ان هذين الخيارين هما من الخيارات التي تثبت للمتعاقد اساساً لمنع جهالة المعقود عليه وزيادة العلم به لدى المتعاقد مما يعينه على بناء ارادته على اساس اليقين فخيار الرؤية يخول صاحبه سلطة فسخ العقد او امضائه بارادته المنفردة عند رؤية المعقود عليه الذي لم يره سابقاً واساس اثبات هذه السلطة له هي حاجته للعلم بالمعقود عليه ومدى ملائمته لرغبته وللغرض الذي تم التعاقد عليه من اجله الذي لا يظهر الا من خلال رؤيته اما خيار التعيين فتم اثباته للمتعاقد ليتخير بين شيئين او ثلاثة ليعين احدها وفقاً لما يتلائم مع المصلحة التي تم التعاقد عليه من اجلها وبتعيين هذا الشيء يتحقق علم المتعاقد به وترفع الجهالة التي وجدت قبل التعيين فخيار الرؤية وخيار التعين متحدان من حيث الغاية وهي ازالة الجهالة التي تعتري المعقود عليه بما يرفع الضرر عن المتعاقد ويحقق له العلم الكافي بالمعقود عليه (1).
كما ان خيار الرؤية وخيار التعيين متماثلان من حيث عدم توقف استعمالهما على رضاء او قضاء فلصاحب خيار التعيين استعمال خياره في تعيين احد الاشياء محل الاختيار دون توقف ذلك على رضاء أو قضاء (2). وخيار التعيين كخيار الرؤية بأعتبار ان المتعاقد الذي يثبت له الخيار ليس بأمكانه التنازل عن الخيار نفسه بإرادته وانما يتنازل عن الشرط الذي يتضمنه (3). هذه اوجه التشابه بين هذين الخيارين . مع كل ما ذكر فأن كلا منهما يختلف عن الاخر لذا يجب ابراز نقاط الاختلاف بينهما فخيار الرؤية يثبت بحكم الشرع في كل عقد لا يرى فيه المتعاقد المعقود عليه اذاً فهو خيار شرعي لا دخل لارادة المتعاقد في انشائه بينما خيار التعيين قد ينشأ في العقد اذا اشترطه احد المتعاقدين لنفسه او لغيره وهو بذلك يعد شرطاً تعاقدياً (4).
وخيار الرؤية هو خيار ذاتي شخصي مرتبط بالمتعاقد الذي اثبته له الشارع بينما خيار التعيين هو خيار موضوعي مادي يتعلق بعين الشيء الذي تم تعيينه به وخيار التعيين اذا ورد في عقد فهو يحول دون ترتب حكمه عليه فيمنع انعقاد الحكم بينما خيار الرؤية لا يحول وروده في العقد دون ترتب الحكم عليه وانما يكون به العقد غير تام (5). وخيار الرؤية لا يتقيد بوقت محدد بينما خيار التعيين يجب استعماله خلال المدة التي حددت بمقتضى الشرط الوارد في العقد (6). وخيار الرؤية يسقط بوفاة من ثبت له من المتعاقدين بينما خيار التعيين ينتقل الى الوارث بوفاة من اشترط لمصلحته وعليه ان يستعمله خلال ما تبقى من مدة الخيار المعينة بمقتضى شرطه الوارد في العقد (7).
ومما سبق يبدو مدى الاختلاف بين هذين الخيارين ويلاحظ ان كلاً منهما يعد نظاماً مستقلاً في حد ذاته من حيث مصدره وقواعده ونرى ان ابرز نقاط الاختلاف بين الخيارين هو ان خيار الرؤية خيار شرعي بينما خيار التعيين هو شرط تعاقدي وذلك يبدو من انعدام دور الارادة في الاول بينما هي اساس انشاء الثاني . اما موقف القانون المدني فسبقت الاشارة الى تناوله لخيار الرؤية في المادة ( 517 ، 523 ) اما بالنسبة لخيار التعيين فلم يصرح المشرع بلفظ الخيار كما عبر عنه فقهاء المسلمين الى انه نص على ضرورة تعيين المعقود عليه في المواد ( 128 ، 514 ) ومع عدم تصريح المشرع بأحكام الخيار فليس ثمة ما يمنع من الاخذ بما ذهب اليه فقهاء المسلمين من تفصيل للاحكام في هذه المسألة اما المشرع اليمني فقد افرد نصوص خاصة لخيار الرؤية في المواد ( 241 ، 486 ) كما قنن خيار التعيين في المادتين ( 492 – 493 ) ونرى ان المشرع العراقي كان اكثر توفيقاً في تركه احكام خيار التعيين لمبادئ الشريعة الاسلامية بأعتبارها المصدر الرئيس للتقنين المدني العراقي .
_________________
1- عبدالستار ابو غده ، الخيار واثره في العقود ، ط2 ، مطبعة مقهوي ، 1985م ج1 – ص93 .
2- علاء الدين ابي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ، ط1 ، مطبعة الجمالية ، مصر ، 1328هـ ، 1910م – ص299 ; السلطان ابي مظفر محي الدين محمد اورنك ، الفتاوى الهندية المعروفة بالفتاوى العالمكيرية ، المكتبة الاسلامية ، محمد ازدمير ديار بكر ، تركيا ، بدون سنة طبع – ص60 ; السنهوري – مصادر الحق في الفقه الاسلامي دراسة مقارنة بالفقه العربي ، ط3 ، جامعة الدول العربية معهد البحوث والدراسات العربية ، 1967م – ج3 ص283 .
3- محمد بن اسرائيل الشهير بأبن سماونه ، جامع الفصولين ، المطبعة العالم كيرية ، مصر ، 1300هـ – ص248-249 ; السرخسي – مصدر سابق – ص71 ; ابو مظفر محي الدين – مصدر سابق – ص59-60 ; العلفي – مصدر سابق – ص318 .
4- الكاساني – مصدر سابق – ص292 ; السنهوري – مصادر الحق – ج3 – مصدر سابق – ص283 ; الاستاذ سليم رستم باز اللبناني – شرح المجلة – ط3 – المطبعة الادبية – بيروت – سنة 1923م – ص161-163 .
5- ابن سماونه – مصدر سابق – ص248 ; الامام كمال الدين محمد عبدالواحد السيواسي ، فتح القدير ، ط1 ، المطبعة الاميرية ، مصر ، 1316هـ – ص137 ; سليم رستم – مصدر سابق – ص162 .
6- ابن سماونه – مصدر سابق – ص245 ; السنهوري – مصادر الحق – ج3 – مصدر سابق – ص284.
7- ابن سماونه – مصدر سابق – ص245 ; الامام كمال الدين – مصدر سابق – ص149 ; محمد حسين ال كاشف الغطاء ، تحرير المجلة ، المكتبة المرتضوية ومطبعتها الحيدرية ، النجف الاشرف ، 1360هـ – ص56 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً