(الوكالة العامة المطلقة لا تخول الوكيل حق بيع عقار موكله )
المحامي محمد عباس البياتي
الحوار المتمدن-العدد: 5780 – 2018 / 2 / 7 – 03:53
المحور: دراسات وابحاث قانونية
الوكالة العامة المطلقة التي هي في الحقيقة لا تفوض الوكيل القيام بالتصرفات القانونية من بيع , وشراء , ورهن , وإقرار , وتبرع … وغيره , برغم ورود هذه المفردات فيها , إنما يحتاج الى وكالة خاصة تبين مواصفات العقار المراد بيعه , وتحديده تحديدا نافيا للجهالة وهذا الوصف إذا ما حصل , تمسي الوكالة التي تحمل هذا الوصف والتحديد وكالة خاصة , تجيز للوكيل التصرف بموجبها بالنسبة للمحل الذي تم تحديده , أما المحل الذي لم يحدد ويعيّن تبقى الوكالة عامة بالنسبة له تمنع الوكيل التصرف فيه بأي طريق من طرق التصرفات الا في حدود الادارة , وهذا ما أود في هذا المقال إثباته . واني ليس بصدد شرح انواع الوكالات وشروطها او خصائصها وطرق انتهائها بل اردت تسليط البحث والنقاش على الوكالة العامة المطلقة فقط دون غيرها لعدم سير دوائر التسجيل العقاري على نمط موحد فمنها من يعمل بموجب الوكالة العامة المطلقة ( ذات الفسفورة) على ان يصحبها صحة صدور وبعض الاحيان حال قدمها يؤخذ بتعهد من الموكل على انه ( لم يعزل وانه لا زال مخول بما جاء بمنطوقها و…) والبعض الاخر لا يسير باجراءات البيع الا وفق وكالة مخصوصة بالعقار وبالرقم والجنس وفي هذه الوكالة يحتاج لاصدارها من دائرة كاتب العدل الى نسخة من صورة قيد تثبت عائدية العقار الى الموكل ( نموذج 25 لم يمض عليه شهر ) وهذا حق مشروع , ولإثراء هذا الموضوع بالمناقشة والتمحيص تعميما للفائدة , وتعميقا للمعرفة , لأن أي موضوع لا يتبلور على حقيقته , ولا تنجلي مكامنه إلا بسبر الضوء عليه من جميع جوانبه .وارجو التمعن بما ساسرده على حضراتكم راجيا تقدير الجهد المبذول وان خالفتموني بالراي
تعريف عقد الوكالة:
ان عقد الوكالة ـ من حيث الأصل والمبدأ ـ من العقود الجائزة غير الملزمة اذ يجوز للموكل عزل وكيله او الوكيل يعتزل الوكالة . ( 947 م. عراقي )
الوكالة لغة: بفتح الواو وكسرها، تعني التفويض، كقولك: وكلتُ أمري إلى الله أي فوضّته إليه، مصداق ذلك قوله عز وجل في حكاية هود: (إنّي تَوَكّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبُّكُم/ هود 56). وتطلق على الحفظ، ومنه قوله سبحانه وتعالى(حَسْبنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيْل/آل عمران ـ 173).
أما في الاصطلاح الشـرعي فتعني: أن يُقيم الفرد غيره مقام نفسه، في تصرّف جائز معلوم يملكه. ومن ثم فالمتصّرف في مال الغير من دون أن يقيمه المالك عنه لا يكون وكيلاً، وإذا أقامه في تصّرفٍ غير جائزٍ كان التوكيل غير صحيح، أي: كل ما جاز فعله جاز توكيله.
أما قانوناً فقد عرفته المادة ( 699 ) من القانون المدني المصري ، والمادة ( 665 ) من القانون المدني السوري ، والمادة ( 699 ) من القانون المدني الليبي ، والمادة (716) من القانون المدني القطري ، الوكالة فنصت على أن : ( الوكالة عقد بمقتضاه يلتزم الوكيل بأن يقوم بعمل قانوني لحساب الموكل ) ، واما القانون المدني العراقي فقد عرفها في مادته ( 927 ) بأنها : ( عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم ) وهو تعريف قريب من التعريف السابق .
وقد تناول المشرع في القانون المدني العراقي احكام الوكالة من المواد 927 الى 949 حيث تناول فيها احكام وشروط الوكالة وكيفية انقضائها ,
ولتفسير نص المادة 927 مدني :
الوكالة : لقد اجمع الفقهاء على ان المراد بمصطلح ( الوكالة ) هو النيابة الاتفاقية التي مصدرها العقد – وتعني الحفظ {1}وما يميز عقد الوكالة عن باقي العقود بان محله تصرف قانوني لا عمل
مادي {2} .
اركان الوكالة :
1)الصيغة : الإيجاب للتوكيل كالأذن والامر مع وجود قرينة تفيد ارادة التوكيل (م/928 مدني) وقبول الطرف الاخر او مباشرة الوكيل التصرف الموكل به وتنفيذه للوكالة (م/ 929 مدني ).
2) الموكل : هو من تصدر منه ارادة التوكيل ويشترط فيه ان يملك بنفسه فيما وكل به أي يكون كامل الاهلية (م/930 /1 مدني )
3)الوكيل : هو من ينوب عن الموكل في القيام بأجراء التصرفات المنوطة به من قبل الموكل وله شروطه كالأهلية ومباشرة التصرفات بنفسه .
4)الموكل فيه ( الموكل به ) : وهو التصرف الجائز الذي يتفق في اجراءه من قبل الوكيل نيابة عن الموكل {3} ويشترط في( الموكل فيه ) امران :- اولا : ان يكون مملوكا للموكل , وثانيا: معلومية التصرف الوارد في المادة (927 مدني ) اي ادراجه بصراحة في الوكالة بصورة تدفع الجهالة الفاحشة (م/ 128 مدني ){4}
عقد : جاء العقد في اللّغة بمعنى الرّبط والشد، اي نقيض الحل{5}وقد يأتي بمعنى الضمان والعهد،
وقد استعملت كلمة العقد في الكثير من الاستعمالات، كاستعمالها في تسمية الإرتباط النّاشئ بين المتبايعين، فيسمّى ارتباطهما عقدًا، وأيضًا كاستخدامها في ارتباط الزواج النّاشئ بين الرجل والمرأة، فيسمى هذا الارتباط عقد زواج. وعمومًا فإنّ أي ارتباط ينشأ بين طرفين يصلح لغويًا أن يسمى عقدًا، وقد يسمّى أي تصرف يفعله الإنسان عقدًا حتى لو كان منفردًا، كعقد الطلاق والوقف. وقد عرفه المشرع العراقي بارتباط الأيجاب الصادر من احد العاقدين بقبول الاخر على وجه يثبت اثره في المعقود عليه..{6}
يقيم به شخص غيره مقام نفسه : اي إنّ الوكيل ينوب عن الموّكِل ويعمل باسمه ولحسابه (اي يفوضه ليقوم بالتصرفات بالنيابة عنه وكانه نفسه من يقوم بهذا التصرف ) فتنصرف آثار هذا العمل عند تمامه إلى شخص الموّكِل كما لو كان قد تعامل بنفسه فيصبح الموكل دائناً أو مديناً بناءً على عمل الوكيل الذي لا يلزم شخصياً قبل من تعامل معهم من الغير ولا يلتزمون هم قبله أيضاً بل ان العمل الذي يعمله يلزم به الموكل فالوكيل يعمل باسم الأصيل ولحسابه وبعد ان يبرم العقد يصبح أجنبياً عنه (( عن العقد ))
في تصرف جائز: في اي عمل او فعل او اجراء جائز قانونا يكون الموكل له الولاية القانونية على هذا التصرف الذي ينيطه بالوكيل للقيام به نيابه عنه , ومن التصرفات التي جوز القانون اجراءها هي التصرفات العقارية التي وردت في قانون تسجيل عقاري(م3 فقرة 1/ التصرف العقاري هو كل تصرف من شانه انشاء حق من الحقوق العينية الاصلية والتبعية او نقله او تغييره او زواله وكل تصرف مقرر لحق من الحقوق المذكورة ) كونها من التصرفات التي تصح فيها النيابة .
معلوم : المراد بمعلومية التصرف هنا هو ادراجه صراحة في متن الوكالة , فاذا اشتملت الوكالة على الفاظ عامة ولم يرد فيها نص يُعَين التصرف اذي خول به الوكيل فلا يمكن قبول تصرفه الذي لم يعين بالوكالة , لان التصرفات العقارية تستوجب ان تكون النيابة فيها نيابة خاصة لخطورتها حيث يجب تحديد العين التي يقع عليها التصرف في الوكالة بالإضافة الى تحديد نوع التصرف فيها وهذا ما اوضحته كما ذكرنا (مادة 128 / مدني – يلزم ان يكون محل الالتزام معينا تعيينا نافيا للجهالة الفاحشة سواء كان تعيينه بالإشارة اليه أو إلى مكانه الخاص ان كان موجودا وقت العقد أو ببيان الأوصاف المميزة له مع ذكر مقداره ان كان من المقدرات، أو بنحو ذلك مما تنتفي به الجهالة الفاحشة ولا يكتفي بذكر الجنس عن القدر والوصف) لان الاصل في نفاذ تصرفات الوكيل هي الولاية وهي علة نفاذه اذ لا ملك له , فالموكل اصل في الولاية والوكيل تابع له , ولما كانت حقوق العقد ترجع للموكل وليس للوكيل فلابد من ان يكون الوكيل على بينة مما انيط به من تصرفات ليتصرف على ضوئها وكذلك يكون الموكل على علم ايضا بما وكل به لكي يكون قادر على تضمين الوكيل عند مخالفته أوتعديه {7}
ان الاتجاه لا يتنافى مع الغاية من فرض الشكل في التصرف موضوع الوكالة فيلزم أن نبين أن هذه الغاية: وهي تنبيه المتعاقدين على خطورة التصرف الذي يقدمون عليه وان هذا الأمر متحقق دون أدنى شك بالنسبة إلى الوكيل، فالشكل لا بد أن ينبهه على خطورة التصرف الذي يتولى إبرامه لصالح موكله، وهو متحقق أيضا بالنسبة إلى الأصيل إذ أن ثمة قوانين(كالمواد 197 تسجيل عقاري و فقرة 2/ 52 مرافعات ) تشترط أن تكون الوكالة في التصرفات الشكلية وكالة خاصة تتضمن تحديدا لنوع التصرف الذي يستطيع الوكيل إبرامه , وقد سلك هذا المسلك المشرع المصري أيضا فقد جاء في المادة (702) من تقنينه المدني أنه ((1- لا بد من وكالة خاصة في كل عمل ليس من أعمال الإدارة وبوجه خاص البيع والرهن والتبرعات والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء. 2 – والوكالة الخاصة في نوع معين من أنواع التصرفات القانونية تصح ولو لم يعين محل هذا العمل على وجه التخصيص إلا إذا كان العمل من التبرعات)).
هنا يتضح لنا ان الحكم الوارد في المادة المشروحة مادة 927 مدني {8} هو نفس الحكم الوارد في المادة (52 فقرة2 مرافعات {9} ويعتبر النصان الواردان في القانونين المشار اليهما مخصصين للاطلاق الذي يفهم من ظاهر( المادة/ 931مدني) {10} وتفصيلا للإجمال الوارد في احكامها , تفاديا لكل خلاف في تفسير مواد الوكالة في القانون المدني على حد ما ورد في الاسباب الموجبة للمادة (52 مرتفعات) {11 }
ولعل سائل يسأل : ما نفع ألفاظ البيع , والشراء , والرهن , والتبرع … الواردة في الوكالة العامة طالما لا يستطيع الوكيل القيام بها ؟ إن هذا السؤال برغم وجاهته , فإن عدم نفع هذه الألفاظ يكمن في تركيبتها , وفي بنيتها, التي جاءت مجردة من التحديد وخالية من التوصيف , وعندما تكون الوكالة عقد ينبغي أن يكون محل العقد معينا بالذات وهذا الإطلاق الذي اعترى الألفاظ جعلها , مبهمة طالما لم تنسب إلى محلها , أي لابد من معلومية المبيع في فحوى الوكالة ومضمونها , ولا يعني عدم ذكر المحل أن يترك لمشيئة الوكيل , ولمطلق رغبته واختياره كما يريد ويتمنى ,وهو ما أشار إليه السنهوري بقوله : ” لا يجوز ترك تعيين المحل لإرادة أحد المتعاقدين المحضة إذ يصبح المتعاقد الآخر تحت رحمته , إلا إذا كانت عناصر التعيين معروفة بحيث لا يكون هناك مجالا للتحكم “يراجع رأي السنهوري – التقنين المدني السوري – الجزء الأول ص511 , لذا فهي مع هذا الإطلاق تعد ألفاظا عامة لا تصلح للقيام بعمل قانوني بعينه , إنما تصلح للأعمال العامة بعمومها , والأعمال القانونية العامة معروفة لنا قانونا , إذ أنها هي الأعمال التي تقتضيه الإدارة العامة للشيء محل التوكيل , ولو التزمنا حدود الدقة بالتعبير لقلنا ان ركن كل عقد هو التراضي , اما المحل والسبب فركنان في الالتزام لا في العقد ولكن جرى العرف ونص القانون كذلك على اعتبارهما ركنين في العقد {12}
فالوكالة العامة هي التي ترد في ألفاظ عامة، فلا يعين فيها الموكل محل التصرف القانوني المعهود به للوكيل، بل ولا يعين فيها نوع هذا التصرف القانونـي ذاته. كأن يقـول الموكل للوكيـل “وكلتك في إدارة أعمالي”. وقد كان التشريع السوري اكثر وضوحا من التشريع العراقي اذ اشار الى ذلك في المواد (134 , 677 , 678 مدني سوري ) اذ يشترط في التصرف القانوني محل الوكالة أن يكون ممكناً، و أن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين، و أن يكون مشروعاً، .ويصح أن يكون أي تصرف قانوني إذا توافرت فيه الشروط السابقة محلاً لعقد الوكالة، كالبيع والإيجار والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين. وإذا وردت الوكالة في ألفاظ عامة لا تخصيص فيها فإنها لا تخول الوكيل صفة، إلا في أعمال الإدارة كالإيجار الذي لا تزيد مدته على ثلاث سنوات وأعمال الصيانة ووفاء الديون. وتمتد أعمال الإدارة هذه إلى أعمال التصرف التي تقتضيها، كبيع المحصول وقبض ثمنه. أما أعمال التصرف فلابد فيها من وكالة خاصة، كالبيع والرهن والتبرع والصلح والإقرار والتحكيم وتوجيه اليمين والمرافعة أمام القضاء
في النتيجة والختام :
الوكالة العامة التي تضمنت تخويل الوكيل البيع والشراء والرهن والصلح والتحكيم… تعد ألفاظ عامة , لا تفوض الوكيل ممارسة هذه التصرفات أبدا , لأن الموكل لم يعييّن محل الالتزام بالذات تعيينا نافيا للجهالة به , وتحديدا صريحا يؤكد رغبة الموكل في التصرف فيه بعينه دون غيره , وإذا حصل هذا التحديد والتعيين لمحل الالتزام في فحوى الوكالة فإنه يحق للوكيل التصرف بالشيء الذي جرى تحديده حتى ولو كان هذا التحديد واردا في وكالة تحمل اسم (وكالة عامة ) وما لم يتحدد ويتعين تعينا دقيقا فلا يحق للوكيل التصرف به وإن كان واردا في وكالة تحمل عنوان وكالة خاصة , لأن حقيقة التوكيل به مع وجود الغموض في المحل يغدو توكيلا عاما ,لا تفوض صاحبها مباشرة التصرفات العقارية بصورة مطلقة نيابة عن الموكل لكون مصطلح ( اخول ) هو اعطاء بعض الصلاحيات من المخول الى المخول له , خَوَّلهُ حَقّاً : أَكْسَبَهُ إِيَّاه ، مَنَحَهُ إِيَّاهُ ، أَعْطَاهُ إِيَّاهُ مُتَفضِّلاً{ 13}
بينما( التفويض ) هو التسليم المطلق كما نقول ( افوض امري الى الله – اي اسلم امري لله جل وعز ) فوَّض الأمرَ إليه : وكّله به وجعل له حرية التصرف فيه ، سلّمه إليه {14}
وقد اشارت المادة 205 /1 من قانون التسجيل العقاري للفرق بين التخويل والتفويض ضمنا بنصها ( اذا جرى البيع وكالة فينبغي ان تتضمن الوكالة موقع العقار المبيع وتسلسله والبدل واسم المشتري واقرار الاصيل بالقبض أو تخويل الوكيل بذلك الا اذا تضمن التوكيل صلاحيات مطلقة بالبيع فحينئذ يجري الوكيل البيع بالكيفية التي يرتئيها وله قبض البدل وتسري نفس الاحكام على الوكالة بالشراء )
نلاحظ ان المادة اعلاه من شقين:-
الاول : يقصد بها الاجراءات التي تتضمن بيعا وفق ما يسمى ( الوكالة المتعلق بها حق الغير ) حسب تعريف القانون المدني , وقد منع قانون كتاب العدول رقم 27 لسنة 1977 من تصديق مثل هذه الوكالات حيث نصت (الفقرة ثالثاً من المادة الحادية عشر منه على – لا يجوز للكاتب العدل تنظيم او توثيق التصرفات العقارية بصورة مباشرة او غير مباشرة , ويعني ذلك ان القانون المذكور قد عطل الشق الاول من الفقرة الاولى من هذه المادة .
الشق الثاني : ذكر (… الا اذا تضمن التوكيل صلاحيات مطلقة …) وهذا يعني هناك فرق بين التخويل الذي ورد في الشق الاول من المادة المذكورة وبين (الصلاحيات المطلقة) المذكور في الشق الثاني والذي بمعنى (تفويض ) لكونه اوسع صلاحية من التخويل كما في قوله: وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ {غافر: 44}وعند وجود نصين أحدهما عام وهو 931 مدني , والآخر خاص وهو 52 مرافعات , فإن الخاص يعني قصر العام في التناول فيما يتعلق بدلالته . / تحقيق الحق من علم الأصول – الشوكاني – دار السلام للنشر عام 1998 جزء أول ص408 وما بعد . وعبارة المشرع ” التي مؤداها “لابد من وكالة خاصة ” لا يعني الاكتفاء بعنوان الوكالة على انها تحمل عنوان وكالة عامة أو وكالة خاصة , إنما تعني وجوب توفر شروط الوكالة الخاصة أيا كان العنوان . لأن العبرة في معرفة نوع الوكالة هي ( لعبارات التوكيل وليس لاسم الوكالة أو عنوانها) وجميل ماذكر في نقض سوري قرار 921 أساس 2253 لعام 2001 محامون لعام 2003 ص659 ولأن ( العبرة للمقاصد والمعاني وليس للألفاظ والمباني ) . بمعنى أن الوكالة الخاصة تعبر عنها ألفاظ وعبارات خاصة بها , لها معاني ودلالات تشير إليها إشارة واضحة لا لبس فيها ولا غموض , فما هي إذن شروط الوكالة الخاصة .
شروط الوكالة الخاصة :يشترط المشرع بالوكالة الخاصة أن يتحدد فيها محل الالتزام بذاته تحديدا دقيقا , وإذا لم يصار إلى تحديده بالذات , ينبغي أن يعين بوسيلة أخرى تعيينا نافيا للجهالة بكونه هو المقصود , وإلا انقلب التوكيل عام لا يجيز للوكيل القيام بالتصرف . والدليل على ذلك هي المادة 128 مدني عراقي , وقد كان المشرع السوري اوضح حين اشار الى ذلك بالمادة 134 مدني التي نصت على الآتي :-
1- ” إذا لم يكن محل الالتزام معينا بذاته , وجب أن يكون معينا بنوعه ومقداره وإلا كان العقد باطلا .
2- يكفي أن يكون المحل معينا بنوعه فقط إذا تضمن العقد ما يستطاع مقداره , وإذا لم يتفق المتعاقدان على درجة الشيء من حيث جودته , ولم يمكن استخلاص ذلك من العرف أو من أي ظرف آخر التزم المدين بأن يسلم شيئا من صنف متوسط .
ومن الجدير بالذكر والتذكير به هو : أن ما يسري على العقد من أحكام قانونية هو ذاته الذي يسري على الوكالة عملا بالمادة 927 مدني عراقي التي وردت في مستهل هذا المقال , والتي أكدت أن ( الوكالة عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم)
وعندما تكون الوكالة عقد ينبغي أن يكون محل العقد معينا بالذات , وإن معنى مفردة بالذات تفيد أشد أنواع الوصف الذي تميز الشيء عن غيره , فقد ورد في معاجم اللغة العربية مفردة بالذات تعني (منع خلط بين ذات الشيء وذات شيء آخر) { 15}, وقد ورد في ذات المعجم أن مفردة ذات تعني ( انفرادي – معتزل – معتكف – منزو , منغلق على ذاته )أي انه انفرادي في مواصفاته ومعتزل عن غيره , ومنغلق وحده على صفاته ,
فإن مدى سعة الوكالة يضيق ويتسع حسب اتفاق الطرفين ، فقد يقيد الموكل حرية الوكيل إلى حد يحرمه فيه من كل تقدير ، فلا يبقى لهذا الأخير سوى تنفيذ تعليمات الأول حرفيا ، فيصير الوكيل كأنه مجرد رسول مكلف بنقل إرادة الموكل للغير.
وقد يوسع الموكل سلطة الوكيل فيقيده في بعض الأمور بالشروط التي يعمل على مقتضاها ، ويترك له حرية التقدير في غيرها من الأمور ، وهنا يكون وكيلا بمعنى الكلمة ، وقد يزيد الموكل في توسيع سلطة الوكيل فيحدد له نوع من التصرف ويفوض إليه شروطه وهذه وكالة خاصة ، أو يسند إليه أعمال الإدارة أو بعضها تاركا له حرية تقدير الشروط الملائمة وتلك وكالة عامة .
وعلى ذلك فإن الاتساع أو التضييق في سلطات الوكيل يمكن أن يكون في الوكالة الخاصة أو في الوكالة العامة .
ويتعين على الوكيل الالتزام بالمهمة التي كلف بها ولا يجوز له أن يخرج عن الحدود المرسومة للوكالة ، بمعنى أن الوكيل ملزم بالقيام بالتصرفات القانونية التي أسندت إليه مهمة إنجازها في الحدود المرسومة بمقتضى العقد أو القانون أو العرف ، وإذا تجاوز الوكيل حدود المهمة التي كلف بها كان مسئولا عن تعويض الموكل عما لحقه من أضرار نتيجة فعله ، وإذا نفد الوكيل الوكالة بشروط أفضل مما طلب من الموكل فإن ذلك جائز{16}.
واخيرا لا اقول ان كل ما جرى من معاملات بيع بموجب وكالة عامة مطلقة هو غير قانوني بل يعتبر تصرف فضولي موقوفا على اجازة المالك التي تتقيد بما جاء بفقرة /2 من المادة 136 مدني (ويجب ان يستعمل خيار الاجازة أو النقض خلال ثلاثة اشهر فإذا لم يصدر في هذه المدة ما يدل على الرغبة في نقض العقد اعتبر العقد نافذا) . وبصدد ان التصرف تجاوز لحدود الوكالة او تصرف فضولي هذا ما ذهبت اليه محكمة استئناف كربلاء بصفتها التميزية بالمبدأ التميزي في (القرار التمييزي المرقم 5556/الهيئة الأستئنافية العقار/2012 ت/220) { 17}
=======================================
(1) شرح المجلة للإستاد علي حيدر .
(2) الوسيط في شرح القانون المدني / عبد الرزاق السنهوري / مجلد 7 ص275 .
(3) الوكالة في الشريعة والقانون / محمد رضا عبد الجبار العاني / ص17.
(4) مادة 128 / مدني – يلزم ان يكون محل الالتزام معينا تعيينا نافيا للجهالة الفاحشة سواء كان تعيينه بالإشارة اليه أو إلى مكانه الخاص ان كان موجودا وقت العقد أو ببيان الأوصاف المميزة له مع ذكر مقداره ان كان من المقدرات، أو بنحو ذلك مما تنتفي به الجهالة الفاحشة ولا يكتفي بذكر الجنس عن القدر والوصف.
(5) لسان العرب / باب الدال، فصل العين .
(6) م / 73 مدني عراقي .
(7) الوكالة في الشريعة والقانون / محمد رضا العاني ص 205.
(8) (مادة 927/ مدني/ الوكالة عقد يقيم به شخص غيره مقام نفسه في تصرف جائز معلوم ).
(9) مادة 52/ مرافعات (2 – الوكالة العامة المطلقة لا تخول الوكيل العام بغير تفويض خاص الاقرار بحق ولا التنازل عنه ولا الصلح ولا التحكيم ولا البيع او الرهن او الاجارة او غير ذلك من عقود المعارضة ولا القبض ولا التبرع ولا توجيه اليمين او ردها او قبولها ولا رد الحكام او اشتكى منهم ولا ممارسة الحقوق الشخصية البحتة ولا اي تصرف اخر يوجب القانون فيه تفويضا خاصا ) .
(10) مادة / 931 مدني (يصح تخصيص الوكالة بتخصيص الموكل به وتعميمها بتعميمه فمن وكل غيره توكيلا مطلقا مفوضا بكل حق له وبالخصومة في كل حق له، صحت الوكالة ولو لم يعين المخاصم به والمخاصم) .
(11) شرح قانون المرافعات عبد الرحمن علام ج2ص122.
(12) شرح قانون التسجيل العقاري / مصطفى مجيد / ج3 ص 28 .
(13) معجم المعاني كلمة خول .
(14) معجم المعاني كلمة فوض .
(15) معجم المعاني كلمة ذات .
(16) عقد الوكالة و الاجراءات المتبعة في توثيقها / رسالة ماستر / بويدة كرم / كلية الحقوق مكناس , جامعة المولى إسماعيل .
(17) المبدأ : أن الوكالة العامة إذا خلت من تفويض المالك لوكيله بنقل ملكية العقار يكون الوكيل قد تجاوز حدود وكالته ونقل ملكية عقار لم يكن مفوضاً بنقله إستناداً إلى المادة 52/2 من قانون المرافعات المدنية حيث أن الوكالة العامة المطلقة لا تخول الوكيل العام بغير تفويض خاص بالإقرار بحق ولا التنازل عنه ولا الصرف ولا التسليم ولا البيع وكذلك المادة 205/1 من قانون التسجيل العقاري والتي أشارت أنه أذا جرى البيع وكالة ينبغي أن تتضمن الوكالة رقم العقار المبيع وتسلسله والبدل وموقعه وأسم المشتري وإقرار الأصيل بالقبض أو تخويل وكيل بذلك …. وهذا ما قضت به محكمة إستئناف كربلاء الأتحادية بموجب القرار المرقم 127 ــ 128/س/2011 في 6-10-2011وفيما يلي نص القرار وصورة من القرار التمييزي المرقم 5556/الهيئة الأستئنافية العقار/2012 ت/220 والمؤرخ في 23-1-2012 والذي صدق القرار الأستئنافي أعلاه والمرقم 127 ــ 128/س/2011
العــــدد:127 ــ 128/س/2011
التاريخ:6/10/2011
تشكلت الهيأة الأستئنافية في محكمة استئناف كربلاء الاتحادية بتاريخ 6/10/2011 برئاسة نائب الرئيس القاضي السيد (محمد علي الصالح) وعضوية نائب الرئيس القاضي السيد (عبد السلام مصطفى عباس) وقاضي الاستئناف السيد (عقيل حسين علي) المأذونين بالقضاء باسم الشعب و أصدرت قرارها الآتي0
المستأنف (الشخص الثالث)/ س.خ. ع وكيله المحامي ط.ا
(الشخص الثالث)/ وزير العدل أضافه لوظيفته
المستأنف عليه (المدعــــي)/ ش.ح. ر وكيله المحامي ع.ا
المستانف الاستئناف الموحد/ب.ش.ع و ح.ج. م وكيلهما المحامي ع.ص.ج
أقام ش.ح.ر الدعوى المرقمة 1227/ب/2010 أمام محكمة بداءة كربلاء على المدعى عليه ب.ش.ع وضمنها أن العقار 163/12 باب الخان والذي هو عبارة عن بستان محدثة قبل النشر والمسجلة بالعدد 17و28 جلد 159و76 وبموجب الوكالة العامة 9192 في 9/3/2008 تم نقل العقار الى المدعى عليه خلافاً لأحكام المادة 252/2 من قانون المرافعات المدنية وطلب أبطال قيد العقار المسجل باسم المدعى عليه وبعد أجراء المرافعة وأدخال س.خ.ع و ح.ج.م أشخاصاً ثالثة الى جانب المدعى عليه أصدرت المحكمة حكماً حضورياً بتاريخ 10/3/2011 وبعدد 1227/ب/2010 قضى بالحكم بأبطال القيد المسجل باسم المدعى عليه والأشخاص الثالثة الى جانبه وهما س.خ.ع و ح.ج.م بالعدد 43/ت1/2008 جلد 1074 وأعادة تسجيله باسم المدعي ش.ح.ر بقيدها السابق 17/مايس/981 جلد 159 ولعدم قناعة الشخص الثالث س.خ.ع بالقرار هذا فقد طعن فيه استئنافاً بتاريخ 14/3/2011 وسجل الطعن بالعدد 127/س/2011 كما طعن فيه المدعى عليه ب.ش.ع والشخص الثالث ح.ج.م بتاريخ 23/3/2011 وسجل الطعن بالعدد 128/س/2011 ولاتحاد الخصوم والسبب والموضوع فقد وحد الطعن 128/س/2011 بالطعن 127/س/2011 وجعل الأخير هو الأصل واستمعت المحكمة لأقوال الطرفين وأفهم ختام المرافعة وصدر القرار التالي.
…الـقـــــــــــــــــــــــــــــرار…
لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن ألاستئنافي مقدم ضمن مدته القانونية قرر قبوله شكلاً ولدى عطف النظر على قرار الحكم المطعون فيه استئنافاً وجد أنه صحيح وموافق للقانون للأسباب والحيثيات التي استند أليه من الناحية القانونية حيث ان هذه المحكمة قد أحالت أسباب حكمها الى ذات الأسباب التي بينتها محكمة الموضوع والتي كانت أسباباً واقعية وقانونية بعد أن قامت هذه المحكمة بأجراء التحقيقات اللازمة في الدعوى كما أطلعت على الدفوع المقدمة من قبل وكيلا الطرفين وتبين بأن وكيل المستانف عليه لم يكن لديه تفويضاً خاصاً بالبيع وأن نقل الملكية كان قد جرى خلافاً لأحكام المادة 52/2 من قانون المرافعات المدنية حيث ان الوكالة العامة المطلقة لا تخول الوكيل العام بغير تفويض خاص بالإقرار بحق ولا التنازل عنه ولا الصرف ولا التحكيم ولا البيع وكذلك أن المادة 205/1 من قانون التسجيل العقاري والتي أشارت أنه أذا جرى البيع وكالة ينبغي أن تتضمن الوكالة موضع العقار المبيع وتسلسله والبدل واسم المشتري وإقرار الأصيل بالقبض أو تخويل الوكيل بذلك وعليه ومن كل ما تقدم وبالطلب قررت المحكمة بالاتفاق تأييد الحكم البدائي ورد الطعن ألاستئنافي وتحميل المستأنف الرسوم واعتبار أتعاب المحاماة مشمولة للمرافعة الأستئنافية حكماً حضورياً قابلاً للتمييز وصدر القرار استناداً للمواد 166و185و193و203و204 مرافعات مدنية والمادة 63 المعدلة من قانون المحاماة وأفهم علناً في 6/10/2011م0
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً