حقوق الإنسان من منظور إسلامي – دراسة حقوقية متميزة

حقوق الانسان في الاسلام / سرور طالبي

تقوم كل من اليهودية والمسيحية على مجموعة من المبادئ والقيم التي تشكل بوادر قانون حقوق الإنسان وحجره الأساس، إلا أن تحريفهما واستنساخهما قد ولد نتائج سلبية بل ومعاكسة لمساعي تلك القيم والمبادئ.

ونتيجة لهذا الوضع فإن الإسلام قد جاء في زمن كانت البشرية تعيش في ظلم وظلام دامس وعقائد محرفة مضللة، فكانت مهمته الأساسية إذا هي نسخ وتصحيح تلك العقائد والهيمنة على ما سبقه من شرائع سماوية بحيث يقول سبحانه وتعالى في هذا المعنى: ﴿وأنزلنا إليك الكِتابَ بالحقِ مُصدقاً لما بين يدَيهِ من الكتابِ ومُهَيمِنًا عليه﴾.[1]

كما اهتم الإسلام بالإنسان من خلال التوفير له حياة عادلة كريمة توفق بين المادة والروح والدين والدنيا معا، متناولا حقوقه بكل روعة وحكمة، وعلى حد تعبير بعض الفقهاء المسلمين فإن حقوق الإنسان في ضوء الإسلام ” لا يمكن أن يعبر عنها بدقة قلم إنسان لأنها من عند الله الذي خلق الإنسان وشرع له ما يسعه ليس في الحياة الدنيا فحسب إنما حتى في دار الآخرة.”[2]

فالإسلام قد عالج مسألة حقوق الإنسان معالجة عميقة وشاملة في الحقبة الأولى من نزول الرسالة على سيدنا محمد (ص) وذلك مند أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمن. فاهتم بالكائن البشري من جميع النواحي من دون أن يغفل شيئا من حياته المادية والمعنوية أي: اهتم بجسمه وبعقله وحتى بروحه[3]، وأحاطهم بضمانات كافية لحمايتهم، لعل أهمها هي خضوع وامتثال المسلم لأحكام الشريعة الإسلامية السمحاء طبقا لقول الله تعالى في الآية 44 من سورة المائدة: ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرونَ﴾.

والإسلام غني بالوثائق التي شرعت مبادئ وأحكام حقوق الإنسان، ولعل أهم هذه الوثائق هي: القرآن الكريم، السنة النبوية الشريفة، توجيهات الخليفة أبي بكر الصديق ووثائق عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وكذا عهد الإمام علي (كرم الله وجهه) وأخيرا رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين، نوجزها في ما يلي:[4]

أولا: القرآن الكريم

القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى أنزله على رسوله الأمي محمد (ص) وهو المصدر الأساسي الأول للتشريع الإسلامي وأول وثيقة إسلامية تشرع وتدون لمنطلقات وأسس حقوق الإنسان.[5]

ويتضمن القرآن الكريم مجموعة من الأحكام تنظم العلاقات الإنسانية في ثلاثة مجالات مختلفة وهي: العلاقة بين الإنسان وخالقه، العلاقة بين الإنسان ونفسه، وأخيرا العلاقة بين الإنسان وغيره من بني الإنسانية جمعاء، وعليه فلقد صدق الله حيث قال في الآية 38 من سورة الأنعام: ﴿ ما فرَّطنا في الكتاب من شيء﴾.

ثانيا: السنة النبوية الشريفة

تعد السنة النبوية الشريفة المصدر الأساسي الثاني للتشريع الإسلامي وهي تتضمن كل ما صدر عن الرسول (ص) من قول أو فعل لتوضيح وتفسير لإجمال القرآن الكريم، بحيث إن حياته عليه الصلاة والسلام صفحة نموذجية كاملة وهي تطبيق عملي للمبادئ القرآنية ولذلك قالت عنه السيدة عائشة (رضي الله عنها) : “كان خُلقهُ القرآن”.

ولقد جمعت السنة النبوية الشريفة أسس الدين الإسلامي التي تصلح للتطبيق على كل زمان ومكان سواء في إطار الأسرة أو المجتمع، أو علاقة الفرد بربه وبنفسه وبمجتمعه، كما أوضحت علاقة الأمم ببعضها البعض فلم تدع ناحية من النواحي إلا فصلت فيها القول مما يدل على أنها شاملة مثلها مثل القرآن الكريم.

ثالثا: توجيهات عبد الله أبي بكر الصديق (رض)

عبد الله أبي بكر الصديق (رض) هو الخليفة الأول للأمة الإسلامية ولقد امتدت فترة حكمه ما بين 632 و634 م واتسمت بالتطبيق الكامل لأحكام الشريعة الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة، فأثرت الأمة الإسلامية بقيم ومبادئ متنوعة.

وتوجيهات أبي بكر الصديق (رض) عبارة عن مجموعة من التعاليم خص بها قائد جيش المسلمين في الشام: يزيد بن أبي سفيان، والتي يدور مضمونها حول تنظيم كيفية معاملة سكان المدن الجديدة أثناء العمليات الحربية، خاصة بعد وفاة النبي (ص) وقيام الجيوش الإسلامية بعمليات الفتح.

رابعا: وثائق عمر بن الخطاب (رض)

عمر بن الخطاب (رض) هو الخليفة الثاني الذي امتدت فترة حكمه ما بين 634 و644م، وتتمثل وثائقه في خطبة توليه الخلافة وفي رسالته في القضاء إلى أبي موسى الأشعري ووصيته إلى عثمان بن عفان (رض) الخليفة الثالث من بعده (644ـ56 م).

ولقد اشتهر عمر بن الخطاب (رض)، الملقب بالفاروق، بحرصه الشديد على احترام وحماية حقوق الإنسان في حالة الحروب، وحماية حقوق العجزة من أرامل ويتامى ومعوقين ومسنين… كما يرجع لهذا الخليفة قسط كبير من الفضل في تنظيم شئون القضاء في الإسلام لذا تميز عهده بالعدل وبالإنصاف.

خامسا: عهد الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)

الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) هو الخليفة الرابع للأمة الإسلامية الذي امتدت فترة حكمه ما بين 656 و661 م، ووثيقته هي عبارة عن عهد حدد فيه الركائز الأساسية لكيفية إدارة البلاد وحكمها طبقا للنظرية الإسلامية التي تقوم على القواعد الإسلامية الأربعة والمتمثلة في: الحرية والمساواة والعدل والشورى.

وتتضمن هذه الوثيقة على حوالى 94 بندا تبين المرتكزات الأساسية للعهد من بينها: واجبات الحاكم، مفهوم الأكثرية، التجارة والصناعة، التنمية، حقوق الفقراء، معاهدات السلام، الإحسان… وما إلى ذلك.

سادسا: رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين

الإمام علي بن الحسين الملقب بـ زين العابدين هو ابن حفيد رسول الله (ص)، الذي كتب رسالة في سنة 95 هـ بعد أن شهد واقعة كربلاء، وتحتوي هذه الرسالة على خمسين حقا تغطي معظم جوانب الحياة التي يحتاجها المسلم بشكل تفصيلي، وهي تعتبر أول مدونة قننت بصورة واضحة مفاهيم حقوق الإنسان من وجهة نظر إسلامية. وتقوم هذه الرسالة على خمس ركائز وهي: حقوق الله، حقوق الأفعال (العبادات)، حقوق الأئمة (الحقوق السياسية والثقافية)، حقوق الرعية (الحقوق الاجتماعية) وأخيرا حقوق الرحم.

بعد هذا العرض السريع لأهم الوثائق الإسلامية التي شرعت حقوق الإنسان في الإسلام ننتقل الآن إلى الحديث عن تفاصيل مختلف هذه الحقوق وفق التقسيم الآتي:

الفصل الاول: الحقوق المدنية والسياسية في الإسلام

الفصل الثاني: الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية في الإسلام

الفصل الأول: الحقوق المدنية والسياسية في الإسلام

حقوق الإنسان في الإسلام هي حقوق أبدية لجميع بني الإنسانية تغطي ثلاثة مجالات هي حقوق الإنسان في بطن أمه، وحقوق الإنسان في حياته منذ ميلاده حتى وفاته، وحقوق الإنسان بعد مماته.

والمميز في هذه الحقوق هو كونها ليست منحة أو تبرعا من مخلوق لمخلوق آخر وإنما هي ضرورات فطرية وواجبات شرعية مقررة من الله تعالى وتحميها حدود شرعية، فبالتالي لا يمكن إنقاصها أو التنازل عنها أو تقليصها أو إلغاؤها نهائيا أو بصفة مؤقتة أو توقيف العمل بها لأي سبب كان.

وعليه تتمتع هذه الحقوق في المنظور الإسلامي بمصداقية عالية، وهو ما يترتب عنها ضرورتها ووجوبها لكونها عبادات وتكاليف شرعية لا مجرد حقوق أو مصالح جماعات وفئات كما هي في المنظور الغربي.[6]

وسوف نتوسع في الفصل الحالي في الحقوق المدنية والسياسية المكتسبة لصفة الضرورات والواجبات ضمن المبحثين التاليين:

المبحث الأول: الضرورات الفطرية الأساسية للإنسان في الإسلام؛

المبحث الثاني: الحريات العامة والواجبات السياسية في الإسلام.

المبحث الأول:

الضرورات الفطرية الأساسية للإنسان في الإسلام

يصنف بعض الفقهاء الغربيين حقوق الإنسان المدنية حسب درجة أهميتها إلى حقوق فردية أساسية، وحقوق مشروطة، وأخيرا حقوق غير مباشرة. ونتيجة لهذا التصنيف تنفرد الحقوق الفردية الأساسية عن باقية حقوق الإنسان المدنية من حيث إنها الحقوق الوحيدة التي لا يمكن التصرف فيها أو التنازل عنها أو حتى العيش من دونها نظرا لأهميتها لوجود الكائن البشري وللمحافظة على كرامته وإنسانيته. [7]

أما الفقه الإسلامي فهو يعتبر مجمل الحقوق المدنية للإنسان ضرورات فطرية أساسية لا يمكن التنازل عنها أو التصرف فيها حتى من قبل الشخص المعني بتلك الحقوق. وعليه فإننا سنتوسع في هذا المطلب في الضرورات الفطرية الأساسية للإنسان في الإسلام من خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول: تكريم الإسلام للإنسان وتقديس حياته

المطلب الثاني: الإسلام دين العدالة والمساواة

المطلب الأول: تكريم الإسلام للإنسان وتقديس حياته

يعتبر الإنسان في الإسلام مخلوقا مكرما من الله تعالى، والنتيجة الحتمية لهذا التكريم هو كون حياته مقدسة وتحميها حدود شرعية مما لا يترك المجال لأي مخلوق كان، حاكما أو ولي أمر أو ذوي النفوذ أو من الأقارب أو الشخص نفسه… أو ما إلى ذلك في تقرير جواز القضاء عليها لأي سبب كان من دون توفر الشروط الشرعية. وسوف نتوسع فيما يلي في هاتين النقطتين:

أولا: تكريم الإسلام للإنسان

لقد كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان، فخلقه بيده في أحسن تقويم، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته وسخر له ما في السموات وما في الأرض، وجعله خليفة عنه وزوده بالقوة والمواهب ليسود ويسيطر على الأرض بما ينفع الناس، وليصل إلى أقصى ما قدر له من كمال مادي وارتقاء روحي.[8]

ولقد ورد في القرآن الكريم لفظ الكرامة والتكريم والمعاني والألفاظ المشتقة من جذر الكلمة فوردت في نحو عشرين آية منها ما جاء بصريح اللفظ: ﴿ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا﴾، وقوله كذلك: ﴿لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويمٍ﴾، أو بعبارات يستنبط منها ذلك كما في قوله: ﴿ وإذا قال ربُكَ للملائكةِ إنِّي جاعلٌ في الأرض خليفةً﴾.[9]

ومن جهة أخرى فإن النبي محمد عليه الصلاة والسلام، هو الذي انتشل إنسانية الإنسان من الهدر والضياع، وبنى العلاقات الإنسانية على الرحمة والتراحم، وأسس لكرامة الإنسان ووحدة أصله ببيانه النبوي، فقال (ص): “… ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى… “.[10]

كما يروى أنه مرت به جنازة يهودي فوقف لها (ص) تكريما، فقال له بعض أصحابه: “إنها جنازة يهودي” فقال النبي الأمين الكريم: “أليست نفسا”، فالرسول عليه الصلاة والسلام قدوة للرحمة والتراحم وهو الذي قال القرآن في وصفه: ﴿وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين﴾.[11]

وعليه فإن الإنسان في الإسلام مكرم بأصل خلقه وليس مند نزول الرسالة المحمدية، وأبعد من ذلك فإن هذا التكريم ليس خاصا بعنصر دون عنصر، ولا بجنس دون جنس، ولا بلون دون لون ولا بدين دون دين… أو ما إلى ذلك، بل البشرية جمعاء سواء في حق التكريم.[12]

وانطلاقا مما تقدم فإن الكرامة الإنسانية قد قررها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بدون تمييز أو استثناء لكل من يتحقق فيه معنى الإنسانية. وعبر هذه الرؤية الإسلامية للإنسان الذي خُلق ليكون خليفة الله في الأرض، لا يجوز أن يضطهد أو يظلم، أو تسلب حريته، أو يعامل بطريقة تميزه على أساس اللون أو الجاه أو العرق أو القومية…أو ما إلى ذلك.

ومن جهة أخرى ولكي يتمكن الإنسان من أداء مهامه التي كلفه بها العلي القدير وتحقيق أهدافه وبلوغ غايته، وفر له الإسلام جميع عناصر النمو ومنحه كافة حقوقه ضمن منظومة حقوق تتخذ صفة الإلزام الأخلاقي/القانوني وتتناسب وموقع الكرامة المتأصلة فيه، وهذا ما يفسر اعتبار تكريم الإنسان ضرورة فطرية أساسية لا تستقيم الحياة بدونها أكثر من كونها حقوقا مجردة مفروضة.[13]

ثانيا: تقديس الإسلام لحياة الإنسان

يعتبر الحق في الحياة من المنظور الإسلامي أساس وركيزة كل حقوق الإنسان الأخرى، “فحفظ النفس” في الإسلام يتجاوز حفظها حية بالمعنى المادي الذي يستوي فيه الإنسان مع غيره من الكائنات الحية، وإنما يستلزم لحفظ هذه النفس المحافظة على الضرورات الفطرية ومختلف الحقوق التي تجعل حياتها حياة إنسانية حقيقية ولائقة.

وأبعد من ذلك فإن الحفاظ على أنفسنا أو النفس البشرية بصفة عامة في الإسلام هي فريضة وليس مجرد حق، بمعنى أن الإنسان مثلما له الحق في الحياة مند أن يكون جنينا في رحم أمه، فإنه من واجبه كذلك أن يحافظ على حياته أو حياة غيره مهما كانت سلطته أو درجة قرابته، وعليه حرم الإسلام القتل والانتحار، كما حرم الإجهاض.

والأدلة الشرعية التي تحرم القتل بشتى أنواعه كثيرة في القرآن الكريم[14]، نكتفي ببعض منها فيقول سبحانه وتعالى فيما يخص القتل بصفة عامة: ﴿ ولا تَقتُلوا النفس التي حرّمَ الله إِلاَّ بِالحقِ ذالِكُم وَصَّاكُم بِهِ لعَلَكُم تَعقِلونَ﴾، أو فيما يخص الانتحار: ﴿ولا تقتلوا أنفسَكم إن الله كان بكم رحيما ◊ ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا﴾، و أخيرا فيما يخص الإجهاض: ﴿ ولا تقتلوا أولادكم خشيةَ إملاقٍ نحن نرزقهم وإياكم إن قتلََهم كان خِطئًا كبيرًا﴾، أو قوله: ﴿ ولا تَـقتلوا أولادَكُـم من إملاقٍ نحن نرزُقُكُم وإياهُم﴾.[15]

ومن جهة أخرى، فلقد سوى الإسلام بين البشرية مجتمعة والنفس الواحدة بغض النظر عن جنسها أو لونها….، فاعتبر قتل النفس الواحدة من دون وجه حق بمثابة قتل البشرية كلها فقال سبحانه وتعالى: ﴿من قتل نفسا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا﴾.[16]

ولكن في المقابل يعطي الإسلام للفرد الحق في الدفاع عن نفسه، بل أبعد من ذلك يقول البعض إنه واجب ثابت في حالة الاعتداء على نفسه أو عرضه أو حتى ماله، فسنت الشريعة الإسلامية القصاص كعقوبة للقتل أو الجرح العمد لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ يأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى﴾، ﴿ ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون﴾، ﴿فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ﴾ وقال أيضا: ﴿وكتبنا عليهم فيها أن النفسَ بالنفسِِِ والعينَ بالعينِ والأنفَ بالأنفِ والأٌذُنَ بالأذُنِ والسِنَّ بالسِّنِ والجُرُوحَ قصاصٌ ﴾.[17]

ورغم هذا العقاب الدنيوي الصارم فإن الله سبحانه وتعالى يتوعد قاتل النفس بأعظم العقوبات في يوم الدين والمتمثلة في الخلود في جهنم وغضب الله عليه ولعنته، فيقول: ﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما﴾. كما لم يعف سبحانه وتعالى القاتل من المسؤولية حتى في القتل الخطأ لقوله: ﴿ وما كان لمُؤمِنٍ أن يقتُلَ مُؤمنًا إلا خطئاً ومن قتل مؤمنًا خطئاً فتحريرُ رقبةٍ مؤمنةٍ ودِيةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهله﴾.[18]

وبالرجوع إلى السنة النبوية الشريفة فإن الرسول (ص) قد أكد على قدسية الحياة فحرم كل من القتل والانتحار والإجهاض والدليل على ذلك قوله (ص): “كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله”، وأوصى (ص) في حجة الوداع: “إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا…”، كما رفض عليه الصلاة والسلام إقامة الحد على امرأة غامدية زانية قبل أن تضع حملها.

أبعد من ذلك فإن الإسلام قد جعل للإنسان حرمة وقداسة أعظم من حرمة الكعبة ويتضح ذلك من قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه، حينما وقف تجاه الكعبة، وأخذ يخاطبها بقوله: “ما أطيبك وأطيب ريحك، وما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم من حرمتك: ماله ودمه”.[19]

أما في حال الحروب، فإن الرسول (ص) قد وصى جيوشه بعدم المَثلِ بالموتى أو قتل الأطفال الأبرياء فقال: ” سيروا باسم الله في سبيل الله وقاتلوا أعداء الله ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تنفروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا”، كما وصى عليه الصلاة والسلام بعدم قتل الأسرى، فقال: ” لا يعترض أحدكم أسير أخيه فيقتله “.[20]

وحرصا على تطبيق تعاليم الرسول (ص) ولاسيما بعد اشتداد المعارك خلال الفتوحات الإسلامية وما أسفرت عنها من ضحايا ودمار وما رافق المجاهدين من نشوة الانتصار التي أنستهم في بعض الأحيان رسالتهم السمحاء، بعث الخليفة أبو بكر الصديق (رض) توجيهات إلى قائد جيش المسلمين في الشام: يزيد بن أبي سفيان، قائلا: ” إنك ستجد قوما حبسوا أنفسهم لله فذرهم وما حبسوا أنفسهم له… إني أوصيك بعشر، لا تغدر ولا تمثل، ولا تقتل هرما ولا امرأة، ولا وليدا، ولا تعقرن شاة ولا بعيرا، ولا تحرقوا نخلا ولا تخربوا عامرا.”[21]

وفي الاتجاه نفسه، وصى عمر بن الخطاب (رض) قادة جيوشه قائلا: “امضوا باسم الله على عون الله وبتأييده، وما النصر إلا من عند الله، وألزموا الحق والصبر ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ولا تجبنوا عند اللقاء، ولا تمثلوا عند القدرة، ولا تسرفوا عند الغلبة، ولا تقتلوا شيخا ولا امرأة ولا وليدا، واحذروا قتلهم إذا التقى الجمعان وعند شن الغارات”.[22]

المطلب الثاني: الإسلام دين المساواة والعدالة

المساواة والعدل في الإسلام هما حقان متلازمان ومتكاملان بحيث إن لفكرة العدل جانبين: أحدهما فردي والمتمثل في المساواة في الحقوق المقررة للإنسان من الأساسيات أو من التكميليات، والثاني اجتماعي والمتمثل في احترام حقوق الآخرين وعلى إعطاء كل ذي حق حقه. وعليه فإننا سنتوسع في هذين الحقين كالآتي:

أولا: المساواة في الإسلام أولى ثمرات الإيمان

المساواة في الإسلام هي أولى ثمرات الإيمان لكونها تطبيقاً عملياً لعقيدة التوحيد التي تقوم على عبادة الله الخالق الواحد ومصدر كل السلطات والنعم، بحيث إن تجسيد هذه العقيدة على واقع الحياة لا تطهّر القلوب من الشرك فحسب، وإنما أبعد من ذلك فهي تحرر الإنسان من العبودية والظلم، خاصة وأن معظم الشر في العالم والانتهاك لحقوق الإنسان كامن في تسلط الإنسان على الإنسان.

أضف إلى ذلك، فإن المساواة بين بني البشر في الإسلام، هي الترجمة الفعلية لتقديس الإنسان وتكريمه في كل زمان ومكان، وهي كذلك أساس كل الحقوق والواجبات سواء كان ذلك أمام القانون أو في كل المجالات بغض النظر عن الأصل أو النسب، اللون أو العرق أوالدين، وأخيرا الجنس، وسوف نتوسع في هذه النقاط الثلاث كما يلي:[23]

أ/ المساواة من حيث الأصل والنسب:

لقد أكد الإسلام على وحدة الأصل والنسب فحرم كافة أساليب التفرقة والمفاضلة التي كانت سائدة في المجتمعات القديمة بين الشعوب والطوائف أو بين الطبقات والأحساب والأنساب…، واضعا البشرية جمعاء في الدرجة نفسها من الأهمية وعلى قدم المساواة في التمتع بالكرامة الإنسانية وبالحقوق المقررة للإنسان.

وفي هذا المعنى يقول سبحانه وتعالى: ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربَّكم الذي خلقكم من نفسِ واحدةِ وخلق منها زوجها وبثَّ منهُما رجالاً كثيرا ونساءً﴾[24]، ولقد وضَّح رسول البشرية المقصود من وراء هذه الآية الكريمة فقال عليه الصلاة والسلام في خطبة الوداع: ” يا أيها الناس: إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كُلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ليس لعربي فضل على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا لأبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى”.

كما اعتبر الإسلام الناس جميعا أمة واحدة تجمعهم الإنسانية اللصيقة بهم حتى ولو اختلفت أديانهم أو لغاتهم أو ألوانهم لقوله تعالى: ﴿ كان الناسُ أمةً واحدةً فبعث اللهُ النبيين مبشرينَ ومنذرينَ وأنزلَ معهم الكتابَ بالحقِ ليحكم بين الناسِ فيما اختلفوا فيه﴾، ﴿ ولو شاء اللهُ لَجَعلَكم أُمةً واحدةً ولكن ليبلُوَكُم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى اللهِ مرجِعُكُم جميعا فيُنبِئٌكم بما كٌنتم فيه تختلِفون﴾، وقوله كذلك: ﴿ ومن آيته خلقُ السماواتِ والأرضِ واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآياتٍ للعالمينَ﴾.[25]

وعليه فإن سنة الله في خلق عدة شعوب وقبائل ليس لكي يتقاتلوا أو يتنازعوا أرض الله التي هي واسعة، وإنما ليتعارفوا ويتعاونوا، طبقا لما جاء في الذكر الحكيم: ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير﴾.[26]

وانطلاقا مما تقدم فإن الإيمان بوحدة التكوين هو السبيل الوحيد لمنح الناس المساواة المنبثقة من أصل الخلق ولإلغاء الفوارق القسرية وإيقاف التمييز العنصري، كما أنه يقطع الشك بوجود فئة أو جماعة أو قبيلة خلقت من طين أشرف من الطين الذي خلقت منه غيرها، أو بتميز طائفة أو جماعة أو قبيلة بصفات لم تتميز بها غيرها…فيصبح ميزان الكرامة الوحيد بين الناس هو التقوى والعمل الصالح.[27]

ومن جهة أخرى، فإن النتيجة الحتمية لمبدأ وحدة الإنسانية والتكوين هو أن الإسلام دين عام، وأنه لجميع الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم، وأنه صالح لكل زمان ومكان، بخلاف الشرائع الأخرى بحيث إن الله قد بعث قبل النبي محمد (ص) كثيرا من الرسل والأنبياء إلى قومهم فكانت رسالتهم محدودة من حيث المكان والزمان لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ ولقد أرسلنا من قبلك رُسُلاً إلى قومهم ﴾، أو قوله في سورة الأعراف: ﴿ لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه﴾، ﴿ وإلى عادٍ أخاهم هُودا﴾، ﴿ وإلى ثمود أخاهم صالحا﴾، ﴿ وإلى مدينَ أخاهم شعيباً﴾، ﴿ ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون و مَلإِيه ﴾،[28] كما قال تعالى عن السيد المسيح عليه الصلاة والسلام: ﴿ وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي ورَبكُم﴾.[29]

أما النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه الرسول الوحيد الذي كانت رسالته عامة للبشرية جمعاء وامتدت زمانا ومكانا لقوله سبحانه وتعالى مخاطبا إياه: ﴿ وما أرسلناك إلاّ كآفَّةً للناسِ بشيرا ونذيرا ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمونَ﴾. ﴿ وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمينَ﴾، أو ﴿ قٌل يا أيها الناسُ إني رسولُ اللهِ إليكُم جميعًا﴾[30]، أو غير ذلك من الآيات القرآنية التي تدل على عموم الرسالة المحمدية.[31]

ب/ المساواة من حيث اللون أو العرق أو الدين:

لقد حارب الإسلام ما كان مألوفا بين قبائل العرب من عدم المساواة بسبب اللون أو العرق، وفي هذا السياق فإنه قد روي عن أبي ذر الغفاري، رضي الله عنه، أنه خاصم غلامه في حضرة النبي (ص) فقال له: يا ابن السوداء… فغضب النبي عليه السلام وقال: ” طف الصاع، طف الصاع” أي لقد تجاوز الأمر حده، ” ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بالتقوى أو بعمل صالح”، فوضع أبو ذر خده على الأرض، وقال لغلامه: قم فطأ على خدي، كما قال (ص): “الجنة لمن أطاعني ولو كان عبدا حبشيا، والنار لمن عصاني ولو كان شريفا قريشيا”.[32]

ومن جهة أخرى، يسوي الإسلام بين المسلمين وغير المسلمين في تطبيق مبدأ المساواة، فيقرر أن الذميين ـ وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى[33]ـ في بلد إسلامي أو في بلد خاضع للمسلمين لهم ما للمسلمين من حقوق عامة وعليهم ما على المسلمين من واجبات، بحيث قال الرسول (ص): ” لهم مالنا وعليهم ما علينا”.

أبعد من ذلك فإن الحاكم المسلم مطالب بمجاملة وحسن معاملة الذميين وفي هذا يقول النبي (ص): ” من قذف ذميا حدّ له يوم القيامة بسياط من نار”، ويقول أيضا: ” من آذى ذميا فقد آذاني” ويقول: ” من ظلم معاهدا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا خصمه يوم القيامة”.

أما فيما يخص المساواة في التقاضي بين الذميين والمسلمين، فهي كذلك مصونة ويتجلى ذلك بكل وضوح في قصة اليهودي الذي لجأ إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رض) شاكيا من الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، فلما مثلا بين يدي الخليفة، خاطب عمر اليهودي باسمه، وخاطب عليا بكنيته، فظهرت ملامح الغضب على وجه الإمام علي، فقال له عمر: ” أكرهت أن يكون خصمك يهوديا، إن تمثل وإياه أمام القضاء على قدم المساواة ؟”، فأجابه الإمام علي: ” كلا يا أمير المؤمنين، ولكنني غضبت لأنك لم تسو بيني وبينه في التسمية، حيث فضلتني عليه، فخاطبته باسمه، وخاطبتني بكنيتي، والكنية ما صدرت بأب أو أم”.[34]

كما يسوي الإسلام بين الذميين والمسلمين في تطبيق القوانين القضائية إلا ما تعلق منها بشئون الدين فيحترم فيه عقائدهم وشعائرهم كما سنرى لاحقا.[35]

ج/ المساواة من حيث الجنس:

لقد كانت المرأة في الحضارات القديمة مستضعفة ومهضومة الحقوق حتى جاء الإسلام فأنصفها وأعلى مكانتها وضمن لها حقوقها المشروعة، وعلى رأسها إقراره لكرامتها وإنسانيتها وأهليتها لأداء رسالة سامية في المجتمع، فوجدت ممن حولها التقدير والاحترام اللائق بها كأم مربية للأجيال، وزوجة لها حقوق وعليها واجبات، وشابة يصان عرضها من عبث العابثين وأصحاب الشهوات.

ولقد عنى القرآن الكريم بشؤون المرأة في كثير من سوره، حتى عرفت إحدى السور بسورة النساء الكبرى، وعرفت أخرى بسورة النساء الصغرى وهما: سورة النساء وسورة الطلاق.

فيقول سبحانه وتعالى في الآية الأولى من سورة النساء: ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء﴾. كما يقول في سورة الأعراف الآية 189: ﴿هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها﴾.

ومن جهة أخرى، سوت الأحاديث النبوية الشريفة بين الرجل والمرأة بحيث يقول رسول الله (ص): ” الناس كأسنان المشط الواحد، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى.” ويقول كذلك: ” النساء شقائق الرجال لهن مثل الذي عليهن بالمعروف.”[36]

وعليه فإن الرجل والمرأة ينبتان من أصل واحد مما يعني أنهما متساويان في الأصل والنشأة والطبيعة والدور والمهمات. أبعد من ذلك فإن الإسلام لا يساوي فقط بين المرأة والرجل من حيث إنسانيتهم الواحدة وكرامتهم في تحمل الواجبات وممارسة الحقوق وإنما أيضا في تبادل الحاجة وتبقى صفة التفضيل الوحيدة الموجودة بينهما هي التقوى.

فالرجل والمرأة في الإسلام متساويان تماما في الاعتبار الإنساني، وليس لأي منهما ميزة على الآخر في هذا الصدد. والكرامة التي منحها الله للإنسان في قوله ﴿ولقد كرمنا بني آدم﴾، هي كرامة للرجل والمرأة على حد السواء.[37]

أما فيما يخص القوامة التي تحدث عنها عزّ جلاله في سورة البقرة الآية 228: ﴿ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة﴾ وفي سورة النساء الآية 33: ﴿الرجال قوامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض﴾، كثيرا ما يساء فهمها وتستعمل كوسيلة لمهاجمة الإسلام، فيقول في شأنها فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: “أما التفاوت الذي تحدث عنه سبحانه وتعالى في بعض الآيات القرآنية فهو تفاوت في القدرات، الملكات، الاختصاص والإمكانات، فالتساوي المبدئي ناظر إلى وحدة الإنسانية فيما بينهم جميعا، والتفاوت التطبيقي، ناظر إلى الحكمة الربانية التي اقتضت بعد ذلك أن يتفاوتوا في القدرات ويتنوعوا في الخصائص والملكات.”[38]

ومن جهة أخرى، فإن قوامة الرجل على المرأة في الإسلام قوامة رحيمة قائمة على المودة والمحبة والإرشاد، وهي مقيدة بقيود كثيرة تحفظ للمرأة كرامتها وتصون حقوقها وتحقق مصلحتها على خير وجه، لأنها رعاية ومحبة مخلصة وليست بسلطان مفروض، كما هي تدبير وإرشاد وليست بسيطرة ولا استبداد.

وعليه فلقد صدق من قال بأن الإسلام قد رفع من شأن المرأة ووضعها في مكانة لم ولن يضعها فيها أي قانون ديني أو مدني آخر.[39]

ثانيا: العدالة سمة الإسلام

لقد تحدث القرآن الكريم عن العدل أو ما يدل عليه كالقسط والميزان في أربع وخمسين آية، كما نهى عن الظلم والمنكر والفحشاء وحدد مصير الظالمين في حوالي ثلاثمائة وعشرين آية.[40]

ويمكن تعريف العدل بكل بساطة بأنه: عكس الظلم، فيقول ابن منظور: “إن العدل هو ما قام في النفوس أنه مستقيم. وكل ما لم يكن مستقيما كان جورا وظلما.[41] أما الإمام أبو زهرة فهو يعرف العدالة بأنها: ” الميزان المستقيم الذي يحدد العلاقات بين الناس في حال السلم، وحال الحرب، فهي القسطاس المستقيم الذي به توزع الحقوق، وبه تحمى الحقوق وبه ينتظم الوجود الإنساني.” كما يضيف ” وإذا كان لكل دين سمة يتسم بها فسمة الإسلام هو العدالة، وهي شعاره، وهي خاصته”.[42]

والعدل هو اسم من أسماء الله الحسنى فالله هو العدل ولا يصدر عنه إلا العدل، لذا أوجب سبحانه وتعالى العدل في كل شيء سواء تعلق ذلك بالفرد أو الأسرة أو المجتمع أي عدل الإنسان في أهل بيته وعدل الولاة في تسيير شؤون الرعية، وعدل القضاة في الحكم بين المتخاصمين أو القسمة وما إلى ذلك حتى ولو كان على حساب الأقارب، فيقول عز وجل مستعملا صيغة الأمر: ﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسطِ شهداءَ للهِ ولو على أنفسِكٌم أو الوالدَينِ والأقربين إن يكُن غنيا أو فقيرا فالله أولَى بهِما فلا تتبعوا الهوى أن تعدِلوا وإن تلوا أو تعرِضوا فإن اللهَ كان بما تعملونَ خبيرًا﴾ أو﴿وإذا قُلتُم فاعدِلوا ولَو كانَ ذا قُربى ﴾، ﴿ إن الله يأمركم أن تُؤَدُّوا الأماناتِ إلى أهلِها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل﴾.[43]

ولقد كان الرسول (ص) يحب العدل في كل شيء، ويلتزم به قولا وممارسة ويوصي، بل ويأمر أتباعه بالتقيد به على كل المستويات الاجتماعية والإنسانية وفي أخص خصوصيات الإنسان استجابة لقوله تعالى: ﴿ فلذلك فادعُ واستقم كما أُمِرتَ ولا تتبع أهواءَهُم وقُل آمنتُ بما أنزل اللهُ من كتابٍ وأُمِرتُ لأَعدِلَ بينكم الله رَبُنا ورَبُكُم﴾.[44]،

كما حظر الإسلام تحميل العداوة على الظلم، فأوجب العدل حتى مع الأعداء واعتبره أقرب للتقوى، وتأكيدا على ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿ يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين للهِ شُهدآءَ بالقِسطِ ولا يجرمَنَّكُم شنئَانُ قومٍ على ألاَّ تعدِلُوا أعدلوا هو أقرَبُ للتقوى واتَّقُوا اللهَ إن اللهَ خبيرٌ بِمَا تعملونَ﴾.[45]

ومن جهة أخرى قرر الإسلام العدل حتى لغير المسلمين، أي أهل الذمة والمعاهدين، بحيث يقول رسول الله (ص): ” ألا من ظلم مُعاهِدًا أو انتقصَهُ أو كلَّفهُ فوق طاقته أو أخذَ منه شيئا بغير طيبِ نفسٍ فأنا حجيجُهُ يوم القيامة “.[46]

وعليه فإن العدل في الإسلام ليس مجرد حقِ، بل هو واجب، سواء كان ذلك تجاه الغير أو حيال النفس، فيقول (ص): ” إن لربكَ عليك حقَّا، ولنفسك عليك حقَّا، ولأهلك عليك حقَّا، فأعط كل ذي حق حقه”،أو ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا”،أو “إني حرمت الظلم على نفسي وعلى عبادي، ألا فلا تظالموا.”[47]

ومن جهة أخرى، يذهب بعض الفقهاء المسلمين إلى القول إن الإسلام يلزم المسلم على التصدي للظلم بالمنع والإزالة “كمنكر” وكذلك على التصدي للظَلَمة بالمقاومة وعدم مساعدتهم أو إتباعهم، حتى يتطهر مجتمع الإسلام من دنس الظلم والظالمين، مستدلين في ذلك بقول الرسول (ص): “من مشى مع الظالم فقد خرج من الإسلام”.[48]

ومن هذا المنطلق ولو كان العدل في الإسلام مجرد “حق” لجاز للإنسان أن يتنازل عن حقه فيه، ولكن ظلم الإنسان لنفسه جريمة كبرى كما قال (ص): ” الظلم ظلمات يوم القيامة…”، فأنزل عليها سبحانه وتعالى أشد العقاب: ﴿ الذين تَتوفاهُمُ الملائكةُ ظالمي أنفُسِهِم فألقوا السَّلَمَ ما كنا نعمَلُ من سوء بلى إن اللهَ عليمٌ بما كنتم تَعملونَ ◊ فادخلوا أبوابَ جهنَّم خالدين فيها فلبِئسَ مثوى المُتَكبرينَ﴾.[49]

أبعد من ذلك يحث الإسلام على الهجرة إذا ما استضعف الإنسان وهضمت حقوقه[50]، فقال الله تعالى ﴿ إن الذين توفاهُم الملائكة ظالمي أنفُسِهم قالوا فيمَ كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرضُ الله واسعةً فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا﴾.[51]

وفي المقابل يجازي الله المقسطين وفي هذا المعنى يقول (ص): “المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور عن يمين الرحمان عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا”.[52]

ولقد سار الخلفاء الراشدون على درب الرسول (ص) فتميز عهد عمر بن الخطاب (رض) على وجه التحديد بالعدل وبالإنصاف لدرجة السماح إلى رعيته بتقويمه إذا رأوا في حكمه خروجا عن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية لقوله (رض): “…إن رأيتم فيَّ اعوجاجا فقوموني…” [53]

كما يرجع لعهد عمر بن الخطاب (رض) قسط كبير من الفضل في تنظيم شئون القضاء وتطوير هذه المؤسسة الإسلامية الأساسية وإقامتها على دعائم متينة من كتاب الله والسنة النبوية الشريفة وأعمال الصحابة، فيقول على سبيل المثال في وصيته لعثمان بن عفان الذي لحقه في الخلافة: “اجعل الناس عندك سواء”، كما كانت رسالته في القضاء إلى أبي موسى الأشعري غنية بالمبادئ والأحكام التي تؤَّمِن سلامة المعاملات وتحقق العدل والإنصاف بين الناس، من بينها: واجب التسوية بين الخصوم، ضرورة سماع الأطراف المتخاصمة، التثبيت والتحقيق قبل الحكم، الحق في وجود قاض مستقل…[54]

وفي العموم فلقد عرف المسلمون في بعض مقاطع من التاريخ، خاصة بعد توسع رقعة الدولة الإسلامية إثر الفتوحات العديدة، وتنوع وتعقد المشاكل الاجتماعية، إحدى المؤسسات التي كانت تتولى الدفاع عن حقوق الناس، وهي “ديوان رفع المظالم” وكذلك وظيفة “المحتسب” وكلاهما يعتبران آلية لضمان الحقوق الإنسانية، وإن لم تحظيا باهتمام المؤرخين.[55]

المبحث الثاني: الحريات العامة والواجبات السياسية في الإسلام

لقد سعى الإسلام جاهدا إلى تحرير البشرية جمعاء من العبودية أيا كان نوعها أو مصدرها، فأمر بعبادة الله وحده وعدم الشرك به محررا بذلك الإنسان من عبادة الأصنام والأوثان ومن ثم من الخضوع لأخيه الإنسان سواء كان ذلك من خلال استعباد الحاكم لمحكوميه أو قوم لقوم آخر، أو حتى دولة لدولة أخرى.

فالإسلام إذا هو دين الحرية لكن في حدود الواجبات الشرعية المقررة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وعلى رأسها الواجبات السياسية. وعليه فإننا سنتوسع فيما يلي في الحريات العامة وفي الواجبات السياسية في الإسلام من خلال المطلبين التاليين:

المطلب الأول: الحريات العامة في الإسلام

المطلب الثاني: الواجبات السياسية في الإسلام

المطلب الأول: الحريات العامة في الإسلام

إن الأصل في الأشياء في الإسلام هو الإباحة ما لم يقم الدليل بالتحريم. ومن هذا المنطلق يسوق بعض الفقهاء المسلمين مبدأ المسؤولية الشخصية كدليل لإثبات الحرية، موضحين بأن الناس يتمتعون بقدر معين من الحرية التي تجعلهم مسئولين عن أفعالهم.[56]

والحرية في الإسلام هي حق فطري ثابت يولد مع الإنسان، وعلى غرار المفهوم الغربي للحريات العامة فإن مفهومها في الإسلام واسع وعام بحيث يشمل بالإضافة إلى تحرير الإنسان من العبودية للآخرين وللضغوطات والمؤثرات، على تحريره من سيطرة الأهواء وشهوات النفس والمال، وغرائز البطن… ليسمو إلى مصاف الطهارة والخير.[57]

وفي هذا المعنى يقول الإمام أبو زهرة: ” إن الحرية الحقيقية تبتدئ بتحرير النفوس من سيطرة الأهواء والشهوات وجعلها لسلطان العقل والإيمان، ولذلك دعا الإسلام إلى تحرير النفوس من هذه السيطرة… وعلى ذلك لا يعرف الإسلام من الحرية الانطلاق وراء الهوى من غير قيد من حكم العقل والإيمان الصادق”.[58]

وسوف نتوسع فيما يلي في شتى أنواع الحريات التي ضمنها الإسلام من خلال الحديث على تشجيع الإسلام للعتق، و على الحرية الدينية في الإسلام، أما حرية الرأي والتعبير فستكون موضوع نقاش الفرع الثاني أي ضمن الواجبات السياسية في الإسلام.

أولا: تشجيع الإسلام للعتق

إن المتمعن في الفقه الإسلامي يلاحظ أن العقوبات في الإسلام لا تقيد الحرية، لأن التقييد يمنع الحركة والحركة هي الحياة، فحرية الإنسان في الإسلام مقدسة كحياته، وهي الصفة الطبيعية الأولى التي يولد بها الإنسان، وفي ذلك قول رسول الله (ص): “ما من مولود إلا ويولد على الفطرة”، أو كما يقول الخليفة عمر بن الخطاب (رض) في كلمته المشهورة: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا”.

غير أن الإسلام قد ظهر في مجتمع تعددت فيه طوائف الأرقاء زنجا، وروما وفرسا… فحاول عن طريق سياسة التدريج تحريم هذه الممارسات التمييزية، فشجع ورغّب في العِتق واعتبره كفارة لبعض الذنوب وقربة إلى الله.[59]

فإذا تأملنا في اهتمام الإسلام بالتحرير التدريجي للأرقاء فإننا سندرك الإنجاز الذي صنعه. فالنصوص القرآنية مثلا تستعمل مصطلح الرقبة وليس العبد عندما تتحدث عن الرقيق، أضف إلى ذلك فإن هذا المصطلح مقترن دائما بالتحرير كونه كفارة عن بعض الذنوب، ومثال ذلك الآيات التالية: ﴿ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ﴾، ﴿لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ﴾ أو: ﴿والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا﴾.[60]

كما رغّبت السنة النبوية الشريفة في العتق فيقول الرسول (ص): ” أيُّما رَجُلٍ أعتقَ امرأً مُسلماً استنقذ الله بكل عضوٍ منه عضوًا منه من النارِ”، واعتبرته كفارة عن الضرب أو اللطم لقوله (ص): “من ضربَ غُلامًا له حدًّا لم يأتِهِ أو لَطَمَهُ فإن كَفََّارتَهُ أن يُعتِقَهُ”.

ثانيا: الحرية الدينية في الإسلام

أما فيما يخص الحرية الدينية فلقد احترم الإسلام حرية العقيدة احتراما كاملا، فمنع الإكراه في الدين، تاركا لكل إنسان الحرية الكاملة في اعتناق ما يشاء من العقائد السماوية وأن يجهر بها ويقيم شعائرها بل وحتى أن يدافع عنها ويعمل لها ويدعو غيره للدخول فيها.[61]

وفي هذا الإطار يقول الشيخ محمد الغزالي[62]: “أحصيت أكثر من مئة آية تتضمن حرية التدين وتقيم صروح الإيمان على الاقتناع الذاتي وتقصي الإكراه عن طريق البلاغ المبين.” ومن بين هذه الآيات الكثيرة قوله تعالى: ﴿أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين﴾، أو ﴿ وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر﴾، أو في قوله تعالى: ﴿ لكم دينكم ولي دينِ﴾، ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم﴾.[63]

ومن جهة أخرى أجاز الله للمسلمين معاملة غير المسلمين في إطار التعايش السلمي، فقال سبحانه وتعالى: ﴿لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين﴾.[64]

كما قال رسول الله (ص): “أتركوهم وما يدينون، لهم مالنا وعليهم ما علينا”، فالدولة الإسلامية، كما سبق لنا توضيحه، ملزمة بتطبيق القوانين نفسها القضائية على الذميين والمسلمين إلا ما تعلق منها بشئون الدين فتحترم فيه عقائدهم وشعائرهم فلا توقع عليهم الحدود الإسلامية فيما لا يحرمونه على أنفسهم، كما لا يدعون للقضاء في أيام أعيادهم لقوله عليه الصلاة والسلام: ” أنتم يهود عليكم خاصة ألا تعدوا في السبت”.[65]

أبعد من ذلك، فلقد أمرت السنة النبوية الشريفة بسن قوانين خاصة بأهل الكتاب تتماشى مع عقائدهم وشعائرهم لقوله (ص): ” سُنَّوا بهم سُنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم”. ولكن مع مرور الزمن أباح الله للمسلمين الأكل من ذبائح أهل الكتاب والزواج من نسائهم على أن تبقى على دينها ولها على زوجها من الحقوق الزوجية ما للمسلمة من حقوق إلا الميراث لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ اليوم أُحِلَ لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلًّ لكم وطعامكم حِلًّ لهم والُمُحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أُتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين﴾.[66]

ويروى كذلك في تسهيل عبادات غير المسلمين الذين تحكمهم الدولة الإسلامية، أن عمر بن الخطاب (رض) مرّ أمام كنيسة بيت المقدس وقت الصلاة، فصلى خارجها، فسُئل: ألا تجوز الصلاة فيها؟ فقال الحاكم العادل الحر: ” خشيت أن أصلي فيها، فيزيلها المسلمون من بعدي ويتخذوها مسجدا”، وهذا أكبر دليل على حماية الرسول ومن بعده الصحابة للحرية الدينية.[67]

المطلب الثاني: الواجبات السياسية في الإسلام

لقد نظم الإسلام الحقوق السياسية بطريقة شاملة وقطعية لدرجة أنه لم يعتبرها مجرد حقوق إنما أكثر من ذلك فهي واجبات شرعية تقع على عاتق كل فرد راشدٍ وعاقلٍ، ذكرا و أنثى[68]، وهي تتلخص في واجبين أساسيين وهما واجب الإدلاء بالرأي والتعبير وواجب مشاركة الرعية في إدارة شئون الدولة، نتوسع فيهما فيما يلي:

أولا: واجب الإدلاء بالرأي والتعبير

إن الإنسان مفطور بطبعه على التعبير عن نفسه وإعطاء رأيه بحرية وباستقلالية ذاتية وأصيلة، ومن هذا المنطلق ضمن الإسلام حرية الإدلاء بالرأي وإبداء وجهة النظر، ويشمل هذا الحق عدة نواحٍ منها المجادلة وحرية قول الحق في أي ظرف وفي أي مجتمع أو نظام.

فالإسلام لم يضع القيود علي الفكر مهما كانت فلسفته ومهما كان اتجاهه وأعطى للجدال حريته من أجل الوصول إلي الصواب والحقيقة ودرب الهداية، ولعل أحسن مثل نضربه في هذا السياق “مجادلة الملائكة لله تعالى” ـ إذا صّح التعبيرـ عن سبب خلق الإنسان طبقا لما جاء في الآية الكريمة: ﴿ وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يفسد فيها ويسفك الدماءَ ونحن نسبح بحمدك ونُقدسُ لك﴾.[69]

وأبعد من ذلك جعل الشرع الإسلامي حق التدخل بالقول وبالفعل لتقويم شئون المجتمع أو في الإدلاء بالرأي والنصيحة للحاكم مهما تكن درجته ومكانته وسلطته ” فرض كفاية” وواجبا من ألزم الواجبات[70]، لأن الحاكم إنسان غير معصوم عن الخطأ قد يحسن وقد يسئ. وعليه فإن الرقابة والنصيحة واجبان على كل مسلم ومسلمة، وهذا أول أساس في تاريخ الحضارة البشرية لما يسمى بالعقد الاجتماعي الذي نسب تاريخيا زورا لإنجازات الثورة الفرنسية.[71]

ولقد صاغ الإسلام هذه الفريضة الاجتماعية تحت عنوان: “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”[72]، بحيث لا يجوز للمسلم التنازل عنها فهي من منحت صفة “الأمة الخيرة” للأمة الإسلامية لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ولتكن منكم أُمةٌ يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون﴾. وقوله كذلك: ﴿ كنتم خيرَ أمةٍ أخرجت للناسِ تأمرون بالمعروفِ وتنهون عن المنكر﴾.[73]

كما أمر الرسول (ص) المسلمين بقول وجهر الحق وإن كان مُرا، وكان يبايع أصحابه على ذلك وعلى ألا يخافوا في الله لومة لائم، فقال (ص): ” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”، أو قوله: ” أفضل الجهاد إلى الله كلمة عدل عند سلطان جائر”، فهو يؤكد (ص) على أن ” الساكت عن الحق شيطان أخرس”.

فالتفريط في هذه الفريضة لا يفسد “دنيانا” فقط، إنما أبعد من ذلك فهو يحبط أعمالنا فيقول (ص) في هذا المعنى: ” لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله بعضكم ببعض ثم تدعون فلا يستجاب لكم “. كما يوضح القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى في الآيتين 159 و160 من سورة البقرة: ﴿ إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البيِّنات والهُدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم الّلاعنون ◊ إلا الذين تابوا وأصلَحُوا وبيَّنوا فأولئك أتُوبُ عليهم وأنا التواب الرحيم﴾.

ولكن قيد الإسلام هذه الفريضة الشرعية بعدة شروط لكي لا تنحرف عن أهدافها وتؤدي إلى الفوضى ووقوع الشحناء والبغضاء، فأمر بالجدال بالتي هي أحسن والالتزام بالكلمة الطيبة والأدب وتحكيم العقل والمنطق، والبعد عن الخشونة خاصة مع أصحاب العقائد والملل لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم﴾، ﴿ ومن أحسن قولاً ممن دعا إلي الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين◊ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم﴾، وأخيرا ليس آخرا: ﴿ قل يا أهلَ الكتابِ تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم﴾.[74]

والمتتبع لسيرة الرسول الكريم (ص) فإنه سيجدها قائمة على مجادلة الآخرين بالحسنة بدءاً باليهود أو المشركين من قريش في مكة وكذلك المنافقين في المدينة المنورة، بحيث تحمل (ص) ضلالهم دون حمل السيف في وجه أحد منهم ليجبرهم على الاقتناع بعقيدته وبالقرآن الكريم، لأن غايته (ص) لم تكن نشر الرعب ومصادرة أفكار الآخرين استجابة لقوله تعالى: ﴿ولو كنت فظاً غليظَ القلب لانفضوا من حولك﴾ و﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن﴾. [75]

ولقد سار الخلفاء الراشدون على هذا النهج مطبقين أحكام الشريعة الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة، فأبو بكر الصديق (رض) أول خليفة المسلمين قال عند توليه الخلافة: ” أما بعد، أيها الناس، إني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فان أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني (…) أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم (…)”، كما سمح عمر بن الخطاب (رض) لرعيته بتقويمه إذا رأوا في حكمه خروجا عن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فقال: “(…) إن رأيتم فيَّ اعوجاجا فقوموني (…)”.[76]

ثانيا: واجب مشاركة الرعية في إدارة شئون الدولة “الشورى”

ينطلق بعض الفقهاء المسلمين من الآية 59 من سورة النساء التي جاء فيها: ﴿يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ ليؤكدوا على أن أساس نظام الحكم في الإسلام هو ديموقراطي بحيث إن الله سبحانه وتعالى يتحدث عن “أولي الأمر” أي الحاكم، بصيغة الجمع، ومن جهة أخرى فإنه قد اشترط لطاعتهم أن يكونوا من الأمة، بمعنى أن يكونوا موضع اختيارها وأهلا لثقتها وقيادتها.[77]

بالفعل لقد حرص الإسلام منذ العهد الأول لقيام الدولة الإسلامية على إشراك الرعية في جميع أمور الدولة التي تقتضي المشورة من أجل معرفة أصوب الآراء في موضوع ما، وفي هذا المعنى يقول (ص): ” ما تشاور قوم إلا هُدُوا لأرشد أمورهم”. فالعمل بالشورى يكفل حسن سير الأمور واستقامة الحكام، كما يكفل احترام إرادة المحكومين مسلمين كانوا أو ذميين أو مستأمنين، لأنها مظهر من مظاهر المساواة وحرية الرأي والنقد والمعارضة والاعتراف بشخصية الفرد في إطار مصلحة الجماعة.[78]

والشورى في الإسلام ليست مجرد حق وإنما هي ” تكليف ” و”فريضة شرعية” واجبة على كافة الأمة، حكاما ومحكومين، كما لا يجوز التنازل عنها لأنها صفة من صفات المؤمنين لقوله تعالى: ﴿والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون﴾.[79]

ولقد التزم الرسول (ص) بالشورى امتثالا لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفظوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر﴾[80]، كما أوجب (ص) على المؤمنين المشورة مؤكدا على أنها أمانة بل ومسئولية تتطلب من هو أهل لها فيقول (ص): ” إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه ” و “المستشار مؤتمن” أو “ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه”.[81]

فكان (ص) يشاور أصحابه في سياسة الدولة وفي سلوكه مع الناس ويأخذ بما أجمعوا عليه ولو كان مخالفا لرأيه،[82] أبعد من ذلك فإنه كان يشاور حتى في سياسة بيته لأن الشورى هي الفلسفة الإسلامية للحكم سواء كان ذلك في الدولة أو المجتمع بل وحتى للأسرة المسلمة، لقوله تعالى: ﴿فإن أرادا فصالا عن تراضٍ منهما وتشاور فلا جناح عليهما﴾.[83]

ومن بعد الرسول (ص)، كان الأئمة وخلفاء المسلمين وأمراؤهم يلجئون إلى استشارة الأمناء من أهل العلم إذا طرأ شأن خطير لم توضع له قواعد من قبل، وينزلون عند رأي أغلبيتهم، أما إذا كان الكتاب والسنة قد فصلا في ذلك الموضوع فإنهم يردونه لله وللنبي.

ومن جهة أخرى، فإن الفقهاء المسلمين من كافة المذاهب الصحيحة متفقون على أن الخليفة أو الحاكم في الإسلام هو وكيل على الأمة، ويشترط لتوليه منصبه مبايعة أهل الحل والعقد الذين يملكون كذلك حق خلعه وعزله، وعليه فإن المسلمين أول أمة قالت إن الرعية هم مصدر السلطات كلها.[84]

الفصل الثاني: الحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية في الإسلام

يقصد بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية تلك المجموعة من الحقوق التي تسمح للأفراد بالاندماج في المجتمع أو الدولة اندماجا تاما وسليما، كما تسمح لهم بالمساهمة في بناء دولهم سواء كان ذلك اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا، وخاصة الانتفاع بمردود ذلك على المستوى الشخصي.

وتتمثل الحقوق الاقتصادية في الحق في التملك وفي العمل وما ينجر عن هذا الحق من مستلزمات وحقوق أخرى، أما الحقوق الاجتماعية فهي تتمثل في الحق في السكن، التطبيب وفي الحماية الاجتماعية، وأخيرا تتمثل الحقوق الثقافية في ضرورة الحصول على المعرفة.

وفي المقابل تتمثل مقاصد الشريعة الإسلامية في مختلف ضرورات الحياة والمتمثلة في: الدين، العقل، النسل، والمال والنفس، فعبادة الله الخالق بالمعنى الواسع للكلمة تشمل بالإضافة إلى المشاركة الحقيقية في إدارة المجتمع، وتحديد معالم النظام السياسي والاجتماعي انطلاقا من الشورى والعدالة والمساواة، على الاجتهاد في العمل وعمارة الأرض بما ينفع الناس، وكذا طلب العلم ومجاهدة النفس بمعنى التربية الروحية…وما إلى ذلك.[85]

أبعد من ذلك فإن الإسلام لم يكتف بالنص على هذه المقاصد وإقرارها في الكتاب والسنة والتكليف بحمايتها والمسؤولية عنها، وإنما اعتبر الاعتداء عليها جريمة، بل وحدا من حدود الله، ونص على عقوبتها، حتى لا تبقى مجالا للاجتهاد.

وعليه فإن الإسلام قد نظم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بطريقة شاملة وقطعية لدرجة أنه لم يعتبرها مجرد حقوق وإنما أكثر من ذلك فهي مقاصد شرعية، وسوف نتوسع من خلال هذا المبحث في هذه المقاصد الشرعية معتمدين التقسيم التالي:

المبحث الأول: حماية الإسلام لحقوق الإنسان الاقتصادية؛

المبحث الثاني: الواجبات الاجتماعية والثقافية في الإسلام.

المبحث الأول: حماية الإسلام لحقوق الإنسان الاقتصادية

يحارب الإسلام الجشع الاقتصادي مهما كانت مظاهره، فيحظر الربا، ويحظر الشركات التي تقوم على هذا النظام، كما يحظر الوسائل التي تؤدي عادة إلى تضخم رؤوس الأموال كابتزاز الناس أو غشهم أو التحكم في ضروريات حياتهم واستغلال عوزهم وحاجاتهم أو غير ذلك من ممارسات تعتمد على التعدي واحتكار لأموال وممتلكات الغير بالباطل.

وفي المقابل يشجع الإسلام روح الجماعة وتيسير سبل الحياة لكل إنسان، على أساس ” أعط المال لغيرك ليهيء لنفسه الفرص الطيبة والشرعية في الحياة ثم استرده منه.”[86]

فأساس العلاقات الاقتصادية في المجتمع الإسلامي هو التعاون على الصعوبات المادية من خلال توفير سبل الكسب الحلال عن طريق السعي والعمل و حماية أموال أفراده من الاستغلال أو الضياع، وهذا ما سنحاول الإلقاء الضوء عليه من خلال النقطتين التاليتين:

المطلب الأول: واجب العمل في الإسلام

المطلب الثاني: الحق في الملكية الفردية

المطلب الأول: واجب العمل في الإسلام

الإسلام دين الجد والعمل، فهو لا يرضى بالكسل والبطالة، كما لا يرضى بالفردية والعزلة وإنما يدعو الناس جميعا إلى الجهاد في سبيل العيش بكرامة من خلال السعي والمثابرة والتعاون، مع المحافظة على القيم الروحية.

فالعمل في الإسلام ليس مجرد حق بل هو واجب وعبادة بحيث يقول سبحانه وتعالى في صيغة الأمر: ﴿ هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور﴾، ويقول كذلك: ﴿ وابتغ فيما آتاك اللهُ الدَّارَ الآخرة ولا تنس نصيبكَ من الدنيا وأحسِن كما أحسن اللهُ إليك﴾.[87]

وفي ذات المعنى جاء النص النبوي الشريف ليؤكد المقولات الفكرية الاقتصادية الحديثة الحاثة على العمل والإنتاج قدر الامكان بدلا من الاعتماد على عمل “الغير”، فيقول عليه الصلاة والسلام: ” ما أكل أحدٌ طعاما قطٌ خيرًا من أن يأكُلَ من عملِ يدهِ، وإنَّ نبيَّ الله داودَ، عليه السلام، كان يأكلُ من عمل يدِهِ “، كما قال (ص): “اليد العليا خير من اليد السفلى”، أي المعطي خير من السائل.

وأبعد من ذلك يحرص الإسلام على تحقيق تكافؤ فرص العمل بين أفراد المجتمع بهدف تقليل الفروق بين الطبقات وتقريبها ببعضها البعض، من خلال تقييد واجب العمل بعدة شروط يلتزم بها العامل ورب العمل على حد سواء، وتتمثل هذه الشروط في الآتي:

ـ ربط العمل بالعبادة وبرقابة الضمير مع ضرورة إتقانه، وفي هذا المعنى يقول (ص): “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه “.

ـ أن يكون العمل مشروعا؛ وعليه حرم الإسلام جميع المعاملات التي تنطوي على الغش أو الرشوة أو أكل أموال الناس بالباطل أو تطفيف في الكيل أو في الميزان فيقول سبحانه وتعالى: ﴿ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾.[88]

ـ إعطاء العامل أجره، فالإسلام يقدر حق العامل في ملكية أجره إلى حد إنذار من يجور عليه به من أصحاب العمل بحرب وخصومة من الله، وفي هذا السياق يقول (ص): ” قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجلٌ أعطى بي ثم غدر، ورجلٌ باع حُرًّا فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يُعط أجرَهُ “، وهذا دعاء صريح إلى التعجيل بأداء الأجر لأنه كما يؤكد (ص): “أعطوا الأجير حقه قبل أن يجف عرقه”.[89]

ـ ضرورة توفير الحاكم فرص العمل، فلقد اهتم الإسلام بتنظيم الاقتصاد بتقرير حق العمل لكل إنسان، فقال رسول الله (ص): ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته “.

ومن جهة أخرى، تعتني الشريعة الإسلامية بالعامل وبحقوقه، وتتمثل هذه العناية فيما يلي[90]:

ـ حفظ كرامة العامل وإنسانيته وحقوقه الفطرية الأساسية بوصفه إنسانا قبل كل شيء، فالعمل ليس مذلةن إنما وسيلة شريفة للكسب من أجل العيش بكرامة.

ـ تقدير مجهود العامل تقديرا عادلا بحيث لا يجوز أن يبخس رب العمل العامل أو يغبنه أو يبتزه نتيجة فقره أو حاجته الماسة إلى ذلك العمل.

ـ عدم إرهاق العامل إرهاقا يضر بصحته لقوله (ص): “ولا تكلفوهم ما لا يطيقون فإن كلفتموهم فأعينوهم”.

المطلب الثاني: الحق في الملكية الفردية

لقد شرع الإسلام الملكية الفردية وجعلها حقا ثابتا ومقدسا للنساء والرجال بل وللمسلمين والذميين على حد سواء[91]، ويشمل هذا الحق كل شيء أي المنقول والعقار كما يمتد ليشمل الحقوق الاقتصادية كلها بما فيها حق العمل للكسب والإنتاج لصالح البشرية جمعاء.[92]

والملكية الفردية في الإسلام هي ليست مجرد حق بل مقصد شرعي لا يحل لأحد أن يعتدي عليه أيا كانت صورة هذا الاعتداء: أي بالسرقة أو بالغصب أو بالاختلاس أو بالخيانة أو بالغش أو بالتلاعب بالكيل والوزن أو بالرشوة… أو ما إلى ذلك، لأن أخذ مال الغير بدون سبب مشروع أكل للمال بالباطل، والله تعالى يحرم أكل مال الغير بالباطل فيقول: ﴿ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل﴾.[93]

ومن جهة أخرى يقول الرسول الأكرم (ص): “كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله”، وكذلك ” من اقتطع مال أمرىء مسلم بغير حق لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان”. كما قال في حديث آخر عن الدفاع عن الحق في الملكية: “من أخذ ماله بغير حق فقاتل فقُتل فهو شهيد”.

وأبعد من ذلك فإن الإسلام قد أحاط الملكية الفردية بسياج قوي من الحماية وأقر عقوبة قاسية على كل معتد عليها، وتتمثل هذه العقوبة في قطع اليد، وفي هذا المعنى يقول سبحانه وتعالى: ﴿ والسارق والسارقة فاقطَعوا أيدِيهُما جزاءَ بما كسبا نَكالاََ من الله واللهُ عزيزٌ حكيمٌ﴾.[94] ولقد كان عليه الصلاة والسلام يتشدد في تنفيذ حد السرقة، بحيث قال: “…لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها”.[95]

ولكن في المقابل ومن أجل القضاء على أسباب السرقة، يعالج الإسلام البخل والانزواء وحب الذات علاجا نفسيا عميقا يحتوي على الترغيب والتحذير والتشجيع ليصل الشارع عن طريق الدفع إلى الإنفاق والتعاون الإنساني والتكافل الذي يجب أن يكون عاما بلا تفرقة، كما سنرى لاحقا.

ومن جهة أخرى فإن المالك في الإسلام هو مجرد مستخلف عن الله في هذه الأموال، وبالتالي فهو حر في ما يملك وفي التصرف فيه، واستثماره والانتفاع به… [96]، ولكن في حدود العمل المشروع الذي لا ضرر فيه لأحد.

ومن هذا المنطلق أباح الإسلام للحاكم أن ينزع الملكية الخاصة من صاحبها إذا اتخذها وسيلة للإيذاء[97]، كما حرم الإسلام الربا تحريما قاطعا وجعله من أكبر الكبائر وحرم امتلاك ما ينجم عنه من مال فقال تعالى: ﴿الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيعُ مثل الربا وأحَّل اللهُ البيع وحرَّم الربا ﴾.[98]

فمهمة المال في الإسلام ثلاث، مهمة حسية وهي تسديد الحاجات المادية، مهمة اجتماعية والمتمثلة في تفريج كرب المجتمعات وتحقيق المصالح العامة الأساسية، وأخيرا مهمة روحية وهي الإنفاق استعدادا ليوم الآخرة، خاصة وأن الإسلام يربط بين الإيمان والإنفاق، لقوله تعالى: ﴿ ءامِنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين ءامنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبيرٌ﴾.[99]

أما فيما يخص الأملاك العقارية أي البيوت أو الحقول أو ما إلى ذلك، فإن الإسلام لا يحفظ الحق في ملكيتها فحسب، بل أبعد من ذلك فهو يحفظ حتى حرمتها، وفي هذا المعنى يقول سبحانه وتعالى: ﴿يا أيها الذين ءامنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذَكَّرون ◊ فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم أرجعوا فأرجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليمٌ﴾.[100]

كما يقول الرسول الأكرم:” من اطلع في بيت قوم بغير إذن منهم ففقأوا عينه فلا دية له “، وعليه فإن الحق في حرمة المسكن مرتبط في الشريعة الإسلامية بالحق في الدفاع عن النفس والعرض والمال، الذي يعرف في القانون الوضعي بـ “حق الدفاع الشرعي”.

المبحث الثاني: الواجبات الاجتماعية والثقافية في الإسلام

لقد حرص الإسلام على تنظيم العلاقات البشرية من خلال قواعد سلوكية مثالية مبنية على الفضائل ومكارم الأخلاق تكسب المجتمع أمنا وطهرا وخيرا، كما تحقق انصهار أفراده وترابطهم وتقدمهم.

فالإسلام يفرض على المؤمنين مجموعة من الواجبات الاجتماعية والثقافية، وعلى رأسها واجب التكافل والتساند والتماسك فيما بينهم، وكدا واجب العلم والتعلم والتفقه لإرشاد بعضهم بعضاً بما فيه الخير لهم وللإنسانية جمعاء.

وعليه فإننا سنتوسع في المطلب الأخير من هذه الدراسة في هذين الواجبين الأساسيين معتمدين التقسيم التالي:

المطلب الأول: واجب التكافل في الإسلام؛

المطلب الثاني: واجب التفقه في الإسلام.

المطلب الأول: واجب التكافل في الإسلام

يعتبر الإسلام دعوة خالصة للتعاطف بين أفراد العائلة بل وحتى بين أفراد المجتمع ككل، لقوله تعالى: ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان﴾.[101]

فالتعاون والتكافل على البر والتقوى في الإسلام واجب بل وشرط للإيمان طبقا لقول الرسول الأعظم (ص): “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”، لأن المؤمنين في الإسلام ومهما اختلفت أجناسهم وأعراقهم وأصولهم…. هم بنيان وجسد واحد لقوله (ص): ” المؤمنُ للمؤمن ِِ كالبنيانِ يشُدُّ بعضُه بعضاً”،” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى”.

وأبعد من ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يحذر المؤمنين بأنه لن يرحم ولن يعين من لا يرحم ولا يعين غيره لقوله (ص): “من لا يرحم لا يرحم ” وكذلك “من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته”، ” الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه “

وعليه فإن الإسلام يحث المؤمنين على كل أوجه الخير والبر والإحسان والتضامن بين أفراد المجتمع بل وحتى البشرية، سواء كان ذلك فرادة أو جماعة، من خلال الصدقة والإحسان وصرف أموال الأوقاف العامة لرعاية شئون الفقراء والمحتاجين، أضف إلى ذلك فإن الإسلام يشجع على إكرام الجار والضيف وابن السبيل… وما إلى ذلك.[102]

فصحيح أن الإسلام يحث على العمل ويحارب الكسل والبطالة، ولكن في المقابل إذا عجز أحد عن العمل فهناك أنواع كثيرة من المساعدات المادية أو الاجتماعية التي تؤمنه على حياته، سنتوسع فيها فيما يلي:

أولا: التكافل المادي في الإسلام (الزكاة)

المال في الإسلام ليس هدفا، إنما هو وسيلة لتأمين المتطلبات المادية للمجتمع البشري في ظل جو من التعاون والتكافل، بحيث من بين مهامه الأساسية كما سبق لنا ذكره، مهمة اجتماعية والمتمثلة بتفريج كرب المجتمعات وتحقيق المصالح العامة الأساسية.

ومن هذا المنطلق فرض الإسلام في السنة الثانية من الهجرة الزكاة، وهي ضريبة مالية سنوية على أربعة أنواع من الثروة والمتمثلة في: الزرع والثمار، والأنعام، والذهب والفضة، وأخيرا على شتى مظاهر النشاطات الاقتصادية، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية وسد حاجات المعوزين وتحول دون تضخم المال.[103]

فالزكاة عبارة عن جزء قليل من المال يخرجه المسلم الميسور سنويا لسد حاجة المحتاجين والمحرومين وهم: ذو القربى واليتامى والفقراء والمساكين وابن السبيل والسائلون أو العاملون عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمون.[104]

كما أوجب الإسلام على بيت المال أن ينفق على العاجزين أطفالا كانوا أو شيوخا أو نساءً إذا لم يكن ثمة من أقربائهم من تجب عليه نفقتهم، ولا يفرق الإسلام في ذلك بين المسلم وغير المسلم.

ولقد سار الخلفاء الراشدون على هذا الدرب والمثال على ذلك الحادثة التي وقعت بين الخليفة عمر بن الخطاب والشيخ اليهودي الضرير الذي كان يسأل الصدقة، فأخذ رضي الله عنه بيده وذهب به إلى منزله وأعطاه مما وجد، ثم أرسل إلى خازن بيت المال وقال له: ” أنظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إذ أخذنا منه الجزية وهو شاب وتركناه يتسول وهو شيخ، إنما الصدقات للفقراء والمساكين وهذا من المساكين من أهل الكتاب”، وأجرى له رزقا دائما من بيت المال.[105]

فالزكاة ليست مجرد التزام ديني بل ركن من أهم أركان الإسلام له علاقة مباشرة ووطيدة بالإيمان بالله، ففي هذا السياق يقول سبحانه وتعالى: ﴿ ليس البِرَّ أن تولوا وجوهكم قِبَلَ المشرق والمغرب ولكن البِرَّ من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه﴾.[106]

كما تعتبر الزكاة أحسن نظام مالي يحقق العدل والتكافل الاجتماعي، ولقد حبب الإسلام إلى الميسورين التصدق بأموالهم على المحتاجين، وجعله من أكبر القرب وأعظمها أجرا، وفي المقابل جعل اكتناز الأموال وعدم إنفاقها في سبيل الله أو منع استثمارها من كبائر المعاصي، وتوعد المكتنزين بأشد عقوبة يوم القيامة، وفي هذا المعنى يقول (ص) مخاطبا أحد الأغنياء، وهو عبد الرحمان بن عوف قائلا: “يا ابن عوف إنك من الأغنياء ولن تدخل الجنة إلا زحفا فأقرض الله يطلق قدميك”.[107]

وبالإضافة إلى الزكاة السنوية، أوجب الإسلام على الميسورين أن يخرجوا صدقات في بعض المواسم التي تتكرر سنويا، ومن أهم هذه الصدقات: زكاة الفطر، الصدقة من الضحايا التي يجب نحرها في عيد الأضحى.

وأبعد من ذلك عمد الإسلام إلى التشجيع على التكافل المادي بين أفراد المجتمع بتشريع التكفير عن بعض الخطايا بالصدقة “الكفارة” أو “الفدية” وفي هذا قوله تعالى في القتل الخطأ: ﴿ وما كان لمُؤمِنٍ أن يقتُلَ مُؤمنًا إلا خطئاً ومن قتل مؤمنًا خطئاً فتحريرُ رقبةٍ مؤمنةٍ ودِيةٌ مُسَلَّمَةٌ إلى أهله﴾.[108]

وفضلا عن كل هذا، أباح الإسلام للحاكم أن يتصرف في توزيع الأموال العامة على وجه يحقق التوازن الاقتصادي بين الطبقات، وهذا بالضبط ما قام به رسول الله (ص)، بحيث سعى إلى التقريب بين ثروات المهاجرين وثروات الأنصار وهما الفريقان اللذان كانا يشكلان أول مجتمع إسلامي[109]، وذلك بالطبع بوحي من الله تعالى، بحيث جاء في الذكر الحكيم: ﴿ ما أفاءَ اللهُ على رسوله من أهل القرى فلِلَّه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم﴾.[110]

ثانيا: التكافل العائلي والاجتماعي في الإسلام

لقد دعم الإسلام الأسرة وقواها وربطها برباط مقدس شريف، وبعث فيها الحب والتعاون والمودة والإخلاص. وأساس الأسرة في الإسلام هو المرأة والرجل وقد جمعهما الله عز وجل لغرض عظيم وفي ظل رابطة مقدسة هي رابطة الزواج.[111]

وتقوم الأسرة في الإسلام على أساس احترام متبادل لحقوق كل فرد من أفرادها كالوالدين والأبناء والأزواج… بالإضافة إلى التزام كل واحد منهم بواجبات متبادلة.

ففي حقوق الوالدين قال تعالى: ﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما◊ وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا﴾.[112]

أما فيما يخص حقوق الأطفال فلقد ألزم الإسلام الوالدين معاملة أطفالهم معاملة حسنة وتعهدهم ورعايتهم وتأديبهم وتوجيههم توجيها صالحا في الحياة والتصرف في أموالهم تصرفا سليما يقيهم من الحاجة ويوفر لهم ظروف الحياة الطيبة والكريمة، وكل ذلك على قدم المساواة بين الذكور والإناث، وفي هذا المعنى يقول رسول الله (ص): “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته “.

وفي حقوق الأطفال في الإسلام كذلك، الحق في الرضاعة لقوله تعالى: ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يُتم الرضاعة﴾.[113] وفي المقابل على الأبناء كما رأينا أن يقوموا بشئون والديهم بل وحتى إخوتهم الصغار والأقارب إذا كانوا قادرين على ذلك.

ومن جهة أخرى، ألزم الإسلام أفراد المجتمع بالتكافل والتعاضد المتبادل بحيث يرق غنيهم لفقيرهم ويسد شبعانهم حاجة جائعهم، فلقد أوصى القرآن الكريم في أكثر من موضع بالجار القريب والجار البعيد، فيقول سبحانه وتعالى: ﴿واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب﴾.[114]

كما أوصى (ص) على الجار في أكثر من حديث من بينها: ” ليس منا من من بات شبعان وجاره جائع” . وقوله كذلك: ” من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت”[115]، وما إلى ذلك من أحاديث حتى اعتقد البعض بأن الجار سيُورث.

كما بين الرسول (ص) عدة حقوق للجار، فقال: “أتدري ما حق الجار؟ إذا استعانك أعنته، وإذا استقرضك أقرضته، وإذا افتقر عدت عليه، وإذا مرض عدته، وإذا أصابه خير هنأته، وإذا أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطيل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها، وإن اشتريت فاكهة فاهد له، فإن لم تفعل فادخلها سرا، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده”.[116]

ثالثا: الكفالة المادية والاجتماعية للمرأة في الإسلام

لقد خفض الإسلام للمرأة جناح الرحمة والرعاية وكفل لها من أسباب الرزق ما يصونها ويحميها من شرور الكدح في الحياة فأعفاها من كافة الأعباء المعيشية وألقاها جميعا على كاهل الرجل، دون أن يحرمها من حقها في العمل.

فالإسلام يفرض نفقة المرأة على ولي أمرها والمتمثل في الأب أو الأخ إذا لم تكن متزوجة أما إذا تزوجت فإن واجب النفقة ينتقل إلى الزوج، وذلك حتى لو كانت غنية وفق قاعدة لا يكلف الله نفسا إلا وسعها.

وفي هذا السياق يقول (ص) في حجة الوداع: ” أيها الناس إن لكم على نسائكم حقا، ولهن عليكم حقا، لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا، وعليهن ألا يأتين بفاحشة مبينة، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيرا، إنهن لا يملكن لأنفسهن شيئا وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله.”

وعليه فان نفقة المرأة العزباء أو المتزوجة أو المطلقة أو الأرملة في المجتمع الإسلامي واجبة على أصولها أو فروعها أو أقربائها أو طليقها حسب الحالة وترتيب الفقه الإسلامي لهم، أما إذا استحال عليهم ذلك أو لم يكن لها قريب فإن نفقتها واجبة على بيت المال.

ومن هذا المنطلق فإن التفرقة بين الرجال والنساء في الميراث التي لاطالما انتقد الإسلام من وراءها غير منافية لمبدأ المساواة وإنما هي تصحيح للوضع الذي يفترض أن تقوم عليه المجتمعات والعائلات المسلمة.[117]

فمسؤولية الرجل في الحياة من الناحية المادية أوسع بكثير من مسئولية النساء، فالرجل هو رب الأسرة وهو القوام عليها والمكلف بالإنفاق على جميع أفرادها سواء كان متزوجا أو سيصبح مكلفا بذلك بعد زواجه. وعلى الرجل وحده كذلك تجب نفقة الأقرباء فحين المرأة لا يكلفها الإسلام حتى بالإنفاق على نفسها.

وفي الأخير ما يسعنا إلا أن نؤكد أن مفهوم التكافل الاجتماعي في الإسلام مفهوم واسع جدا يغطي كل المجالات وكل الحالات الاجتماعية الممكنة، أي سواء تعلق الأمر بالوالدين أو الأطفال أو النساء أو العاجزين… وحتى الجيران، أضف إلى ذلك فإن عبء مسؤولية هذا التكافل تقع ليس على الدولة فحسب كما هو عليه الحال بالنسبة للاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وإنما على الفرد كذلك.

المطلب الثاني: واجب النفقه في الإسلام

يعتبر الإنسان في الإسلام، كما سبق لنا الحديث عنه، خليفة الله تعالى في الأرض، ومن هذا المنطلق أعطاه سبحانه وتعالى الاستعداد للعلم بما في السموات وما في الأرض وجعله تحت سلطانه، كما أودع في أصل تكوينه العقل الذي يستطيع به الانفراد في إدراك حقائق هذا الكون وما فيه.[118]

وعليه فإن الإنسان في الإسلام مخلوق منح العلم والحكمة، وأبعد من ذلك فلقد فُضّل بالعقل على سائر المخلوقات بما فيها الملائكة، والدليل على ذلك ما ورد في الكتاب الحكيم: ﴿ وإذا قال ربك للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ◊ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين◊ قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم﴾.[119]

فالعقل هو طريق معرفة الله ومناط التكليف، إلا أن الفقهاء قد اختلفوا في مفهومه فقيل: هو العلم، وقيل بعض العلوم الضرورية، وقيل قوة يميز بها بين حقائق المعلومات. ومهما يكن، فإن العقل والعلم أمران متلازمان وهما ضروريان يجب المحافظة عليهما لاستقرار الدين والنفس على حد السواء.[120]

ويعتبر موقف الإسلام الثابت والمبدئي من العلم هو العامل الأساسي لانتقال بالقبائل العربية من الجاهلية وبداوتها إلى “العلم ” وحضارته، فكانت أول كلمة بدأت بها رسالة الإسلام إلى محمد (ص) الرسول الأمي، وبصيغة الأمر والوجوب هي:﴿اقرأ﴾، ولقد وضع هذا الأمر في الإطار الذي يؤكد إمكانيته، مقترنا بالحديث عن قدرة الخالق، وعن نعمه المختلفة والذي يعتبر العلم إحداها: ﴿اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ﴾.

وفي عهد الرسول (ص) بدأ مشروع محو الأمية في المدينة ومكة، ففرض على المسلمين عامة طلب العلم والمعرفة بحيث قال: “طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة”، لأن العلم بالنسبة للمؤمن فريضة عينية متعينة، وبالنسبة للأمة: فريضة اجتماعية كفائية، فرضها الله سبحانه وتعالى على مجموع الأمة. [121]

وفي تحصيل هذه الفريضة طلب (ص) من المسلمين الذهاب ولو للصين لقوله: “أطلبوا العلم ولو في الصين”. أبعد من ذلك طلب (ص) من المسلمين منافسة الأمم الأخرى وحذرهم من أن يغلبهم الآخرون في هذا الميدان، وفي هذا السياق قال الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري: “أمرنا النبي (ص) ألا يغلبونا على ثلاث: أن نأمر بالمعروف.. وننهى عن المنكر.. ونعلم الناس السنن”.

وفي هذا الإطار ورد في الذكر الحكيم: ﴿وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نَفَرَ من كل فرقة منهم طائفةٌ ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون﴾، وقوله كذلك: ﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون﴾.[122]

كما انتشرت في القرآن الكريم آيات عديدة تعلن على أنه في الجوهر والأساس كتاب الذين أوتوا العلم قبل أن يكون كتاب الذين لا يعلمون، لأنهم هم المؤهلون لفقهه ولأن العلم هو نور البصر والبصيرة وسبب الإيمان والتصديق بالدين بينما الجهل هو ضلال وظلمات وفي هذا قوله تعالى: ﴿ هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾ وكذلك: ﴿ إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ﴾.[123]

فإذا كان العدل أهم مقاصد الشريعة الإسلامية فإن سبحانه وتعالى قد أنبأنا في القرآن الكريم بأن العلماء قد ساهموا معه سبحانه وتعالى ومع الملائكة بأمانة النهوض بهذا التكليف الجسيم والعظيم في قوله سبحانه وتعالى: ﴿ شهد اللهُ أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلمِ قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم﴾.[124]

ومن هذا المنطلق يتمتع العلماء في الإسلام بأرفع الدرجات، فلقد جاء في سورة المجادلة الآية 11: ﴿ يرفع اللهُ الذين آمنوا منكم والذين أُتوا العلم درجات﴾.

أما السنة النبوية الشريفة فإنها تفيض في ذكر الأحاديث التي ترفع مكانة العلماء، ولقد استوقفنا منها الآتي: “إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر”، “إن فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم”، “مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء، يهتدي بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة”.[125]

ورغم كون خير العلوم العلوم الدينية، لقوله عليه الصلاة والسلام: “من يُرد الله به خيرًا يُفقِههُ في الدينِ”، فإن العلم في نظر الإسلام ليس مجرد تعلم علوم الشرع والدين، وإنما هو ربط العلوم الدنيوية بالغايات الروحية والإيمانية فيقول (ص): “تعلموا العلم وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموها الناس وتعلموا القرآن وعلموه الناس “

كما أن العلم في الإسلام يجب أن يكون نافعا ولخدمة الناس كافة لقوله (ص): ” إن مثل علم لا ينفع كمثل كنز لا ينفق في سبيل الله “. كما قال علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه): ” لا يُسأل الجهلاء لِمَ لم يتعَلموا حتى يُسأل العلماء لِمَ لم يُعلِموا”.

ومن جهة أخرى، فإن المسلم ليس مطالب بـمجرد “التلقي” أو التعلم باستعمال العبارة المتداولة في وثائق حقوق الإنسان، وإنما “الفقه” و “التفقه” الذي يصل بالعقل إلى الأعماق ويحضه على التأمل والتفكير.

وعليه فإن الإسلام يدعو إلى العلم والتعلم بكل وسيلة يستطيعها الإنسان، فيفرض على الأباء تربية الأبناء تربية صالحة أساسها تنبيه الضمير، وتقويم الوجدان، وتهذيب السلوك، وتنمية الإدراك. كما يفرض على العالم إرشاد الجاهل، فهو بحق دين العلم والمدنية والعرفان.[126]

 

[1] سورة المائدة الآية 48.

[2] أنظر د. محمد عبد المنعم خفاجى، الإسلام وحقوق الإنسان، مكتبة الخانجى، الطبعة الأولى، مصر، 1951، ص 28.

[3]كما ربط الإسلام بين فعاليات الحياة الدنيا بحياة الآخرة في كلٍ متماسك لا ينفصم منطلقا من النظرة الكلية للكون والحياة وموقع الإنسان فيهما ودوره، والغاية من وجوده المتمثل في عبادة الله الخالق، أنظر د.محمد الصادق العفيفي، المرجع السابق، ص 63ـ74.

[4] فيما يخص وثائق حقوق الإنسان في الثقافة الإسلامية أنظر د.غانم جواد: الحق قديم، وثائق حقوق الإنسان في الثقافة الإسلامية، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة، 2000، ص 22ـ29، نيفين عبد الخالق مصطفى، المعارضة في الفكر السياسي الإسلامي، ط1، القاهرة، 1985، ص 199، د.محمد الصادق العفيفي، المرجع السابق، ص 32 ـ35، أنظر كذلك، د. عمر صدوق، المرجع السابق، ص 55ـ59.

[5] لقد ورد لفظ الإنسان في القرآن الكريم حوالى 70 مرة، وتسمى السورة 76 فيه بسورة “الإنسان”. كما وردت كلمة “الحق” بمعاني واستعمالات مختلفة ومتعددة في أكثر من مائتين وخمسين مرة، فجاءت بمعنى نقيض الباطل طبقا لقوله سبحانه وتعالى في سورة البقرة الآية 42: ﴿ولا تلبسوا الحقَّ بالباطلِ﴾ ، أو بمعنى الحصة أو النصيب كقوله تعالى في سورة الذاريات الآية 19: ﴿وفي أموالهم حقٌ للسائل والمحرومِ﴾ ، كما وردت هذه الكلمة بمعنى اسمٍ من أسماء الله الحسنى أو بمعنى الهداية والصواب كقوله تعالى في سورة يونس الآية 32: ﴿فذالكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال﴾، أبعد من ذلك فلقد ترادفت كلمة “الحق” مع كلمة “الواجب” وفقا لقوله تعالى في سورة الزمر الآية 71: ﴿ ولكن حقَّت كلمة العذابِ على الكافرينِ﴾ وأخيرا وردت كلمة “الحق” بمعنى الدين والرسالة الإلهية كما في سورة المائدة الآية 48: ﴿ولا تتبع أهواءهم عمَّا جاءك من الحقِ﴾. أنظر د.غانم جواد: المرجع السابق، ص 22.

[6] غانم جواد، المرجع السابق، ص 19.

[7] الحقوق الفردية الأساسية هي: الحق في الحياة وفي الكرامة الإنسانية وفي المساواة وفي العدل وفي العقيدة، وفي عدم الخضوع للتعذيب أو لعقوبة أو معاملة غير إنسانية. الحقوق المشروطة هي: حرية التعبير والتنقل واحترام الملكية والحياة الخاصة أو العائلية. وأخيرا الحقوق غير المباشرة هي: الحق في التقاضي وحقوق الأجانب والموقوفين. للمزيد من التفاصيل أنظر:

99-213 Fréderic Sudre, Op Cit, pp.

[8] أنظر السيد سابق، المرجع السابق، ص 7، وغانم جواد، المرجع السابق، ص 23.

[9] أنظر على التوالي سورة الإسراء الآية 70، سورة التين الآية 4، سورة البقرة الآية 30.

[10] أخرجه الإمام أحمد، أنظر: تقديم عمر عبيد حسنه لكتاب أ. يسري محمد أرشد، حقوق الإنسان في ضوء الحديث النبوي، كتاب الأمة، سلسلة دورية تصدر كل شهرين عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، قطر، العدد 114، السنة السادسة والعشرون، 2006، ص7.

[11] سورة الأنبياء الآية 107.

[12] الإمام محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام، دار الفكر العربي، القاهرة، ص 19.

[13] غانم جواد، المرجع السابق ص 19.

[14] راجع السيد سابق، المرجع السابق، ص 7ـ14.

[15] أنظر على التوالي: سورة الأنعام الآية 151، سورة النساء الآية 29 و30، سورة الإسراء الآية 31، سورة الأنعام الآية 151.

[16] سورة المائدة الآية 33.

[17] أنظر على التوالي: سورة البقرة، الآية 178 و179 و194، سورة المائدة الآية 45، ولكن يجب الإشارة في هذا المقام بأن القصاص في القتل أو الجرح العمد لا يقيمه إلا أولو الأمر، أي الحاكم الشرعي، أنظر السيد سابق، المرجع السابق، ص 32.

[18] سورة النساء، الآية 93 و92.

[19] أنظر د.محمد الصادق العفيفي، المرجع السابق، ص 65.

[20] الإمام محمد أبو زهرة، المرجع السابق، ص 33ـ34.

[21] عبد العزيز محمد سرحان، الإطار القانوني لحقوق الإنسان في القانون الدولي العام، ط1، القاهرة 1987، ص 77.

[22] د. عمر صدوق، المرجع السابق، ص 57ـ58.

[23] راجع عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 12 ـ27، أنظر كذلك د. على عبد الواحد وافي، حقوق الإنسان في الإسلام، دراسات إسلامية، مطبعة الرسالة، مصر، ص 6ـ16.

[24] سورة النساء الآية 1.

[25] أنظر على التوالي: سورة البقرة الآية 213، سورة المائدة الآية 48، سورة الروم الآية 22.

[26] سورة الحجرات الآية 13.

[27] أنظر عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 5.

[28] أنظر سورة الروم، الآية 47 وسورة الأعراف الآية 59، 65، 73، 85، 103.

[29] سورة المائدة، الآية 72.

[30] أنظر على التوالي: سورة سبأ الآية 28، سورة الأنبياء الآية 107، سورة الأعراف الآية 158.

[31] أنظر سورة ص الآية 87، أو سورة الفرقان الآية 1، سورة ياسين الآية 70.

[32] أنظر الإمام محمد أبو زهرة، المرجع السابق، ص 21ـ22، عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 23، أنظر كذلك: د. على عبد الواحد وافي، المرجع السابق، ص 5.

[33] لقد نعت الإسلام اليهود والنصارى بأهل الذمة لأنه منحهم عهدا بالحماية، أي الذمة، وكفل لهم بمقتضاه حقوقا في مختلف المجالات.

[34] أنظر د.محمد الصادق العفيفي، المرجع السابق، ص 62 و د. على عبد الواحد وافي، المرجع السابق، ص 11ـ 12.

[35] د. على عبد الواحد وافي، المرجع السابق، ص 11.

[36] رواه أبو داود في كتاب الطهارة، ج1، ص61، عن د. محمود حمدي زقزوق، المرجع السابق، ص 16.

[37] للمزيد من التفاصيل حول حقوق المرأة في الإسلام راجع بحثنا لنيل شهادة الدكتوراه تحت عنوان: تحفظات الدول العربية على الشرعة الدولية لحقوق المرأة، كلية الحقوق، جامعة الجزائر، 2008، ص 215ـ226؛ ولاسيما:

– مولاي ملياني بغدادي، حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية، قصر الكتاب، البليدة، الجزائر 1997، ص 50 و 64؛ د. محمود حمدي زقزوق، الإسلام وقضايا المرأة، رابطة الجامعات الإسلامية، الإسلام وحقوق المرأة، سلسلة فكر المواجهة (12) بإشراف د. جعفر عبد السلام، الطبعة الأولى 2004، ص 15- 28؛ هيثم مناع، الإسلام وحقوق المرأة، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مبادرات فكرية رقم 17، القاهرة 2001، ص 34؛ د. محمد رأفت عثمان، الحقوق والواجبات والعلاقات الدولية في الإسلام، دار الضياء، 1991، ص 33؛ تغادير بيضون، المرأة والحياة الاجتماعية في الإسلام، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت 1985، ص 45-48؛

– مسعود عكو، الظلم القانوني للمرأة في الدول العربية نوفمبر/تشرين ثاني2004، ومحمد الحنفي قضية المرأة قضية الإنسان، أكتوبر/ تشرين أول2004، والسيد أحمد المخزنجي، حقوق المرأة في المساواة والميراث، أغسطس/آب 2004، عن شبكة الإنترنت:

http://www.amanjordan.org/aman_studies/wmcomments.php

– Mokhatar Aniba, lslam et droit de homme , éd Nadjib, 1990, p 10.

[38] الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني، دار الفكر، دمشق، 1996، ص95ـ104.

[39] راجع تغادير بيضون، المرجع السابق، 48.

[40] غانم جواد، المرجع السابق، ص 23.

[41] لسان العرب، 11/ 430 أنظر عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 93.

[42] الإمام محمد أبو زهرة، المرجع السابق، ص 35.

[43] سورة النساء الآية 135، سورة الأنعام الآية 152، سورة النساء الآية 58.

[44] سورة الشورى الآية 15.

[45] سورة المائدة الآية 8.

[46] أخرجه أبو داود، كتاب الخراج والإمارة، أنظر عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 96.

[47] أنظر عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 83ـ95.

[48] محمد عمارة، المرجع السابق، ص 61ـ62، أنظر كذلك الإمام محمد أبو زهرة، المرجع السابق، ص 35.

[49] سورة النحل الآية 28 و29، أنظر كذلك سورة النساء الآية 97 إلى 99.

[50] يقابل الحق في الهجرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان، الحق في التنقل.

[51] سورة النساء الآية 97.

[52] رواه مسلم والنسائي وابن حنبل، أنظر محمد عمارة، المرجع السابق، ص 57.

[53] د. عمر صدوق، المرجع السابق، ص 57.

[54] يقول (رض): “آس بين الناس في وجهك وعدلك ومجلسك (أي سوي بين المتقاضين في جميع الأمور) حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك” أنظر في ذلك: عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 169ـ177 و د. على عبد الواحد وافي، المرجع السابق، ص 6ـ7.

[55] راجع غانم جواد، المرجع السابق، ص 21.

[56] عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 55.

[57] أنظر د.محمد الصادق العفيفي، المرجع السابق، ص 63ـ 74، غانم جواد، المرجع السابق، ص 18،

[58] الإمام محمد أبو زهرة، المرجع السابق، ص 28.

[59] أنظر محمد عمارة، الإسلام وحقوق الإنسان: ضرورات لا حقوق، سلسة عالم المعرفة رقم 89، مطابع الرسالة، الكويت، 1985، ص 18ـ 30، أنظر كذلك د.محمد الصادق العفيفي، المرجع السابق، ص 63، عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 56ـ57 والإمام محمد أبو زهرة، المرجع السابق، ص 21ـ22.

[60] أنظر على التوالي: سورة النساء الآية 92، سورة المائدة الآية 89، سورة المجادلة الآية 3.

[61] د.محمد الصادق العفيفي، المرجع السابق، ص 70.

[62] غانم جواد، المرجع السابق، ص 23.

[63]أنظر على التوالي سورة يونس الآية 99، سورة الكهف الآية 29، سورة الكافرون الآية 6، سورة البقرة الآية 256.

[64] سورة الممتحنة الآية 8.

[65] د. على عبد الواحد وافي، المرجع السابق، ص 11.

[66] سورة المائدة، الآية 5.

[67] الإمام محمد أبو زهرة، المرجع السابق، ص 30 ـ31.

[68] لقد منح الإسلام للنساء كافة حقوقهن السياسية، للمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع، راجع بحثنا لنيل شهادة الدكتوراه، المرجع السابق، ص 220ـ226، ولاسيما: مقالنا تحت عنوان، الحقوق المدنية والسياسية للنساء بين الشرائع الوضعية والإسلام، مجلة الجنان للبحث العلمي النصف سنوية، السنة الأولى العدد التجريبي، طرابلس لبنان أيلول/سبتمبر 2005، ص 227- 229.

[69] سورة البقرة الآية 29.

[70] فرض الكفاية هو واجب جماعي واجتماعي يقع إثم تركه على الأمة جمعاء، أما فرض العين فهو واجب فردي يقع إثم تركه والتخلف عن أدائه على الفرد التارك له.

[71] عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 27.

[72] يعرف هذا الحق في القانون الدولي لحقوق الإنسان بالحق في المعارضة.

[73] سورة آل عمران الآية 104 و110.

[74] أنظر على التوالي: سورة العنكبوت الآية 46، سورة فصلت الآية 32 ــ 33، سورة آل عمران الآية 63.

[75] سورة آل عمران الآية 159 وسورة النحل الآية 125.

[76] نيفين عبد الخالق مصطفى، المرجع السابق، ص 199، أنظر كذلك، د. عمر صدوق، المرجع السابق، ص 56ـ57.

[77] أنظر محمد عمارة، المرجع السابق، ص 39.

[78] محمد الصادق العفيفي، المرجع السابق، ص 75 ـ 79.

[79]سورة الشورى الآية 38 .

[80]سورة آل عمران الآية 159، ويقول القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة: “إن الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام. ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب… وهذا مما لا خلاف فيه…”، القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج 4 ص 249، عن محمد عمارة، المرجع السابق، ص 34ـ35.

[81] أنظر محمد عمارة، المرجع السابق، ص 42.

[82] أما إذا اختلفت آرائهم فكان يأخذ بما استقرت عليه أغلبيتهم.

[83]سورة البقرة الآية 233.

[84] أنظر د.محمد الصادق العفيفي، المرجع السابق، ص 76 ـ 77 و د. على عبد الواحد وافي، المرجع السابق، ص 115.

[85] أنظر غانم جواد، المرجع السابق، ص 18.

[86] د. محمد عبد المنعم خفاجى، المرجع السابق، ص 141.

[87]سورة الملك الآية 15 و سورة القصص الآية 77.

[88] سورة البقرة الآية 188.

[89] أخرجه البخاري في كتاب البيوع، أنظر عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 86، و د. على عبد الواحد وافي، المرجع السابق، ص 153.

[90] د. محمد عبد المنعم خفاجى، المرجع السابق، ص 98 ـ 102.

[91] لقد جعل الإسلام للنساء ذمة مالية مستقلة عن ذمة الرجل، سواء كان ذلك الرجل أبا أو أخا أو حتى زوجا، وعليه فإن المرأة في الإسلام لها الحق في التملك وفي التصرف بمالها بسائر أشكال التصرف المشروعة (كالبيع والشراء وتقبل أو رفض الهبات…) دون حاجة إلى إذن من أي واحد منهم، بل وأبعد من ذلك لا يحل لهم أن يتصرفوا في شيء من أموالها إلا إذا أدنت لهم بذلك أو وكلتهم في إجراء عقد بالنيابة عنها، وفي هذه الحالة يجوز أن تلغي وكالتهم وتوكل غيرهم إذا شاءت.

أبعد من ذلك فإن الإسلام يحمي حتى حقوق الذميين في التملك، ومثال ذلك المرأة الذمية التي كان لها بيت صغير ملاصق لأحد المساجد، وأراد الوالي أن يزيد في رقعة المسجد اتساعا فاستولى على بيتها مقابل منزل آخر أو مقابل ثمن مغرٍ، فرفضت ذلك العرض وذهبت إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز شاكية فأمر برد بيتها إليها وبحفظ ملكيتها، أنظر د.محمد الصادق العفيفي، المرجع السابق، ص 61، راجع كذلك بحثنا لنيل شهادة الدكتوراه ، المرجع السابق ص 222ـ 223.

[92] تعريف الملكية في اللغة هو ما ملكته من كل شيء، أنظر في ذلك عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 76 و محمد عمارة، المرجع السابق، ص65.

[93] سورة البقرة الآية 188.

[94]سورة المائدة الآية 38.

[95] أخرجه مسلم، كتاب الحدود، عن عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 81.

[96] غير أن الشريعة الإسلامية قد وضعت رقابة على العاجزين أو غير أهلين للتصرف في ممتلكاتهم كالصغار والسفهاء والمجانين، بحيث قال سبحانه وتعالى: ﴿ولا تُؤتوا السٌفهاء أموالكم﴾، وأمر أن تستثمر لهم أموالهم حتى يبلغوا رشدهم: ﴿فإن آنستم منهم رُشداً فادفعوا إليهم أموالهم﴾، ليتصرفوا فيها بمحض إرادتهم، ما لم يتعلق بذلك ضرر يلحقه أو يلحق غيره، أنظر سورة النساء الآية 5 و6.

[97] ومثال ذلك قصة سَمُرةَ بن جُندُبٍ الذي كانت له عَضُدٌ من نخل في حائط رجل من الأنصار، ومع هذا الرجل أهله، فكان جُندُبٍ يدخل إلى نخله فيتأذى به الأنصاري ويشق عليه، فذكر ذلك إلى النبي (ص)، فطلب النبي من جُندُبٍ أن يبيع نخله للأنصاري، فأبى، فطلب منه أن يناقله فأبى، قال: ” فهبه له ولك كذا وكذا “، أمرًا رغبَهُ فيه فأبى، فقال: ” أنت مُضارٌ “، فقال رسول الله (ص) للأنصاري: ” اذهب فأقلع نخلَهُ “، أخرجه أبو داود، كتاب الأقضية، عن عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 80ـ81، أنظر كذلك محمد أبو زهرة، المجتمع الإنساني في ظل الإسلام، عن محمد الصادق العفيفي، المرجع السابق، ص 67.

[98] سورة البقرة الآية 275.

[99] سورة الحديد الآية 7.

[100] سورة النور، الآية 27 و28.

[101] سورة المائدة، الآية 2.

[102] د. محمد عبد المنعم خفاجى، المرجع السابق، ص 103ـ108 وص 143ـ147.

[103] الأصل في الزكاة أن تدفع إلى بيت المال ليتكفل بتوزيعها على الذين تحق لهم، فبيت المال إذن هو عبارة عن مؤسسة خيرية تقوم بالسهر على شئون الناس وتسد حاجاتهم وتؤمن لهم الظروف المعيشية الكريمة وتعالج حالات الفقر… أنظر في ذلك د. على عبد الواحد وافي، المرجع السابق، ص 24 ـ 31 .

[104] أنظر سورة التوبة الآية 34 و35 و60 وسورة البقرة الآية 177 و 215 و245، 261 ـ 274، سورة آل عمران الآية 92، سورة النساء الآية 32 و37، سورة التوبة الآية.

[105] د. على عبد الواحد وافي، المرجع السابق، ص 34 .

[106] سورة البقرة الآية 177.

[107] حديث صحيح الإسناد، أنظر عمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 79.

[108] سورة النساء، الآية 92.

[109] أنظر د. على عبد الواحد وافي، المرجع السابق، ص 35.

[110] سورة الحشر، الآية 7.

[111] وعليه فإن الإسلام يحرم شتى أنواع العلاقات الجنسية غير الشرعية من زنا وبغاء ومصادقة ومتعة، حفظا للأسرة ولكيانها المقدس، أنظر في ذلك د. محمد عبد المنعم خفاجى، المرجع السابق، ص 110ـ111.

[112] سورة الإسراء الآيتان 23 و24.

[113] سورة البقرة، الآية 233.

[114] سورة النساء الآية 36.

[115] رواه البخاري ومسلم.

[116] رواه الخرائطي في باب مكارم الأخلاق، عن عمر صدوق، المرجع السابق، ص50.

[117] فللذكر مثل حظ الأنثيين في الأولاد والإخوة والأخوات، وللزوجة من زوجها المتوفى نصف نصيب الزوج من تركة زوجتهن ونصيب الأب من تركة ولده يزيد أحيانا على نصيب الأم ولا ينقص عنه في أي حال، للتوسع في الموضوع أنظر في ذلك د. على عبد الواحد وافي، المرجع السابق، ص 50 ـ 51 .

[118] أنظر الإمام محمد أبو زهرة، المرجع السابق، ص 19 وغانم جواد، المرجع السابق، ص 18.

[119] سورة البقرة الآية 30ـ33.

[120] أنظر محمد عمارة، المرجع السابق، ص 75 وعمر عبيد حسنه، المرجع السابق، ص 70.

[121] محمد عمارة، المرجع السابق، ص 81.

[122]سورة التوبة الآية 122 وسورة الأعراف الآية 179.

[123] سورة الجمعة الآية 2 وسورة فاطر الآية 28.

[124] في سورة آل عمران الآية 18.

[125] محمد عمارة، المرجع السابق، ص78.

[126] د. محمد عبد المنعم خفاجى، المرجع السابق، ص 127ـ129.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.