حسن فتوخ: إشكالات شرط المصلحة في الدعاوى والدفوع
د.حسن فتوخ
مستشار بمحكمة النقض
رئيس قسم التوثيق والدراسات والبحث العلمي
مقدمة:
يعتبر شرط المصلحة من بين الشروط اللازمة في القواعد الإجرائية للتقاضي بشأن التقييدات المؤقتة في الرسم العقاري، وأن تخلفها أو انعدامها في الدعوى يعني بالتبعية انعدام الحق الموضوعي المراد المحافظة عليه من الضياع من طرف طالب التقييد القضائي.
ذلك، أن المصلحة في ممارسة المساطر القضائية هي قرينة على وجود نزاع حقيقي مع الخصوم المطلوبين في التقييدات المؤقتة. ومن ثم قيل إنه لا دعوى بلا مصلحة. أي أن هذه الأخيرة هي التي تجعل الحق الموضوعي في حالة حركة للدفاع عنه من أي خطر يمكن أن يلحق به، أو يؤدي إلى فقدانه نهائيا.
وجدير بالذكر أن أحكام شرط المصلحة في التقييدات المؤقتة تختلف بحسب كل تقييد على حدة، الشيء الذي يظهر بشكل جلي تعقد هذا الشرط الإجرائي في هذا النوع من المساطر القضائية، وتباين الأحكام القانونية المنظمة لأطراف التقييدات المؤقتة.
ومن ثم كان لزاما علينا أن نقف عند أهم مظاهر المصلحة وتجلياتها من الناحية الإجرائية، سواء تعلق الأمر بالدعوى، أم بالدفوع المحتج بها من طرف الخصوم، ورصد مواقف العمل القضائي الصادر في هذا الشأن، من أجل محاولة سبر أغوار هذا الشرط، وبيان أهميته الإجرائية في كسب نتيجة مسطرة التقييد القضائي من عدمها، والحفاظ بالتالي على الحقوق الواردة بالرسم العقاري.
الفقرة الأولى : شرط المصلحة في أطراف التقييدات المؤقتة
سوف نتناول في هذه الفقرة مسألة توافر شرط المصلحة في الدعاوى والدفوع وتقديره من طرف القضاء (أولا)، وتعدد أطراف التقييد وإشكالية مصلحة المشتري في طرد المحضون( ثانيا).
أولا: توافر المصلحة في الدعاوى والدفوع وتقديرها من طرف القضاء.
سوف نتطرق بتفصيل إلى إشكالية وجوب توافر شرط المصلحة في الدعاوى والدفوع المتعلقة بالتقييدات المؤقتة بالرسم العقاري، ثم مسألة مصلحة المشتري الجديد في طرد المحضون.
1 ـ شرط المصلحة في الدعاوى والدفوع.
تعتبر المصلحة شرطا لازما وضروريا لقبول الدعوى. أو بعبارة أخرى، فهي مناط الدعوى. ويتعين توافرها في رافع الدعوى ومثير الدفوع كذلك، منذ قيام النزاع بين الطرفين وفي جميع المراحل إلى حين انتهائه، إذ لا يسوغ قانونا للمحافظ أو لأحد طرفي الدعوى، التمسك بدفع يناقضه الواقع، أو بشرط مقرر لمصلحة غيره. وهذا ما أكدته ابتدائية مراكش في حكم لها عندما رفضت طلب فسخ عقد بيع عقار محفظ بعلة أن تحقيق شرط الحصول على شهادة انعدام الصبغة الفلاحية يقع على كاهل المشتري تطبيقا للقواعد العامة للالتزامات الخاصة بعقود البيع، ولا يجوز بالتالي للمرء الاستفادة من خطئه وسوء تصرفه.
وجدير بالذكر أن المصلحة القانونية هي التي يعتد بها في التقاضي، دون المصلحة الاقتصادية، على اعتبار أن الأولى تكون قائمة أو محتملة احتمالا يغلب فيه طابع التحقق أو اقتضائه، بل إنها ترمي إلى مجرد استيثاق المدعي لحقه بحيث لا يلزم أن يثبت له الحق حتى تقبل دعواه، بل يكفي أن تثبت له شبهة حق حتى تكون دعواه جديرة بطرحها أمام القضاء.
لذلك أوجب المشرع على المحكمة أن تثير تلقائيا انعدام المصلحة في موضوع الدعوى أو فقدانها عملا بمقتضيات الفصل الأول من ق م م. وقد سبق للمحكمة الابتدائية بمراكش أن ردت دعوى فسخ بيع عقار محفظ للغبن بعلة انعدام المصلحة في النزاع المتمثلة في عدم إدلاء الطرف المدعي بما يثبت أنه كان ضحية تدليس من جانب المدعى عليه الذي من شأنه أن يؤثر على إرادته أثناء التعاقد.
ومن جهة أخرى، وعلاقة بالغبن الاستغلالي كعيب من عيوب الإرادة المنصوص عليه في الفصل 54 ق ل ع اعتبرت محكمة النقض أن ” أسباب إبطال التصرفات المبنية على حالات المرض والحالات الأخرى المشابهة طبقا لمقتضيات الفصل 54 المذكور، لا يجوز التمسك بها إلا من طرف الشخص المتعاقد نفسه، ولا تنتقل إلى ورثته من بعد مماته “.
2 ـ تقدير المحكمة لشرط المصلحة في الدعاوى والدفوع.
إذا كان تقدير توافر شرط المصلحة من عدمه في الدعاوى والدفوع من اختصاص المحكمة، فإن الإشكال يطرح حول تحديد الطرف صاحب المصلحة للمنازعة في شهادة التسليم سواء عن طريق الدفع بعدم التوصل، أو عن طريق التدخل الإرادي في الدعوى بواسطة مقال بالزور الفرعي في شهادة التسليم. أو بعبارة أخرى، هل تتوفر المصلحة لدى المعني بالأمر قانونا بالتبليغ رغم حضوره أمام المحكمة وتنصيبه لمحام، أم أن من توصل بدلا عنه طبقا للفصل 38 من ق م م، تكون له المصلحة في المنازعة في التبليغ عن طريق ادعاء الزور فيه؟
لقد أتيح لابتدائية مراكش مناسبة الجواب عن ذلك في نازلة أثار خلالها المدعى عليه في شخص نائبه دفعا بزورية شهادة التسليم لكونه لا يقطن إطلاقا بمدينة مراكش ولا موطن له بهذه المدينة وأنه يسكن بمدينة بوجدور، والتمس استدعاءه بعنوانه الحقيقي، وأضاف أن العون أشار إلى أن السيدة (…) التي توصلت بدلا عنه رفضت الإدلاء باسمها وببطاقتها الوطنية ورفضت كذلك التسلم دون الإشارة إلى هويتها. كما تدخلت السيدة المذكورة إراديا في الدعوى وأوضحت في مقالها أنه لم يسبق لها إطلاقا أن تلقت أي استدعاء أو اتصل بها أي عون قضائي، وأنها تطعن بالزور في شهادة التسليم المعتبرة من طرف المحكمة لحصول التبليغ للمدعى عليه وعدم اعتبارها في الملف نظرا لزوريتها وعدم قانونيتها.
فهل يمكن اعتبار هذه المنازعة المثارة من طرف المدعى عليه والمتدخلة في الدعوى جدية لسلوك مسطرة الزور في وثيقة شهادة التلسيم المطعون فيها ؟ أم أن البت في القضية لا يتوقف إطلاقا على التأكد من زورية أو عدم زورية شهادة التسليم المذكورة؟ وهل للمتدخلة في الدعوى مصلحة في النزاع المعروض على المحكمة حتى يمكنها أن تبادر إلى الطعن بالزور في شهادة التسليم لمصلحة المدعى عليه الحاضر والممثل في إجراءات الدعوى من طرف دفاعه ؟
كل هذه الأسئلة أجابت عنها المحكمة الابتدائية بمراكش في حيثياتها الواردة بحكمها، معتبرة أن التدخل الإرادي في الدعوى لا يقبل إلا ممن له مصلحة في النزاع المطروح عملا بمقتضيات الفصل 111 من ق م م، أي إذا كان من شأن الحكم الذي سيصدر في القضية أن يؤثر على المركز القانوني للشخص المتدخل في الدعوى.
وهكذا نخلص إلى القول إن الطرف المعني بالتبليغ أثناء سريان إجراءات الدعوى في المرحلة الابتدائية لا تقبل منه أي منازعة أو دفع بعدم قانونية شهادة التسليم طالما أنه حاضرا شخصيا أو ممثل في الدعوى، بل يجب عليه أن يبادر إلى الجواب عن مقال الخصم وإبداء دفوعه الشكلية والموضوعية بشأنه حتى يتوقى صدور الحكم عليه الذي يكون حضوريا في حقه، لأن الغاية طبعا من تبليغه تتمثل في إعلامه بالدعوى المرفوعة عليه تجسيدا لحق الشخص في الدفاع عن حقوقه ومصالحه، على اعتبار أن مسطرة الدعوى تواجهية بين جميع الخصوم طيلة مدة سريان الإجراءات إلى حين صدور الحكم في الموضوع.
ثانيا: تعدد أطراف التقييد وإشكالية مصلحة المشتري في طرد المحضون.
سوف نتناول إشكالية تعدد أطراف التقييد المؤقت، ثم نعرض لمدى توافر المشتري على المصلحة في طرد المحضون.
1 – تعـدد أطراف التقييـد المـؤقـت.
جدير بالذكر، أنه يمكن رفع دعوى من عدة مدعين أو ضد عدة مدعى عليهم مجتمعين شريطة وجود سند مشترك بينهم، وعدم تجاوز نصيب كل واحد من المدعين للقدر المحدد للحكم انتهائيا، ويحكم ابتدائيا بالنسبة للجميع إذا زاد نصيب أحدهم عن هذا القدر تطبيقا لمقتضيات الفصل 14 من ق م م. ويمكن أن يطبق هذا المقتضى في مجال الدعوى العقارية غير المقيدة بالاختصاص القيمي طالما أن هناك، مصلحة مشتركة بين جميع المدعى عليهم، أو سند شراء مشترك بين جميع المدعى عليهم حسبما أكد ذلك محكمة النقض في أحد قراراته بما يلي:
” لكن حيث أن ما أثير بشأن خرق الفصل 63 من ق م م ردت عنه المحكمة الابتدائية المؤيد حكمها بالقرار أن الخبرة تمت بحضور جميع الأطراف وأن المحكمة حينما اعتمدت عليها موضوعا تكون قد استعملت سلطتها في ذلك ولم يكن من واجبها الرد على الدفع بخرق الفصل 14 من ق م م لأنه لا تأثير له على سلامة القرار طالما أن المدعي أقام دعواه على مدعى عليهم يجمعهم سند مشترك وهو القرار عدد 509-91 فضلا عن أن اختلاف أساس الدعوى بالنسبة لكل مدعى عليه لا يسوغ اعتباره مانعا من الجمع بين عدة مدعى عليهم إذ إن الأساس هو توفر المصلحة المشتركة كما يفهم من الفصلين 13 و 14 من ق م م وبذلك فلم تخرق المحكمة باقي المقتضيات المحتج بها وكان ما استدل به الطاعن غير جدير بالاعتبار”.
وأن القول بتوافر المصلحة من عدمها يدخل ضمن السلطة التقديرية للمحكمة، بل يمكن للخصم أن يثير انعدامها في أي مرحلة من مراحل الدعوى. وقد أكدت ابتدائية مراكش في هذا الصدد أن صدور قرار عن محكمة النقض بنقض القرار الاستئنافي القاضي على المحجوز عليه بأداء مبلغ الدين الذي أجري الحجز لضمان الحصول عليه لا يعتبر مبررا لرفع الحجز لأن قرار محكمة النقض لم يحسم في النزاع بل قضى فقط بإحالة الملف على محكمة الاستئناف لتبت فيه من جديد، وخلصت بالتالي إلى القول إنه من حق الطرف صاحب المصلحة إبقاء الحجز لضمان ما قد يحكم به لفائدته.
2 ـ إشكالية مصلحة المشتري في طرد المحضون.
يطرح الإشكال في الواقع العملي على القضاء العقاري بشأن الكيفية التي يتم بواسطتها التوفيق بين مقتضيات القانون العقاري، ونصوص مدونة الأسرة، أثناء نظره في القضايا التي تمس بحق سكنى المحضون فهل يحق للزوج المطلق إفراغ الحاضنة مع محضونهما من بيت الزوجية بعلة أنها أصبحت أجنبية عنه بالطلاق؟ وهل تتوفر المصلحة في دعوى طرد الحاضنة والمحضون من طرف المالك الجديد للعقار المثقل بحق سكنى المحضون في حالة تفويته من طرف الزوج المطلق ؟
نعتقد أن التوفيق من الناحية الإجرائية بين القوة الثبوتية للرسم العقاري وحق سكنى المحضون يقتضي منا التمييز بين حالتين:
1- إذا وقع إنهاء العلاقة الزوجية بين الطرفين، وقضت المحكمة بإبقاء الأبناء المحضونين في بيت الزوجية المملوك لوالدهم، فإن هذا الأخير لا يحق له طلب إفراغهم إلا بعد تهيىء محل لسكناهم، أو أن يؤدي المبلغ الذي تقدره المحكمة لكرائه كواجب عليه لسكنى المحضون، علما أن المحكمة تملك الصلاحية في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان استمرار تنفيذ هذا الحكم من قبل الأب المحكوم عليه حسب مقتضيات المادة 168 من مدونة الأسرة.
وبمقتضى هذا التعديل التشريعي الجديد، يكون المشرع قد وضع حدا للخلاف الذي كان سائدا حول مدى تحقق مصلحة المطلق في إفراغ المحضون من بيت الزوجية، بحيث وضع الحدود الفاصلة بين شرعية التواجد وعدمه. وقد انتهى هذا الجدل القضائي بانتصار محكمة النقض في قراراتها الأخيرة للرأي القائل بشرعية بقاء الحاضنة ببيت الزوجية، مكرسا بذلك الحماية الواجبة للمحضون واستقراره في السكن إلى حين بلوغه سن الرشد القانوني المحدد في ثمانية عشرة سنة شمسية كاملة.
2- أما إذا تعلق الأمر بتفويت الزوج المطلق العقار المثقل بحق سكنى المحضون، فإن المالك الجديد المقيد في الرسم العقاري يتمسك بالقوة الثبوتية للبيانات المدونة بهذا الأخير، ويعتبر نفسه صاحب المصلحة في طلب إفراغ الحاضنة أو من يقوم مقامها بمن فيهم المحضون. فكيف إذن سيتعامل القضاء مع هذه الوضعية؟
جوابا عن ذلك نشير إلى أن العمل القضائي اعتبر أن:
الحاضنة محتلة بدون سند بمجرد فقدان مفارقها لملكية العقار المثقل بحق سكنى المحضونين عن طريق تفويته للغير الذي بادر إلى تقييد شراءه بالرسم العقاري. ومن ثم فإن هذا الأخير يعد أجنبيا عن العلاقة بين المالك السابق وطليقته وأبنائه القاصرين، ولا يجوز لها بالتالي الاحتجاج عليه بمقتضيات مدونة الأسرة طالما أنه ليس لها أي حق شخصي أو بالأحرى حق عيني.
غير أن هذا التوجه القضائي يتنافى كلية مع أحكام مدونة الأسرة من جهة، ومقتضيات الفصل 498 من ق.ل.ع من جهة أخرى كما سنتولى بيانه تباعا كما يلي :
1- نعتقد أن الغاية من إقرار حق سكنى المحضون وتحديده من قبل المحكمة بشكل مستقل عن باقي المستحقات الأخرى تتمثل في توفير الحماية اللازمة له من التشرد والضياع وحرمانه من الدفء الأسري رفقة حاضنته التي تتواجد معه بصفة تبعية. وأن المنع التشريعي الصريح للأب من إفراغ المحضون إلا بعد تهيئ سكن له، أو تأدية المبلغ الذي تقدره المحكمة لكرائه، يكرس لا محالة نفي الاحتلال عن استمرار تواجد الحاضنة ببيت الزوجية رفقة المحضون، بدليل أن بقاءها بعقار مفارقها يستند طبعا إلى الحكم القضائي المنهي للعلاقة الزوجية بين الطرفين، والمحدد لسكنى المحضون ببيت الزوجية.
ومن ثم فإن تفويت هذا العقار المثقل بحق سكنى المحضون من طرف الزوج المطلق لا يخول للمالك الجديد المصلحة القانونية في دعوى إفراغ الحاضنة والمحضونين منه، على اعتبار أنه لا يمكن قانونا توجيه هذه الدعوى ضد الحاضنة طالما أنها لا تملك أي حق على العقار، وإنما يتعين توجيهها ضد الأب غير الحاضن بصفته النائب الشرعي عن أبنائه القاصرين، والذي قام بتفويت العقار المذكور المتعلق به حق سكناهم بموجب حكم قضائي.
ذلك، أنه وحتى على فرض الاستجابة لطلب الإفراغ فإن الصعوبة العملية تثار عند تنفيذ الحكم، إذ يتم طرد الحاضنة وحدها دون الأبناء المحضونين الذين لا يعتبرون طرفا في الحكم محل التنفيذ، ويتواجدون في العقار بناء على حق السكن المقرر لهم قانونا وقضاء تجاه والدهم المفوت للعقار المذكور.
2 – أما بالنسبة لمقتضيات الفصل 498 من ق.ل.ع، فإن البائع هو الملزم بتسليم الشيء المبيع، ويتم حين يتخلى عنه هذا الأخير أو نائبه ويضعه تحت تصرف المشتري بحيث يستطيع هذا حيازته بدون عائق طبقا للفصل 499 من نفس القانون. لذلك كان على المالك الجديد في النازلة أعلاه أن يرفع دعوى إتمام إجراءات البيع ضد البائع الرامية إلى الحكم عليه بالتسليم المادي للعقاري المبيع ، أو مباشرة دعوى الفسخ بسبب إخفائه عليه أن المبيع مثقل بحق سكنى المحضونين بمقتضى حكم قضائي. وليس له بالتالي المصلحة في مقاضاة الحاضنة ومطالبته بطردها هي أو من يقوم مقامها من المبيع، على أساس أنها تتواجد في العقار بالتبعية مع الأبناء المحضونين بناء على سند مشروع وهو الحكم القضائي الذي يكتسي حجية الشيء المقضي به ما لم يقع إلغاؤه من طرف الجهة القضائية المؤهلة لذلك.
وترتيبا على ما أشير إليه أعلاه، فإن تفعيل مقتضيات مدونة الأسرة بشكل أمثل يقتضي العمل على درء أي تواطؤ يمكن أن يقع من طرف بعض الآباء ذوي النيات السيئة مع المشترين الوهميين من أجل حرمان الأبناء المحضونين من حقهم في السكن ببيت الزوجية، وذلك من خلال إجراء تقييد الحكم القضائي المحدد لسكنى المحضون بالرسم العقاري من قبل المحافظ، حتى يعلم الكافة أن العقار مثقل مؤقتا بحق السكنى إلى حين بلوغ المحضون سن الرشد القانوني، الشيء الذي من شأنه توفير الحماية القانونية لحق يتعلق بأبناء قاصرين لا ذنب لهم في انفصام عرى الزوجية وتحقيق الانسجام بين مدونة الأسرة والقانون العقاري.
الفقرة الثانية: شرط المصلحة في تطهير العقار
سوف نتناول في هذه الفقرة إشكالية المصلحة في اللجوء إلى المحافظ بين الإجبار والاختيار، ثم نعرض للمصلحة في التشطيب على التقييد الاحتياطي.
أولا: المصلحة في اللجوء إلى المحافظ بين الإجبار والإختيار
إن توافر المدعي على شرط المصلحة من عدمه يتجسد في إمكانية ضرورة اللجوء مباشرة إلى القضاء دون المحافظ العقاري طبقا للفصل 96 من ظهير 12 غشت 1913. أو بعبارة أوضح هل رفع الدعوى العقارية يغني عن تقديم مطلب تقييد إلى المحافظ العقاري، ورفضه له، حتى يتأتى لمن له مصلحة الطعن في قرار هذا الأخير ؟
جوابا عن ذلك، اعتبرت محكمة النقض أن الالتجاء إلى المحافظ من أجل تقييد حق عيني إجراء اختياري، بدليل أن صياغة الفصل 96 أعلاه خالية من صيغة الوجوب، الشيء الذي يفيد أن التوفيق في ممارسة المسطرتين الإدارية والقضائية من قبل المدعي، يتم حسب مصلحته واختياره طالما أن المشرع لم يرتب أي جزاء قانوني على ذلك، بل إن قضاء محكمة النقض أوجب خلو الحقوق المطلوب تقييدها من النزاع كشرط للجوء إلى المحافظ. أما إذا كان العقار موضوع الدعوى مثقلا بحجز عقاري أو رهن أو تقييد مؤقت فإنه يتعين اللجوء إلى القضاء أولا لتطهير العقار من التكاليف الواردة عليه والإذن للمحافظ بتقييد الحق عليه.
ونعتقد أن تقدير إلزامية لجوء الأطراف إلى المحافظ من عدمها يبقى من اختصاص قضاء الموضوع المعروض عليه النزاع، على اعتبار أن هناك مجموعة من الحالات التي يكون فيها إجراء التقييد بالرسم العقاري متوقفا على قيام الطرف الملتزم بالوفاء بالتزاماته حتى يتأتى للطرف المكتسب لحق على عقار محفظ الاستفادة من النتائج المترتبة عن نقل الملكية وفق مقتضيات القانون العقاري. ومن ثم فإنه يتعين مقاضاة المدين مباشرة أمام القضاء، وبمحضر المحافظ العقاري في الدعوى، وذلك من أجل الحكم على الأول بالوفاء بالتزاماته العقدية، وأمر الثاني بتقييد العقد أو الحكم بعد صيرورته نهائيا ومكتسبا لقوة الشيء المقضي به.
ثانيا: المصلحة في التشطيب على التقييد الاحتياطي
جدير بالإشارة إلى أن الأمر يتعلق بالحالة التي يصدر فيها القضاء حكما نهائيا بشأن مقال الدعوى موضوع التقييد الاحتياطي برفض طلب المدعي المستفيد من التقييد المذكور بالرسم العقاري في هذه الحالة، فإن صاحب التقييد الموالي له تنشأ له حينذاك الصفة والمصلحة القانونية في طلب التشطيب على التقييد الاحتياطي السابق له لأنه أصبح فاقدا للأساس القانوني بموجب حكم نهائي مكتسبا لقوة الشيء المقضي به، الشيء الذي يبعث على التساؤل عن طبيعة التشطيب المطلوب إجراؤه؟ وهل يمكن لصاحب التقييد المؤقت الموالي في الرتبة أن يطلب نسخة تنفيذية من الحكم المذكور رغم أنه ليس طرفا فيه عملا بمبدأ نسبية الأحكام؟
نعتقد أن قراءة مقتضيات الفصل 91 أعلاه تقتضي استحضار مضمون الفصل 86 من نفس الظهير، والمادة 13 من مدونة الحقوق العينية، على أساس أن التقييد الاحتياطي المنجز بناء على مقال للدعوى يتوقف سريان مفعوله القانوني على الحكم القضائي الصادر بشأنه إيجابا أو سلبا بالنسبة للمستفيد من التقييد المذكور، وأن بقاءه بالرسم العقاري يدور وجودا وعدما مع مآل الدعوى العقارية الرامية إلى الاعتراف القضائي بموضوع الحق العيني المتعلق به. أي أن استمرار العقار المحفظ مثقلا بتقييد احتياطي يعتبر هو والعدم وسواء طالما أن مقال الدعوى المنجز بناء عليه قد صدر بشأنه حكم مكتسب لقوة الشيء المقضي بـه قضى برفض الطلب.
لذلك، فإننا نخلص إلى القول إن التشطيب المطلوب إجراؤه في الحالة أعلاه، يكتسي طبيعة إدارية وليست قضائية، بدليل أن المحافظ ملزم بالتشطيب على التقييد الاحتياطي بمجرد الإدلاء له من قبل المالك للعقار بحكم مكتسب لقوة الشيء المقضي به يقضي بعدم الاعتراف بحق المستفيد من التقييد المذكور، ولا يحق له قانونا التمسك بمقتضيات الفصل91 أعلاه، وإلزامه بالإدلاء بحكم يقضي بالتشطيب صراحة على التقييد الاحتياطي.
غير أن الأمر يختلف بالنسبة لصاحب التقييد الموالي في الرتبة بالرسم العقاري، إذ لا يحق له قانونا أن يطلب نسخة تنفيذية من الحكم الصادر بين صاحب التقييد الاحتياطي السابق له وبين المالك للعقار، لأنه ليس طرفا فيه تكريسا لمبدأ نسبية الأحكام.
إلا أنه يمكن لمن تلقى منه الحق – باعتباره طرفا في الحكم المذكور- أن يطلب من المحافظ التشطيب على التقييد الاحتياطي بناء على الحكم القضائي أعلاه، وذلك تنفيذا منه لالتزامه القانوني بالقيام بكافة الإجراءات الإدارية لتطهير العقار المبيع ونقل الملكية إلى خلفه الخاص غير مثقلة بأي تحمل عقاري.
وإذا كان الأمر كذلك بالنسبة لأصحاب التقييدات الموالية في الرتبة، فإن الاعتراف القضائي بالحق وتقييد الحكم بأثر رجعي لفائدة صاحب التقييد الاحتياطي السابق في الرتبة، يجعل هذا الأخير محقا في طلب التشطيب على جميع التقييدات اللاحقة من الرسم العقاري، بل يمكن للمحافظ التشطيب تلقائيا على تلك التقييدات نتيجة لتغير المالك الذي أجريت في مواجهته.
وقد أكد العمل القضائي هذا الاتجاه، معتبرا أن التقييد المؤقت الذي يتم بناء على مقال دعوى عقارية يبقى مفعوله ساريا إلى أن يبت القضاء في صحة الحق المدعى به موضوع التقييد المؤقت ويقع تقييد الحق نهائيا، وفي حالة عدم اعتراف القضاء بهذا الحق فإن المحافظ يقوم بالتشطيب على التقييد المذكور.
وأضافت نفس المحكمة بمناسبة تعليلها لأحقية صاحب التقييد الاحتياطي السابق في الرتبة في طلب التشطيب على التقييدات اللاحقة بما نصه كالتالي : “.. وحيث إن التقييدات اللاحقة للتقييد الاحتياطي تكون مؤقتة بدورها وقابلة للإبطال تبعا لمصير الحق المطالب به من طرف صاحب التقييد الاحتياطي السابق في المرتبة، فإذا استطاع هذا الأخير أن يحصل على التقييد النهائي لهذا الحق سواء بعد اعتراف القضاء به، أو بعد استكماله لشروطه القانونية، أو بعد رفع العائق الذي كان يحول دون التقييد، فإن مصير الحقوق موضوع التقييدات اللاحقة يكون هو الإبطال والتشطيب عليها من طرف المحافظ العقاري، على اعتبار أن استفادة صاحب التقييد الاحتياطي طبقا الفصل 85 من ظهير 12 غشت 1913،
من شأنه تغيير المراكز القانونية لأصحاب الحقوق المراد المحافظة عليها بمقتضى التقييدات اللاحقة في مواجهة المالك السابق للرسم العقاري الذي تعلقت به التقييدات المذكورة. ومن ثم فإن تغير المالك للرسم العقاري بموجب تقييد نهائي للحق بأثر رجعي منذ تاريخ التقييد الاحتياطي يجعل التقييدات اللاحقة به في المرتبة والمقيدة ضد المالك السابق للصك العقاري فاقدة للسند القانوني في بقائها مسجلة بمندرجات الرسم العقاري.
وحيث ولئن كانت مقتضيات الفصل 91 من ظهير 12 غشت 1913 تنص على أن كل ما ضمن بالرسم العقاري من تقييد وتقييد احتياطي يمكن أن يشطب عليه بموجب كل عقد أو حكم اكتسب قوة الشيء المقضي به يثبت انعدام أو انقضاء الواقع أو الحق الذي يتعلق به ما ذكر من التضمين، فإن المدعي في نازلة الحال أصبح هو المالك الوحيد للرسم العقاري منذ 20-3-2003 بعد استفادته من أثر تقييده الاحتياطي المشار إلى مراجعه أعلاه، وبالتالي فلا علاقة له قانونا بالتقييدين الاحتياطيين المطلوب التشطيب عليهما طالما أنهما كانا مقيدين ضد المالك السابق المسمى(…) عملا بمبدأ نسبية العقود المنصوص عليه في الفصل 228 من ق.ل.ع، الأمر الذي أضحى معه واقع التقييدين اللاحقين منعدما تجاه المدعي، بدليل أنه – وحتى على فرض حصول أصحاب التقييدين اللاحقين على أحكام قضائية لصالحهما ضد المالك السابق- فإنه لا يمكن للسيد المحافظ تقييدهما بالرسم العقاري، لكون الوضعية القانونية لهذا الأخير تغيرت وأصبح جار بملك المدعي من جهة، وأن الأحكام لا تنفذ إلا ضد من كان طرفا فيها من جهة أخرى، الشيء الذي يبقى معه تمسك المحافظ في قراره موضوع الطعن بمقتضيات الفصل 91 أعلاه غير ذي أساس ويكون بالتالي طلب المدعي وجيها ويتعين الاستجابة له “.
اترك تعليقاً