الغرف التجارية الصناعية
نشأتها وتطورها
لم تعرف الغرف التجارية بمفهومها الحديث إلاّ عندما أُنشئت أول غرفة تجارية، في مرسيليا بفرنسا، عام 1599م، وكان ذلك بمبادرة من عدد من تجار مدينة مرسيليا، بهدف تمثيل مصالحهم في المرفأ.
وفي القرن الثامن عشر الميلادي، أُنشئت غرف تجارية في أنحاء مختلفة من فرنسا وفي إنجلترا وأيرلندا والولايات المتحدة الأمريكية، وبعض دول العالم.
ومع ازدياد أهمية الصناعة في النشاط الاقتصادي، أصبح من الضروري إنشاء غرف صناعية، أو توسيع نطاق الغرف التجارية القائمة ليشمل القطاع الصناعي، كما عمِّم مفهوم الغرفة التجارية بعد الحرب العالمية الأولى، وتم التوسع في إنشاء هذه الغرف، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، بعد نيل الاستقلال السياسي.
أمّا بالنسبة للغرف التجارية في بقية الدول الصناعية، فإن الدراسات توضح أن غرفة هامبورج في ألمانيا تأسست عام 1665م، وغرفة (تورينو) بإيطاليا عام 1729م، وغرفة (جرسي) بإنجلترا عام 1768م، وغرفة طوكيو باليابان عام 1891م، وغرفة (ريودي جانيرو) بالبرازيل عام 1834م، وغرفة (أدليد) باستراليا عام 1810م، وغرفة (تورينتو) بكندا عام 1845م.
وقد تطور دور الغرف التجارية والصناعية في الحياة الاقتصادية، حتى أصبح يتناول جوانب عديدة، ولا يقتصر على مجرد حماية مصالح فئة من أرباب العمل.
وهذا لا يعني أن الغرف التجارية والصناعية لم تكن معروفة لدى أهل الحضارات القديمة، إذ تبين الدراسات التاريخية أن منتجي الأصناف المختلفة من بين سكان الصين وقدماء المصريين والرومان كانوا يكونون اتحادات أو جمعيات لأصحاب الحرف. وكانت هذه الاتحادات هي الأساس في ظهور نقابات أو جمعيات الحرفيين بأوروبا، ابتداءً من القرن الثامن عشر، والتي إليها يمكن إرجاع جذور الغرف الاقتصادية، حيث كان الهدف من إنشائها تحسين الفن الإبتكاري للحرفة، والمحافظة على مستواه من الدخلاء، وأيضاً تحسين عملية المساومة الجماعية، وحماية أصحاب الحرفة الواحدة.
أما في البلاد العربية فقد ظهر فيها قديماً ما كان يسمى بـ “شيخ التجار” أو “شيخ السوق” أو “شيخ الكار” أو “شاه بندر”.
وأصبح الآن لدى كافة الأقطار العربية غرف تجارية وصناعية، كما أن لدى بعضها غرف زراعية أو تنظيمات مشابهة معنية بالقطاع الزراعي.
ولقد صدر أول نظام للغرف التجارية في العالم العربي في 6 صفر 1297هـ الموافق 1885م خلال الحكم العثماني للبلاد العربية. وفي جمادى الآخرة عام 1328هـ صدر نظام غرف التجارة والصناعة.
وقد أُنشئت غرفة تجارة حلب عام 1303هـ الموافق 1885م، ثم تلتها غرفة دمشق عام 1308 هـ ولقد كانت غرفة حلب ذات أهمية خاصة، لأن المدينة نفسها كانت من أهم مراكز التجارة بين المشرق والمغرب قبل افتتاح قناة السويس في نوفمبر 1869م، لذلك فإنها ربما تكون أول غرفة تجارية عربية تأسست.
أمّا غرفة القاهرة فقد أُنشئت عام 1913م عندما صدر نظام الغرف التجارية بمصر في ذلك العام، وفي المغرب أصدر المقيم الفرنسي العام في سنة 1913م قراراً بإنشاء الغرف الفرنسية للتجارة والصناعة والغرف الفرنسية للفلاحة.
أما الغرف المغربية المصرفية فقد تأسست عام 1947م، وفي عدن أُنشئت الغرفة عام 1871م، وفي لبنان أُنشئت غرفة التجارة والصناعة ببيروت عام 1898م، أما غرفة السودان التجارية فقد أُنشئت عام 1908م، وفي الأردن أُنشئت غرفة عَمَّان عام 1923م، وفي فلسطين أُنشئت غرفة القدس عام 1936م، وأُنشئت غرفة تجارة البحرين عام 1936م، وأُنشئت غرفة تجارة جدة عام 1946م، وغرفة تجارة قطر عام 1958م، وغرفة تجارة الكويت عام 1959م، وغرفة اليمن عام 1962م.
وقد بادرت الأمانة العامة لاتحاد الغرف العربية بوضع قانون نموذجي للغرف العربية عام 1958م، ضمنته الأسس التي يجب أن تقوم عليها الغرف، وكيفية تنظيم إدارتها وأعمالها، وقد تم الاستهداء بهذا القانون النموذجي وتم اعتماده بالفعل من بعض الدول العربية بعد إجراء بعض التعديلات الطفيفة عليه انسجاماً مع الظروف المحلية.
وهناك عدة اتجاهات في تشريعات الدول العربية لتحديد مفهوم الغرف التجارية، وتحديد نطاق اختصاصاتها ودورها في الحياة الاقتصادية وهي على النحو التالي:
الاتجاه الأول
ويعُد الغرفة مؤسسة أهلية ذات نفع عام، غايتها تمثيل وتنظيم المصالح التجارية والصناعية، والدفاع عنها والعمل على ازدهارها، كما هو الحال في دولة البحرين.
الاتجاه الثاني
وهو يعُد الغرف مؤسسات ذات نفع عام، غايتها خدمة المصالح التجارية وتمثيلها والدفاع عنها والعمل على الرقي بها، كما هو الحال في سورية.
الاتجاه الثالث
وهو يعُد الغرف بأنها مؤسسات عامة، تقوم على خدمة المصالح التجارية وتمثيلها والدفاع والعمل على النهوض بها، كما هو الحال في اليمن.
الاتجاه الرابع
وهو يعُد الغرف بأنها مؤسسات عمومية ذات طابع مهني، تتمتع بالشخصية الاعتبارية وتتولى تمثيل مصالح التجارة والزراعة والصناعة والتنمية الحيوانية والصيد البحري، لدى السلطة العمومية، كما هو الحال في موريتانيا.
الاتجاه الخامس
وهو الذي يعُد الغرفة هيئة لا تستهدف الربح، وتمثل في دائرة اختصاصها المصالح التجارية والصناعية لدى السلطات العامة، وتعمل على حمايتها وتطويرها، كما هو الحال في المملكة العربية السعودية.
وعلى الرغم من تعدد مفاهيم الغرف التجارية ومراكزها القانونية في التشريعات العربية إلا أنها تلتقي جميعاً في المنطلق الأساسي، وهو كونها تسعى بوجه عام إلى المواءمة بين مصالح المنتسبين إليها وبين الصالح العام، والتعبير عن وجهة النظر الاقتصادية العامة في المجتمع وتختلف الغرف العربية من حيث مدي تمثيلها للقطاعات الاقتصادية فهناك الغرف التي تأخذ بمبدأ شمولية التمثيل للمصالح الاقتصادية بقطاعاتها الإنتاجية الثلاث من تجارة وصناعة وزراعة
ويدخل ضمنها النشاط المهني والحرفي مثل المملكة العربية السعودية وهناك الغرف التي تأخذ المبدأ نفسه في تمثيل المصالح الاقتصادية ولكن باستثناء قطاع الزراعة وهذا النمط سائد في أغلبية البلاد العربية وأخيراً هناك الغرف التي تأخذ بمبدأ النشاط الموحد أي غرفة تجارية، وغرفة صناعية، وغرفة زراعية وقد أنشئت في معظم البلاد التي تتعدد فيها الغرف التجارية والصناعية اتحادات محلية تربط بين هذه الغرف، كما أن بعض الدول أنشأت غرفاً مركزية للتجارة والصناعة لتغطية نشاط البلد كله، كما في البحرين وقطر والكويت وسلطنة عمان وموريتانيا والصومال.
وقد عرَّف البعض الغرف التجارية بأنها: “هي بمثابة جمعية لأعضائها من أصحاب أعمال ومؤسسات إنتاجية وخدميّة. بل يصح القول إنها منظمة اقتصادية تأخذ الصفة الاستشارية، تهدف إلى حماية المصالح العامة المشتركة، ضمن إطار مصلحة الاقتصاد الوطني، وفي حدود القوانين والإجراءات المرعيّة.
وقد أظهرت دراسة نشرتها غرفة تجارة وصناعة الكويت عام 1981م، أن عمر مسيرة الغرف العربية قد يناهز المائة عام، وأن حوالي 75% من الغرف العربية قد أُنشئ بعد الحرب العالمية الثانية.
كما أظهرت الدراسة عدم وجود علاقة مباشرة بين عمر الغرفة وبعض مؤشرات الأداء أو مستوى الخدمات، وخاصة من حيث إجراء البحوث والدراسات وتقديم الآراء والمقترحات. وأن بعض غرف دول مجلس التعاون الخليجي على حداثة نشأتها تحتل الآن مركز الريادة في حركة الغرف العربية وخاصة من حيث القدرة على تمثيل مصالح أعضائها، وشرح وجهة نظر القطاع الخاص في كثير من القضايا الاقتصادية المحلية والدولية بأسلوب علمي ودراسات جيدة. وترجع هذه الحقيقة إلى عوامل عديدة أهمها: الاستقرار الاقتصادي والسياسي في دول مجلس التعاون الخليجي.
اترك تعليقاً