتفاقية كفاية رأس المال في عام 1988، حيث حددت نسبة 8 في المائة كحد أدنى لكفاية رأس المال لمواحهة مخاطر الائتمان في البنوك.
وقد أخذت الدول الصناعية – بشكل عام – بالانصياع الى هذه القواعد والمعايير العامة التي أخذت بها مختلف الدول خارج الدول الصناعية. ولم تقتصر اللجنة على وضع حدود دنيا لكفاية رأس المال في البنوك، اذ إنها قدرت أن مواجهة المخاطر المصرفية تتطلب مجموعة من القواعد والمبادىء في تنفيذ الرقابة فأصدرت في عام 1997 المبادىء الأساسية للرقابة المصرفية الفعالة واتبعتها في عام 1999 بوضع منهجية للتأكد من تطبيقها.
وخلال التسعينات وخصوصاً في نهايتها عند وقوع الأزمة المالية (1997) ظهرت الحاجة الى اعادة النظر في اتفاقية بازل الأولى لكفاية رأس المال، وأن الأمر قد يتطلب أكثر من مجرد مواجهة مخاطر الائتمان التي يمكن أن يتعرض لها أحد البنوك، حيث إن هناك حاجة الى ضمان استقرار النظام المالي في مجموعه، فضلاً عن أن المخاطر التي تواجهها البنوك تتجاوز مجرد مخاطر الائتمان.
ومن هنا بدأ الاعداد لاتفاقية بازل الثانية، حيث مرت بعدة مراحل، والبداية كانت عام 2001 بعدما أصدرت لجنة بازل المقترحات الجديدة الخاصة بكفاية رأس المال واستمر الباب مفتوحاً لتلقي التعقيبات والملاحظات لتصدر بشكلها النهائي في منتصف عام 2006، على أن يبدأ التطبيق في عام 2007.
ركزت مقررات بازل الأولى على المخاطر الائتمانية والمخاطر السوقية التي تشمل مخاطر تقلبات أسعار الفائدة ومخاطر تقلبات أسعار الصرف ومخاطر تقلبات أسعار عقود السلع والأسهم، في حين في ظل مقرارات بازل الثانية تم اعتبار هذين النوعين من المخاطر اضافة الى المخاطر التشغيلية.
إن كفاية رأس المال التي تم تحديدها بنسبة 8% بموجب اتفاقية بازل الأولى يتم احتسابها من خلال قسمة رأس المال المتاح للبنك أو ما يطلق عليه القاعدة الرأسمالية على الموجودات المرجحة أو الموزونة حسب درجة المخاطرة.
وفيما يتعلق بمقرارات بازل الثانية فانها أبقت على النسبة نفسها والقاعدة الرأسمالية نفسها، الا أن التغيير المهم هو في الأوزان المخصصة لمخاطر الائتمان ومخاطر السوق ، اضافة الى المخاطرة الجديدة المضافة وهي المخاطر التشغيلية.
هناك ثلاث دعائم أساسية لاتفاقية بازل الثانية وهي:
الدعامة الأولى: متطلبات دنيا لرأس المال، حيث تتضمن هذه المتطلبات في حساب معيار كفاية رأس المال من خلال قسمة رأس المال المتاح على قيمة الموجودات الموزونة أو المرجحة حسب درجة المخاطر(المخاطر الثلاثة وهي المخاطر الائتمانية ومخاطر السوق والمخاطر التشغيلية)، وهناك معلومات تفصيلية حول مقدار الأوزان التي يجب استخدامها وردت في التقرير الأخير للجنة بازل.
الدعامة الثانية: المراجعة من قبل السلطة الرقابية، والهدف منها التأكد من أن كفاية رأس المال بحسب نوعية المخاطر التي يواجهها البنك واستراتيجية المحافظة على المستويات المطلوبة لرأس المال.
وتقترح لجنة بازل في هذا الخصوص أربعة مبادئ، الأول يتعلق بمدى توفر الوسيلة المناسبة لتقييم مدى كفاية رأس المال، والثاني يتعلق بتقييم الجهة الرقابية النظم المتوفرة لدى البنوك داخلياً لتقييم رأس المال وما لديها من استراتيجيات والوقوف على مدى قدرتها على مراقبة التزامها بالنسب المحددة، والثالث، يجب أن تتوقع السلطة الرقابية أن البنوك سوف تحتفظ بمعدل كفاية رأس المال أعلى من الحد الأدنى المطلوب، وأيضاً يجب أن تكون لديها القدرة على أن تطلب من البنوك الاحتفاظ بمعدل أعلى من الحد الأدنى، والرابع يجب أن تحاول السلطة الرقابية التدخل في مراحل مبكرة للحيلولة دون أن ينخفض رأس المال عن الحد الأدنى المطلوب، كما يجب أن تطالب السلطة الرقابية البنوك باتخاذ الاجراءات التصحيحية اذا لم يتم الاحتفاظ بمعدل رأس المال المطلوب.
—
الدعامة الثالثة: انضباط السوق، ويعني ذلك المزيد من الافصاح عن معيار كفاية رأس المال وأنواع المخاطر وحجمها والسياسة المحاسبية المتبعة لتقييم البنك لأصوله والتزاماته وتكوين المخصصات، واستراتيجياته في التعامل مع المخاطر، ونظام البنك الداخلي لتقدير حجم رأس المال المطلوب. ويهدف الافصاح الى التشجيع على اتباع البنوك الممارسات المصرفية السليمة.
اترك تعليقاً