تسليم واسترداد المجرمين في القانون الدولي
سعد عزت السعدي
الحوار المتمدن-العدد: 5787 – 2018 / 2 / 14 – 13:18
المحور: دراسات وابحاث قانونية
يعد مبدأ تسليم واسترداد المجرمين واحدا من احد مظاهر التعاون الدولي في سبيل مكافحة الجريمة والحد من انتشارها لاسيما في الوقت الحاضر الذي تيسر فيه سبل الهروب امام المجرمين والانتقال من دولة الى اخرى باقل وقت واقل جهد بفضل وسائل النقل الحديثة.
لذا من الاهمية ان ينشط المجتمع الدولي في مجال تضييق الخناق على أولئك المجرمين وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب ومن هنا اكتسب التعاون الشرطي والقضائي في مكافحة الجرائم انطلاقا من اعتبارات في مقدمتها انه لايمكن لاي دولة من دول العالم مهما بلغت قوتها او درجة تقدمها ان تواجه ظاهرة الاجرام بمفردها
واسترداد المجرمين أو تسليمهم هو عملية قانونية اتفاقية، تتم بين دولتين، تطلب إحداهما من الأخرى تسليمها شخصاً يقيم على أرضها، لتحاكمه، أي الدولة الطالبة، عن جريمة من اختصاص محاكمها، ويعاقب عليها قانونها، أو لتنفذ فيه حكماً صادراً عن هذه المحاكم. واسترداد المجرمين هو نوع من أنواع التعاون بين الدول لمكافحة الإجرام، بإلقاء القبض على المجرمين الفارين، ومحاكمتهم، وتنفيذ العقوبة بهم.
وتتفق أكثر التشريعات العربية والأجنبية، والاتفاقيات الدولية، على أن الاسترداد لا يمكن أن يتم إلا إذا تحققت فيه شروط معينة هي:
1- أن يكون التجريم مزدوجاً: ومعنى هذا الشرط أن يكون الفعل موضوع الاسترداد مجرّماً في قانون الدولتين: طالبة الاسترداد، والمطلوب منها التسليم. وأساس هذا الشرط في الدولة طالبة الاسترداد، هو أنه لا يمكن تصور وجود دعوى جزائية، وحكم جزائي بعقوبة، من أجل فعل لا يعد جريمة. أما أساسه في الدولة المطلوب إليها التسليم، فهو أن الممارسة العملية لإجراءات التسليم، تفرض على هذه الدولة دعوة الشخص المطلوب استرداده لاستجوابه قضائياً، وتوقيفه إن اقتضى الأمر ذلك، إلى حين إتمام إجراءات الاسترداد. وهذه الإجراءات لا يجوز أن تتخذ من أجل فعل لا يعد جريمة.
2- أن تكون الجريمة على قدر معين من الأهمية: وهذا الشرط تفرضه اعتبارات عملية، تتعلق بإجراءات الاسترداد الطويلة والمعقدة والباهظة التكاليف. فالاسترداد لا يمكن اللجوء إليه إلا من أجل الجرائم المهمة والخطيرة، لكي لا تشغل أجهزة الدولة في جرائم قليلة الأهمية، كالمخالفات والجنح البسيطة.
والمعيار المتبع في أكثر التشريعات العربية والأجنبية لتحديد أهمية الجريمة أو خطورتها، هو نوع العقوبة ومقدارها. ونوع العقوبة المطلوب عادة هو العقوبة السالبة للحرية، وحدّها الأدنى يُراوح ـ بحسب الدول ـ بين سنة وسنتين إذا كان المطلوب استرداده متهماً، وبين شهرين وسنة إذا كان المطلوب استرداده محكوماً عليه.
3- ألا تكون الجريمة مما يحظر التسليم فيها قانوناً أو عرفاً: وتحظر أكثر الدول تسليم الجاني من أجل بعض الجرائم، وهذه الجرائم هي الجرائم السياسية، والجرائم العسكرية، والجرائم التي تخالف عقوباتها النظام الاجتماعي. ففيما يتصل بالجرائم السياسية: يعدّ مبدأ عدم جواز تسليم المجرمين السياسيين مبدأ عالمياً، فرضه العرف الدولي، وتبنته جميع التشريعات في العالم، صراحة أو ضمناً.وقد أجمعت الدول العربية في اتفاقية الرياض لسنة 1983 (المادة 41/ الفقرة أ) على عدم جواز التسليم «إذا كانت الجريمة المطلوب من أجلها التسليم تُعدّ بمقتضى القواعد القانونية النافذة لدى الطرف المتعاقد المطلوب إليه التسليم جريمة لها صبغة سياسية». وقد استثنت هذه الاتفاقية من الجرائم ذات الصبغة السياسية ـ وإن كانت بهدف سياسي ـ الجرائم التالية: التعدي على ملوك ورؤساء الدول العربية أو زوجاتهم أو أصولهم أو فروعهم، والتعدي على أولياء العهد أو نواب الرؤساء لدى الأطراف المتعاقدة، والقتل العمد والسرقة المصحوبة بإكراه الأفراد أو السلطات أو وسائل النقل والمواصلات.
4- أن يكون الاختصاص القضائي منعقداً للدولة طالبة الاسترداد: وهذا الشرط نتيجة منطقية لطبيعة مؤسسة الاسترداد. فطلب الاسترداد يعني قبل كل شيء، أن الدولة الطالبة هي صاحبة الحق قبل غيرها من الدول الأخرى، بملاحقة الشخص المطلوب استرداده، ومحاكمته، وإنزال العقاب المستحق به. أما إذا كان قضاء هذه الدولة غير مختص في الأصل بالنظر في الجريمة المرتكبة، فإن طلب الاسترداد يفقد مسوّغه ومعناه.
واما اثار الاسترداد فهي عندما يصدر مرسوم التسليم، تعلم الدولة التي أصدرته الدولة طالبة الاسترداد بذلك، وعلى هذه الأخيرة أن تتسلم الشخص المطلوب بوسائلها الخاصة، في التاريخ والمكان المحددين لذلك، وإذا لم يتم تسلم الشخص بعد مرور 15 يوماً على هذا التاريخ، جاز الإفراج عنه. وفي جميع الأحوال فلا بد من الإفراج عنه بانقضاء 30 يوماً على التاريخ المحدد للتسليم، ولا تجوز المطالبة باسترداده مرة أخرى عن الفعل أو الأفعال التي طلب من أجلها الاسترداد. على أنه إذا حالت ظروف استثنائية دون تسلمه، وجب على الدولة صاحبة الشأن أن تخبر الدولة الأخرى بذلك قبل انقضاء الأجل، وتتفق الدولتان على أجل نهائي للتسليم، يخلى سبيل الشخص عند انقضائه. ولا تجوز المطالبة باسترداده بعد ذلك عن الفعل نفسه أو الأفعال التي طلب من أجلها التسليم (اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي)
وإذا تم استرداد الشخص المطلوب، فيجب أن يشمل الاسترداد الأشياء والوثائق والنقود والأدوات الجرمية التي ضبطت حين إلقاء القبض عليه، والتي صودرت منه أو من غيره، لصلتها بالجريمة المقترفة.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً