ان القانون المدني العراقي لم ينص على حق المؤجر في حبس المنقولات الموجودة في العين المؤجرة ضماناً لاستيفاء الأجرة كما فعل القانون المدني المصري الذي نص على ذلك في المادة (589) التي جاء فيها (1. يكون للمؤجر ضماناً لكل حق له بمقتضى عقد الإيجار ان يحبس جميع المنقولات القابلة للحجز في العين المؤجرة مادامت مثقلة بامتياز المؤجر ، ولو لم تكن مملوكة للمستأجر وللمؤجر الحق في ان يمانع في نقلها فإذا نقلت رغم معارضته أو دون علمه كان له الحق في استردادها من الحائز ولو كان حسن النية مع عدم الإخلال بما يكون لهذا الحائز من حقوق . 2. وليس للمؤجر ان يستعمل حقه في الحبس أو في الاسترداد إذا كان نقل هذه الأشياء أمراً اقتضته حرفة المستأجر أو المألوف من شؤون الحياة أو كانت المنقولات التي تركت في العين أو التي تم استردادها تفي بضمان الأجرة وفاءاً تاماً) (1).
يتبين من هذا النص أن حق المؤجر في حبس المنقولات الموجودة في العين المؤجرة قد قرر ضماناً لفاعلية امتياز مؤجر العقار على المنقولات المذكورة ، وبذلك فان حق المؤجر في الحبس يضمن الوفاء بالأجرة لمدة سنتين إذا كانت مدة الإيجار أكثر من هذا القدر(2) وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي بهذا الصدد (… حق المؤجر في حبس هذه المنقولات في حدود ما يفي منها باجرة السنتين …)(3) ، ولكن المادة (571) من قانون الموجبات والعقود اللبناني تنص على انه (يحق للمؤجر ان يحبس الأثاث وسائر المنقولات الموجودة في المحل المأجور سواء أكانت ملكاً للمستأجر ام لمن تنازل له عن الإيجار ويحق له حبسها أيضاً وان كانت لشخص ثالث لتأمين الأجرة المستحقة وأجرة السنة الجارية …)(4) . وبناءاً على كل ما تقدم فان حق المؤجر في الحبس يرد على المنقولات الموجودة في العين المؤجرة القابلة للحبس سواء أكانت هذه المنقولات مملوكة للمستأجر أو لزوجته أو للمستأجر من الباطن(5) أو للغير الذي لا يعلم المؤجر وقت وضعها في العين المؤجرة بوجود حق له عليها ، وعليه فان المؤجر بموجب حق الحبس يستطيع أن يمنع المستأجر من نقل المنقولات من العين المؤجرة إلى مكان أخر بشرط الا يستخدم العنف والبطش في ذلك ، فإذا تم إخراجها دون علمه أو رغم معارضته كان له الحق في استردادها حتى لو كانت بيد حائز حسن النية ، وإذا كان للمؤجر الحق في حبس المنقولات الموجودة في العين المؤجرة ومنع نقلها واستردادها إذا نقلت ، فان هذا الحق يتعطل في الأحوال الآتية :
1-إذا نقلت هذه المنقولات بموافقة المؤجر أو بعلمه وعدم معارضته .
2-إذا كان نقل هذه المنقولات أمراً تستلزمه حرفة المستأجر أو المألوف من شؤون الحياة ، مثال ذلك معدات الطبيب وخروج السيارة في استعمالها اليومي ونحو ذلك .
3-إذا كانت المنقولات التي تم استردادها تكفي لضمان الأجرة والحقوق الناشئة عن عقد الإيجار(6) .
وحتى يقوم المؤجر بمنع المستأجر من تهريب المنقولات الموجودة في العين المؤجرة فانه يستطيع ان يوقع الحجز التحفظي عليها ، هذا ما نصت عليه المادة (317) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري رقم (13) لسنة 1963 بقولها (لمؤجر العقار ان يوقع في مواجهة المستأجر أو المستأجر من الباطن الحجز التحفظي على المنقولات والثمرات والمحصولات الموجودة في العين المؤجرة وذلك ضماناً لحق الامتياز المقرر له قانوناً ويجوز له ذلك أيضاً إذا كانت تلك المنقولات والثمرات والمحصولات قد نقلت بدون رضائه من العين المؤجرة ما لم يكن قد مضى على نقلها ثلاثون يوماً)(7). وتبعاً لهذا النص أن المؤجر يستطيع أن يوقع الحجز التحفظي على المنقولات الموجودة في العين المؤجرة أو التي أخرجت منها سواء كان أو لم يكن بيده سندٌ تنفيذي ، ويكفيه في ذلك أن يقوم بتقديم عقد الإيجار المبرم بينه وبين المستأجر ، إذ ان الحجز التحفظي يتم عن طريقه ضبط تلك الأموال المنقولة ووضعها تحت يد القضاء ، وبذلك لا يمكن للمستأجر ان يهرب تلك الأموال المنقولة أو يبددها أو يتصرف بها ، وعلى هذا فان الحجز المذكور قد جاء ضماناً لامتياز مؤجر العقار على المنقولات الموجودة في العين المؤجرة أو ضماناً لحقه في حبسها ، وهذا يعني ان الحجز التحفظي يضمن للمؤجر استيفاء الأجرة لمدة سنتين ويضمن كل حق له بمقتضى عقد الإيجار(8) . بعد بيان موضوع حق المؤجر في الحبس في نظر الفقه القانوني ننتقل إلى بيان هذا الموضوع في نظر الفقه الإسلامي ، وبهذا الصدد ذهب فقهاء المسلمين إلى إعطاء المؤجر الحق في ان يمتنع عن تسليم العين المؤجرة حتى يستوفي أجرته المستحقة إذا كان لم يسلم تلك العين المستأجرة وأعطوا للأجير حق حبس الشيء الذي يعمل فيه حتى يستوفي أجرته المستحقة ، ولكنهم اختلفوا في ذلك ولهم ثلاثة آراء :
الرأي الأول:
قال به فقهاء الحنفية(9) والشافعية(10) وعندهم للأجير حق حبس العين التي بيده حتى يستوفي أجرته إذا كان لعمله اثر في تلك العين كالصباغ والخياط والنجار وما شابههما وسندهم في ذلك ان عمل الأجير في الصور المذكورة قد اتصل بالعين اتصالاً لا يمكن انفكاكه ، ويقولون أيضاً ليس للأجير حبس العين إذا كان ليس لعمله أثرا فيها كالحمال والملاح ونحوهما وسندهم في ذلك ان المعقود عليه في هذه الصور هو العمل نفسه وهو عوض يفنى ولا يتصور بقاؤه وليس له اثر يقوم مقامه(11) .
الرأي الثاني:
قال به فقها المالكية(12) والامامية(13) والزيدية(14) وعندهم للأجير ان يحبس العين المستأجرة حتى يستوفي أجرته وسندهم في ذلك ان الأجير باع منفعته فكان هو أحق بما عمل فيه وبذلك فله الحق في حبس ما تسلمه حتى يستوفي أجرته كالبائع الذي يحبس العين المبيعة حتى يستوفي ثمنه .
الرأي الثالث:
قال به فقهاء الحنابلة(15) وعندهم لا يجوز للأجير ان يحبس العين المستأجرة الا في حالة إفلاس المستأجر وسندهم في ذلك ان الأجرة دين في الذمة ولم يشترط رهن العين فيها فلا يملك حبسها بدون إذن أو شرط أو رهن . بعد بيان آراء الفقهاء وبيان أدلتهم بموضوع حق الأجير في حبس العين المؤجرة لاستيفاء أجرته المستحقة نحن نؤيد الرأي الثاني المتمثل برأي فقهاء المالكية والامامية والزيدية الذين قالوا بجواز حبس الأجير للعين المستأجرة لاستيفاء أجرته لان هذه الوسيلة تسهل على الأجير الحصول على أجرته .
__________________
– وهذا ما نصت عليه المادة (556) من القانون المدني السوري بقولها (1. يكون للمؤجر ضماناً لكل حق يثبت له بمقتضى عقد الإيجار ان يحبس المنقولات القابلة للحجز الموجودة في العين المؤجرة باعتبارها مثقلة بامتياز المؤجر ولو لم تكن مملوكة للمستأجر وللمؤجر الحق في ان يمانع في نقلها ، فاذا نقلت رغم معارضته أو دون علمه ، كان له الحق في استردادها من الحائز لها ولو كان حسن النية مع عدم الإخلال بما يكون لهذا الحائز من حقوق. 2. وليس للمؤجر ان يستعمل حقه في الحبس أو في الاسترداد إذا كان نقل هذه الأشياء أمراً اقتضته حرفة المستأجر أو المألوف من شؤون الحياة أو كانت المنقولات التي تركت في العين أو التي تم استردادها تفي بضمان الأجرة وفاءاً تاماً)، والمادة (501) من القانون المدني الجزائري بقولها (يحق للمؤجر ضماناً لكل حقوقه الثابتة من عقد الإيجار ان يحبس جميع المنقولات القابلة للحجز الموجودة في العين المؤجرة ما دام حق المؤجر ثابتاً عليها ولو لم تكن مملوكة على ملك المستأجر وللمؤجر ان يتعرض لنقلها فاذا نقلت رغم معارضته أو دون علمه كان له الحق في استردادها ممن حازها ولو عن حسن نية دون أضرار حقوق الحائز وليس للمستأجر ان يستعمل حقه في الحبس أو في الاسترداد إذا كان نقل هذه الاشياء لامر تقتضيه حرفة المستأجر أو تقتضيه شؤون الحياة العادية أو كانت المنقولات التي تركت بالعين المؤجرة أو التي طلب استردادها تفي تماماً بضمان الاجرة) . وانظر بهذا الصدد المادة (588) من القانون المدني الكويتي ، والمادة (588) من القانون المدني الليبي .
2- د. عبد الفتاح عبد الباقي ، مصدر سابق ، ص 379 . د. جميل الشرقاوي ، مصدر سابق ، ص174. أ. د. مصطفى الجمال ، الإيجار ، مصدر سابق ، ص 233 . أ. د. رمضان ابو السعود ، العقود المسماة ، مصدر سابق ، ص 565 . د. برهام محمد عطا الله ، مصدر سابق ، ص 165 .
3- مجموعة الاعمال التحضيرية ، مصدر سابق ، ج4 ، ص 548 .
4- وبهذا الصدد ينص الفصل (788) من مجلة الالتزامات والعقود التونسية على انه (يجوز للمؤجر ان يحبس الامتعة وغيرها من الاشياء المنقولة الموجودة في المحل المؤجر لاستيفاء ما حل من الكراء وما سيحل اثناء السنة …) ، والفصل (684) من قانون الالتزامات والعقود المغربي على انه (للمكري حق الحبس ضماناً للكراء الحال والذي سيحل خلال السنة الجارية على الاثاث وغيرها من الاشياء المنقولة والموجودة في المحلات المكتراة …) .
5- وبهذا الشأن تنص المادة (574) من قانون الموجبات والعقود اللبناني على انه (ان حق المؤجر في الحبس يمتد إلى كل ما يدخل للمستأجر الثاني في المأجور بقدر ما يكون للمستأجر الاول من الحقوق على المستأجر الثاني ولا يحق له ان يحتج لما دفعه مقدماً إلى المستأجر الاصلي …) ، وينص الفصل (685) من قانون الالتزامات والعقود المغربي على انه (حق الحبس الثابت للمكري يمتد إلى الامتعة التي يضعها المكتري الفرعي في العين في حدود حقوق المكتري الاصلي على المكتري الفرعي ومن غير ان يكون له التمسك بالمدفوعات المسبقة الحاصلة منه للمكتري الاصلي…) .
6- د. السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، مصدر سابق ، مج1 ، ج6 ، ص 509-510. د. سليمان مرقس ، مصدر سابق ، ص 438 – 439 . د. عبد الفتاح عبد الباقي ، مصدر سابق ، ص 379-380 . د. جميل الشرقاوي ، مصدر سابق ، ص 174 – 175 . أ. د. مصطفى الجمال، الإيجار ، مصدر سابق ، ص 234. أ. د. رمضان ابو السعود ، العقود المسماة ، مصدر سابق ، ص 567 . د. خميس خضير ، مصدر سابق ، ص 876 . د. حسام الدين الاهواني ، مصدر سابق، ص 162 .
7- وبهذا الصدد تنص المادة (231) من قانون المرافعات العراقي على انه (1. لكل دائن بيده سند رسمي أو عادي بدين معلوم مستحق الأداء وغير مقيد بشرط ان يستصدر امراً من المحكمة بتوقيع الحجز الاحتياطي على أموال مدينه المنقولة والعقارية الموجودة لديه أو لدى شخص ثالث بقدر ما يكفي بوفاء الدين وملحقاته . 2. يجوز طلب الحجز ولو لم يكن هنالك سند إذا قدم الدائن اوراقاً أخرى تتضمن الاقرار بالكتابة وترى المحكمة كفايتها لذلك . 3. إذا كانت الدعوى مما يمكن اثباتها بشهود فيجوز الاستناد إلى الشهادة في طلب الحجز .) . يتبين من هذا النص ان الحجز الاحتياطي يهدف إلى منع المدين من تهريب امواله بالاخفاء أو التصرف . أ. د. آدم وهيب النداوي ، المرافعات المدنية ، بلا سنة طبع ، ص 294 .
8- د. السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، مصدر سابق ، مج 1، ج6 ، ص 512–513. د. سليمان مرقس ، مصدر سابق ، ص 217 . د. عبد الفتاح عبد الباقي ، مصدر سابق ، ص381 . د. جميل الشرقاوي ، مصدر سابق ، ص 176 . أ. د. مصطفى الجمال ، الايجار ، مصدر سابق ، ص 234. أ. د. رمضان ابو السعود ، العقود المسماة ، مصدر سابق ، ص568- 569 . د. برهام محمد عطا الله ، مصدر سابق ، ص 366 . د. خميس خضير ، مصدر سابق ، ص 877 . د. حسام الدين الاهواني ، مصدر سابق ، ص 163 .
وانظر في هذا المعنى :
– Jean Cherallier، Louis Bach، Opcit، p. 444.
– John Morris، Opcit، p. 301.
9- السرخسي ، مصدر سابق ، ج16 ، ص 24 .
10- الشربيني ، مصدر سابق ، ج3 ، ص 493 .
11- وبهذا الصدد تنص المادة (482) من مجلة الاحكام العدلية على انه (للاجير الذي لعمله اثر كالخياط والصباغ ، ان يحبس المستاجر فيه لاستيفاء الاجرة ان لم يشترط نسيئتها ، وبهذه الصورة لو حبس ذلك المال وتلف في يده لا يضمن ، ولكن بعد تلفه ليس له اجرة ) ، وتنص المادة (483) من المجلة نفسها على انه (ليس للاجير الذي ليس لعمله اثر ، كالحمال والملاح ، ان يحبس المستأجر فيه، فلو حبسه وتلف المال في يده يضمن ، وصاحب المال في هذه الحالة مخير ان شاء ضمنه اياه محمولاً واعطاه اجرته وان شاء ضمنه غير محمول ولم يقسط اجرته).
12- مالك بن انس ، مصدر سابق ، مج 4 ، ج9 ، ص 448 .
3- السيد السيستاني ، منهاج الصالحين ، مصدر سابق ، ج2 ، ص 115 .
4-احمد بن يحيى المرتضى ، مصدر سابق ، ج4 ، ص 57 .
5-الشيخ مصطفى السيوطي ، مصدر سابق ، ج3 ، ص 656 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً