يتم قبول الايجاب صراحة عندما يعلن الشخص الذي تلقى ايجاباً بالتعاقد عن موافقته على الايجاب الذي وجهه اليه بالفاظ صريحة لا تحمل التأويل او الشك وحينئذ يتم هذا القبول شفاهة ام كتابة. على ان شكل الكتابة في التعاقد يختلف باختلاف طريقة التعاقد. فاذا كان التعاقد بين حاضرين فان قبوله كتابةٍ يتم عادة من خلال تحرير الطرفين اتفاق مستقل على التعاقد، بعد ان يكون الطرفان قد ناقشا شروط العقد وتفاصيله في المرحلة الاولى من المرحلة السابقة على التعاقد وهي مرحلة المفاوضات(1).
اما اذا كان التعاقد بين غائبين فان قبوله كتابة يتم في العادة عن طريق ارسال خطاب او بالبريد الالكتروني بهذا القبول الى موجهه الايجاب. فالتعاقد هنا يتم بين متعاقدين غير حاضرين أي لا يجمعهما مجلس واحد، حقيقة او حكماً، بحيث تمر فترة زمنية بين صدور الايجاب وصدور القبول(2).
ويثار تساؤل مهم وهو انه هل تتم التفرقة في التعاقد بين حاضرين او غائبين على اساس ان المتعاقدين يجمعهما مكان واحد او امكنة مختلفة ام انها تقوم على اساس الزمن الذي يفصل بين صدور القبول وعلم الموجب، خصوصاً وان تحديد لحظة اقتران القبول بالايجاب مهمة للغاية كونها تفصل بين مرحلتين مهمتين هما المرحلة السابقة على التعاقد، ومرحلة ابرام العقد حيث ان تحديد زمان ومكان العقد له اهمية في تحديد مرحلة ابرامه ومن ثم تحديد اثار هذا العقد ومواعيد الدعاوى المتعلقة به، ومواعيد التقادم وغير ذلك؟ للاجابة على هذا التساؤل نقول بان التفرقة تكون على اساس الزمن الذي يفصل بين صدور القبول وعلم الموجب به والدليل على ذلك ان التعاقد عن طريق (التليفون)(3). يعد تعاقداً بين حاضرين من حيث زمان العقد، لان الموجب يعلم بالقبول فور صدوره وتعاقدا بين غائبين من حيث مكان العقد، لان مكان كل عاقد قد اختلف عن الاخر. واذا حدد الموجب ميعاداً للقبول ثم اتاه المتعاقد الاخر ليبلغه قبوله فالعقد قد تم بين غائبين، لان هناك زمناً فصل بين القبول وعلم الموجب به(4).
وقد اثار المتعاقدان الغائبان في فقه القانون خلافاً حول تحديد زمان انعقاده، وبالتالي خلافاً حول وضع الحد الفاصل بين المرحلة السابقة على التعاقد ومرحلة ابرام العقد، اذ ظهرت بهذا الصدد نظريات اربع فمنها ما يعتد باعلان القبول او اصداره ومنها ما يعتد بمذهب تصدير القبول الى الموجب ومنها ما يعتد باستلام القبول، ومنها ما يعتد بالعلم بالقبول. ولن نعرض لتلك النظريات الا لمجرد الاشارة وبالقدر الذي يتعلق بموضوع بحثنا ذلك ان المشرع العراقي قد حدد موقفه في هذا الصدد، حيث اعتد بنظرية العلم بالقبول وهذا ما نصت عليه المادة 87 من القانون المدني العراقي والتي نصت على “1.يعتبر التعاقد مابين الغائبين قد تم في المكان والزمان اللذين يعلم فيهما الموجب بالقبول مالم يوجد اتفاق صريح او ضمني او نص قانوني يقضي بغير ذلك. 2. ويكون مفروضاً ان الموجب قد علم بالقبول في المكان والزمان اللذين وصل اليه فيهما”(5). اذن يتضح من خلال ما اخذ به المشرع العراقي انه في لحظة علم الموجب بالقبول تنتهي المرحلة السابقة على التعاقد وتبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة ابرام العقد(6).
_________________
1- ينظر : د. توفيق حسن فرج، اثر حسن النية على رجوع المشتري بالضمان، بحث منشور في مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، كلية القانون، جامعة الاسكندرية، العدد الاول، 1970، ص75؛ د.وديع ميخائيل فرج، محاضرات القانون المدني، القاهرة، بلا اسم مطبعة، 1948-1949، ص19؛ د. محمد كامل مرسي، شرح القانون المدني الجديد للالتزامات، الجزء الثاني، في مصادر الالتزام، القاهرة، المطبعة العالمية، 1955، ص78.
2- ينظر: د. عبد الناصر توفيق العطار، نظرية الالتزام في الشريعة الاسلامية والتشريعات العربية، الكتاب الاول، مصادر الالتزام (العقود والعهود)، اسيوط، 1990، ص65-69؛ د. صلاح الدين زكي، تكوين الروابط العقدية فيما بين الغائبين في قانون الجمهورية العربية المتحدة المقارن، اطروحة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 1993، ص30؛ د.توفيق حسن فرج، عقد البيع والمقايضة، القاهرة، مؤسسة الثقافة الجامعية، 1985، ص79 و90؛ ينظر: د.كوني ميشال عيسى، التنظيم القانوني لشبكة الانترنيت، بيروت، المنشورات الحقوقية ، 2001، ص270 ومابعدها.
3- ينظر المادة 88 من القانون المدني العراقي التي تنص على انه “يعتبر التعاقد بـ(التليفون) او بأية طريقة مماثلة كانه تم بين حاضرين فيما يتعلق بالزمان وبين غائبين فيما يتعلق بالمكان”.
4- ينظر: د.عبد الناصر توفيق العطار، مصدر سابق، ص66 ومابعدها.
5- ينظر مجموعة القوانين العراقية، القانون المدني المرقم 40 لسنة 1951.
6- ينظر: د. محمود سعد الدين الشريف، شرح القانون المدني العراقي، نظرية الالتزام، الجزء الاول، في مصادر الالتزام، بغداد، مطبعة العاني، 1955، ص125.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً