حماية الأطفال الأسرى في النزاعات المسلحة
نصيرة نهاري، طالبة باحثة في الدكتوراه، بكلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة وهران 2 محمد بن احمد.
جامعة وهران 2 محمد بن احمد./ الجزائر.
Abstract:
Despite the provisions of international humanitarian law to prohibit the participation of children in hostilities, on many occasions this prohibition is violated and these children are put into war in flagrant violation of the principle of humanity and the rules of international humanitarian law.
Faced with this bitter reality in which innocent people are routinely involved in hostilities, it is commonplace for them to be taken into captivity. The problem of children in captivity has become one of the chronic problems that are almost without war, without leaving them behind.
Article 13 of the Third Geneva Convention relative to the Protection of Prisoners of War, 1949, contains a number of general principles relating to the protection of prisoners of war in general, from which the protection of children participating in hostilities is placed in captivity. These principles protect the person and dignity of the child who is not to be killed intentionally or to issue an order not to keep alive against him and not to torture him physically or morally, as well as the prohibition of all crimes against honor and rape, and the second group is related to non-activation To the captive child in the war effort with the identification of types of licensed work carried out and other acts not authorized to carry out, with the enactment of a set of personal and organizational conditions governing the work of child prisoners.
Keywords: children, prisoners, war, protection, law, convention, Geneva.
ملخص
رغم أحكام القانون الدولي الإنساني الرامية إلى حظر اشتراك الأطفال في الأعمال اعدائية،إلا أنه في العديد من المناسبات يتم انتهاك هذا الحظر ويتم الزج بهؤلاء الأطفال في الحروب في مخالفة صريحة لمبدأ الإنسانية وقواعد القانون الدولي الإنساني.
وأمام هذا الواقع المرير الذي يتم فيه مشاركة الأبرياء في الأعمال العدائية بصورة شائعة بات من المألوف وقوعهم في الأسر،إذ أصبحت مشكلة الأطفال الأسرى من المشاكل المزمنة التي لا تكاد تخلو أي حرب دون أن تخلفها وراءها كأثر من آثارها.
لهذا فقد اشتملت المادة الثالثة عشرة من الاتفاقية الثالثة لجنيف المتعلقة بحماية أسرى الحرب لعام 1949،على جملة من المبادئ العامة والتي تتعلق بالحماية المقررة لأسرى الحرب عموما والتي انطلاقا منها تم ارساء حماية للأطفال المشاركين في الأعمال العدائية في حالة وقوعهم في الأسر،فتتصل المجموعة الأولى من هذه المبادئ بالمحافظة على شخص الطفل الأسير وكرامته إذ لا يجوز قتله عمدا أو إصدار أمر عدم الإبقاء على قيد الحياة ضده وعدم القيام بتعذيبه بدنيا أو معنويا،كذلك تحريم جميع الجرائم الماسة بالشرف والاغتصاب الواقعة عليه،أما المجموعة الثانية فتتعلق بعدم تشغيل الطفل الأسير في المجهود الحربي مع تحديد أنواع من الأعمال المرخص القيام بها وأعمال أخرى غير مرخص القيام بها،مع سن مجموعة من الشروط الشخصية والتنظيمية المنظمة لعمل الأطفال الأسرى.
الكلمات المفتاحية: الأطفال،الأسرى،الحرب،الحماية،القانون،اتفاقية،جنيف.
مقدمة
نظرا للآثار الكارثية للحروب والنزاعات المسلحة على المجتمع الإنساني قامت الجماعات الدولية بوضع بعض القواعد للتقليل من حد هذه الآثار خاصة على بعض الفئات كالنساء والأطفال[1].
إذ أنه ورغم أحكام القانون الدولي الإنساني التي تنص على أنه من غير الطبيعي أن يشارك الأطفال في الأعمال العدائية إلا أنه قد يتم انتهاك هذا الحظر ويتم الزج بهم في الحروب في مخالفة صريحة لمبدأ الإنسانية وقواعد القانون الدولي الإنساني2، إذ لا زالت تتزايد ظاهرة مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة كون بعض الحكومات والكيانات غير الحكومية تشجع وأحيانا تجبر الأطفال على المشاركة في النزاعات المسلحة، أي أن الأطفال لم يعدوا فقط ضحايا للنزاعات المسلحة بل أصبحوا يحملون السلاح3 ويلعبون دورا إيجابيا فيها4.
ومما لاشك فيه أن النزاعات المسلحة تعد ظاهرة ملازمة للإنسانية، وموضوع الأسر هو نتيجة حتمية لها، إذ أن استخدام الأسر هو وسيلة للحد من قدرة الخصم وإضعاف قوته، لأن الأسير طالما يكون محتجزا، فهو لا يشكل خطرا على الطرف المنازع، وأن مسألة حمايته ليست بالجديدة، ولكن بالنظر إلى اتساع نطاق النزاعات المسلحة وظهور أشكال جديدة من الحروب5، ومع شيوع ظاهرة استخدام الأطفال فيها بحيث أصبح لهم دورا فعالا في أعمال القتال، الجوسسة، المقاومة وأعمال التخريب، أصبح أمرا شائعا وقوعهم في قبضة الخصم6،
لهذا فقد أصبحت مشكلة الأطفال أسرى الحرب من المشاكل المزمنة التي لا تكاد تخلو أي حرب دون أن تخلفها وراءها كأثر من آثارها، بل وفي بعض الأحيان تتقدم هذه المشكلة عن المشاكل الأخرى، وهذا نظرا للظروف التي تلازم أسير الحرب7.
لهذا تطرح هذه المسألة إشكالية مهمة تتمحور حول مفهوم الأطفال الأسرى ومدى تمتعهم بالحماية المكفولة لأسرى الحرب؟
المبحث الأول: مفهوم الأطفال أسرى الحرب
كثيرا ما يتورط الأطفال في النزاعات المسلحة إما مباشرة بالتجنيد وحمل السلاح أو من خلال المساهمة في الأعمال الحربية مثل نقل المؤن والذخيرة إلى المقاتلين،وإن الأطفال الذين ينخرطون في مثل هذه النزاعات يعرضون لنفس المخاطر التي يتعرض لها المقاتلون الكبار،ولكن يختلفون عنهم بأنهم لا يعرفون حق المعرفة ما ينتظرهم نتيجة المشاركة المباشرة أو غير المباشرة في الأعمال العدائية القتالية8.
إذ أنه في الكثير من الأحيان يكون الطفل مهدد بالوقوع في أيدي القوات المعادية فيصبح أسير حرب،الأمر الذي يقودنا للبحث في مفهوم الأطفال أسرى الحرب في النزاعات المسلحة التي تتسم بالعنف واللإنسانية وذلك لتحديد معالم الحماية المقررة لهم وفقا لأحكام القانون الدولي وذلك بالتعرض إلى مفهوم الطفل الأسير وتمييزه عن المصطلحات المشابهة (المطلب الأول) وكذا التعرض الى الحماية المكفولة له قانونا (المطلب الثاني).
المطلب الأول: مفهوم الطفل الأسير وتمييزه عن المصطلحات المشابهة
بالرغم من حظر القانون الدولي الإنساني لمشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة، إلا أنه لازالت بعض الدول والجماعات المسلحة تخرج عن هذا المبدأ القانوني والأخلاقي،إذ لازالت تقوم بتجنيد الآلاف من الأطفال في صفوفها الأمامية، بالتالي وتماشيا مع هذا الواقع المرير،فإن الأطفال المقاتلين الذين يقعون في قبضة الخصم يكون لهم موضع احترام خاص،ويتمتعون بحماية خاصة مكفولة لهم قانونا1.
لكن قبل الحديث عن الحماية المكفولة للأطفال أسرى الحرب ينبغي ابتدءا تحديد المقصود بالطفل الأسير(الفرع الأول) وتميزه عن بعض المصطلحات المشابهة التي غالبا ما يتم الخلط بينها وبين مفهوم هذا الأخير(الفرع الثاني).
الفرع الأول:مفهوم الطفل الأسير
ان اعطاء مفهوم للطفل أسير الحرب يعد في غاية الصعوبة،فلا تعريف الطفل متفق عليه،ولا وجود لتعريف دقيق لأسير الحرب،فما بالك بإعطاء تعريف دقيق للطفل أسير الحرب،غير أننا حاولنا جهدنا إعطاء تعريف أكثر دقة وشمولا للطفل الأسير وذلك بتعرضنا لتعريف الطفل الأسير وذلك استنادا لأحكام القانون الدولي الإنساني(أولا)، والتطرق للشروط التي يجب توافرها في الطفل أسير الحرب والتي اذا تخلفت احداها لا يتمتع الطفل بمركز أسير حرب وبالتالي لا يستفيد من الحماية المقررة له قانونا (ثانيا).
أولا: تعريف الطفل الأسير
يعرف القاموس العملي للقانون الدولي الإنساني الطفل الأسيرب:”يعد المقاتل الذي يقع في قبضة الخصم في نزاع مسلح أسير حرب”،أو”يعد المقاتلون الذين يقعون خلال نزاع مسلح دولي أو غير دولي في أيدي الطرف المعادي أسرى حرب”.
يتضمن هذا التعريف العام لأسرى الحرب،كل شخص موجود ضمن فئات الأشخاص التي عددتها المادة الرابعة من الاتفاقية الثالثة لجنيف 1949،والتي لم تذكر بتاتا لفظ “طفل” أو “قاصر” لكي يتمكن هذا الأخير من الاستفادة من نظام حمائي استثنائي.
كما تضمن هذا التعريف كل شخص وصفته المادة الثالثة والأربعون من البرتوكول الأول التي لم تذكر هي الأخرى أي كلمة توحي بمعنى الطفل.
هنا يجب الاعتراف بأنه إعطاء تعريف دقيق للطفل أسير حرب يعد أمرا في غاية الصعوبة وذلك يرجع الى أنه يعسر تحديد سن الطفل في التعريف،فلو استندنا الى أن مشاركة الأطفال مقصورة على أولئك الأشخاص مابين 15 و18سنة،وعرفنا الطفل الأسير بأنه:”ذلك المقاتل الشرعي الذي بلغ سن الخامسة عشرة ولم يبلغ الثامنة عشرة والذي وقع خلال نزاع مسلح في أيدي الطرف المعادي” وذلك استنادا الى أن اشتراك الأطفال الأقل من 15 سنة محظور بموجب المادة 77/2 من البرتوكول الأول لجنيف المتعلق بالنزاعات الدولية والمادة 314 من البرتوكول الثاني لجنيف والمتعلق بالنزاعات غير الدولية،وبالتالي نكون قد قصرنا في حماية الأطفال أسرى الحرب الأقل من 15 سنة.
ولو استندنا الى مشاركة الأطفال ذوي العمر الأقل من 15 سنة لأنها واقع وحقيقة لا يمكن تجاهلها،وقلنا بأن الطفل أسير الحرب هو:”المقاتل الشرعي الذي لم يبلغ سن الثامنة عشرة والذي وقع خلال نزاع مسلح في أيدي الطرف المعادي”،نكون بذلك قد أجزنا مسألة اشتراكهم في النزاعات المسلحة رغم صغر سنهم2.
اذا تبقى المشكلة مطروحة تحتاج الى التفاتة قانونية بإدراج نص صريح يحدد بالتدقيق المقصود بالطفل أسير الحرب عند مراجعة اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949.
ثانيا:شروط الطفل الأسير
للحد من مشكلة عدم وجود تعريف دقيق وواضح للطفل أسير الحرب،تم استخلاص مجموعة من الشروط اذا تخلفت إحداها يسقط وصف أسير الحرب على الطفل المحتجز مما يؤدي الى سقوط الحماية المقررة له قانونا وتتمثل هذه الشروط فيما يلي:
1-شرط السن:
حيث يستفيد الطفل من مركز أسير الحرب (وغيرها من المراكز المرتبطة بوضعه كمقاتل أو جندي ضمن الجرحى أو المرضى أو الغرقى)،في حالة استيفائه سن 15 سنة وبالتالي سوف يستفيد من هذه الحماية تلقائيا إذا تم القبض عليه أو تم اعتقاله أو سلم نفسه أو وقع جريحا أو غريقا لدى الطرف المعادي،إن عامل السن الطفل الأسير يخضع لنصوص اتفاقيات جنيف وبرتوكوليها الإضافيين خاصة (المادة 77/2 والمادة 4/3).
فهل معنى ذلك أنه وفي حالة اشتراك الطفل في الأعمال العدائية المباشرة دون سن 15 سنة،فإن هذا الأخير لا يستفيد من أحكام الحماية المقررة لأسرى الحرب وغيرهم من المرضى والجرحى والغرقى.
إن التفسير الوارد في الموضوع هو بلا شك ما نصت عليه نفس المواد المذكورة من حيث بقاء تمتع الطفل في هذه الحالات بالحماية الضرورية له كطفل سواء كان أسيرا أم لا، وبالتالي فإن أساس الحماية هنا ليس الأسر أو التجنيد أو القتال ولكن الأساس هو ضعف الطفل ومركزه الاستثنائي ليصبح بذلك يقترب إلى الحماية المقررة للمدنيين أكثر من الحماية المقررة لأسرى الحرب.
2- شرط المشاركة في العمليات العسكرية أو العدائية:
بحيث تكون مشاركة قتالية ومباشرة وبالتالي يستفيد الطفل من الحماية كأسير ضمن هذه الأوضاع، بينما في حالة الأعمال المساعدة أو التبعية وعدم القتال فإن الطفل لا ينظر إليه على أنه أسير حرب،وبالتالي لا يستفيد من الحماية المقررة لهذا المركز وغيره المشابه.
فالطفل في هذه الحالة سواء كان دون 15 سنة أو أكثر ولم يكن مجندا بالفعل في القوات العسكرية بل يعمل بشكل تطوعي أو انفرادي مساعد أو مرافق،فإن الحماية المقررة له تبقى ضمن المدنيين وبالتالي امكانية تمتعه بحماية وفق مركزه الاستثنائي ووضعه الخاص.