المسلك المتبع في عقد البيع من حيث اثباته، تطبيق القواعد العامة، فلا يختص بقواعد معينة، عند حصول منازعة اوجدتها الرابطة القانونية الممثلة بعقد البيع، والتي تنتج عنها منازعة قانونية استوجب الامر، رفعها امام القضاء، للنظر فيها، ومن ثم حسم الخلاف القائم عنها، بين طرفيها. ان الاصل في المبيع سلامته من العيوب، التي قد تعرقل حالة التوافق او الارتباط الممكن حصولها، اذا كان المبيع سالما، لكن يفترض في مشتري المبيع عاينه معاينة كاملة نافية لكل جهالة، وفحوى ذلك ان البائع لا يضمن العيب الظاهر ادراكه الذي كان بامكان المشتري ملاحظته؛ لانه اقدم على شراء المبيع وهو على علم مسبق بهذا العيب، وكان العيب محل اعتبار في تقدير الثمن.اما اذا كان العيب خفيا؛ فان البائع يضمنه، حتى ولو لم يكن عالما بوجوده ويكون العيب خفيا اذا كان المشتري غير عالم به، ولو يكن بمقدوره ان يعلمه، اما اذا كان المبيع فيه عيب بالامكان معرفته من خلال المعاينة والفحص الاعتيادي، فان العيب لا يعتبر خفيا، يلتزم البائع بموجبه بالضمان الا اذا استطاع المشتري اثبات ان البائع كان قد اوضح سلامة البيع من كل عيب، او اثبت ان البائع تقصد اخفاء العيب عن غش فيه. ويعرف العيب بانه عدم قابلية المبيع للاستعمال المعد له اما بحسب طبيعته او تبعا لارادة الطرفين، او التدني اللاحق بهذه القابلية بشكل لم يكن ليرضى به المشتري او لما كان رضى به الا بثمن اقل(1).
لقد نصت مجلة الاحكام العدلية على العيب الذي يوجب الضمان بعد ان اوضحت فحواه بالنص في المادة (338) على انه: (العيب هو ما ينقص ثمن المبيع عند التجار وارباب الخبرة). ونص المادة (339) على انه: (العيب القديم هو ما يكون موجودا في المبيع وهو عند البائع) ونص المادة (340) على انه: (العيب الذي يحدث في المبيع وهو في يد البائع بعد العقد وقبل القبض حكمه حكم العيب القديم الذي يوجب الرد). ونص المادة (341) على انه: (اذا ذكر البائع في المبيع كذا وكذا وقبل المشتري مع علمه بالعيب لا يكون له الخيار بسبب ذلك العيب). وبالرؤية التشريعية نفسها جاءت كل من المادة (558) من القانون المدني العراقي على انه: (1-اذا ظهر بالمبيع عيب قديم كان المشتري مخيرا ان شاء رده وان شاء قبله بثمنه المسمى. 2- والعيب هو ما ينقص ثمن المبيع عند التجار وارباب الخبرة او ما يفوت به غرض صحيح اذا كان الغالب في امثال المبيع عدمه، ويكون قديما اذا كان موجودا او في المبيع وقت العقد او حدث بعده وهو في يد البائع قبل التسليم).
وايضا نص المادة (559) على انه: (لا يضمن البائع عيبا قديما كان المشتري يعرفه او كان يستطيع ان يتبينه بنفسه لو انه فحص المبيع من العناية الا اذا اثبت ان البائع قد اكد خلو المبيع من هذا العيب او اخفى العيب غشا منه). اما القانون المدني الاردني فقد نص في المادة (193) على انه: (لا يثبت حق فسخ العقد بخيار العيب في العقود التي تحتمل الفسخ دون اشتراطه في العقد). ونص المادة (194) على انه: (يشترط في العيب لكي يثبت به الخيار ان يكون قديما ومؤثرا في قيمة المعقود عليه وان يجهله المشتري وان لا يكون البائع قد اشترط البراءة منه). وعلى الاتجاه نفسه نصت القوانين العربية وان اختلفت الصياغة القانونية او الاثر المترتب في حالة وجود العيب الخفي الذي يوجب الرد او الضمان كنص المادة (447) من القانون المدني المصري، ونص المادة (443) من قانون الموجبات والعقود اللبناني. ان شروط العيب الذي ينشئ الضمان على البائع، هو ان يكون العيب قديما وان يكون خفيا، ومعنى العيب الخفي هو الذي لا يعرف بمشاهدة ظاهر المبيع ولا يتبينه الشخص العادي، ولا يكشفه الا الخبير، او لا يظهر الا بالتجربة(2).
ان دعوى ضمان العيب ترفع من قبل المشتري على البائع لانه هو الملتزم به قانونا من دون حاجة الى شرط خاص في العقد فاذا مات البائع وجهت الدعوى الى خلفه العام. وينتقل حق المشتري الى خلفه العام او الخاص ايضا، فلو باع المشتري العين المعيبة الى مشتر ثان كان لهذا المشتري وهو الخلف الخاص للمشتري الاول في العين ان يرجع بدعوى سلفه المشتري الاول على البائع، لان حق الرجوع بالضمان تعتبر حقا متعلقا بالمبيع ويدخل في ضمن ملحقاته، فينتقل المبيع الى من تنتقل اليه ملكيته، فيجوز لوارث المشتري ولمن تصرف اليه المشتري في المبيع قبل ان يدرك وجود العيب ان يستفاد من حق المشتري في الرجوع على من باع اليه المبيع(3). والنتيجة النهائية التي يمكن معرفتها ان الاصل في المبيع سلامته من كل عيب وهذا يعني ان عبء اثبات وجود العيب الخفي يقع على المشتري تماشيا مع المبدا القائل على المدعي ان يثبت صحة ما يدعيه(4). اما عن عبء اثبات علم المشتري بالعيب فينتقل الى البائع الذي يتطلب الامر منه في هذه الحالة العمل على اثبات علم المشتري بالعيب ومع هذا اقدم المشتري على الشراء(5).
ومن التطبيقات القضائية بهذا الخصوص:
(اذا كانت الكمبيالات التي اقر بها المدعي عليه قد تضمن اقراره بتسلمه البضاعة وقبولها على كل عيب فلا يحق له بعد هذا ان يطلب فسخ العقد (الصفقة) بسبب العيب) (6). (اذا كان العيب في المبيع خفيا جاز انتخاب خبير ليبين هذا العيب وبيان مقدرة المشتري من اكتشاف العيب الخفي(7).( افتراض عدم علم المشتري به، ضمان البائع هذا العيب ما لم يثبت علم المشتري بالعيب وقت تسليم المبيع، على البائع عبء هذا الاثبات) (8). (لئن كان الاصل ان البائع لا يضمن العيب الا اذا كان خفياً، الا ان المشرع اسثناء من هذه القاعدة يجعل البائع ضامنا ولو كان العيب ظاهرا؛ اذا اثبت المشتري ان البائع اكد له خلو المبيع (من العيب) (9). (هذا ويبقى من حق البائع، وفقا لطبيعة الامور، لكي يتخلص من موجب الضمان، ان يقدم بينة العكس على ان العيب طارئ على المبيع وقد حصل بعد البيع او بعد التسليم وان المبيع كان بحالة جيدة قبل ذلك) (10 ).
____________
1- د. سعد دياب، ضمان عيوب المبيع الخفية، ط3، دار اقراء بيروت- 1403هـ/1983م، ص35.
2- د. آدم وهيب النداوي، شرح القانون المدني (العقود المسماة في القانون المدني – البيع، والايجار)، دار الثقافة والنشر والتوزيع، عمان – الاردن، 1999، ص63.
3- د. صاحب عبيد الفتلاوي، ضمان العيوب وتخلف المواصفات في عقد البيع، ط1، مكتبة الثقافة والنشر والتوزيع، 1417هـ/1997م، ص164؛ د. السنهوري، الوسيط، ج2، طبعة نادي القضاة، 1983، ص380؛ د.حسن علي الذنون، شرح القانون المدني العراقي، ص354.
4- د. جعفر الفضلي، الوجيز في العقود المدنية، البيع والايجار- المقاولة، مكتبة الثقافة والنشر والتوزيع، 1997، ص133.
5- د. اسعد دياب، ضمان عيوب البيع الخفية، ط3، دار اقراء، بيروت، 1983م ، ص126؛ د. محمد فتح الله النشار، احكام و قواعد عبء الاثبات، دار الجامعة الجديدة للنشر، مصر، 2000، ص334.
6- قرار محكمة تمييز العراق رقم 399/ح/65 في 26/5/1960، قضاء محكمة التمييز المجلد (3)، ص101.
7- قرار محكمة تمييز العراق رقم 881/ح/56 في 21/6/1956 وقرار رقم 1649/ح/56 في 18/11/1956، عبد الرحمن العلام، المبادئ القضائية، ص263،266.
8- نقض مصري 20/10/1966 الطعن 384 س33 ق، انور طلبة، المبادئ القانونية لمحكمة النقض المصرية.
9- نقض مصري 16/1/1967 طعن رقم 51 سنة 33 ق، مجموعة المكتب الفني، س18، ص264؛ د. محمد فتح الله النشار، احكام قواعد عبء الاثبات، ص334.
10- محكمة دووي 14/1/1961 دالوز 1961، ص173، اسعد دياب، ضمان العيوب الخفية، ص127.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً