سميرة خزرون
طالبة باحثة بسلك الدكتوراه في القانون الخاص ، كلية الحقوق فاس
مقال بعنوان:
الصلح الأسري بين واقع النص القانوني وسؤال الفعالية؟
لقد شهدت الوسائل البديلة لحل النزاعات اهتماما متزايدا على صعيد مختلف الأنظمة القانونية والقضائية نظرا لما توفره من مرونة وسرعة في البت وحفاظ على السرية.
وعلى هذا الأساس ، سارعت العديد من التشريعات إلى بلورتها في جل المجالات لما لها من دور في تسريع المساطر وتسهيل الإجراءات.
ولايخفى دور المغرب أيضا في هذا الإطار على غرار باقي الدول التي حرصت على تفعيل الآليات البديلة لتسوية النزاعات ، بحيث عمل على إبرام اتفاقيات دولية الى جانب تنظيمه لندوات وأيام دراسية ودورات تكوينية للباحثين والمهتمين بدراسة هذه الآليات والوقوف على دورها المهم في فض مختلف أشكال النزاعات سيما تلك المتصلة بالأسرة باعتبارها أساس المجتمع وقوام استقراره.
لنتساءل عن مدى فعالية الصلح كآلية لفض النزاع الأسري على ضوء التشريع المنظم لها ؟
التساؤل الذي سنحاول الاجابة عنه في هذا المقام بتركيز ؛ لنستعرض بادئ الأمر واقع الصلح الأسري إن من خلال مدى تفعيل مسطرة الصلح أو دور الحكمين ومجلس العائلة.
أولا: فيما يخص مسطرة الصلح
من أبرز الاشكالات التي تحول دون التنزيل الفعال لمسطرة الصلح الأسري ، نجد عدم تنظيم المشرع المغربي للصلح بمقتضى نصوص خاصة واضحة تعكس أهميته كآلية مهمة للاستقرار الأسري، بحيث ورد في مواضع متفرقة بمقتضى المواد 82-83-94-95-113-114 من مدونة الأسرة ، ورغم تعويل المحاكم على هذه الآلية إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة، ونجد من بين أبرز الأسباب عدم تمسك الطرفين بالصلح في أغلب حالات الطلاق و التطليق.
فباستقراء إحصائيات أقسام قضاء الأسرة لسنة 2013 وإلى متم شهر شتنبر 2014 الصادرة عن وزارة العدل والحريات يتضح أن عدد قضايا إنهاء العلاقة الزوجية التي انتهت بالصلح في قضايا التطليق عرف ارتفاعا مضطردا منذ سنة 2005 إلى غاية سنة 2009، إلا أنه لوحظ و ابتداء من سنة 2010 أن عدد القضايا التي انتهت بالصلح أصبح يعرف انخفاضا ملحوظا اذ انتقل من 10076 سنة 2009 إلى 8322 فقط خلال سنة 2010 ، ليعرف ارتفاعا طفيفا سنة 2011 حيث تم تسجيل 9848 حالة صلح ، وليرتفع نسبيا إلى 14625 حالة صلح سنة 2012 ثم ليعاود الانخفاض خلال سنة 2013 بمجموع وصل إلى 10389 حالة.
ما يجعلنا نؤكد – كما أكدنا في كتابات سابقة وبمواضع مختلفة-على ضرورة التركيز على جانب التوعية والتحسيس بأهمية الصلح ومكانته المتجذرة في الثقافة المغربية ، الأمر الذي يقتضي تبني مقاربة توعوية لحماية الأسرة إلى جانب المقاربة التشريعية طبعا.
ثانيا: الدور المحدود لمؤسسة الحكمين ومجلس العائلة:
1ـ بالنسبة لمؤسسة الحكمين:
مما يحسب لمدونة الأسرة أنها قد وافقت الغاية المثلى من بعث الحكمين فنصت وفقا للمادة 82 على أنه :” عند حضور الطرفين، تجرى المناقشات بغرفة المشورة بما في ذلك الاستماع إلى الشهود ولمن ترى المحكمة فائدة في الاستماع إليه. للمحكمة أن تقوم بكل الإجراءات بما فيها انتداب حكمين أو مجلس العائلة، أو من تراه مؤهلا لإصلاح ذات البين، وفي حالة وجود أطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما مدة لا تقل عن ثلاثين يوما.إذا تم الاصلاح بين الزوجين حرر به محضر وتم الاشهاد به من طرف المحكمة.”
إلا أن المشرع لم يضع تعريفا للحكمين ولا للشروط الواجب توافرها فيهما، ما يقتضي الرجوع لقواعد الفقه المالكي وفقا للمادة 400 من مدونة الأسرة.
2ـ فيما يخص مجلس العائلة:
لئن كان مجلس العائلة كآلية منصوصا عليها في مدونة الأسرة المغربية، إلا أنه تعترضها عراقيل عدة تحول دون التنزيل الفعلي لها، قد تعزى لعدة أسباب منها على المستوى التشريعي عدم تحديد مقتضيات المرسوم رقم: 02.04.88 للمرحلة التي يجب فيها على المحكمة تعيين المجلس هل بعد تقييد المقال أو بعد فشل محاولة الصلح، كما أن اتسام دور مجلس العائلة بالطابع الاستشاري من شأنه أن يحول دون بلوغ الغاية من إحداثه، وللمحكمة أصلا أن تصرف النظر عن استشارته بعد استنفاذ جميع الوسائل لتكوينه طبقا للمادة 8 من المرسوم 02.04.88.
ومما يعيق أيضا التنزيل الفعلي لهذه الآلية عدم الالمام بأهميتها ودورها من قبل الأطراف المتنازعة بل الجهل أحيانا حتى بوجودها، إلى جانب صعوبات قد تعترض تشكيل مجلس العائلة باعتباره يقتضي تواجد القاضي كرئيس والأب والأم أو الوصي أو المقدم إضافة إلى أربعة من أعضاء آخرين يختارهم أويعينهم الرئيس من بين أهل الزوج والزوجة أو أحدهما عند الاقتضاء، فقد لا يجتمع جميع الأعضاء في المجلس الواحد.
ورغم الاكراهات التي تعترض تفعيل دور هذا المجلس، إلا أننا نرى كونه آلية مهمة وواعدة ليراهن عليها في فض النزاعات الأسرية.
ثالثا: على مستوى مؤسسة الدفاع ودور المتخاصمين في عملية الصلح:
من غير المعقول ونحن بصدد البحث عن مقاربة بناءة لمواجهة أزمة التفكك الأسري بما تخلفه من آثار إن على أفراد الأسرة الواحدة أو على المجتمع ككل والتي من أبلغ تجلياتها هجر الصلح و التشجيع على الخصومة أو الإعراض عن الحث على التصالح أن نحمِّل القضاء وحده مسؤولية فشل محاولات الصلح، بل للأطراف المتنازعة دور في ذلك، دون إغفال الدور الذي قد تؤديه بعض المؤسسات في ترسيخ الثقافة التصالحية بين المتنازعين كمؤسسة الدفاع.
1ـ أي دور لمؤسسة الدفاع في إصلاح ذات البين؟
إن مهنة المحاماة بما تحمله من معاني سامية للأخلاق والقيم والنبل والإنصاف، إلى جانب كون المحامي الوجهة الأولى التي يتواصل معها المتقاضي قبل عرض النزاع أمام القضاء مما يبرز الدور المهم الذي قد يقوم به المحامي في حث موكله على بحث إمكانية إجراء صلح مع الطرف الآخر الأمر الذي سيشكل انتصارا للقيم و تقديما للمصلحة الفضلى للأسرة والمجتمع على المصلحة الخاصة ليتم تجاوز حصر المحاماة في كونها مورد رزق فقط إلى تجسيد المعنى الحقيقي للمحاماة خاصة كون القانون رقم 28.08 المعدل للقانون المنظم للمهنة ينص في المادة 43 منه على حث المحامي لموكله على سلوك طريق الصلح أو باقي الطرق البديلة الأخرى قبل اللجوء إلى القضاء.
2ـ أي دور لأطراف الخصومة في فشل محاولة الصلح؟
من الواضح أن للأطراف المتنازعة دورا محوريا في إفشال مسعى الصلح ، فعلى مستوى الصلح القضائي يلاحظ أن جهل أو تجاهل المصالح الحقيقية من قبل الأطراف المتنازعة ثم التشبت بدلها بالمواقف وخلفيات النزاع لمن أبرز الأسباب المؤدية حتما لفشل محاولة الصلح.
والمسألة تتضح بعد البحث في المبررات المقدمة من قبل الزوجين مثلا حين التماسهما الحكم بالتطليق، حيث أن أغلبها تتمثل في الاهمال وانعدام التفاهم واختلاف الطباع مما يقف عائقا أمام إنجاح أي محاولة للصلح إلا في حالات جد نادرة ؛ لنؤكد مرة أخرى على أن هذه الأزمة التي نسميها” بأزمة التحاور والتفاوض في النزاع ” مردها غياب الثقافة التفاوضية بين الأفراد وهي لعمري مسألة خطيرة تدق ناقوس الخطر الذي يهدد أمن الأسرة والمجتمع ككل ، فانهيار المنظومة الأسرية بما له من تبعات: تشرد، انحراف،… يحتم تضافر الجهود سواء على مستوى النص التشريعي أو البحث العلمي أو المجتمع المدني بغية تبني مقاربة شمولية استباقية لمحاربة أزمة التفكك الأسري بما تخلفه من آثار سواء على الأسرة أو المجتمع.
ومن هذه المنطلقات تتضح جليا أهمية الانفتاح على مختلف الآليات الودية لحل النزاعات في المادة الأسرية ، والمشرع المغربي قد تبنى ذات الاتجاه بتكريسه للصلح الأسري، إلا أن النهوض بهذه الآلية حتى تؤدي الغاية التي أنشئت من أجلها وحتى يتم تجاوز المعيقات سواء على المستوى القانوني أو الواقعي والتي تحول دون فعالية الصلح في النزاع الأسري كل ذلك يستدعي الاهتمام بباقي التقنيات البديلة لفض النزاعات الأسرية كالوساطة بالاستفادة من التجارب المقارنة الناجحة ومع مراعاة خصوصية المجتمع المغربي وخصوصية مكانة الأسرة فهي اللبنة الأساسية ضمنه واستمرار العلاقات الأسرية يعني بناء مجتمع أكثر تماسكا واستقرارا.
المراجع المعتمدة:
إحصائيات أقسام قضاء الأسرة لسنة 2013 وإلى متم شهر شتنبر 2014 صادرة عن وزارة العدل والحريات تحت عنوان: العدالة في أرقام – دجنبر 2014.
– القانون رقم 28.08 المعدل للقانون المنظم لمهنة المحاماة.
– القانون 70.03 بمثابة مدونة الأسرة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً