إنَ نزع الملكية للمنفعة العامة ليس إلا إجراء من شأنه حرمان مالك عقار معين من ملكه جبراً لتخصيصه للمنفعة العامة مقابل تعويض عادل(1). إن قانون نزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة هو قيد من القيود والتي ترد على الملكية الخاصة، وهو من مباحث القانون الإداري ولا يعنينا منه إلا الأحكام التي تقررت فيه لحماية الملكية الخاصة. إذ تقرر فيه نوع هام من الحماية لحق الملكية الخاصة ولاسيما فيما يتعلق بالتعويض. لأنه كما أوجب القانون على الناس احترام الملكية في تصرفاتهم بأموالهم أوجب على الدولة أيضاً احترام الملكية الخاصة والعامة، لأنها المسؤولة عن تطبيق القواعد القانونية على تصرفاتها في المال سواء أكان عاماً أم خاصاً تجاه المجتمع وفي رقابتها على تصرفات الناس في أموالهم فيما بينهم وكان من قواعد قانون نزع الملكية للمنفعة العامة في ذلك أن لا تنزع ملكية الفرد جبراً عليه إلا لنفع عام ولقاء تعويض عادل يدفع إليه. وأن هذه القاعدة قد نصت عليها أغلب دساتير الدول التي وضعت المبدأ العام الذي يقرر نزع الملكية. فمثلاً نص الدستور العراقي لعام 1970 في المادة (16) الفقرة (ج) على أن: ((لا تنزع الملكية الخاصة إلا لمقتضيات المصلحة العامة ووفق تعويض عادل حسب الأصول التي يحددها القانون)). وكذلك مشروع الدستور العراقي لعام (1990) الذي نص في المادة (34) منه على أن: ((لا تنزع الملكية الخاصة إلا لمقتضيات المصلحة العامة، وبتعويض عادل يقرره القانون)). وكذلك نص القانون المصري لعام (1971) على أن: ((الملكية الخاصة مصونة ولا يجوز فرض الحراسة عليها إلا في الأحوال المبينة في القانون وبحكم قضائي ولا تنزع الملكية إلا للمنفعة العامة مقابل تعويض وفقاً للقانون)) وهذا ما سارت عليه معظم دساتير الدول العربية مع اختلاف في الألفاظ والصيغ(2). ولقد وضعت قواعد يتعين أن تتبع لنزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة حتى تكون الإدارة في مأمن من المسؤولية، ومنها:
أولاً: نزع ملكية العقارات منوط بتحقيق المصلحة العامة:
إن حرية التملك من الحريات الأساسية التي ضمنها الدستور والقوانين، ولما كان نزع الملكية الخاصة جبراً عن مالكها يعد قيداً على حرية التملك، فإنه يتوجب أن يكون في الأحوال التي يقررها قانون نزع الملكية للمنفعة العامة، أي أن مناط حرمان المالك من ملكه هو تحقيق المنفعة العامة(3). إن الركن الأساس الذي يجب أن يستند إليه قرار نزع الملكية هو النفع العام. لأن النفع العام هو بحكم الضرورة. والضرورات تبيح المحظورات، لذلك جاز نزع الملكية الخاصة للنفع العام حتى لو كان في ذلك تقييداً للملكية الخاصة(4). إلا أنه في حالة تجاوز الإدارة الغرض الذي شرعت من أجله قرار نزع الملكية وكان بقصد النكاية. فإنه يحق للمالك هنا الالتجاء إلى القضاء لدفع إساءة استعمال السلطة. فيكون قرار الإدارة عرضة للإلغاء. أو إذا تم الاستيلاء جبراً وبدون إتباع الإجراءات القانونية فيكون عندها لصاحب العقار المستولى عليه استرداده، لأن عدم إتباع الإجراءات القانونية يعد غصباً واعتداءاً(5). ويتعين إتباع الإجراءات التي رسمها قانون نزع الملكية الخاصة(6).
ثانياً: وجوب تعويض المالك المنزوعة ملكيته.
اكتفى المشرع العراقي في التقنين المدني بالنص على الملكية بأنها: حق مصون لا يجوز الاعتداء عليه. ولا يجوز حرمان المالك منه إلا في الأحوال التي يقررها القانون وبالطريقة التي يرسمها وبعد دفع تعويض عادل مقدماً. أما الإجراءات التي يجب إتباعها عن نزع ملكية العقار فقد نظمها قانون الاستملاك لعام 1934(7). حيث وضع المشرع بعض المبادئ التي يجب مراعاتها في تقدير التعويض وهي الآتي:
أ – إن التعويض العادل هو القيمة الحقيقية للعقار وقت تخصيصه للمنفعة العامة، أو قيمة العقار بثمن بيعه الحاضر – أي وقت إستملاكه .
ب – لا تراعى في تقدير التعويض الزيادة التي قد تنشأ بعد ذلك.
ج – لا تراعى في تقدير ثمن العقار زيادة القيمة الناشئة أو التي يمكن أن تنشأ في نزع الملكية(8).
إلا أنه نظراً لما تتسم به إجراءات نزع الملكية للمنفعة العامة من السرعة. ولما للإدارة من سلطة تقديرية في تقدير قيمة التعويض الذي يستحقه المالك، فإن المشرع قد أوجد ضمانة هامة لذوي المصلحة للدفاع عن حقوقهم، وهي الحق في الاعتراض على تقدير تعويض من قبل الجهة المختصة بالتقدير. وفي حالة عدم إتباع جهة الإدارة من جانبها الإجراءات التي أوجب القانون إتباعها لتقدير التعويض كما جاء في قرار طعن (228 لسنة 29 ق في 21/11/1963 محاماة عددين 5،6 لسنة 45 ص604)(9). إن إجراء نزع الملكية للمنفعة العامة ليس معناه إهدار الملكية الخاصة للأفراد وإنما يتطلب اتخاذ إجراءات نزع الملكية تعويض المالك عن العقار المنزوع تعويضاً عادلاً وبتقدير الخبراء.
______________________
1- محمد أنس قاسم جعفر – الوسيط في القانون العام – مطبعة أخوان مورافتلي – (ب. م) – (ب. ت) – ص450.
2- د. منذر عبد الحسين الفضل – الوظيفة الاجتماعية للملكية الخاصة في الشريعة الإسلامية والقانون العراقي – رسالة ماجستير – كلية القانون – جامعة بغداد – 1976 – ص 262. وأنظر كذلك شرح قانون الاستملاك رقم (12) لسنة 1981.
3- د. محمد علي حنبولة – مصدر سابق – ص 671.
4- شاكر الجنابي – مصدر سابق – ص69.
5- د. عبد الرزاق السنهوري – مصدر سابق – ص631. د. محمد علي حنبولة – مصدر سابق – ص 671. د. سليمان الطماوي – مبادئ القانون الإداري – الكتاب الثالث – (ب. م) – 1973 – ص 274 و ص 275.
6- أنظر شرح قانون الاستملاك رقم 12 لسنة 1981. وأنظر كذلك د. عبد الرزاق السنهوري – الوسيط في شرح القانون المدني – مصدر سابق – ص 632.
7- د. حسن علي الذنون – مصدر سابق – ص 55.
8- شرح قانون الاستملاك رقم 12 لسنة 1981.
9- حامد عبد الحليم الشريف – تشريعات البلدية والتعديلات الجديدة للقوانين – ط2 – المكتبة القانونية – القاهرة – 1989 – ص 299.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً