المرأة تحت مظلة الإسلام … مكانتها وصون حقوقها
الدكتور إسماعيل صديق عثمان، أستاذ مساعد–كلية العلوم الإنسانية – قسم مقارنة الأديان – جامعة بحري، السودان. مقال نشر في العدد 17 من مجلة جيل حقوق الإنسان الصادر بشهر مارس
ملــــــــخص
بُعث رسولنا صلى الله عليه وسلم والمرأة تعاني بصورة عامة هضماً لحقوقها، وإجحافاً في معاملتها، واستخفافاً بشأنها، بل وتشكيكاً في إنسانيتها، وإن كان هناك نوع لمراعاة لها عند بعض الأمم، فلا يعدو أن يكون ذلك في أمور ليست جوهرية، ورثها البعض من غيرهم. والحديث عن مكانة المرأة في الإسلام ليس حديثا لترضية أو مجاملة، فكتاب الله عز وجل ليس فيه سورة- بل ولا آية- إلا وللمرأة فيها نصيب، إما خطابا مباشرا لها، أو بمشاطرة الرجل أحكامها وتوجيهاتها، بل قد تنفرد عن الرجل في كثير منها، حتى جعل الله للنساء سورة كاملة في كتابه، هي من أطول سور القرآن الكريم، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يمكن حصره من الأحاديث الخاصة بالمرأة، أمراً وتوجيهاً وإرشاداً وبياناً لمكانتها، وتعتبر قضية المرأة وحقوقها من القضايا المعاصرة التي يثور حولها جدل واسع، ويرجع ذلك إلى عدة أمور أهمها؛ المعاملة الظالمة التي لحقت بالمرأة في الماضي؛ ولا تزال في حاضر بعض الدول لاسيما العالم الغربي الذي يدعي التحضر.
إضافة للنظرة الدونيّة للمرأة في الكثير من الفلسفات والأديان المحرفة والوضعية، وتنبع أهمية هذا الموضوع من الصراع القائم بين العقائد الإيمانيّة والفلسفات الماديّة الإلحاديّة؛ لاسيما في هذا العصر وفي عالمنا الإسلامي تحديدا، وقد أتبع الباحث في هذه الورقة المنهج الوصفي التحليلي من خلال أسلوبي الاستنباط والاستقراء،
ثم قسم البحث إلي عدة مباحث تناول المبحث الأول: نماذج من الآيات الواردة عن المرأة في القرآن الكريم وفيه تحدث عن مساواتها مع الرجل وحقوقها في أمور الزواج. أما المبحث الثاني فجعل عنوانه: المرأة في الأحاديث النبوية الشريفة. والمبحث الثالث أتي بعنوان: العشرة الزوجية.
وختم البحث بالحديث عن: هديه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المرأة في المبحث الرابع والأخير.وقد ظهرت للباحث عدة نتائج أهمها: من أعلى القيم التي رعتها الشريعة الإسلاميَّة قيمة المحافظة على الحياة الأسرية والزوجية.وأن حديث القرآن الكريم عن المرأة يدور على حفظ حقوقها والنهي عن ظلمها، واحترام ذاتها ورأيها، بل يدعوا إلى حسن التعامل معها، وملاطفتها.وأن الإسلام قد حرص على تكريم المرأة بالنسبة لوضعها في الأسرة تكريما أعطاها من الحقوق منذ أربعة عشر قرنا ما لم يصل إليه بعض النساء إلى اليوم في الغرب.
مــــــــــقدمة
كانت المرأة قديما عند جميع الأمم تعاني من اضطهاد شنيع، فعند الرومان سلب قانونهم المرأة معظم حقوقها، فقبل الزواج تكون ملكاً لرب الأسرة، له الحق في قتلها، وبيعها، وبعد الزواج يحل زوجها مكان والدها في جميع حقوقه، وهي لا ترث، لأنها ليس لها حق في الحرية عندهم، فلا عقل لها ولا تصرف ولا تدبير.وعند اليونان كانوا ينظرون إلى المرأة كما ينظر إلى الرقيق، ويرون أنّ عقلها لا يعتد به .أما في حضارة الفرس فقد كانت مسلوبة الحقوق كذلك، وكانت من ممتلكات الزوج، وله أن يقتلها، أو يتفضل عليها بالحياة، حسب مشيئته؛ ويرون أنها نجسة، وأنها تنجس كل ما مسته يدها في حال حيضها ونفاسها، فيضعونها في خيمة صغيرة بعيدة عن بيوتهم، وعلى الخادم إذا أرسل ليعطيها طعامها أن يلف مقدم وجهه ويديه خشية أن يتنجس. والحال لم يكن أفضل بأفضل في حضارة الهند فقد كانوا ينكرون إنسانية المرأة، لذلك حكموا عليها بأنها ليس لها حق إجراء أمر وفق رغبتها، وتكون ملكاً لأبيها ثم لزوجها، ويجب عليها أن تعامله كما تعامل إلهها، لأنّ الزوج عندهم ممثل الآلهة، وإذا مات زوجها أحرقوها مع جثته.
والمرأة الصينية ينظر الصينيون القدماء إليها على أنها معتوهة، لا يمكنها قضاء أي شأن من شؤونها إلا بتوجيه من الرجل، وهي محتقرة مهانة، لا حقوق لها، ولا يحق لها المطالبة بشيء منها. وفي جاهلية العرب – حدث ولا حرج – فإن العربي مع نخوته وحميته، واعتزازه بوالدته، كان يكره المرأة، حتى إن الله تعالى ذكر ذلك في كتابه فقال ﴿ويجعلون لله ما يكرهون﴾ أي: البنات، وكان الواحد منهم إذا رزق بالأنثى اسود وجهه كرهاً لما رزقه الله، قال تعالى﴿وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب﴾ وكان منهم من يئد البنت، حتى جاء عن قيس بن عاصم أنه وأد ثلاث عشرة من بناته، وأنزل الله فيهم﴿وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت﴾.وقد كان العرب في الجاهلية يأنفون أن يداعب الرجل وليدته أو يسمح لها أن تمرح بين يديه .وكانت المرأة لا ترث، لأنَّ الميراث عندهم لمن حمل السيف، وأقرى الضيف، والمرأة ليست كذلك، بل كانت لا تملك شيئاً.وكانت تورث عن زوجها الميت وكان الجمع الكثير من النساء يعشن تحت زوج واحد حيث كانوا لا يتقيدون بعدد محدود من الزوجات.وكان هذا الوضع المشين للمرأة منتشراً بين كثير منهم. وظلت المرأة كذلك حتى جاء الإسلام – بحمد الله – بنوره، وأخرج الله تعالى به الناس من الظلمات إلى النور وانتشل الإسلام المرأة من براثن الجاهلية، وضلالها، وظلمها، وبوأها مكانها اللائق بها، وأعطاها حقوقها، وَعَرَّفَهَا واجباتها، حتى تكون عضواً فاعلاً في مجتمعها، كريمة في حياتها.
أهداف البحث:
الإسلام دين الله تعالى الذي ارتضاه لعباده، ولم يرتض ديناً سواه، قال الله تعالى ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ وقال تعالى﴿ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين﴾.
وشريعة الرحمن هي شريعة الرحمة وهي مبنيةٌ على التيسير ومراعاة الفوارق الفطرية لأن الذي شَرَعها هو الخالق جلَّ وعلا وهو أعلم بعباده من أنفسهم وأعلم بما يصلحهم وبالتالي تتفوق القوانين الإلهية على القانون الدولي لحقوق الإنسان([1]) وكل القوانين الوضعية، وفي الصحيحين عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ t أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امْرَأَةً مِنَ السَّبْيِ قد فُرِّقَ بينها وبين ولدِها، فجعلت كُلَّمَا وَجَدَتْ صَبِيًّا من السَّبي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بصدرِها وهي تدورُ على ولدِها، فلما وجدته ضمَّتْهُ وألقمتْهُ ثديَها، فقال رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم: ( أَتَرَوْنَ هَذِهِ المرأة طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَىَ أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ)؟ قالوا: لا يا رسولَ اللّه، قال: ( فو اللَّهِ: للهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا )([2])، وقد كان العرب في الجاهلية يكرهون إنجاب البنات، ويدفنوهن في التراب أحياء خشية العار وخوفا منه، وقد أنكر الإسلام هذا الأمر المشين، وصوره القرآن في أبشع صورة،:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}( النحل: 59).
تهدف هذه الورقة إلى توضيح مكانة المرأة المسلمة كما وردت في القراَن الكريم والسنة النبوية المطهرة وإلى توضيح حقوقها،. وإلى تبيين سبقها في الإسلام فهي أول من خوطب بالدعوة وتمثل ذلك في شخص أم المؤمنين خديجة (رضي الله عنها) لما جاءها الرسول صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده من غار حراء ودخل عليها وهو يقول: ( زملوني… زملوني ) صلى الله عليه وسلم.فكانت أول من أسلم من الناس رجالا ونساء وأول من استجابت لرسول الله صلى الله عليه وسلم.وهكذا جاءت نظرت الإسلام إلى المرأة كونها تلعب دور أسري في الأساس كونها الأم والأخت والزوجة، وأنها شريكة الرجل في تحمل مسؤوليات الحياة. وقد برز في عدد من العصور والأماكن العديد من النساء المسلمات في مناحي الحياة السياسية والقضائية والتجارية والثقافية والاجتماعية.
أهمية الموضوع:
وللوقوف على حقوق المرأة في الإسلام والتعريف بها أهميةٌ بالغةٌ وفوائدُ جمةٌ منها: تبصير المرأة بحقوقها في الإسلام وتذكيرها بفضل الله تعالى عليها وإكرامه لها وعلى المرأة أن تقارن بين مكانتها العالية في الإسلام في مقابل وضعها المهين والمزري في الجاهلية والقوانين الوضعية الجائرة فتزداد يقينا بفضل الله ورحمته. وفي ذلك تحصين للمسلمة من الدعوات الهدامة وتحذيرٌ لها من الاغترار بالشعارات البراقة التي ترفع في الظاهر باسم حرية المرأة ومساواتها بالرجل؛وتُعتَبَر قضية المرأة من القضايا المعاصرة التي يثور حولها جدل واسع، ويرجع ذلك إلى أمور منها الظلم الذي لحق المرأة في الماضي، ولا يزال في حاضرنا خصوصا في العالم الغربي الذي يدعي التحضر. إضافة للنظرة الدونيّة للمرأة في الكثير من الفلسفات والأديان المحرفة والوضعية. وفشل المجتمعات الغربيّة المتقدمة في الارتقاء بوضع المرأة، لاسيما فيما يتعلق بكرامتها وإنسانيتها ووظيفتها الفطريّة. أمّا فيما يتعلق بالعالم الإسلامي فإنّ قضيّة المرأة غالبا ما تُثار من رؤيتين مختلفتين: الأولى ممن يخلط بين ما هو عُرف وتقليد، وما هو شرع إسلامي.والثانية ممن لا يفرق بين موقف الهدي الإسلامي؛ وموقف الفلسفات الماديّة المعاصرة من قضايا المرأة ووظيفتها الفطريّة،كالذي يرد من قبل اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة CEDAW ([3]) والحق إن من مقاصد الدين التي عليها مدار تعاليمه هي صيانة الفرد، ومنحه الحرية التامة التي لا تتصادم مع مصالح الآخرين، بحيث لا يسيء إلى نفسه ولا إلى غيره، فالإسلام دين عظيم خاتم للأديان حفظ الله به الحقوق، وصان به الحياة من تعدي الظالمين. ونجد أن من أهم الحقوق التي كفلها الإسلام للمرأة حق الحياة: فقد حرم الله عز وجل وأدها كما كان يصنع بها العرب في الجاهلية، فقال عز وجل: ( وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ).وحق الملكية والتصرف بأموالها: فقد أعطى الإسلام للمرأة حق ملكية الميراث، فقال تعالى: ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين ).وأعطاها أيضاً حق التصرف بأموالها فلها أن تبيع وتشتري وتتصدق من أموالها كما تشاء، فهي كاملة الأهلية.وإذا كانت عاملة فهي تستطيع أن تتصرف بمالها وتنفق منه بالطريقة التي تريد وفق الأحكام الشرعية .
وكذلك حق الموافقة على الخاطب أو رفضه: فالمرأة كالرجل لها حق اختيار الزوج المؤمن الصالح، ولا يجوز إجبارها على الاقتران برجل لا تريده ،قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تنكح البكر حتى تستأذن ولا الثيب حتى تستأمر، فقيل له: إن البكر تستحي فقال: إذنها صمتها ) رواه البخاري .وقد جاءت الخنساء بنت خدام فأخبرت الرسول صلى الله عليه وسلم:( بأن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فردّ نكاحه ) رواه البخاري .وحق العلم والتعلم: سواء أكان العلم في المسجد كما كان في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ا، أو في المدارس والجامعات كمـا هو في وقتنا الحالي فقد قـال الـرسول صلى الله عليه وسلم ا:( أيما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها … فله أجـران ) رواه البخاري، وقد كان الرسول صل الله عليه وسلم يجعل للنساء يوماً ليعظهن ويذكرهن ويأمرهن بطاعة الله تعالى .
منهج البحث:
أتبع الباحث في هذه الورقة المنهج الوصفي التحليلي من خلال أسلوبي الاستنباط والاستقراء.
المبحث الأول: نماذج من الآيات الواردة عن المرأة في القرآن الكريم
أولا: المساواة مع الرجل
ساوى القرآن بين الرجل والمرأة في أمور كثيرة منها المساواة في القيمة الإنسانية، حيث خلق الله الاثنين من طينه واحدة ومن معين واحد، فلا فرق بينهما في الأصل والفطرة، ولا في القيمة والأهمية.قال تعالى:{ والله خلقكم من تراب، ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً }( فاطر:11).وقال تعالى{ يا أيها الذين آمنوا إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا ًوقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير }(الحجرات:13.11) ثم ساواها مع الذكر في المسؤولية الخاصة والعامة وفي الثواب والعقاب قال تعالى:{ كل امرئ بما كسب رهين }( الطور:21) وقال تعالى:{ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى }(النجم:39) فالعمل الصالح سواء عمله الذكر أم الأنثى له الثواب والأجر عند رب العالمين عز وجل. يقول تعالى:{ ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً }(النساء: 124) وكذلك نجد نفس الأمر بين الجنسين في العقوبات فلا مفاضلة يقول تعالى:{ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله }(المائدة: 38) وقال تعالى:{الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلده }(النساء:124) كما ساوى القرآن بينهما في الحقوق المدنية على كافة مستوياتها، من تملك وتعاقد وبيع وشراء ورهينة وهبه وحق في توكيل الغير أو ضمانه فللمرأة شخصيتها الكاملة مثل الرجل في الإسلام لها حق التصرف في حالها قبل الزواج وبعده كيفما شاءت في إطار الشريعة الإسلامية.([4]) وهناك المساواة بين الذكر والأنثى في حق إبداء الرأي فالإسلام أعطى المرأة حقها كاملاً من حيث الحوار والمجادلة وإبداء الرأي.([5]) والمساواة بين الذكر والأنثى في حق الانفصال فقد أعطى الإسلام للمرأة هذا الحق، ولكن يفرق بينهما في كيفية وأسلوب هذا الانفصال فهو يسوي بينهما في الحق، ويفرق بينهما في كيفية استخدام هذا الحق، حيث يعطي الرجل حق الطلاق ويعطي المرأة حق الخلع. وإذا نظرنا لكل مستويات الخطاب القرآني ،نجد أن الإنسان ذكراً أو أنثى، رجلاً أو امرأة متضمن هذا الخطاب؛ فالقوم هم ذكور وإناث أو رجال ونساء، والأمة هي رجال ونساء، ذكور وإناث.والأمر للإنسان ذكراً أو أنثى يكون بخطاب كلي يشمل المسائل الإيمانية والاجتماعية والفكرية والسياسية والأخلاقية والاقتصادية للإنسان دون تمييز لذكر أو أنثى. وهي مسؤوليات كلها مشتركة للرجال والمرأة؛ وفيما عدا ذلك يأتي الخطاب القرآني جزئياً خاصاً بالمرأة من ناحية تكوينها البيولوجي، وشخصيتها، ومالها وما عليها في إطار هذه الخصوصية، وهذا منتهى العدل والإنصاف في دائرة الحقوق والواجبات التي يعد الاهتمام بها مبتغى حضارة اليوم، من ذلك مثلا خطاب بني أدم { يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} (الأعراف:26) ومنها لخطاب الناس{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ}( البقرة:21) وخطاب الأمة{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}( البقرة:134) وخطاب (القوم){هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ( الأعراف:203) وخطاب (الإنسان) {إِذَا مَسَّ الإنسان الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أو قَاعِدًا أو قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(يونس: 12) وخطاب النوع(الذكر والأنثى){فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}(آل عمران: 195) وخطاب الصفة بالإيمان، أو الكفر{ يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}(المجادلة: 11) هذه بعض النماذج من كتاب الله في خطابه للبشر الرجال منهم والنساء؛ وفي كل مستويات الخطاب القرآني السابقة المرأة حاضرة، بوصفها من بني آدم فالقرآن حريص على بنائها مثل الرجل تماماً، يريد لها لباس التقوى مثلما يريد للرجل كذلك، ويحذرها من فتنة الشيطان كالرجل تماماً. ولا فرق عند الله بين الرجل والمرأة إنسانيا وحقوقياً وعلمياً وأخلاقيا وإيمانيا إلا فيما يتعلق بخصوصية جنسها كامرأة. ولعل هذا يسلط الضوء على الاتهامات لحركة حقوق الإنسان وكيف أنها متعلقة بالقيم الدينية والثقافية والاجتماعية للمجتمعات ولا تراعي خصوصيتها ومن هذه الاتهامات أن:
ما يسمى “حقوق الإنسان” هي وسيلة لاختراق المجتمعات وتقويض الأديان.فماهية الحاجة لها ونحن المسلمين نؤمن بشريعة فيها ما فيها مما يكفل حقوق الإنسان، وما تحتويه دعوات هذه الحركات التي تهتم بحقوق الإنسان كما يدعون هي محاولة لتقويض قيم مجتمعاتنا العربية تحت شعارات براقة تدعي حماية حقوق الإنسان، وتسعى لترسيخ مفاهيمها الخاصة وفقا للخلفية الثقافية الغربية دون مراعاة واقع الشعوب الأخرى.
ويطرح السؤال ثانية: لماذا نبحث عن حقوق الإنسان في المواثيق الدولية ومع المنظمات الحقوقية “ولدينا في ديننا الإسلامي كل الحقوق” ؟ هذه الحقوق التي ينادون بها تقف ضد بعض الاعتقادات الدينية الراسخة (كحرية المرأة دون قيد أو شرط ) وتسعى – مع المشاريع الغربية – إلى تغريب الدول الإسلامية .وما هي إلا ثقافة غربية يراد بها ضياع الإسلام ومبادئه .حيث تتعارض مع الدين وتحاول إقصاءه من الحياة العامة.
الخلاصة أن الله (جل جلاله )ساوى في كتابه العزيز بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة، كما ساوى ربنا عز وجل بين الرجل والمرأة في أصل العبودية له؛ وكذلك في التكاليف الشرعية، ولم يفضل جنسًا على آخر، بل جعل مقياس التفضيل والتكريم والتميز هو التقوى والصلاح {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }(الحجرات: 13)، وقد ساوى الله كذلك بين الرجال والنساء في أصل التكاليف الشرعية بامتثال الأوامر والامتناع عن النواهي، والثواب والعقاب على فعلها وتركها، وأيضا ساوى ربنا تبارك وتعالى بينهما في أصل الحقوق والواجبات{وَلَهُنَّ مِثْلُ الذي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ }( البقرة: 228)، ولم تقتصر نصوص القرآن على المساواة في أصل التكليف فقط؛ أو أصل الحقوق والواجبات، وإنما تعدت ذلك الأمر إلى التوصية بالمرأة، وذلك لرقة طبعها واختلاف تكوينها الذي قد يمنعها أن تطالب بحقوقها، فأوصت الشريعة الرجال بهن خيرًا وأن يكون التعامل معهن بالمعروف في أكثر من موضع في القرآن الكريم.{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا }(النساء: 19 )، وقوله:{وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًا عَلَى المُحْسِنِينَ }(البقرة: 236) وقوله سبحانه: { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ}(الطلاق:6 ) وقوله تعالى:{فأتوهن أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً }( النساء: 24 ) وقال عز وجل: { وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الذي ءَاتَاكُمْ }(النور: 33) وقوله تعالى:{فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًا كَبِيرًا }(النساء: 34 )، وقوله سبحانه:{ يَأَيُّهَا الَّذِينَ امنوا لاَ يَحِلُّ لَكُم أَن تَرِثُواْ النّسَاءَ كَرْهًا وَلاَ تَعضُلُوهُنَّ لِتَذهَبُواْ بِبَعضِ مَا ءَاتَيتُمُوهُنَّ }(النساء: 19) وقوله سبحانه وتعالى{ فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أو تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا }(البقرة: 229).
وفي مسألة كفالة الإسلام لحقوق المرأة يقول مارسيل بوازار([6]) والفضل ما شهدت به الأعداء ( أثبتت التعاليم القرآنية وتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم أنها حامية حمى حقوق المرأة) ([7]).. ولا ريب في ذلك حيث الله سبحانه وتعالى هو الأعلم بمن خلق وهو الأعلم بشئونهم ونسوق في هذا الصدد عدة نماذج منها:
ثانيا:حرية الفكر للمرأة.
لاشك إن المرأة طرف فيما يتعرض له هذا الجيل من مؤامرات عن طريق إثناءه عن الإسلام , فقد طالها جانب كبير من مؤامرة الغرب ،واهتدوا إلى معرفة سر قوة وعظمة جيل السلف الرائد، ولقد أتعبهم أن تبقى المرأة في مملكتها تربي الأجيال وتصنع الأبطال العظام، فخططوا بمكر بالغ لإخراجها من بيتها وزجوا بها في معركة تقليد المرأة الغربية، والأمة الإسلامية هي الخاسرة بالتأكيد، وقد نجحوا في مطلبهم ومرادهم إلى حد كبير، فالمرأة ركن أساسي في بناء المجتمع وهي سر سعادته أو شقائه، بصلاحها يصلح الجيل الناشىء وبفسادها يفسد، فهي الأم والزوجة والأخت والمعلمة والمربية ,تمثل نصف المجتمع, وهي الوالدة للنصف الثاني, فهي إذا الأمة بأسرها. وعـليها أن تغير من هذا الواقع، وذلك بالعمل على تربية جيل إيماني, فريد بصفاته وملامحه، جيل يتربى في أحضان العقيدة الربانية , يحفظ القرآن الكريم ويتدبره، ويتفهم معاني السنة النبوية الشريفة، ويتدبر سيرة السلف الصالح من الصحابة المجاهدين الفاتحين ليكون أهلا للقيادة , ويغير مجرى الأمور كلها، ويسهم في قلب موازين القوى في العالم، لتصب في صالح الإسلام والمسلمين، فإذا حققت هذا الهدف وأوجدت هذا الجيل القرآني، فإنها ستكون الصخرة التي ستتحطم عليها مؤامرات من أطلقوا شعار (دمروا الإسلام أبيدوا أهله ) ومن أهم المميزات التي منحها الإسلام للمرأة حرية الفكر، كونه احترم الاستقلال الفكري للمرأة، واحترم علمها وبيعتها ووجهة نظرها .. فيقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} ([8]) (والآية تشير بجانب ما فيها من أحكام إلى ما كانت تستمتع به المرأة من استقلال فكري وكيان أدبي محترم)([9]) في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
ثالثا: حقوق المرأة في الزواج.
كانت المرأة في الجاهلية لا حق لها في اختيار زوجها كما هو معلوم، أما في شريعة الإسلام فقد جعل الإسلام حقاً للمرأة في حرية اختيار زوجها، وقد بوب الإمام البخاري – رحمه الله – في صحيحه وسماه: باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاهما، ثم أورد حديث أبي هريرة t أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن)، قالوا يا رسول الله وكيف إذنها؟ قال: (أن تسكت)([10]).كما منح المرأة حق المطالبة بالطلاق إن لم يوف الرجل بواجباته الزوجية، وهو حق آخر للمرأة، يساعدها في دخول حياة زوجية جديدة أكثر توفيقاً ونجاحاً إذا تعذرت الحياة مع الزوج الأول هذا إلى جانب الحقوق الزوجية الأخرى مثل حقها في الصداق ( المهر)، وحقها في الخلع، وحقها في النفقة، فقد أوجب الإسلام على الزوج أن ينفق على زوجته مع حسن معاملته لها، وفي هذا سأل أحدهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال عن حقوق الزوجة: يارسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال ( أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت)([11]) .
رابعا: حقوق المرأة خلال العشرة الزوجية.
قررت الشريعة الإسلامية للمرأة جملة من الحقوق غاية في العدل والإنصاف، فللمرأة خلال قيام العشرة الزوجية حقوقها المشروعة، ومتى ما قصر زوجها بشيء من تلك الحقوق كان لها المطالبة بحقوقها عبر القضاء ومن أنواع المطالبات التي يمكن للمرأة المطالبة:
المطالبة بالصداق أو ما بقي منه.
المطالبة بحق السكن فيما لو منعها الزوج من هذا الحق أو أخل به.
المطالبة بتنفيذ الشروط التي اشترطتها الزوجة عند العقد.
المطالبة بإحسان العشرة فيما لو أساء الزوج عشرتها.
المطالبة بالنفقة.
وإذا امتنع الزوج عن ما تقدم ذكره من هذه الحقوق – أو بعضها – فإن للزوجة الحق في رفع دعوى أمام المحاكم الشرعية للمطالبة بهذه الحقوق. كما لها أيضاً الحق في رفع الدعوى في حال تضررها بسبب تعليقها أو هجرها.والمطالبة بفسخ عقد النكاح عند تعذر تحقيق المصالح المرجوة في الزواج والتي بينتها الشريعة ،ومن ذلك أيضا حقوقها عند انتهاء العشرة الزوجية ومنها: وثيقة الطلاق لإثبات الطلاق،وكذلك الحقُّ في حضانة الأبناء والبنات بعد الطلاق.
ومن تأمل وأمعن النظر في هذه المميزات العظيمة التي منحها الإسلام للمرأة يعلم مدى الرفعة التي نالتها المرأة في حمى الإسلام وظله ومدى الاحترام كأم وبنت وزوجة وأخت، وكيف أنها نالت كل حقوقها الإنسانية والاجتماعية كما نالها الرجل سواء بسواء، وهذا كله مما لم يسبق في أمة من الأمم أو حضارة من الحضارات.غير أن المهم أن نعلم الفرق بين هذه المساواة الإنسانية الرائعة التي أرستها شريعة الإسلام، والمظاهر الشكلية لها مما ينادى به عشاق العُري اليوم، إنما هي نزوات حيوانية أصيلة يتوخى من ورائها اتخاذ المرأة مادة تسلية ورفاهية للرجل على أوسع نطاق ممكن، دون أي نظر إلى شيء آخر([12])..
المبحث الثاني: المرأة في الأحاديث النبوية الشريفة
قد تناولت السنة النبوية الغراء في أحاديث كثيرة شأن المرأة مكرمة لها وراعية لحقوقها نذكر منها: ما أخبر به المصطفى صلى الله عليه وسلم في إجابة لسؤال سأله أحد أصحابه (رضي الله عنهم) حيث قال له صلى الله عليه وسلم: من أحب الناس إليك ؟ قال:(عائشة )([13]) رضي الله عنها؛ وكذلك في رواية أخرى إجابة منه صلى الله عليه وسلم عن نفس السؤال قال:( فاطمة) رضي الله عنها ([14]) ففي هذين الخبرين إشارة إلى تكريم المرأة باعتبارها زوجًا وباعتبارها ابنة ،فعندما يعلم المسلم أن أحب الناس إلى نبيه وقائده الأعظم صلى الله عليه وسلم كانت امرأة يعلم حينئذٍ قدر المرأة ويجلُّ كل امرأة تأسيًا به صلى الله عليه وسلم .
بل كان من كمال خلقه صلى الله عليه وسلم أن يصل بالهدايا صديقات زوجه خديجة ( رضي الله عنها ) فعن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالهدية قال: (اذهبوا به إلى فلانة ؛ فإنها كانت صديقة لخديجة)([15]).وقوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيرًا)([16]) يشير بالاهتمام بأمر النساء عامة؛ زوجة كانت، أو أُما، أو ابنة ؛ بل اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم مقياس أفضلية الرجال بحسن معاملة للمرأة والزوجة بصفة خاصة لأنها أكثر امرأة لصيقة بالرجل، فقال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)([17]).كما رغب النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الزوجة بالتوسعة عليها في النفقة: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك)([18]. وفي دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم لإحسان معاملة الزوجة بالإنفاق والسلوك يقول صلى الله عليه وسلم: ( مهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة ترفعها في امرأتك) ولم يكتف الشرع بتلك النصوص التي توضح تلك المساواة في أصل التكليف، وأصل الحقوق والواجبات، وإنما تعدى الأمر إلى التوصية بالمرأة؛ وذلك لأن المرأة أضعف من الرجل واحتمال بغي الرجل عليها وارد، فأوصى الشرع الشريف بها في كتابه العزيز وفي سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم. والمتأمل في النصوص التي كرمت المرأة وأعلت من منزلتها يجدها تنقسم إلى نوعين، النوع الأول: النصوص التي ساوت بين الرجال والنساء في أصل التكليف والحقوق والواجبات .أما النوع الثاني: فهي النصوص التي أوصت الرجال بالنساء، وهي مرحلة أعلى من النوع الأولى فالنوع الأول إقرار بحق المرأة ومساواتها للرجل في أصل التكليف، أما النوع الثاني فهو توصية للرجال على النساء، مراعاة لضعف المرأة ورقة طبعها واختلاف تكوينها، وقد سلف إيراد النوع الأول من النصوص، التي تصرح بأن: المرأة كالرجل في أصل التكليف، وأصل الحقوق والواجبات وأن الاختلاف الذي بينهما في ظاهر الحقوق والواجبات من قبيل الوظائف والخصائص لا أكثر، فلا يسمى بحال من الأحوال اختلاف الوظائف والخصائص انتقاصًا لنوع من جنس البشر أو تميز نوع على آخر، فمثلاً إذا أراد أب أن يكسوَ أبنائه فالظلم هنا هو أن يكسوَ الأبناء دون البنات ولكن ليس من الظلم أن يفرق بين نوع الثياب التي يلبسها ابنه الذكر عن الملابس التي تلبسها ابنته الأنثى وفقا لاختلاف الخصائص، فالمساواة هنا مع الافتراق تغدو لونا من الظلم.
كل ما وقفنا عليه من نصوص من كتاب الله وسنة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) تؤكد وتدل على علو مكانة المرأة في التشريع الإسلامي، وأنه لا يوجد تشريع سماوي ولا أرضي سابق ولا لاحق كرم المرأة وأنصفها وحماها وحرسها مثل ما فعل التشريع الإسلامي
وعلى الرغم من وضوح صورة المرأة في نصوص القرآن الكريم، أو السنة النبوية الشريفة إلا أن بعضهم أما أثار ما أثار حول حديث( ناقصات عقل ودين)، والذي عندما سئل عنه النبي: صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ؛ وما نقصان ديننا وعقلنا ؟ أجاب: ( أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي وتفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين)([19]) فعندما ظنت إحدى النساء أن المعنى فيه إساءة للنساء سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن معنى ذلك النقصان الذي أطلقه النبي صلى الله عليه وسلم في بداية حديثه، فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا النقصان لا يعني دنو منزلة المرأة في العقل والدين عن الرجل، وإنما يعني ضعف ذاكرة المرأة غالبًا في الشهادة – وقد أثبتت الدراسات الحديثة ذلك _، ولذا احتاجت من يذكرها، ويعني أيضًا ما يحدث للمرأة من أمور فسيولوجية خاصة بطبيعتها الأنثوية مما جعل الشرع يخفف عليها أثناء هذه المتاعب الصحية في ترك الصيام والصلاة.وهكذا ليس في الأمر إهانة ولا إساءة للمرأة ولا إنقاص من قدر عقلها ودينها، فسيدة نساء العالمين مريم بنت عمران، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وخديجة (رضي الله عنها)، وآسية كلهن يعجز أغلب الرجال أن يقتربوا من درجتهن في العبادة والدين .ولا يجب أن نحمِّل هذا الحديث الواضح المعنى ما لا يحمله من معاني ودلالات ونخرجه من مقصوده الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم كما حاول بعضهم جاهدا تأويله للقدح في الإسلام وأنه دين ينتقص من قدر المرأة ويحط من شأنها ويفضل عليها الرجال.
المبحث الثالث: حقوق العشرة الزوجية
أولا يجب أن نعلم ونوقن أن الحقوق في الإسلام لم يقررها الرجل ولا المرأة إنما قررها الله اللطيف الخبير، الذي قال:(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) الأعراف(189)، فإن وجد في واقع المسلمين ظلم وجور في الحقوق من طرف تجاه آخر وتعدي على الحقوق؛ فهو نتيجة لانحراف ذلك الطرف من المسلمين عن دينه، وجهله بأحكامه وضعف إيمانه بربه؛ أو بسبب تحكيم القوانين الوضعية فيهم. والعلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الإسلامي وداخل الأسرة تقوم على أساس التكامل بين أدوارهما وهو ما يسمى بالتكامل الوظيفي، ومن مقاصد هذا التكامل: حصول السكن للرجل والمودة والرحمة بينهما، قال سبحانه:(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إليها وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) (الروم: 21)، ولفظ السكن لا يوجد أبلغ منه في اللغة العربية، وقد لا يوجد في اللغات أخرى، فهو يعني جملة من المعاني منها:الأمن، والراحة، والطمأنينة، والأنس.
أولا: مسؤولية الرجل والمرأة في بناء الأسرة
يقول الله تعالى:( الرّجالُ قَوّامونَ على النساءِ بما فَضّل اللهُ بعضَهُم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم) (النساء: 34).والقوّام: هو من يكثرُ من القيام،ومعنى قوّامٌ، أي كثير القيام. وعليه فإنّ من أهم وظائف الرجال الأساسية كثرة القيام على شؤون النساء.( بما فَضّل اللهُ بعضَهُم على بعض فالنّص القرآني في غاية الوضوح، فالرجل مُفضّل على المرأة، والمرأة مفضّلة على الرجل. ومعلوم أنّ الفضل في اللغة هو الزيادة.
ولا شك أنّ لدى الرجل زيادة شاءها الخالق الحكيم لتتناسب مع وظيفته. ولدى المرأة زيادة تتناسب مع وظيفتها، وعليه، فلا يمكن أن نُفاضل بين الرجل والمرأة حتى نُحدّد الوظيفة تماماً ، كما هو الأمر في الطبيب والمهندس، فإذا كان المطلوب بناء بيت فالمهندس أفضل، والطبيب أفضل لمعالجة الأمراض؛ وهكذا في كل الوظائف المختلفة معلم وقاضي مزارع وتاجر إلى آخره، فالفضل لدى الرجال اقتضى واجباً عليهم تجاه النساء، وفضل النساء اقتضى حقاً لهنّ على الرجال، ففضل الرجل أنتج واجباً، وفضل المرأة أنتج حقاً، ولا شك أنّ بعض جوانب فضل الرجل (زيادته) جعلته الأقدر على الكسب في الواقع الاقتصادي.
أمّا فضل المرأة فقد أعاق قدرتها على الكسب. لذا فقد أنتج فضل الرجل في هذا الجانب واجباً، في حين أنتج فضل المرأة حقاً، وبناءً على ذلك كان الرجل هو الأكثر قياماً على شؤون المرأة، لما أنتجه فضلُهُ من واجبات، ولما أنتج فضل المرأة لها من حقوق، والمعروف أنّ القيام بالواجب يُنتج حقاً يُكافِئ القيام بهذا الواجب، وإذا كان الرجل قوّاماً يؤدّي واجباته ويمارس وظيفته، فلا بد أن يُقابل ذلك ما يُكافئه من الحقوق. والعجيب أنّ معنى القِوامة عند الكثيرين يُرادف معنى الحق الذي هو للرجل على المرأة، في حين أنّ معنى القِوامة في اللغة يشير بوضوح إلى الواجب الذي هو على الرجل تجاه المرأة، أي أنه حق المرأة وليس حق الرجل. أمّا حق الرجل فهو الأثر المترتِّب على قيامه بواجبه، وهو المردود المتوقّع نتيجة القيام بالوظيفة.([20]) ولهذا شرع الإسلام لكل فرد من أفراد الأسرة حقوقاً معينة ينبغي احترامها وعدم تجاوزها.
فلذلك يجب النظر إلى أن مسألة زعامة الأسرة ليست امتيازاً في نظر الإسلام بقدر ما هي مسؤولية تعني إدارة الأسرة وقيادتها في الطريق الصائب، حيث يأتي دور العقل والتضحية والإيثار والصبر، وهنا نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسند شؤون المنزل وإدارته إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، بينما يوكِّل الأعمال خارج المنزل إلى زوجها الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) .فالإحساس المتقابل بمسؤولية الزوجين تجاه بعضهما البعض له أثره الكبير السير نحو الهدف الأسمى وهو الأسرة السعيدة الراضية، فمسؤولية الرجل إذا أن يتحمل إدارة الأسرة وتوفير ما تحتاجه من غذاء وكساء، وحماية في مواجهة الأخطار التي تهدِّد كيانها ومصيرها ،وعليه مسؤولية بناء الأسرة على أسس صحيحة. وأن لا يجعل همَّه الأول هو الحياة الدنيا بل يؤثر ويقدم حاجيات أسرته على حاجياته .أما المرأة فمسؤوليتها عظيمة في الحياة الأسرية، فهي تشكل محور الأسرة، وعليها تقع مسؤولية إدارة المنزل وتربية الجيل تربية صحيحة.وهي بمثابة القلب النابض للأسرة، فكِلا الدورين يُكمِل أحدهما الآخر في ود وانسجام .
ثانيا: شبهات ضرب الزوج لزوجته.
من المعلوم أن المذاهب والشرائع الوضعية التي كانت تسود العالم قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تشرِّعُ العنف ضدَّ المرأة إلى حد القتل! وكانت المرأة في نظر الكنيسة في العصور الوسطى، جرثومة ملعونة، وهي مصدر الذنوب والآثام([21]) !.
أما الإسلام فقد حرّم العنف ضد المرأة، وأباح استخدام الضرب للتأديب في نطاقٍ ضيقٍ جداً ومحدود، وذلك خاصٌّ بالمرأة الناشز التي خرجت عن قوامة زوجها، وشكلت تهديداً لنظام الأسرة، وأصرت عليه، إذ لا يبيح الإسلام اللجوء إلى الضرب إلا بعد استخدام الوعظ كمرحلة أولى، ثم يجرَّب الهجر في المضاجع أثناء النوم بشروط وضوابط فقهية، ولا يهجر إلا في البيت، فإذا لم يجد الوعظ ولا الهجر فلا حرج من اللجوء إلى ضربٍ غير مبرح، هو إلى التهديد أقرب منه إلى التنفيذ، ومثل هذه المرأة التي لم يصلحها وعظٌ ولا هجرٌ والهجر عند النساء أشدُّ من الضرب نفسه؛ لرقتهن وغلبة العاطفة عليهن غالباً ما تكون في حالة شذوذٍ نفسي، وقد ينفع فيه العقاب البدني كحلٍّ أخيرٍ، وهو رغم ما فيه من ضررٍ على المرأة خيرٌ من الطلاق وتمزيق الأسرة، وهي أشبه ما تكون بقاعدة الضرورة التي تباح في بعض الحالات الاستثنائية([22]) .
فليس كل الرجال مباحًا لهم أن يضربوا كل النساء،كل الوقت أو في كل الظروف، وهناك ضوابط صارمة لاستعمال هذه الرخصة. فالأم امرأة ورغم هذا فإن إقدام الابن أو البنت على ضرب الأم هو جريمة من أشد الجرائم وذنب من كبائر الذنوب بل لا يجوز مطلقًا أن يؤذى الابن أمه ولو بكلمة، بل بشطر كلمة أف، أو بإظهار الضيق أو النقد أو الغضب في حضورها، وفضلاً عن ذلك عليه أن يرحمها ويلين لها إلى درجة إظهار الذل والخضوع بين يديها ولو كانت كافرة، وهذا كله من المعلوم من الدين بالضرورة. أما ضرب الرجل لأيَّة امرأة أجنبية عنه فهو جريمة شرعية فيها القصاص أو التعويض، وفي تأمل قوله تعالى:{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً }(النساء: 34). نجد أنه سبحانه وتعالى قد بدأ بمدح النساء الصالحات، وهؤلاء الصالحات لا يجوز مطلقًا ضربهن،والآية الكريمة تتحدث عن حالة استثنائية نادرة في المجتمع لا يجوز التوسُّع فيها، وهى حالة الزوجة الناشز،وقد أجمع علماء المسلمين في كل العصور على أن الضرب المُرَخَّص فيه للضرورة القصوى يجب ألا يتسبَّب في أيَّ إضرار بصحة أو بدن المرأة، ويكون باستخدام السواك كما قال ابن عباس رضي الله عنه أو بمنديل ملفوف كما قال آخرون. ويشترط ألا يكسر لها عظمًا أو يُسبِّب عاهة، كما يجب تجنب الوجه، وألا يوالى الضرب في مكان واحد كما ورد في أقوال المفسرين والفقهاء. ومما قاله المفسرون شرحا للآية الكريمة: قال الطبري:( لا يهجرها إلا في المبيت في المضجع، ليس له أن يهجر في كلام ولا شيء إلا في الفراش فلا يكلِّفها أن تحبَّه، فإن قلبها ليس في يديها، ولا معنى للهجر في كلام العرب إلا على أحد ثلاثة أوجه، أحدها هجر الرجل كلام الرجل وحديثه، وذلك رفضه وتركه، يقال منه: هجر فلان أهله يهجرها وهجرانًا. والآخر الإكثار من الكلام بترديد، كهيئة كلام الهازئ، يقال منه: هجر فلان في كلامه يهجر هجرًا إذا هذى ومدد الكلمة، وما زالت تلك هجيراه وأهجيراه، والثالث هجر البعير، إذا ربطه صاحبه بالهجار، وهو حبل. قال حيان:حدثنا ابن المبارك. قال أخبرنا يحيى بن بشر سمع عكرمة يقول في قوله:{ وَاضْرِبُوهُنَّ }ضربًا غير مبرح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (واضربوهن إذا عصينكم في المعروف، ضربًا غير مبرح).{ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } يقول:فإن أطاعتك فلا تبغ عليها العلل؛ وفي كتاب المنتخب:(الزوجات اللاتي تظهر منهن بوادر العصيان فانصحوهن بالقول المُؤَثِّر، واعتزلوهن في الفراش، وعاقبوهن بضرب خفيف غير مُبَرِّح ولا مُهين عند التمرُّد. فإن رجعن إلى طاعتكم بأي سبيل من هذه السبل الثلاث، فلا تتطلبوا السبيل التي هي أشد منها بغيًا عليهن. إن الله فوقكم وينتقم منكم إذا آذيتموهن أو بغيتم عليهن) ([23]).
ثالثا: تعدد الزوجات([24] )
تعدد الزوجات ظاهرة هامشيّة في مجتمعنا الإسلامي، إلا أنّ الحديث حولها يجعلها تبدو وكأنّها قضيّة مهمة ذات آثار سلبية عظيمة. وعند مناقشتها نجد:أن الأحكام الشرعيّة تتمثل في: الواجب، المندوب، الحرام، المكروه، والمباح. وتعدد الزوجات في الإسلام هو من قبيل المباحات. وقد ظنّ البعض أنّ فعل الرسول، صلى الله عليه وسلم في هذا المجال يدل على أنّ التعدد هو سنّة يُستحب فعلها وهو خطأ، لأنّ الرسول صلى الله عليه وسلم، يفعل الفرض والمندوب والمباح، ولم يقم دليل على الفرضيّة أو الندب، بل لقد قام الدليل على الإباحة.وكذلك هناك عامل مهم وهو عدم تَقبُّل الزوجة لأن يُعدد زوجها، وإعلان سخطها لذلك، وهو أمر معلوم من كل الزوجات ولا يعتبر اعتراضاً على حكم الله تعالى، لأننا مخيّرون بين فعل المباح أو تركه، وتقبّله أو رفضه، ولكننا لم نُخيّر في تغيير حكمه، فالتعدد مباح، وهذا لا يمنع أن يختلف الموقف من هذا المباح من عصر إلى عصر، أو من مجتمع إلى مجتمع.
وفي الوضع الطبيعي لأي مجتمع بشري نجد أنّ نسبة النساء تعادل نسبة الرجال تقريباً أي 50% أو تتفوق عليها بقليل، وهذا يعني أنّ التعدد سيبقى ظاهرة هامشيّة، لأنّه حتى يتمكّن كلّ رجل من أن يتزوّج امرأتين لا بد أن تكون نسبة النساء تُقارب 66% من المجتمع. وحتى يتمكن كل رجل من أن يتزوّج من أربع نساء لا بد أن تكون نسبة النساء 80%، ثم إن الغالبيّة العُظمى من المجتمعات المعاصرة، وعلى وجه الخصوص المجتمعات الغربيّة، تُمارس التعدد على نطاق واسع، وتشذ المجتمعات الإسلاميّة فلا تمارسه إلا نادراً. ويرجع ذلك إلى أسباب منها الضوابط التي شرعها الإسلام. أما المجتمعات غير الإسلاميّة – وهذا مشاهد الآن- فقد أصبح التعدد فيها قاعدة وعدم التعدد هو الاستثناء، وذلك لأسباب منها: إباحة الزنا عند تراضي الطرفين. وعدم وجود قانون يمنع العلاقات الجنسيّة خارج العلاقة الزوجيّة. ثم أجواء الانفتاح والتحرر الجنسي، والتي تدفع الرجل ليستجيب لنوازعه الفطريّة، بحيث تصبح العفّة أمراً شاذاً، بل ظاهرة مرضيّة.
والغريب أن القوانين التي تَحظر التعدد المنضبط تبيح التعدد غير المنضبط. فلا يجوز للرجل وفق هذه القوانين أن يتحمّل مسئوليّة أكثر من زوجة وأكثر من أسرة، ولكنّه يستطيع أن يعاشر أكثر من امرأة، بشرط أن لا يكون ذلك في إطار صيغة مُلزمة، ومثل هذا الموقف يُسهّل على الرجل ممارسة التعدد، لأنّ الالتزامات والمسئوليات هي من أهم العوائق أمام التعدد، وواقع الغربيين أكبر دليل على ذلك. ومثل هذا الواقع يُؤدّي إلى تحميل المرأة كامل المسئوليّة عن الأسرة الناشئة عن العلاقات غير الرسميّة، ففي بريطانيا مثلا، نجد أنّ 60% من النساء اللاتي لهنّ أولاد ليس لهنّ أزواج. وترجع هذه الإحصائية إلى العقد الأخير من القرن العشرين، أما اليوم فحدث ولا حرج.
المبحث الرابع: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع المرأة.
المتأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد الكثير من الأمثلة الرائعة على علو أخلاقه ومعاملته وحسن علاقته بأزواجه عند أول لمحة في سيرته، لم يكن فيه تعاظم وكبرياء الأقوياء بجاههم أو غِناهم، بل فيه سماحة الأنبياء، وندى العظماء، وسيرة الأتقياء، تجده يحنو على أزواجه ويعينهن، فيقم بيته بيده، ويحلب الشاة، ويخرز النعل، ويتلطف إليهن، ويداري غضبهن، ويعدل بينهن، ويراعي ما جبلن عليه من الغيرة، ويحتمل هفواتهن، ويرفق بصغيرتهن وهكذا عاش الرسول صلى الله عليه وسلم عيشة إنسان عظيم يأتمر بأمر الله وينتهي عن نواهيه([25]).
إعانتهن في تدبير شؤون البيت:
ومن حسن عشرته صلى الله عليه وسلم ما كان يقوم به مع أزواجه داخل منزله، فقد كان يعينهن في تدبير شؤون البيت ويساعدهن في أعمال المنزل، وقد سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ فقالت: (كان يكون في مهنة أهله -تعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة)، وفي رواية أخرى: (ما كان إلا بشراً من البشر، كان يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه)([26])(كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم)([27]).
معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم الحسنة لزوجاته.
أمر الله عز وجل الأزواج أن يعاشروا زوجاتهم بالمعروف فقال:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}( سورة النساء: 19).قال ابن كثير: أي طيبوا أقوالكم لهنَّ وحسنوا أفعالكم وهيآتكم بحسب قدرتكم كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله كما قال تعالى:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}(البقرة: 128)([28]).
ويتضح من خلال معاشرة النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه ما يلي:
إدخال السرور عليهن:
كان صلى الله عليه وسلم يداعب نسائه ويضاحكهن، ليدخل السرور على قلوبهن، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سَهْوَتِهَا([29]) ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة (لعب)، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي، ورأى بينهن فرساً له جناحان من رِقَاعٍ([30])، فقال: ما هذا الذي أرى وسطهن؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرس له جناحان؟! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة، قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه([31]).وحث صلى الله عليه وسلم الأزواج على هذا الأمر؛ لأنه يجلب المسرة للقلوب، ويحبب الطرفين إلى بعضهما، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله لما تزوج: (هلَّا جارية تلاعبها وتلاعبك، أو تضاحكها وتضاحكك)([32]).فالمضاحكة بين الزوجين تملأ القلوب مسرة، والبيت أُنساً ومحبة، فتقوى الرابطة الزوجية وتعمق الألفة بينهما.
التقبيل:
وقد كان صلى الله عليه وسلم يقبل زوجاته حتى ولو كان صائماً، عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، قال قلت: من هي إلا أنت؟ قال: فضحكت([33]).وعنها رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم وكان أملككم لأربه([34]). أي حاجته.وعن زينب بنت أبي سلمة أن أم سلمة، قالت: حضت وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الخميلة، فانسللت فخرجت منها، فأخذت ثياب حيضتي فلبستها، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنفست؟). قلت: نعم، فدعاني فأدخلني معه في الخميلة، قالت: وحدثتني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، وكنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة([35]).
قال ابن القيم: ( ومما ينبغي تقديمه على الجماع ملاعبة المرأة وتقبيلها ومص لسانها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلاعب أهله ويقبلها، وروى أبو داود في سننه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة ويمص لسانها)([36]).ويذكر عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المواقعة قبل الملاعبة ([37]). ومن ذلك أيضا ما كان يفعله صلى الله عليه وسلم مع عائشة رضي الله عنها، فإنه كان يضع فاه على موضع فيها عند الشرب، ويستاك بالسواك الذي استاكت به، تقول رضي الله عنها: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ فيشرب، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وأنا حائض ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على مَوْضِعِ فِيَّ.([38])وتقول: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يستاك فيعطيني السواك لأغسله فأبدأ به فأستاك ثم أغسله وأدفعه إليه)([39]).
وضع رأسه في حجرهن:
كان صلى الله عليه وسلم ينام أحيانا على فخذ عائشة، ويتكأ في حجرها، ويقرأ القرآن وربما كانت حائض، فعنها قالت: (عاتبني أبو بكر وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأسه على فخذي)([40]).وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن.([41])
حقهن من المعاشرة:
المعروف أن الزوجةُ تحتاج زوجها كما يحتاج الزوجُ زوجته، فكان صلى الله عليه وسلم يعاشر زوجاته ويعطيهن حقهن في المعاشرة، ولا يقصر في هذا أبداً، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في كل ليلة وله تسع نسوة([42]). وكان صلى الله عليه وسلم يعطى لكل واحدة ليلة يبيت عندها حتى تأخذ راحتها معه، وتستأنس به، وتستمتع بوجوده صلى الله عليه وسلم .
نداؤهن بأحب الأسماء إليهن:
كان صلى الله عليه وسلم يناديهن بما عُرفن به من اسم أو كنية، أو يدللهن كما فعل مع عائشة، عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام. قلت: وعليه السلام ورحمة الله) ([43]) فإنه قال لها: يا عائش ترخيما لاسمها.
مراعاة مشاعرهن:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يظهر حبه وعاطفته لعائشة رضي الله عنها ويلاطفها ويدللها ويعطي الزوجة ما تتمنى سماعه من زوجها وحبيبها وهذا مقام عال في التعامل بين الزوجين وكان صلى الله عليه وسلم يراعي مشاعر زوجاته، فها هو يقول لعائشة رضي الله عنها: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى) قالت فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: (أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت غضبى قلت: لا ورب إبراهيم). قالت قلت: أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك)([44]).
التصريح بحبهن:
كان صلى الله عليه وسلم يصرح بحبهن رضي الله عنهن، ولا يجد غضاضة في ذلك، وحبه لعائشة رضي الله عنها أشهر من أن يذكر، ولم يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة حُبها، وكان يُظهر ذلك الحب ولا يخفيه، حتى إن عمرو بن العاص سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: (عائشة). قلت: من الرجال؟ قال: (أبوها). قلت: ثم من؟ قال: (عمر) فعد رجالاً فسكت مخافة أن يجعلني في آخرهم.([45]). فالزوجة تريد من زوجها أن يشعرها أنه يحبها، ويصرح لها بذلك. وهذه بعض أفعاله صلى الله عليه وسلم التي تدل على ما كان عليه من تعامل راق للمرأة، وهو القدوة في كل أفعاله، وها هي أقواله التي تحث الأمة على هذا الأمر.
سباقه مع عائشة رضي الله عنها:
تحكي لنا عائشة رضي الله عنها قصة من أروع القصص التي حدثت لها مع النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس:(تقدموا) فتقدموا ثم قال لي: (تعالي حتى أسابقك) فسابقته فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس: (تقدموا) فتقدموا ثم قال: (تعالي حتى أسابقك) فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول: (هذه بتلك)([46]).
هذه بعض الأمثلة والنماذج من تعاملاته الرائعة وأخلاقه الحسنة وسجاياه الكريمة التي كان يتعامل بها مع زوجاته أمهات المؤمنين، ليدخل على قلوبهن الفرح والسرور والبهجة والحبور، وهذه أمثلة من ذلك الجانب الكريم في مجال الترويح والترفيه التي حظيت به تلك الزوجات الطاهرات منه صلى الله عليه وسلم.ويكفي المسلم فخرا أن يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يضرب ولم يعنف امرأة قط طوال عمره الشريف، وهو وحده قدوتنا، والمثل الأعلى للنُبل البشرى ومكارم الأخلاق.وتروى كل كتب السيرة والحديث أنه صلى الله عليه وسلم لم يضرب امرأة بل ولا خادمًا قطُّ كما روى مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها.وقد أخبر خادمه أنس عن حسن تعامله ورقة أخلاقة صلى الله عليه وسلم.
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في النكاح.
حثَّ الشارع الحكيم على الزواج، ورغب فيه وجاء الأمر في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم بالنكاح،فقال تعالى:{ وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم} (النور:32) وقال صلى الله عليه وسلم: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ) رواه البخاري ومسلم، وقد بينت لنا نصوص السنة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في نكاحه وأرشدنا رسولنا صلوات ربي وسلامه عليه إلى تأسيس الحياة الزوجية وفق معايير وأسس معينة، تعيين على تحقيق استمرارية الزواج، فمن ذلك حثه صلى الله عليه وسلم على اختيار المرأة الصالحة ذات الدين التي تطيع زوجها إذا أمر، وتسره إذا نظر، فقال صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة )رواه مسلم، وقال: صلى الله عليه وسلم (تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) رواه البخاري، وليس أمره صلى الله عليه وسلم بمراعاة الدين نهياً عن مراعاة الجمال، ولا أمراً بالإضراب عنه، وإنما هو نهي عن مراعاته مجرداً عن الدين، فإن الجمال في غالب الأمر يرغب الجاهل في النكاح دون الالتفات إلى الدين. ويأتي بعد ذلك الأساس خطوة هامة في تأسيس لبنة الأسرة وهي النظر إلى المرأة المخطوبة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بالنظر إلى المرأة بعد الخطبة، حرصاً على تحقيق استمرارية الحياة الزوجية، فقد جاءه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه حينما أراد أن يتزوج، فأوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا له:(اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما )، ومعنى (يؤدم): أي يحصل التآلف والمحبة والاتفاق بينكما، فهذا الحديث يدل على مشروعية النظر إلى المرأة بقصد النكاح، لا بقصد التلذذ بالنظر، فذلك محرم. ومن هديه القويم في شأن النكاح، أنه صلى الله عليه وسلم كان أحسن الخلَق معاملة وعِشرة لأهله، وكان يقول صلى الله عليه وسلم: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي )، فكان عليه الصلاة والسلام يسابق عائشة، إدخالاً للسرور على قلبها، ويناديها بيا عائشُ إيناساً لها وتلطفاً معها -كما مر- وكان يؤانسها بالحديث ويروي لها بعض القصص، ويستمع لها عند الحديث معها، وكان يرخي لها كتفيه لتلتصق به وتنظر إلى لعب الحبشة حتى ترفه عن نفسها، وكان يطعمها ويسقيها بيديه الشريفتين، وكان يحرص على الشرب من الموضع التي شربت منه، فهذه النماذج من حسن عشرته لأهله، أدت إلى المودة والرحمة وتآلف القلوب بينهما.وبين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أموراً يراعيها الزوج عند الدخول على زوجته في أول ليلة فمن تلك الأمور تقديم الطعام والشراب لها، ومن ذلك أن يضع الزوج يده على رأس زوجته قائلاً:( اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) رواه أبو داوود.وكان صلى الله عليه وسلم يتطيب ويتزين إذا أراد أن يأتي أهله، وكان يقول:( بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا) رواه البخاري.وكان صلى الله عليه وسلم يحرم إتيان المرأة في الحيض أو في النفاس، كما ورد ذلك في القرآن الكريم، وكان يقول:( اصنعوا كل شيء إلا النكاح) رواه مسلم، والمقصود بذلك حال حيض المرأة، فشرع التمتع بما دون الفرج. كما نهى صلى الله عليه وسلم عن امتناع الزوجة عن فراش زوجها، وورد الوعيد الشديد في شأن من تفعل ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ) رواه البخاري ومسلم. ومن هديه صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه كان يشاور زوجاته في بعض الأمور مثلما شاور أم سلمه في صلح الحديبية وصدق الله تعالى إذ يقول:{وعاشروهن بالمعروف}(النساء: 19).
الخاتمة
وبعد … هذا ما يسَّر الله سبحانه وتعالى من هذا البحث ووفِّقتُ إليه؛ وقد وقفنا في مقام المرأة في القران الكريم وفيه بينا أن القرآن قد صرح بمساواتها مع الرجل وحفظ لها حقوقها في أمور الزواج وخلال العشرة الزوجية. وكذلك وقفنا على النصوص التي وردت في شأن المرأة في السنة النبوية؛ ورأينا حضها على عشرة الزوجة بالمعروف وختمنا البحث بالحديث عن: هديه صل الله عليه وسلم في التعامل مع المرأة والذي ضرب لنا أورع الأمثلة في كيفية التعامل مع المرأة.
هذا وقد ظهرت لي بوضوح عدة نتائج أهمها:
-حديث القرآن الكريم عن المرأة يدور على حفظ حقوقها والنهي عن ظلمها، واحترام ذاتها ورأيها، بل يدعوا إلى حسن التعامل معها، وملاطفتها.
-حرص الإسلام على تكريم المرأة بالنسبة لوضعها في الأسرة تكريما أعطاها من الحقوق منذ أربعة عشر قرنا ما لم يصل إليه بعض النساء إلى اليوم في الغرب .
-من أعلى القيم التي رعتها الشريعة الإسلاميَّة قيمة المحافظة على الحياة الأسرية والزوجية.
-الإسلام قد كرم المرأة وكفل لها حق الحياة ونهى عن تلك البربرية التي كانت سائدة في الجاهلية ألا وهي وأد البنات ومنح المرأة من الحقوق ما رفع مكانتها وأعلى من شأنها بالنسبة لما كانت عليه قبل الإسلام.بل وبما جاء لاحقا من قوانين وضعية.
من تأمل في المميزات التي منحها الإسلام للمرأة يعلم بوضوح مدى الرفعة التي نالتها المرأة في حمى الإسلام وظله، وكيف أنها نالت كل حقوقها الإنسانية والاجتماعية بصورة غير مسبوقة عبر التأريخ.
قررت الشريعة الإسلامية للمرأة جملة من الحقوق، فللمرأة خلال قيام العشرة الزوجية حقوقها المشروعة التي نص عليها القرآن وبينتها السنة النبوية المطهرة.
لا فرق عند الله بين الرجل والمرأة إنسانيا وحقوقياً وعلمياً وأخلاقيا وإيمانيا إلا فيما يتعلق بخصوصية (جنس الأنثى) وتكوينها الذي بدونه لا يكتمل العالم.
ما سبق إيراده في ثنايا هذا البحث من نصوص الشرع من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد ويدلل على علو مكانة المرأة في التشريع الإسلامي، وأنه لا يوجد تشريع سماوي ولا أرضي سابق ولا لاحق كرم المرأة وأنصفها وحماها وحرسها مثل ذلك التشريع الإسلامي .
توصيات: يوصي الباحث ب:
الاهتمام بقضايا المرأة من المنظور الإسلامي بنشر البرامج الهادفة في الإعلام وإلا سيكون هناك من يبني وغيره يهدم مما يؤدي إلى بقاء أمة الإسلام في ذيل الأمم كما قال الشاعر:
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم
الرجل والمرأة مكلفان بالدعوة لدين الله كل حسب استطاعته وفي المجال المناسب لطبيعته فعلى المرأة أن تدعو بنات جنسها لتطبيق للحرص على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وعليها أن تنبري لمحاورة النساء اللواتي ينشرن الدعايات المزيفة للتحرر من الدين والأخلاق , وخاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة المعاصرة
فلتتعظ المرأة المسلمة بما آل إليه حال المرأة الغربية. فإن السعيد من اتعظ بغيره , والشقي من اتعظ بنفسه. وانظري أختي الكريمة بعين ثاقبة ونظرة متأنية إلى سمو الشريعة الإسلامية فهي ربانية كاملة شاملة لجميع نواحي الحياة, منزهة عن كل نقص , وهي صالحة لكل زمان ومكان , فالله خلقكم وما تعملون , وهو يعلم وأنتم لا تعلمون.
قائمة المراجع:
القرآن الكريم
بول شمتز، الإسلام وقوة الغد العالمية، ترجمة د.محمد أبو شامة، ط مكتبة وهبة ،ط1، سنة 1974.
(أبو الحسين) مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، (ت 261هـ)، الجامع الصحيح، طبعة دار الفكر، بيروت، لبنان، (ب.ت).
(أبو داود) سليمان ابن الأشعث السجستاني الأزدي، (ت 275هـ)، سنن أبي داوود، الطبعة الثالثة، دار الفكر، 1979م.
(أبو عبد الله) محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري، (ت256هـ)، صحيح البخاري، طبعة عالم الكتب، بيروت، لبنان.
(ابن كثير) ،عماد الدين إسماعيل، تفسير القرآن العظيم كتاب الشعب، مصر، (ب.ت).
(الطبري)، محمد بن جرير طريف بن تميم الطبري، جامع البيان، مطبعة الحلبي، مصر، (ب.ت).
(العسقلاني)، أحمد بن علي بن حجر،(ت 852هـ)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، طبعة مناهل العرفان، بيروت، لبنان، (ب.ت).
سعيد حوي، الإسلام، راجعه: وهبي سليمان الفاوجي، 233، ط3، 1981م.
د. عبد الكريم زيدان، حقوق وواجبات المرأة في الإسلام، بيروت، مؤسسة الرسالة، طـ1، 2004م.
مارسيل بوازار: إنسانية الإسلام.
محمد الغزالي ،فقه السيرة.
محمد سعيد رمضان البوطي: فقه السيرة
بسام جرار، نظرات في كتاب الله الحكيم، مركز نون للدراسات القرآنية، البيرة، فلسطين، ط1، 2004م
إميل درمنغم: حياة محمد .
محمد علي الخطيب، رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة،.
المنتخب في تفسير القرآن الكريم، تأليف لجنة من كبار علماء الأزهر الشريف ،طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ،مصر .
يوسف القرضاوي، ملامح المجتمع المسلم، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1996م
مصطفى السباعي،المرأة بين الفقه والقانون،، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 1961م.
نور الدين عتر ،ماذا عن المرأة،، دار الفكر، دمشق، 1979م
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان – للأمير علاء الدين على بن بلبان الفارسي ت 739 هـ – تحقيق شعيب الأرنؤوط – ط مؤسسة الرسالة بيروت 0
مريم جميلة ،تحذير إلى المرأة المسلمة،ترجمة طارق خاطر ط المختار الإسلامي 1992 م 0
ألمنذري زكى الدين عبد العظيم بن عبد القوى، الترغيب والترهيب ت 656 هـ ط دار الحديث، بدون تاريخ.
أحمد محمد الشرقاوي، حقوق المرأة في السنة النبوية، ط ،مكتبة الصميعي بالرياض 1428هـ.
الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة، ط المكتب الإسلامي 1405 هـ ط 4 0
سنن ابن ماجة ( أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني ت 275 هـ ) ط دار الحديث بالقاهرة 0
سنن أبي داود ( أبو داود سليمان بن شعث السجستاني الأزدي ت 257 هـ ) ط دار الكتب العلمية بيروت 0
سنن الترمذي ( أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي ت 297 هـ ) ط دار الفكر 1408هـ 0
سنن الدار قطني ( على بن عمر الدار قطني ت 385 هـ ) ط دار المحاسن بالقاهرة 1386 هـ 0
سنن الدرامي ( عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ت 255 هـ ) ط دار الريان للتراث 1407 هـ ط أولى 0
أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، السنن الكبرى للبيهقي ط دار الفكر بدون تاريخ .
سنن النسائي ( أحمد بن شعيب النسائي ت 303 هـ ) ط دار الكتب العلمية بيروت 0
السيرة النبوية، لمحمد بن عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري ت 218 هـ ط البابي الحلبي 1375 هـ 0
جلال العالم، قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام وأبيدوا أهله، تأليف ط دار المختار الإسلامي.
قصة الحضارة ول ديورانت ط لجنة التأليف والترجمة والنشر 1968 م، ط 3 0
جودت سعيد ،لم هذا الرعب كله من الإسلام ؟، ط دار الاعتصام القاهرة
المرأة في القصص القرآني، أحمد محمد الشرقاوي ط دار السلام بالقاهرة 1422هـ.
مسند الإمام أحمد بن حنبل ط المكتب الإسلامي بدون تاريخ، ط دار المعارف بتحقيق أحمد شاكر 1957 م ، وطبعة مؤسسة قرطبة القاهرة بتعليق الشيخ شعيب الأرناؤوط.
مسند الروياني محمد بن هارون الروياني ت307هـ ط مؤسسة قرطبة 1416هـ ط1
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، أحمد بن محمد بن على المقري الفيومي ت 770 هـ، ط المكتبة العلمية بيروت.
المعجم الكبير للطبراني ط دار البيان العربي ط 2 ب ت 0
الموطأ للإمامِ مالك – برواية الإمام محمَّد بن الحَسَن طبعة دار القلم بدمشق، الطبعة الأولى، 1991 م.
[1]- فرع من فروع القانون الدولي العام ويتكون من مجموعة القواعد والمبادئ القانونية المكتوبة والعرفية التي تكفل احترام حقوق وحريات الإنسان وازدهاره، وتهدف لحماية حقوق الفرد المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل حماية الحقوق الجماعية وضمان حقوق الشعب ومصادره تتمثل في المعاهدات، والعرف، والمبادئ العامة للقانون، والفقه والقضاء الدولي والوطنية وقرارات المنظمات والمؤتمرات الدولية.
[2]- رواه البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب t: صحيح البخاري – كتاب الأدب باب: رحمة الولد وتقبيله ومعانقته. في الحديث 5653، ورواه مسلم في صحيحه عنه t صحيح مسلم كتاب التوبة باب في سعة رحمة اللّهِ تعالى، وأنها سبقت غضبه حديث 22- ( 2745 ) .
[3]- اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في 18 ديسمبر 1979م، ودخلت حيز النفاذ في 3 سبتمبر 1981م. تنص المادة 17 من الاتفاقية على إنشاء لجنة للقضاء على التمييز ضد المرأة لمراقبة تنفيذ نصوصها “من أجل دراسة التقدم المحرز في تنفيذ هذه الاتفاقية، ووفقا لما جاء بنص المادة 17 من الاتفاقية، تتألف اللجنة من 23 خبيرا ينتخبون لمدة أربع سنوات. ورغم أن الأعضاء ترشحهم حكوماتهم فإنهم يعملون بصفتهم الشخصية وليس بصفتهم مندوبين أو ممثلين لبلدانهم الأصلية.إن تكوين اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، مختلف بشكل ملحوظ عن تكوين باقي الأليات التعاقدية الأخرى الخاصة بحماية حقوق الإنسان. فاللجنة تتكون كلها ومنذ إنشائها من النساء، فيما عدا استثناء واحد. تعمل اللجنة كنظام رصد لمراقبة تنفيذ الاتفاقية من جانب الدول التي صدقت عليها أو انضمت إليها. وبموجب المادة 20 من الاتفاقية، تجتمع اللجنة في دورة عادية علنية لمدة أسبوعين سنويا. وهذه المدة هي أقصر وقت اجتماع لآي لجنة منشأة بموجب معاهدة لحقوق الإنسان، وتقوم بخدمتها شعبة الأمم لمتحدة للنهوض بالمرأة.
(1)- سعيد حوي، الإسلام، راجعه: وهبي سليمان الفاوجي، 233، ط3، 1401 هـ – 1981م.
(2)- د. عبد الكريم زيدان، حقوق وواجبات المرأة في الإسلام، ص74-88، بيروت، مؤسسة الرسالة، طـ1، 1425 هـ – 2004م.
(1) مارسيل بوازار وهو مفكر , وقانوني فرنسي معاصر.أولى اهتماما كبيرا لمسألة العلاقات الدولية وحقوق الإنسان وكتب عددا من الأبحاث للمؤتمرات والدوريات المعنية بهاتين المسألتين.يعتبر كتابه (إنسانية الإسلام) , الذي انبثق عن اهتمام نفسه , علامة مضيئة في مجال الدراسات الغربية للإسلام , بما تميز به من موضوعية , وعمق , وحرص على اعتماد المراجع التي لا يأسرها التحيز والهوى.
([7]) مارسيل بوازار: إنسانية الإسلام، ص 140
([8]) سورة الممتحنة: الآية 10
([9]) محمد الغزالي ،فقه السيرة، ص 260.
([10]) البخاري، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، برقم ( 4843)، ومسلم، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، برقم( 1419 ) .
([11]) رواه الترمذي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه،كتاب النكاح، باب في حق المرأة على زوجها برقم 2142 .
[12]))محمد سعيد رمضان البوطي: فقه السيرة، 154
[13])) الحاكم في المستدرك 4 / 13
[14])) المرجع نفسه، 3/239.
([15]) الطبراني في الكبير ( 23 / 12 ) وابن عبد البر في الاستيعاب (4/1811.
([16]) البخاري ( 3 / 1212 )، مسلم ( 2 / 1091(
([17]) صحيح ابن حبان ( 9 / 484 ) والمستدرك للحاكم 3 / 352 .
([18]) أخرجه أحمد ( 2 / 473 )، ومسلم ( 2 / 692(
([19]) البخاري في (ج1 ص 116) ؛ مسلم (ج1 ص 86 )
[20])) بسام جرار، نظرات في كتاب الله الحكيم ص58-60، مركز نون للدراسات القرآنية، البيرة، فلسطين، ط1، 2004م
[21])) إميل درمنغم: حياة محمد، ص 331
[22])) محمد علي الخطيب، رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، ص50.
[23])) – المنتخب في تفسير القرآن الكريم، تأليف لجنة من كبار علماء الأزهر الشريف ،طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ،مصر، ص 137.
[24])). للاستزادة: يوسف القرضاوي، ملامح المجتمع المسلم، ص385- 398، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1996م والمرأة بين الفقه والقانون، مصطفى السباعي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط3، 1961م وكتاب ماذا عن المرأة، نور الدين عتر، دار الفكر، دمشق، 1979م.
-([25]) السيرة النبوية الصحيحة (2/643) .
([26]) – رواه ابن حبان (5675) وأحمد (26237)
([27]) – رواه أحمد (24947)، وابن حبان (5677)
([28]) – تفسير ابن كثير (2/242).
([29]) – السَهْوَة شبيهة بِالرَّفِّ توضع فِيهِا الأشياء.
([30]) – جمع رقعة وهي الخرقة وما يكتب عليه.
([31]) – رواه أبو داود (4932)
([32]) – رواه البخاري (6024).
([33]) – رواه الترمذي (86)، صحيح سنن الترمذي (86).
([34]) – رواه البخاري (1826)، ومسلم (1106).
([35]) – رواه البخاري (316).
[36])) – رواه أبو داود (2386)
[37])) – زاد المعاد (4/232).
[38])) – رواه مسلم (300).
[39])) – أبو داود (52)
[40])) – رواه البخاري (4952).
[41])) – رواه البخاري (293) ومسلم (301).
[42])) – رواه البخاري (4781).
[43])) – رواه البخاري (5848).
[44])) – رواه البخاري (4930) ومسلم (2439).
[45])) – البخاري (4100)، ومسلم (2384).
([46])- رواه الطبراني في الكبير (123)، وأحمد في المسند واللفظ له (26320)
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً