أثر تجريد الزوج من جنسيته على جنسية زوجته
المؤلف : مثنى محمد عبد القيسي
الكتاب أو المصدر : اثر الزواج المختلط على جنسية الزوجة
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
التجريد هو تصرف وحيد الطرف من جانب الدولة من شأنه حرمان الفرد من جنسيته مع ما يتسع ذلك من حرمانه من الحقوق التي تخوله أياها وتحريره من الالتزامات التي تفرضها عليه عندما يبدر من هذا الفرد ما ترى اخلالاً خطيراً بولاءه لها (1) . ويتم استخدام وسيلتين في التجريد هما السحب والاسقاط، وكلاهما يختلف عن الآخر من حيث من يقع عليهم والوقت الذي يقعان فيه والحالات التي يستعملان فيها (2) . ولقد اتجهت الدول في البداية الى قصر التجريد من الجنسية على الوطنيين الذي أكتسبوا جنسية الدولة في تاريخ لاحق على الميلاد ويسمى التجريد من الجنسية في هذه الحالة بـ(السحب) فسحب الجنسية اذن هو أجراء تجرد به الدولة الوطني الطارئ من جنسيته التي منحت له من قبل. وقد جرت العادة على قصر حق الدولة في الاتجاه لهذا الأسلوب خلال مدة زمنية معينة(3) . على أن الدول توسعت في هذا الأسلوب ليشمل الوطني الاصيل على سبيل العقاب اذا ما بدر منه عمل يكشف فيه عدم ملاءمته لدولته. ويسمى هذا الأسلوب بـ (الأسقاط) وللدولة الحق في اسقاط الجنسية عن أي فرد سواء أكان وطنياً أصيلاً أو طارئاً وفي أي وقت تشاء (4) . وعلى ذلك فإن السحب يتميز عن الاسقاط بما يلي (5).:
1-السحب وسيلة تلجأ اليها الدولة لتجريد الوطني الطارئ فقط من جنسيته اما الاسقاط وسيلة تلجأ اليها الدولة لتجريد الوطني من جنسيته سواء أكان طارئاً أو أصيلاً.
2-يقع السحب في خلال مدة الريبة في حين ان الاسقاط يقع في أي وقت تشاء الدولة.
3-لا يقع السحب إلا في حالات منصوص عليها حصراً اما الاسقاط فيترك أمره للسلطة التقديرية للدولة في تحديد الاسباب التي يجب اسقاط الجنسية بسببها.
ويثور السؤال في هذه الحالة عن أثر تجريد الفرد من جنسيته على جنسية زوجته؟ اختلفت التشريعات في موقفها من تنظيم اثر التجريد على جنسية الزوجة ذلك أن التشريعات القانونية في مختلف دول العالم فرقت بين السحب والاسقاط فجعلت السحب اقل ضرراً وخطراً في جنسية الزوجة من الاسقاط، ذلك لأن الاسقاط ينطوي على معنى العقوبة، والعقوبة كما هو معلوم شخصية لا تنال الا مستحقها وهو الزوج دون ان يمتد ذلك الى الزوجة (6) .
اما بالنسبة لسحب الجنسية عن الزوج فإن بعض التشريعات نصت على جواز امتداده الى جنسية الزوجة في حالات معينة يترك امرها للسلطة التقديرية للدولة وكمثال على ذلك المادة (23) من قانون الجنسية السوري إذ جاء فيها: “يترتب على تجريد الشخص من الجنسية سقوطها عنه وحده ما لم ينص على خلاف ذلك صراحة” والمادة (24) من تشريع الجنسية الجزائري “يمكن مد التجريد من الجنسية الجزائرية الى زوجة الشخص المعني بالأمر…”.
ويسلك هذا الاتجاه أيضاً قانون الجنسية الليبي رقم (18) لسنة 1980 وقانون الجنسية المصري إذ جاء في المادة (17) “يترتب على سحب الجنسية في الاحوال المنصوص عليها في المادة (15) زوالها عن صاحبها وحدة على أنه يجوز تضمين قرار السحب سحبها كذلك عمن يكون قد اكتسبها معه بطريق التبعية…” (7) .
في حين اتجهت بقية التشريعات الى عدم امتداد أثر السحب الى جنسية الزوجة فأثار التجريد واحدة سواء أكانت بالسحب ام بالاسقاط وهي عدم امتداد التجريد بالسحب او الأسقاط إلى جنسية الزوجة فتبقى الزوجة محتفظة بجنسيتها على الرغم من تجريدها عن زوجها ويسلك هذا الاتجاه قانون الجنسية الفرنسي الصادر في 9 كانون الثاني لسنة 1973 أنطلاقاً من ايمانه بأن التجريد عقوبة ذات طابع شخصي ومن ثم لا يمتد أثرها إلى غير مرتكبها. وبنفس هذا الاتجاه سار المشرع اللبناني إذ يقصر أثار التجريد على المجرد من جنسيته دون زوجته (8) .
اما بالنسبة للتشريع العراقي رقم 46 لسنة 1990 فيذهب بعض الفقهاء (9). الى القول ان المشرع العراقي لا يقيم وزناً لسبب الفقد فأثار التجريد بالنسبة للزوجة هي ذاتها الأثار المترتبة في حالة فقد الزوج لجنسيته العراقية لأي سببٍ آخر ولو كان ارادياً ومن ثم فإن تجريد الزوج العراقي من جنسيته ليس له أي أثر في جنسية الزوجة العراقية اذ تبقى محتفظة بجنسيتها العراقية الا في حالة دخولها في جنسية زوجها الجديدة وهو أمر نادر أيضاً (10). وبذلك فأن التشريع العراقي وضع قاعدة عامة تشمل كل شخص فقد جنسيته العراقية وبأي سبب وحتى لو كان الفقد بأسقاطها عنه علماً ان اسقاط الجنسية يعد عقوبة والعقوبة شخصية لا تنطبق إلا على من أرتكب فعلاً يتوجب الاسقاط. فالمشرع العراقي سار على منهج المشرع الفرنسي واللبناني، من عدم امتداد أثر التجريد الى جنسية الزوجة (11) .
اذا من خلال ما تقدم يمكن وضع قاعدة عامة مقتضاها:”إن السحب قد يمتد إلى جنسية الزوجة في حالات معينة يترك أمر تقديرها للسلطة المختصة في دولة الزوج. أما الاسقاط فأنه عقوبة شخصية لا تقع إلا على مستحقها دون أن يكون للأسقاط أي اثر على جنسية الزوجة” هذه هي القاعدة التي تحكم إثر التجريد في جنسية الزوجة على انه تستثنى حالة واحدة فقط من هذه القاعدة التي قضت فيها أغلب التشريعات وجعلت سقوط الجنسية عن الوطني يمتد إلى زوجته اذا ما تحققت هذه الحالة وهي اذا كان اسقاط الجنسية عن الوطني يسببها حصول الوطني على الجنسية بسبب الغش او التدليس او البيانات الكاذبة(12).
فاذا كان اكتساب الزوج للجنسية نتيجة لقيامه بمثل هذه الاعمال وكانت زوجته قد دخلت في جنسية زوجها تبعاً له فأن أثر التجريد يمتد ليشمل جنسية الزوجة، ذلك أن تجنس الزوجة في هذه الحالة مبني على سبب باطل الا وهو تجنس الزوج غير المشروع وما يبنى على الباطل فهو باطل ومن ثم فلا تكون لجنسية الزوجة أي وجود اذا ما فقد الزوج جنسيته. وبذلك قضت معظم التشريعات ومنها قانون الجنسية الوافي (13) والبحريني (14) والكويتي (15) والتونسي (16) .
من خلال ما سبق دراسته يتبين لنا ما يلي:
اولاً: ان التجريد لا يمكن ان يقع ألا باستعمال وسيلتين هما:
1-سحب الجنسية.
2-اسقاط الجنسية.
ثانياً: اتفقت تشريعات أغلب الدول على ان الاسقاط ما هو إلا عقوبة يجب الاتطال إلا مستحقها ومن ثم ليس لها أي اثر في جنسية الزوجة.
ثالثاً: اختلفت التشريعات في امتداد أثر سحب الجنسية الى جنسية الزوجة والغالبية من تشريعات دول العالم تجعل للسحب أثراً يتوقف على السلطة التقديرية للدولة.
رابعاً: اتفقت بعض التشريعات على عدم امتداد التجريد سواء أكان بالسحب او الاسقاط إلى جنسية الزوجة ولقد احسن المشرع العراقي في سلوكه لهذا الاتجاه.
خامساً: حبذا لو اتفقت التشريعات على عدم امتداد اثر التجريد سواء أكان بالسحب او الإسقاط إلى جنسية الزوجة انطلاقاً من فكرة الحقوق المكتسبة كما فعل المشرع العراقي والفرنسي واللبناني.
__________________
1- محمد شكري عزيز، المصدر السابق، ص104.
2- شمس الدين الوكيل، الموجز في الجنسية ومركز الاجانب، ص211.
3- هشام علي صادق، الجنسية اللبنانية، ص113.
4- فؤاد عبد المنعم، الجنسية والموطن. ص172، هشام علي صادق، المصدر السابق، ص113.
5- حسن الهداوي، غالب الداودي، القانون الدولي الخاص، الجزء الاول في الجنسية والموطن ومركز الأجانب، ص108-109.
6- شمس الدين الوكيل. المصدر السابق، ص211، فؤاد شباط، دراسات في جنسية وأقامة الأجانب في سورية ولبنان، الطبعة الأولى، القاهرة، معهد البحوث والدراسات العربية، 1970، ص78.
7- هشام علي صادق، الجنسية والموطن، ص365-366.
8- احمد عبد الكريم، المصدر السابق، ص799. صوفي ابو طالب، المصدر السابق، ص336.
9- عكاشة عبد العال، الجنسية في التشريعات العربية، ص436.
10- حسن الهداوي، الجنسية ومركز الاجانب، ص237.
11- عكاشة عبد العال، المصدر السابق، ص436.
12- محمد شكري عزيز، المصدر السابق، ص127، عكاشة عبد العال، المصدر السابق، ص438، فؤاد ديب، القانون الدولي الخاص، الجزء الأول في الجنسية، الطبعة الرابعة، دمشق، 1994، ص127.
13- م(1/فق2) من تعليمات وزارة الداخلية.
14- م(18/فق1) من قانون الجنسية البحريني.
15- م(13/فق1) من قانون الجنسية الكويتي.
16- م(36) من قانون الجنسية التونسي.
اترك تعليقاً