مبدأ مسؤولية الملوث في القانون الدولي للبيئة
ايات محمد سعود
الحوار المتمدن-العدد: 5799 – 2018 / 2 / 26 – 14:31
المحور: دراسات وابحاث قانونية
يشير مبدأ مسؤولية الملوث أو ما يعرف بمبدأ الملوث يدفع إلى أن كل شخص طبيعي أو معنوي كان سببا في حدوث تلوّث أصاب البيئة، فهذا الشخص وبموجب هذا المبدأ ملزم بأن يدفع للغير المتضرر التكاليف اللاّزمة لمكافحة هذا التلوّث ومنع انتشاره وتفاقمه، وهذه التكاليف تقرّرها وتحددها الهيئات المختصة في حماية البيئة، ولمبدأ الملوث يدفع مفهوماً سياسياً يتمثل في إرادة السلطات العامة في توفير الاعباء المالية المتعلقة باتقاء التلوث ومكافحته عن الخزينة العامة وتحميلها بصورة مباشرة للمتسببين في التلوث ، فهو واحد من المبادئ البيئية الذي تحول من مجرد شعار سياسي إلى قاعدة قانونية وقد انعكس ذلك على نحو متزايد في القانون الوطني والدولي .
كما ان مبدأ الملوث يدفع من المفاهيم الاقتصادية يقوم على قاعدة تكمن في أن الملوث الذي يتسبب في حادث عليه تحمل تكاليف الوقاية منه أو الحد من إزالته ، ومبدأ التلوث الدافع باعتباره مفهوم اقتصادي لا يبحث في تطبيقه عن المسؤول المباشر عن التلوث باعتباره يضع الأعباء المالية بطريقة موضوعية وليست شخصية على مجموع النشاطات التي من المحتمل أن تأثر على البيئة وتحدث تلوثا بها وذلك بإدراج تكلفة الموارد البيئية ضمن السلع والخدمات المعروضة في السوق عى أساس أن إلقاء النفيات و الفضلات الملوثة في الهواء أو الماء أو التربة هو نوع من استعمال لهذه الموارد ضمن عوامل الإنتاج، حيث يرى بعض الفقه بأن مبدأ الملوث يدفع يهدف إلى تحميل الملوث التكلفة الاجتماعية للتلوث الشيء الذي يؤدي إلى تبني المسئولية الموضوعية في مجال حماية البيئة ، ويستند هذا المبدأ على قاعدة الغنم بالغرم فالشخص الذي يمارس نشاطاً ملوثً ويغتنم مقابل من نشاطه ويسبب ضرراً للغير أو للمحيط البيئي بكافة مجالاته ، عليه وفقاً لمقتضيات العدالة أن يساهم في نفقات الوقاية من التلوث عن طريق الرسم الذي يدفعه، وقد أخذ الفقه الأسلامي منذ زمن بعيد بمبدأ مماثل لمبدأ الملوث يدفع ، كمبدأ الضرر يزال ، ومبدأ لا ضرر ولا ضرار ، غير إن أول ظهور قانوني صريح لمبدأ الملوث يدفع كان في إطار منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية من خلال التوصية التي أدرتها في سنة 1972 المتعلقة بالمبادئ التوجيهية المتعلقة بالجوانب الإقتصادية والسياسية للبيئة على المستوى الدولي التي أكدت على أن وضع مبدأ التلوث الدافع هو تخصيص تكاليف تدابير منع ومكافحة التلوث مع تجنب التوتر في التجارة والاستثمارات المالية على أن يتحمل المتلوث المصاريف المتعلقة بالتدابير التي تحددها السلطات العامة من أجل المحافظة على البيئة، وعلى هذا الأساس يقوم الملوث بتخصيص مصاريف المتعلقة بالتدابير التي تحددها السلطات العامة لكي تبقى البيئة سليمة وبالتالي تنعكس تكاليف هذه التدابير على تكلفة السلع والخدمات التي هي مصدر التلوث بسبب انتاجها أو استهلاكها.
ولعل الحكمة من تدخيل التكاليف البيئية ضمن تكلفة الإنتاج وتحميلها للملوثين هي حثهم ودفعهم نحو ترشيد استغلال الموارد البيئية والبحث ، عن افضل السبل الموصلة لذلك ، والتي من بينها التأثير على تكلفة الانتاج ، التي قد تمرر كلها أو جزء منها إلى أسعار المنتجات أو الخدمات ، الأمر الذي يعني أن يتحملها المستهلكون وبالتالي تدفعهم إلى ترشيد استهلاكهم أو التغيير في نمطه بما قد يؤثر على قرارات المنتجين.
ويشير هذا المبدأ إلى ضرورة بذل قصارى الجهد لتحقيق التعاون والتنسيق لاتخاذ إجراءات ملازمة لحماية وتحسين البيئة في المناطق المهددة بالتلوث، فقد نصت اتفاقية فينا لحماية طبقة الأزون لسنة 1985 على مسؤولية الدول التي تباشر أنشطة مشروعة في الحاضر أو في المستقبل ثم ثبتت التطورات العلمية و التكنولوجية بعد ذلك أن الأنشطة تنطوي على خطورة الإضرار بطبقة الأزون أو أضرت بها فإنه يمكن إلزام الدول التي باشرت هذه الأنشطة رغم مشروعيتها وقت ممارستها بدفع تعويض اللازم على أساس مبدأ الملوث الدافع، وفي هذا الشأن يقرر المبدأ رقم 24 من إعلان استوكهولم حول البيئة لعام 1972: ” أنه يجب تحسين معالجة المشاكل الدولية المتعلقة بحماية البيئة بروح التعاون من جانب كل الدول الكبيرة والصغيرة على قدم المساواة، والتعاون عن طريق الاتفاقيات المتعددة الأطراف أو الثّنائية أو أية وسائل أخرى مناسبة يعد أمرا لا غنى عنه لنحدد بفعالية ونمنع ونقلل وننهي كل الاعتداءات على البيئة الناجمة عن أنشطة يتم ممارستها في جميع المجالات وذلك مع احترام سيادة ومصالح كل الدول، كما أن مبدأ الملوث الدافع تم اعتماده في اتفاقية حماية البحر المتوسط من التلوث لسنة 1978 والتي أدخلت عليها تعديلات سنة 1995 حيث أكدت المادة 4 منها على واجب الدول على حماية البيئة و المساهمة في التنمية المستدامة لمنطقة البحر المتوسط تطبيق مبدأ الملوث الدافع الذي يستند على تكاليف منع التلوث وتدابير مكافحة و التخفيف منه يتحملها الملوث مع إيلاء العناية للمصلحة العامة، كما جاء في المادة 1 من أعلان ريو بشأن البيئة والتنمية لسنة 1992 الخاصة بمسؤولية الملوث التعويضية على أنه ” ينبغي أن تسعى السلطات الوطنية إلى تشجيع استيعاب التكاليف البيئية داخلياً، واستخدام الادوات الاقتصادية ، آخذة في الحسبان النهج القاضي بأن يكون المسئول عن التلوث هو الذي يتحمل ، من حيث المبدأ مع إيلاء المراعاة الواجبة للصالح العام ودون الأخلال بالتجارة والاستثمار الدوليين، وأكد مشروع المعهد الدولي للتنمية والبيئة لسنة 1995 على مبدأ الملوث يدفع إذ قرر” إن على الأطراف أن تتحمل تكاليف الوقاية والسيطرة على الأضرار المحتملة أو الفعلية للبيئة التي تتسبب فيها .
ومن الاتفاقيات الدولية التي اوردته الاتفاقية الاوربية للتنوع البيولوجي وتنوع المناظر الطبيعية لسنة 1995 والتي تنص على إن تكاليف تدابير منع الضرر ومراقبته وتقليله ….. يتحملها الطرف المسؤول بقدر الإمكان وعلى حسب الإقتضاء ، وبرتوكول 1996 لاتفاقية لندن لاغراق النفايات الذي ينص على غن الملوث ينبغي من حيث المبدأ يتحمل تكلفة التلوث … كما قررته لجنة التنمية المستدامة في عدة مناسبات.( )
ومن الاحكام القضائية التي استندت الى مبدأ الملوث يدفع الحكم الصادر في القضية مابين دولة فرنسا وهولندا حيث تتلخص وقائع القضية في إن شركة فرنسية تدير بض المناجم في مقاطعة الالزس بفرنسا ، وتقوم بافراغ نفاياتها من الاملاح السامة في نهر الريان مما أدى إلى تلوث النهر عبر الحدودبين فرنسا ةوهولندا وتأثر مستخدمي النهر في هولندا ، إذ جاء في الحكم ” أنه على الرغم من إن الشركة الفرنسية لها الحق من حيث المبدأ في استخدام نهر الراين ، إلا انها وفي ضوء حجم النفايات المفرغة ملزمة بتقديم العناية الواجبة لمنع التلوث أو تقليل مخاطره على البيئة وأمرت بدفع تعريض عن الاضرار الناتجة وفقاً لمبدأ الملوث يدفع ، ويتم تطبيق مبدأ الملوث يدفع بواسطة وسائل عديدة ابرزها:
– التنظيم المباشر من خلال تحديد التشريع لمستويات ومعايير معينة لنوعية البيئة ، ويلتزم من يقوم بممارسة الأنشطة المضرة بالبيئة بتحمل عبء النفقات الضرورية للمحافظة على تلك العايير والمستويات البيئية.
– الاعانات والمساعدات التي تدفع للشخص المسؤول عن الضرر البيئي لتعويضه عن كل أو جزء من النفقات التي يتحملها للحصول على المستويات الضرورية لحماية البيئة، وهذه الوسيلة منتقدة لأنها لا تدفع الشخص المسؤول عن الضرر البيئي إلى البحث عن وسائل جديدة لمنع أو تقليل الضرر البيئي ، كما انها تدفعه إلى الاحتفاظ الانتاجي الذي يحدث هذه الأضرار دون إمكانية البحث عن البدائل الممكنة والتي عن طريقها يتم المحافظة على البيئة ، وذلك بالالتزام بالمعايير والمستويات المطلوبة ، فضلاً عن إن هذه الوسائل اقتصادية أكثر منها قانونية ، ومع ذلك تميل الدول الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية غلى منح الملوثين معونات مالية محدودة مثل تقليل الضرائب على الأنشطة المناهضة للتلوث والإسراع بتخفيض الرسوم ، علاوة على منح معدلات فائدة مرتفعة للاستثمارات المناهضة للتلوث ، وذلك تعزيزاً لسياساتها البيئية ، كما تبين القوانين الجماعية والقانون الأوربي الموحد ومعاهدة ماستريخت وكذالممارسة الدائمة للجماعة الأوربية إن الاعانات المالية المخصصة لأراض بيئية تتفق مع مبدأ الملوث يدفع ولا تتعارض معه، وقد اصبحت هذه المساعدات في التسعينيات اداة اقتصادية موصى بها في إطار الأتحاد الاوربي.
– فرض ضريبة تصاعدية على الشخص المسؤول عن الضرر البيئي بطريقة تحرمه المزايا التي تود عليه من عدم احترام القواعد والمعايير البيئية المقررة مثل فرض ضريبة على المواد الخام التي تدخل في عملية الانتاج وذلك لحث المنتج على استخدام اقل ضرراً بالبيئة ، وكذلك فرضها على السلع المنتجة أو على الطريقة التي يتم بها الانتاج .
في الحقيقة إن تطبيق مبدأ التلوث يدفع على المستوى الدولي لا سيما في إطار التلوث الإشعاعي النووي يعتبر أمراً ضرورياً ولازماً بحيث يتحمل محدث التلوث سواء كان فرداً أو شركة أو منطقة أو الدولة نفسها إصلاح الآثار الضارة المترتبة على تدمير البيئة بفعله الملوث، ومعنى ذلك أن السلطات العامة يجب إلا تقدم إية مساعدات سواء عن طريق الإعانات أو المزايا الضريبية أو غيرها من الإجراءات ، إلا في أحوال استثنائية ، ومع مراعاة الشروط التالية :
1- أن تكون المساعدة انتقائية ومقصورة على القطاعات الاقتصادية كالصناعة أو المنشآت التي لولاها لواجهت صعوبات شديدة.
2- أن تقتصر المساعدة على الفترات الانتقالية التي يتم تحديدها مقدماً.
3- إلا تخلق المساعدة أوجه تفاوت ضخمة في المبادلات والاستثمارات الدولية.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً