لما كان تصرف صاحب حق الخيار بالمعقود عليه بعد قبضه خلال المدة التي يكون فيها له الخيار أياً كان نوع التصرف سواء كان تصرفاً لا يقبل النقص او تصرفاً اوجب فيه حقاً للغير او استعمل المعقود عليه لأغراضه الشخصية يؤدي الى سقوط خياره ولما كان تغير المعقود عليه بعد قبضه زيادة او نقصاناً سواء كان ذلك راجعاً الى فعل صاحب حق الخيار ام الى المتعاقد الاخر او لشخص اجنبي او لقوة خارجة عن ارادة المتعاقد كالأفة السماوية فكل ذلك لدى فقهاء المسلمين وكما بدا مما سبق يؤدي الى لزوم العقد وامتناع رد المعقود عليه من قبل صاحب حق الخيار وبالتالي سقوط خياره فما بالك في هلاك المعقود عليه بعد قبضه من قبل صاحب خيار الرؤية الا يؤدي ذلك الهلاك ان كان كلياً الى استحالة رد المعقود عليه وان كان جزئياً الى تفرق الصفقة برد بعض المعقود عليه والخيار يمنع من تفرق الصفقة وان لم تصرح بعض مذاهب فقهاء المسلمين كفقهاء الامامية المالكية والاباضية بموقفها من حكم هذه المسألة على وجه الخصوص ولما كان موقفها صريحاً في اعتبار ما سبق ذكره من حالات اسباب يؤدي حصول أي منها الى سقوط خيار الرؤية (1). ويمكن ان نستنتج مما ذكر اعلاه ان موقف هؤلاء الفقهاء لا يختلف عن موقف باقي فقهاء المسـلمين الذي كان صريحاً في اعتبار هلاك المعقود عليه بعد قبضه بيد صاحب حق الخيار يؤدي الى سقوط خياره وهو ما سيتم بيانه من خلال ما يلي :
1. فقهاء الحنفية .
يرى فقهاء الحنفية ان هلاك المعقود عليه هلاكاً كلياً بيد صاحب حق الخيار بعد القبض ان كان بفعله او بفعل اجنبي او بفعل آفة سماوية فأن ذلك يؤدي الى استحالة رد المعقود عليه وبالتالي فأن تلك الاستحالة تعني سقوط خيار الرؤية اما ان كان الهلاك جزئياً فقد اتفق فقهاء الحنفية على سقوط خيار الرؤية به ان كان المتسبب في ذلك الهلاك هو صاحب حق الخيار او اجنبي عن العقد او آفة سماوية لان في رد المعقود عليه على البائع اضراراً به من ناحية ومن ناحية اخرى يعد ذلك تفريقاً للصفقة وخيار الرؤية يمنع من تفرق الصفقة اذاً فلا مجال لرد ما تبقى من المعقود عليه وامتناع الرد يؤدي الى سقوط الخيار لديهم (2).اما ان حدث الهلاك الجزئي بفعل البائع فيذهب الامام ابو حنيفه ومحمد (رح) الى القول بأن ذلك الهلاك يمنع من الرد لان فيه تفريق للصفقة والخيار يمنع من تفرقها لذا فالهلاك الجزئي يؤدي الى سقوط خيار الرؤية في هذه الحالة لديهم(3). الا ان ابا يوسف يذهب الى خلاف هذا القول فيعتبر فعل البائع المؤدي لهلاك جزء من المعقود عليه بيد صاحب خيار الرؤية موجباً لبقاء خيار الرؤية قائماً ولصاحبه الحق في استعماله كما ان له الحق بالاحتفاظ بالمعقود عليه مع المطالبة بالارش فأن كان تصريح المتعاقد بإسقاط خياره لا يؤدي الى سقوط الخيار فأن من الاولى عدم سقوطه بهلاك بعض المعقود عليه من ناحية ومن ناحية اخرى ينتفي قصد الاضرار بالبائع اذ ان البائع اسهم بفعله بهلاك بعض المعقود عليه وبالتالي ينتفي قصد الاضرار الذي يمكن تصوره من المشتري ان رد الجزء المتبقي من المعقود عليه اذا كان هلاك الجزء الاخر بفعله او بفعل اجنبي او بفعل آفة سماوية ففعل البائع هو الذي اضر بالمشتري وهذا ما يتطلب بقاء خياره قائماً (4). وهو ما استند اليه ابو يوسف في قوله هذا ونحن نرى ان هذا القول اكثر وجاهةً من سابقه وهو اولى بالاعتبار لاتفاقه مع مبادئ العدالة .
2. فقهاء الشافعية.
يرى فقهاء الشافعية ان تلف المعقود عليه بيد صاحب حق الخيار سواء كان ذلك بفعله ام بفعل الغير فهو يؤدي الى لزوم العقد وامتناع الرد وبالتالي فأنه يصلح سبب لسقوط خيار الرؤية اما اذا كان المتسبب في الهلاك هو البائع فأن ذلك يؤدي ايضاً الى سقوط الخيار مع منح الحق للمشتري بالمطالبة بالارش ويقيسون هذه الحالة على هلاك المعقود عليه في خيار الشرط (5).
3. فقهاء الحنابلة .
يرى فقهاء الحنابلة ان تلف المعقود عليه وهلاكه بيد صاحب حق الخيار يعد سبب في ابطال خياره لاستحالة رد المعقود عليه ان كان الهلاك كلياً ولتفرق الصفقة ان كان الهلاك جزئياً(6).
4. فقهاء الزيدية .
يرون ان هلاك المعقود عليه كله او بعضه يعد سبب مانع من رده ويعتبر به العقد ملزماً لان خيار الرؤية يمنع من تفرق الصفقة وفي الهلاك الجزئي لا يتبقى لدى صاحب حق الخيار الا بعض المعقود عليه الذي في رده تفريق للصفقة وفي الهلاك الكلي يعد رد المعقود عليه من قبل صاحب حق الخيار امر مستحيل وبالتالي يؤدي ذلك الى سقوط خياره لديهم(7).
ويمكن ان نستنتج مما سبق ما يلي :
ان موقف فقهاء المسلمين من اعتبار هلاك المعقود عليه سبب في سقوط خيار الرؤية يتراوح بين التصريح بالنص على حكم ذلك والسكوت عنه مع امكانية استنتاج ذلك الحكم لدى من لم يصرح به لوجود اسباب ادنى منه من حيث الاهمية والتأثير في المعقود عليه يعدها هؤلاء الفقهاء اسباباً يؤدي حدوثها الى سقوط خيار الرؤية فسقوطه اولى بهلاك المعقود عليه بعد القبض .
في الهلاك الكلي استحالة رد المعقود عليه لدى فقهاء المسلمين تعد سبب في سقوط خيار الرؤية وبالهلاك الجزئي يمتنع الرد لتفرق الصفقة وخيار الرؤية يمنع من تفرقها فحدوث ذلك يؤدي الى سقوطه سواء رجع الهلاك الى فعل صاحب الخيار ام لفعل البائع ام لشخص اجنبي او لآفة سماوية وهو اتجاه ابي حنيفة ومحمد من فقهاء الحنفية وفقهاء الشــافعية والحنــابلة والزيـدية .
اما الاتجاه الاخر فيفرق فيه بين الهلاك الذي يحدث بفعل البائع ولا يسقط به الخيار وبين الهلاك الجزئي الذي يحدث بفعل صاحب الخيار او الغير او الآفة السـماوية الذي يسقط به الخيـار .
_______________
1- بشير حسين النجفي ، مصطفى الدين القيم ، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، بدون سنة طبع – ص141 ; الشيخ محمد اسحاق الفياض ، المختصر في احكام المعاملات ، اعداد الشيخ علي الربيعي ، دار المؤرخ العربي ، بدون سنة طبع – ص36 ; ابو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي ، المختصر النافع في فقه الامامية ، منشورات المكتبة الاهلية ، مطبعة النعمان ، النجف ، 1386هـ ، 1966م ، ص150-151 ; محمد حسين ال كاشف الغطاء ، تحرير المجلة ، المكتبة المرتضوية ومطبعتها الحيدرية ، النجف الاشرف ، 1360هـ ص60-62 ; السيد السبزواري مهذب الاحكام في بيان الحلال والحرام ، مطبعة الاداب ، النجف الاشرف ، 1982م ص193-194 ; ابي عبدالله محمد الخرشي ، شرح المحقق الخرشي على المختصر الجليل الامام ابي الضياء سيدي خليل ، ط2 ، المطبعة الاميرية ، مصر، 1317هـ ، ص33-36 ، 109-112 ; محمد بن محمد بن عبدالرحمن الطرابلسي المغربي المعروف بالحطاب ، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ، طرابلس ، ليبيا ، بدون سنة طبع – ص295-297 ; محمد بن احمد الغرناطي ابن جزي ، القوانين الفقهية ، بدون سنة طبع – ص245-247 ; القطب اطفيش الميزابي ، شرح النيل ، القاهرة ، 1343هـ – ص141-143 .
2- ابي مظفر محي الدين محمد اورنك ، الفتاوى الهندية المعروفة بالفتاوى العالمكيرية ، المكتبة
الاسلامية ، محمد ازدمير ديار بكر ، تركيا ، بدون سنة طبع – ص60 ; زين الدين الشهير بأبن نجيم ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، تحقيق السيد امين الشهير بأبن عابدين ، شركة دار الكتب العربية الكبرى ، بدون سنة طبع ، ص26-29 ; برهان الدين ابو الحسن علي عبدالجليل الراشدي المرغيناني ، الهداية شرح بداية المبتدأ ، مطبعة البابي واولاده ، بدون سنة طبع – ص25-26 .
3- عبدالله الرحمن بن الشيخ محمد بن سليمان المعروف براماد افندي ، مجمع الانهر في ملتقى الابحر ، 1328هـ ، ص38-39 ; ابن مودود الموصلي ، الاختيار في تعليل المختار Alwaraqloqo ص33-34 ; فخر الدين عبدالله بن علي الزيلعي الحنفي ، تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ، بدون سنة طبع – ص25،30 .
4- علاء الدين ابي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، ط1 ، مطبعة الجمالية ، مصر ، 1328هـ ، 1910م ،ص269،297 ; السرخسي – المبسوط ، ط1 ، مطبعة السعادة ، القاهرة ، بدون سنة طبع – ص72 ، 167 ; محمد بن اسرائيل الشهير بأبن سماونه ، جامع الفصولين ، المطبعة العالمكيرية ، مصر ، 1300هـ ص246 ; الشيخ نظام الدين واخرون من علماء الهند ، الفتاوى الهندية في مذهب الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان ، ط2 ، المطبعة الاميرية ، مصر ، 1310هـ ص60-61 .
5- النووي – روضة الطالبين Alwarqloqo/files/booksearch.htm ص793 ; ادق الحسيني الشيرازي ، المسائل الاسلامية في المسائل الحديثة ، ط1 ، 1423هـ ص263-264 ; الشافعي – الام Alwarqloqo/file//Ai/ الام files/booksearch.htm ص1093 .
6- ابن تيميه ابي العباس تقي الدين احمد بن عبدالحليم ، الفتاوى الكبرى ، قدم له وعرف به حسنين محمد مخلوف ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت ، لبنان ، بدون سنة طبع ص422-425 ; ابن قدامه – موفق الدين ابي محمد عبدالله بن احمد بن محمد بن قدامه ، المغني على مختصر الامام ابي القاسم عمر بن الحسين بن عبدالله بن احمد الخرقي ويليه الشرح الكبير على متن المقنع ، تأليف الشيخ شمس الدين ابي الفرج عبدالرحمن بن ابي عمر محمد بن احمد ابن قدامه المقدسي ، مطبعة المنار،مصر ، 1347هـ ، ص88-90 ; مصطفى السيوطي الرحيباني ، مطالب اولي النهي في شرح غاية المنتهى وتجريد زوائد الغاية والشرح ، تأليف حسن الشطي ، منشورات المكتب الاسلامي ، دمشق ، بدون سنة طبع ص26-28 ; ابو محمد موفق الدين عبدالله ابن قدامه المقدسي ، الكافي في فقه الامام احمد بن حنبل ، منشورات المكتب الاسلامي ، بدون سنة طبع – ص12-14 .
7- احمد بن يحيى بن مرتضى ، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار ، بدون سنة
طبع احمد بن يحيى بن مرتضى ، البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار ، بدون سنة
طبع ص351-352 ; محمد بن علي بن محمد الشوكاني ، السيل الجرار المتدفق على حدائق الازهار ، تحقيق ابراهيم زايد ، ط1 ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1405هـ – ص99-100 ; ابن مفتاح ، المنتزع المختار من الغيث المدرار ، 1332هـ – ص92-94 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً