التشهير عبر الانترنت والعقوبة القانونية لها وكيفية تتبع المجرم
تحقيق – هيام المفلح
كثرت المهازل التي يتداولها «خفافيش الانترنت» عن أفراد من المجتمع، بغرض التشهير بهم وهز صورتهم أمام الآخرين!
أصبح كل من لديه حقد أو ثأر على أحد المسؤولين، أو أحد من مشاهير الكتاب والمثقفين والإعلاميين، من الجنسين، خميرة دسمة لدسائس وأكاذيب يعجنها أحدهم بماء الكذب والبهتان، ويخبزها بأفران المنتديات على الملأ، ثم يوزعها زاعماً أن صنيعه هذا من باب النصيحة والغيرة العامة على الأخلاق والدين!
ما الذي يجب أن نفعله للحد من أفعال التشهير القذرة هذه؟.. وما حكم من يقوم بها؟ إن من أول الواجبات تشديد الرقابة على من يتطاول ويشهر بالآخرين بالمحاسبة والعقاب وكذلك المشرفين على تلك المواقع التي تسيء للآخرين ليلاً.
في ميزان الدين
٭ يقول الدكتور عبد العزيز العسكر أستاذ الشريعة بجامعة الإمام ان التشهير بالناس عبر النت ممنوع شرعاً من عدة أبواب منها باب الغيبة والنميمة والبهتان وكلها محرمة فإذا كان بالإنسان ما ذكر فهذه غيبة، وإذا كان وشاية بالمسؤولين فهذه نميمة، وان لم يكن به ما ذكر فهذا بهتان والعياذ بالله.
ومن جانب آخر فإن التشهير محرم من باب إشاعة الفاحشة بالمجتمع الإنساني، والفاحشة ليست مقصورة على الأعمال بل الأقوال أيضاً توصف بالفحش إذا جاوزت الأعراف والآداب العامة، والله توعد من يشيع الفاحشة بالمجتمع المسلم بالعذاب الأليم.
ويضيف د. العسكر أن هناك جانبا ثالثا أسود للتشهير فهو يعتبر من عوامل الإفساد بين الناس وهذا محرم، الأمر الرابع أن هذا التشهير يعتبر حراما من باب (التخبيب/ أي الفرقة) لأنه يخدم العدو، ويضعف الجبهة الداخلية للمجتمع ويعطي صورة للعالم الخارجي بأن مجتمعنا متفكك ومتناحر وأن أفراده يتشفى بعضهم ببعض! وهذا كله مخالف لحقوق المسلم على أخيه المسلم.
ثم من جانب آخر ليس هذا بالأسلوب الشرعي للنصيحة ولا للإصلاح بل هو مخالف لأسلوب النصيحة التي تقوم على المحبة والصدق والرغبة في نفع المنصوح وإصلاح حاله وهذا الذي يجري إنما هو نوع من التشفي والانتقام الناتج عن ضعف الإيمان وعن الشعور بالنقص وعن قلة الخوف من الله عز وجل ونقص المروءة.
في ميزان علم الاجتماع
يرى الدكتور ناصر العود وكيل قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام أن انتشار وسائل الاتصال وثورة التكنولوجيا في العقد الماضي قد ساهم في ظهور العديد من المشكلات الاجتماعية والمجتمعية على وجه الخصوص التي من أبرزها «التشهير» و « إساءة السمعة» « فضح المخالف» وغيرها من المفردات التي تُرجع إلى الرغبة في الانتقام من الشخص المخالف عن طريق النشر و بشكل متعمد ومنظم – أحيانا – في مواقع النت أو عن طريق رسائل الجوال.
ويشير خبراء الاجتماع وعلم النفس إلى أن هؤلاء الأفراد يحاولون تحقيق الإشباع الذاتي والتوافق النفسي لذواتهم عن طريق بث ونشر الأخبار السيئة عن أشخاص آخرين خالفوهم الرأي أو لا يجارونهن في أطروحاتهم وأفكارهم، و صنفوهم في خانة (غير الأسوياء) أو المضطربين نفسيا بما يعرف (الشخصية السيكوباثية- الشخصية الناقمة على المجتمع) .
—
وقد وجدت الدراسات النفسية والاجتماعية أن هذه التصرفات تكثر عندما يكون المجال للنقد والتعبير عن الرأي محكوم ومقيد سواء بالتقاليد والأعراف أو بسلطة الحكومات.
في ميزان القانون
يرى المحامي زامل شبيب الركاض أن الكثير من أفراد المجتمع يرى ضرورة تدخل المنظم السعودي لوضع الضوابط اللازمة لتنظيم وتقنين ما يعرف بقضايا النشر في الإنترنت وما يتبعها من مخالفات تمس الناس في سمعتهم وكرامتهم ومحاولة النيل منهم بطريقة دنيئة من خلال جريمة التشهير عبر الإنترنت التي أصبحت تشكل ظاهرة سلبية في العديد من جوانب الحياة الاجتماعية والإعلامية، وأصبحت وسيلة لنشر الكذب والبهتان والتطاول على الأعراض والحرمات لبعض الأشخاص الطبيعيين باختلاف مكانتهم الاجتماعية، خاصة في ظل التطور والتقدم التقني والتكنولوجي الهائل في مجال المعلومات الإلكترونية أو ما يعرف بثورة الإنترنت أو العولمة المعلوماتية.
وحيث ان الشريعة الإسلامية قد نهت عن الكذب والبهتان وشهادة الزور وسوء الظن وما يتبعها من التجسس المحرم لقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا) والظن هنا هو التهمة بدون قرينة حال تدل عليها، وقد صح الحديث بتحريم الظن السيئ بقوله صلى الله عليه وسلم (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا) فالشريعة جاءت بتحريم التجسس وتتبع عورات الناس وكشفها وإطلاع الغير عليها فضلا عن الكذب والبهتان.
٭ أما المستشار والمحامي محمد بن عبد الله المشوح فيعتقد أن من الوجه السلبي الآخر لهذه التقنيات التي حباها الله الإنسان هو إمكانية الاختراق الظلامي لبعض الأشخاص الذين لا يروق لهم سوى النهش في الآخرين في سواد الليل وغفلة من الحازمين وإذا كنا نجني سوء الاستخدام لتلك الأجهزة فإن المجتمع بأسره معني بهذه الظاهرة المسيئة إلى مجتمعنا وقيمنا وعلاقتنا مع بعض مغفلاً عن الآخر.
كما يتطلب الأمر العمل الجاد نحو سن قوانين وإجراءات وتدابير للحد من هذه التجاوزات ومعاقبة من يمارسون مثل هذه الاختراقات الأخلاقية عبر أسلوب الافتيات والافتراء والكذب والتلفيق على الآخرين.
ويضيف المشوح« وإذا كان البعض لا يرعوون بالنصوص الشرعية الحازمة التي أكدت على التخدير من القول بغير علم في كل شيء حتى في الكلام عن الأشخاص كما قال تعالى«ولا تقف ما ليس لك به علم».
ونهى الشرع عن الظن وذلك حفاظا على حماية المجتمع من الأقاويل والأراجيف «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن» الآية.
وإذا كان هناك فئة لا تقيم لهذه النصوص ولا غيرها وزناً فلا أقل من قيام الجهات المسؤولة بتدابير سرية لحماية الأشخاص من هذه الافتراءات والتشهير الكاذب على الآخرين.
٭ من جهة أخرى دعا الباحث العربي عثمان سعيد المحيشي في ورقة عمل قدمها في المؤتمر الدولي الأول لقانون الإنترنت، الذي نظمته المنظمة العربية للتنمية الإدارية، إلى ضرورة التدخل التشريعي بالنص، صراحة ،على تجريم التشهير والإساءة إلى الغير عبر شبكة النت، على أن يتحقق هذا التشهير، ولو كانت البيانات محصورة في الإيميل فقط، مع تشديد العقوبات، أو اعتبار النت ظرفاً مشدداً للعقوبة.
وذكر المحيشي، الحاصل على ماجستير في القانون العام، إن جريمة التشهير من الجرائم التي لها الأثر البالغ سلباً على شخص الإنسان، فهي من الجرائم الماسة بالشرف.
وأوضح أن التشريعات الحالية وضعت لمعالجة وقائع محصورة نسبياً في كيان مادي قريب، سواء وقع هذا التشهير أمام مجموعة أفراد أو في إحدى وسائل الإعلام التقليدية (ما قبل النت) والتي يكون فيها التشهير محدوداً إلى حد ما، كما يسهل فيها الإثبات ويصعب على الجاني الإفلات، أما بعد ظهور الإنترنت فإن الأمر بات جد خطير، حيث يكون التشهير أمام البلايين كما يصعب فيه الإثبات ويسهل للجاني الإفلات.
ويرى المحيشي أن إيداع بيانات تمثل اعتداءً على سمعة شخص في شبكة النت، ولو كانت داخل الإيميل، يمثّل تشهيراً، لأن النت أحد طرق العلانية، وأن الإيميل وإن تعذر الوصول إليه عند البعض فإن غيرهم يمكنهم الوصول إلى ما بداخله، وهم كثر، فهو بخلاف الصندوق العادي، والمفترض من القاضي، حين يحكم بمثل هذه القضايا أن ينتقل بتفكيره من صندوق البريد المادي الملموس إلى هذا الذي هو أشبه بالخيال غير الملموس ليتمكن من اللحاق بالجناة الأذكياء لا ليقتصر على الذين لا يشكلون خطورة إجرامية متطورة تطور النت.
وأكد المحيشي أن معاناة المشهّر بهم كبيرة في مثل هذه الأفعال ، و بما أن وجهات النظر التي تحكم في هذه القضايا مختلفة، لذا يتعين تدخل المشرع لحسم الأمر.
ماذا نفعل؟
لمحاربة جرائم التشهير التي تمارس على النت بلا حدود لابد من البحث عن حلول ومقترحات ننطلق منها إلى عملية تنظيف الشبكة العنكبوتية مما علق فيها من أدران جرائم التشهير التي استفحلت واتسعت لتطال الأكثرية بلا رادع.
٭ يقترح د. العسكر بهذا الصدد التركيز على نشر ثقافة التوعية بين الناس والتأكيد على فضائل الإسلام في العلاقات بين أفراد المجتمع وحقوق المسلم على أخيه المسلم، ثم الإكثار من بيان مخاطر هذه الأمور وبيان مخاطرها على المجتمع وطرق ذلك بالمنتديات وخطب الجمعة، والإشارة إليه بوسائل الإعلام، ولابد من تحسين التربية لأفراد المجتمع في البيوت والأسر وتنشئتهم على الخوف من الله واحترام حرمات الآخرين وتوعيتهم بأن أقوال التشهير هي من الخوض المنهي عنه.
٭ بينما يرى الدكتور ناصر العود أنه لابد من التصدي لما ساهمت به وسائل الاتصال الحديثة من زيادة في انتشار هذه الظاهرة وخصوصا في المجتمع السعودي،يقول: « غدت مواقع الإنترنت المكان المفضل لنشر الإشاعات وغيرها حيث يلاحظ كثرة أعداد الإشاعات والأخبار المتعلقة بمجتمعنا في اغلب مواقع الإنترنت مما يعجل بضرورة الانتباه لهذه الظاهرة والتصدي لها عن طريق الدراسات والبحوث الاجتماعية والنفسية لاسيما في ظل تطور وسائل التكنولوجيا الحديثة – على سبيل المثال جوال الفيديو في الطريق الآن.. إضافة إلى أهمية تحديث وسائل التربية لدينا وخصوصا في ما يتعلق باحترام الآخر، و ضرورة المحافظة على الحريات الشخصية، وكذلك التسامح أثناء وجود الخلاف.
ويضيف د. العود «أيضا هناك ضرورة لإيجاد واستحداث مواد تربوية في المدارس مثلا«التربية الاجتماعية» حيث يتم عن طريقها إيصال الرسائل الهادفة للتلاميذ، لاسيما في ظل القصور الواضح في أدوار الأسرة التربوية والاجتماعية داخل المجتمع الذي قد يكون له دور في انتشار مثل هذه الظواهر السلبية في مجتمعنا الإسلامي.
مقترحات قانونية
٭ أما من وجهة نظر القانون فيرى المحامي زامل شبيب الركاض أن مواجهة جريمة التشهير عن طريق شبكة الإنترنت تستند إلى قواعد شرعية وإنسانية وأخلاقية تحتم علينا ضرورة التعامل مع هذا النوع من جرائم الإساءة للسمعة والتشهير في الإنترنت بطريقة أكثر جدية وحزم رغم الصعوبات والمعوقات التي تواجه محاربة هذا النوع من الجرائم الإلكترونية الحديثة والمتطورة في العديد من دول العالم خاصة الدول المتقدمة تقنيا التي تملك العديد من الأنظمة القانونية المتطورة ومع ذلك لا تزال تعاني من تزايد هذا النوع من السلوك الإجرامي المتجدد أو ما يعرف بجرائم الكمبيوتر والإنترنت.
ولا يمكن تبرير هذا النوع من التشهير باسم حرية الرأي أو حق استعمال النقد لأن هذه الحقوق ليست مطلقة في الشريعة بل هي مقيدة بضوابط تمنع الإساءة للآخرين، ولذلك يعرف النقد المباح بأنه تعليق على تصرف وقع فعلاً من شخص أو بمعنى آخر هو الحكم على واقعة مسلمة دون التعرض إلى شخص المسند إليه، وإذا امتد النقد من التصرفات إلى الأشخاص أو حياتهم الخاصة فهنا تنشأ مسئولية الناشر عما أسنده للغير أو نشره على حسب الأحوال.
ويضيف الركاض» أن من يرتكب جريمة التشهير في الإنترنت غالبا ما يفتقد للوازع الديني والأخلاقي، لذا فإن الحاجة تتزايد لإيجاد أنظمة تمنع الإساءة والتشهير بالآخرين، وتعنى بمخالفات النشر في الإنترنت وتشمل تنظيم إنشاء المواقع على الشبكة العالمية وعملية إدارتها والإشراف عليها ومتابعتها وتحديد مسؤولية الناشر والمشرف على الموقع عن كل ما ينشر فيه من خلال تقنين المشاركات وإخضاع المشرف للمسألة القانونية عند السماح بنشر كل ما يخالف النظام وفي حالة التجاوزات يمكن منعها ابتداء أو حذفها مباشرة، من خلال وضع برامج لا تسمح بنشر المشاركات إلا بعد موافقة المشرف على المنتديات في تلك المواقع،
بمعنى أن تكون مسئولية مخالفة النشر في مواقع الإنترنت مسؤولية أصحاب هذه المواقع والمشرفين عليها، كما هو الحال في نظام المطبوعات والنشر ولجان المخالفات الصحفية التي يجرم فيها رئيس التحرير وكاتب المقال عن كل ما ينشر في المطبوعة من أخبار غير صحيحة تسيء للآخرين في أعراضهم وسمعتهم، بحيث يكون للمتضرر من جرائم التشهير في الإنترنت الحق في المطالبة بالتعويض أو التعزير أو حجب هذه المواقع التي تسيء للغير بدون وجه حق بقوة النظام.
٭ بينما يجزم الأستاذ محمد بن عبد الله المشوح بأن بإمكان الجهات التشريعية والقضائية والتنفيذية و الرقابية فرض طوق أمني حازم والضرب بقوة على أولئك المشهرين بحقوق الناس و حرماتهم و أشخاصهم ولعل من ابتلي يوماً بمثل هذه الافتراءات يدرك خطر الأمر وضرورة إيقاف مثل أولئك عند حدهم، يقول المشوح«إنني أطالب بضرورة إيجاد رقابة حازمة على مواقع الإنترنت والبحث عن تلك الكتابات ومحاسبة كاتبيها و ناشريها والإحالة إلى الجهات القضائية وبالتالي بالإمكان أن نقضي على مثل هذه التجاوزات وقد ورد «إن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن».
٭ ويقترح الباحث العربي عثمان المحيشي، في ورقته، التركيز على ضرورة محو أمية الإنترنت لدى العاملين في مجال القضاء والجهات ذات العلاقة، مع تكثيف المؤتمرات وكذلك الندوات واللقاءات التي تناقش هذه المواضيع (مثل المؤتمر الدولي الأول لقانون الإنترنت الذي عرضت فيه هذه الورقة).
كما دعا المحيشي إلى تناول موضوع التشهير بالشرح والدراسة من قبل الأساتذة المتخصصين أثناء تعرضهم لمثل هذه النقاط، وركّز على أهمية تقرير تدابير احترازية للعاملين من المهنيين في مجال النت حالة إساءة استعمال المهنة.
و أخيراً اقترح تقرير عقوبات تأديبية من قبل شبكة الإنترنت أو إدارة الموقع، وذلك مثل الحرمان المؤقت أو المؤبد من استخدام الإنترنت للشخص الذي يسيء استعماله.
اترك تعليقاً