يعد الإيداع القانوني للمصنفات المترجمة من اهم اجراءات حماية الحقوق على المصنفات، والذي يتزامن مع عملية نشر المصنف وتداوله بين الجمهور، اذ لا يحق لصاحب المصَّنف اياً كان نوعه القيام بعملية طبع المصنف ونشره، مالم يقم بإيداع نسخ معينة من المصنف لدى جهات معينة قبل تداول المصنف وذيوعه، وألا تعرض هو –المؤلف او المترجم- والناشر لغرامة جزاء مخالفته احكام الايداع. ويراد بالإيداع القانوني للمصنفات، إلزام اصحاب الحق على المصنف، سواء أكان مؤلفا ام ناشراً ام موزعاً ام طابعاً في حالات معينة بتسليم نسخة او اكثر من المصنف المنشور الى احدى الجهات الرسمية(1).
وقد تضَّمن القانون الاردني لحق المؤلف تعريفاً للايداع في نص (م2) منه بانه: ((تسليم المصنف الى المركز))، ويراد بالمركز بمقتضى ذات النص بانه: ((مركز الايداع في دائرة المكتبة الوطنية او أي جهة رسمية يعتمدها الوزير))(2). فالايداع بهذا المعنى، هو تسليم نسخ محددة من المصنف الى الجهات المختصة رسمياً والمعدة لهذا الغرض. وتختلف تسمية الجهة المختصة التي يؤكل اليها تسلم النسخ المودعة من قانون الى اخر(3). وايضا الامر بالنسبة لعدد النسخ اذ يختلف عددها من مصنف الى اخر، ومن قانون الى اخر ويتراوح هذا الاختلاف والتباين بين عدد النسخ المسلمة من نسخة واحدة الى خمس نسخ(4). ويلزم للقيام بإيداع المصنف المُتَرجم كلاً من المترجم على عتبار ان مثل هذا الأجراء يوفر قدراً من الحماية لحقوقه المالية او الأدبية ولا يهم ان كان هذا المصنف قد نشر او طبع على ارض الدولة او خارجها مادام هذا المترجم من مواطنيها المقيمين على أرضيها (5). وايضا الناشر عند قيامهم بعملية نشر المصنف المترجم(6).وكذلك الحكم بالنسبة لصاحب المطبعة التي تم طبع المصنف فيها ملزم بايداع نسخ من المصنف(7).
بعد ان تعرفناً على الايداع ومعناه فما هو الموقف التشريعي والفقهي منه وما هو الاثر المترتب على تخلفه ؟. يذهب عدد من التشريعات وبالتحديد الانكلوسكسونية، ومنها القانون الأمريكي الذي نص على ضرورة القيام باجراءات الايداع والتسجيل للمصنفات وان عدم القيام بهذا الاجراء يحرم المؤلف من اقامة دعوى رفع الاعتداء او دعوى تقليد المصنف(8). اما العدد الاخر من التشريعات، وهي التشريعات اللاتينية، فقد نصت على ضرورة ايداع المصنف ألا انها جعلت منه وسيلة لاثبات عائدية المصنف الى مؤلفه من دون ان يكون لتخلف هذا الاجراء أي اثر على حقوق المؤلف، فهو يتمتع بالحماية بمجرد ظهور الابتكار ، فيكون لهذا الظهور حجة على الغير(9). ويترتب على هذا القول ان المترجم يتمتع بالحماية بمجرد ظهور الابتكار من دون الحاجة الى اتباع اجراءات معينة في الإيداع او تسجيل المصنف، فمثل هذه الإجراءات قد تضع العراقيل امام عملية الابداع الذهني، كما ان فيها إجحاف لحقوق المبدع لمجرد اهماله وعدم قيامه بهذه الإجراءات لا بسبب إهماله او تجاهله احكام القانون، انما لظروف احاطت به منعته من القيام بهذا الاجراء(10).
ومن هذا المنطلق يكون للمترجم التمتع بالحقوق التي منحها له المشرع بمجرد ظهور المصنف المترجم للوجود، دون الحاجة الى اتباع اجراءات الايداع، فضلا عن ان الايداع ما هو الا دليل على عائدية المصنف المترجم الى من قام بترجمته ومثل هذا الامر لا يثار الا عند نشوب نزاع حول عائدية المصنف، ومثل هذا الامر يمكن البحث عن حل له حتى في حالة تخلف الايداع باللجوء الى دليل اثبات اخر كالإقرار واليمين، و هذا ما سار عليه جانب من الفقه(11). او باللجوء الى القرائن، القضائية وسلطة المحكمة التقديرية في حسم مثل هذه النزاعات. و بمقتضى هذا القول، فالايداع هو اجراء وقائي الهدف منه إثبات عائدية المصنف وبالتالي توفير قدر من الحماية القانونية للمصنف ولحقوق المترجم على هذا المصنف، فهو وسيلة كاشفة لعائديه النتاج الفكري وبالتالي، فهو خير وسيلة للوقوف بوجه أي ادعاء او انتحال لمصنف مترجم من قبل غير المترجم الذي قام بترجمته، وكل ما يترتب على هذا القول عند تخلف القيام بهذا الأجراء او الحكم بغرامة مالية كجزاء قانوني على مخالفة أحكام القانون، من دون أي اثر على مقدار الحماية التي يتمتع بها المترجم او المؤلف وحقوقه. ومن هذا المنطلق فنحن نتمنى على المؤلفين والمترجمين ايداع نسخ من مصنفاتهم لدى الجهات المختصة بذلك، تلافياً لاي اشكالات تنشأ نتيجة لذلك ومنعاً لاي ادعاء في عائدية المصنف والحق فيه من شخص لم يتكبد مشقة إخراجه للوجود.
_______________________
1- د. عصمت عبد المجيد ود. صبري حمد خاطر ،ص 149 .
2- قانون رقم(22) لسنة 1992 المعدل بالقانون رقم (14) لسنة1998م.
3- القانون العراقي اسماها دار الكتب والوثائق ،اما القانون الاردني اطلق عليها اسم المكتبة الوطنية، بينما اختار القانون البحريني تسمية مكتب حماية حقوق المؤلف ، اما تسمية مكتب المسجل فقد انفرد بها القانون السوداني، انظر المواد 48/ من القانون العراقي ، م2/ من القانون الاردني ،م1/ من قرار رقم (19) لسنة 1994 البحريني ،م 16/ القانون السوداني .
4- د. عصمت عبد المجيد ود. صبري حمد خاطر ،ص 155.
5- انظرم55/ من المشروع العراقي لحماية حق المؤلف .
6- م 48/عراقي ،م 48 /مصري معدل بالقانون رقم (38) لسنة 1992 ،والمادة 17 / سوداني.
7- انظر في تفصيل ذلك د. عصمت عبد المجيد ود. صبري حمد خاطر، ص 154 . وايضا ، حازم عبد السلام ،ص 47.
8- Claude. Op.c.t.p.26
9- المادة ((D.n، 95، 385، 10، arril، 1995)) فرنسي ((L-111-1)) (L’auteur dune oeurre de l’esprit jouit sur; cette oeurre، du seul fait de as creatio، du’un driot de propri’ete incorporelle exelusifet opposable’a tous))’.
0[1]- د. نوري حمد خاطر، قراءة في قانون حق المؤلف، ص373.
1[1]- نقلاً عن د. محمد حسام لطفي، الاداء العلني للمصنفات الموسيقية، ص242.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً