مسؤولية الطبيب عن تفويت الفرصة على المريض في ضوء القانون المغربي والمقارن
مقدمة
تشكل نظرية فوات الفرصة إحدى صور إدراج الصدفة في المجال القانوني عن طريق الاحتمالات، وانطلق مبدأ التعويض عن تفويت الفرصة في بادئ الأمر عندما أقر القضاء الفرنسي سنة 1889 بالمسؤولية العقدية للوكيل القضائي بسبب حرمان موكله من ممارسة حق الطعن وتفويته عليه.
ومبدأ تفويت الفرصة ذا أهمية كبيرة في المجال الطبي لأنه يربط هذا المجال بالمجال القانوني بعلم الرياضيات، فالقانون دائما يحتاج إلى صيغة التأكيد واليقين لا الشك لهذا يستعين بعلم الرياضيات لهدم حائز الشك وجعل الضرر المترتب عن ضياع الأمر المشكوك فيه ضررا محققا لابد من تعويضه، بهذه الطريقة يمكن إثبات وجود فرصة من عدمها لدى المريض يمكن على أساسها مساءلة الطبيب الجراح أو الطبيب المخدر.
وللحديث عن نظرية تفويت الفرصة في المجال الطبي التي كان القضاء الفرنسي سباقا إليها، ارتأينا أولا تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين على الشكل التالي:
المبحث الأول : طبيعة مسؤولية الطبيب وأنواعها.
المبحث الثاني: تفويت الفرصة في المجال الطبي.
المبحث الأول : طبيعة مسؤولية الطبيب وأنواعها.
غالبا ما يقصد بالمسؤولية بوجه عام تحمل الشخص نتائج وعواقب التقصير الصادرة عنه، أو عمن يتولى رقابته والإشراف عليه، وبتعبير آخر هي المؤاخذة عن الأخطاء التي تضر بالغير وذلك بإلزام المخطئ بأداء التعويض للطرف المضرور وفق الطريقة والحجم الذين يحددهما القانون[1]، وقد تكون المسؤولية أدبية وقد تكون قانونية.
فإذا خالف مرتكب الفعل قاعدة من القواعد الأخلاقية كانت المسؤولية أدبية، وهي لا تتعدى سوى استنكار واستهجان المجتمع لهذا الفعل، أما المسؤولية القانونية فهي الحالة التي يرتكب فيها الشخص فعلا يسبب ضررا للغير فيتوجب محاسبة القانون له، وهي تنقسم إلى نوعين: مسؤولية مدنية، ومسؤولية جنائية[2]، فماهو مدلول المسؤولية المدنية في المجال الطبي(المطلب الأول)، وماهو مدلول المسؤولية الجنائية (المطلب الثاني)، وماهي شروط قيام مسؤولية اللطبيب(المطلب الثالث).
المطلب الأول : مفهوم المسؤولية الطبية المدنية.
الطبية المدنية على خلاف المسؤولية الطبية الجنائية لا تقتضي ارتكاب أفعال محظورة ضارة للمجتمع، بل هي تقتضي فقط حماية مصلحة خاصة يملك فيها المضرور التنازل عن حقه في التعويض كلا أو جزءا،وبالتالي فالمسؤولية الطبية المدنية تعني إلزام الطبيبالمسؤول عن أداء التعويض للمريض، أو من يقوم مقامه في الحالات التي تتوافر فيه شروط هذه المسؤلية، فهي لا تحمل معنى الردع الذي تنطوي عليه المسؤولية الجنائية، وإنما تفيد معنى جبر الضرر الذي تسبب فيهالطبيب المسؤول[3].
عموما المسؤولية الطبية المدنية هي الأعمال الايجابية والسلبية التي يرتكبها الأطباء أو القائمون بالعمل الطبي أثناء الممارسة التي تتوجب المؤاخذة والمساءلة المنصوص عليه في القانون عند حدوث الضرر للمريض، التي تتمثل غالبا في جبر ذلك الضرر بالتعويض، والاخلال بالإلتزام الموجب للتعويض من قبل الطبيب قد يكون مصدره اتفاق، أو عقد طبي بين المريض والطبيب؛ باعتبار الطبيب هنا صاحب مهنة يتعهد ببذل العناية وتقديم العلاج اللازمين للمريض، بينما يتعهد المريض بدفع الأجور فينشأ من هذه العلاقة ما يسمى بالعقد الطبي، وهو عقد ضمني في غالب الأحيان لا يكون مكتوبا ،يتعهد فقط الطبيب بايجاب ضمني بتقديم العلاج والعناية للمريض؛ فإذا أخل الطبيب بهذا الالتزام نتج عنه ضرر للمريض يكونالطبيب أمام مسؤولية عقدية تستوجب التعويض، وهذا ما عبر عنه المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود في الفصل 263 :”يتحقق التعويض إما بسبب عدم الوفاء بالالتزام وإما بسبب التأخير في الوفاء به، وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين.”
أما إذا كان إخلال الطبيب ليس أساسه الاتفاق أو العقد بل كان أساسه الإخلال بالالتزام مصدره نص القانون، أو كان مصدرها نابع من نظام التعايش الاجتماعي، أو التعليمات والأنظمة في المستشفى فإننا نكون أمام مسؤولية تقصيرية ناشئة عن التزام مصدره القانون، وقد قرر المشرع المغربي هذه القاعدة العامة في الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود التي ورد فيه بأن:”كل فعل ارتكبه الانسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح له القانون فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير التزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر.”
المطلب الثاني : مفهوم المسؤولية الطبية الجنائية.
تقوم المسؤولية الطبية الجنائية على عنصر الخطأ، وهذا الخطأ أحدث فعلا ضارا بالمجتمع[4]، المشرع المغربي لم يعطي تعريفا محددا للخطأ الطبي بل ترك ذلك للفقه واكتفى فقط بتعداد صوره[5]، على عكس المشرع الإماراتي الذي عرف الخطأ الطبي الذي تقوم عليه المسؤولية الطبية الجنائية في قانون المسؤولية الطبية والتأمينات الطبية في الفقرة الأولى من المادة 27، حيث جاء في هذه المادة :”الخطأ الطبي هو الخطأ الذي يرجع إلى الجهل بأمور فنية يفترض في كل من يمارس ذات المهنة الطبية الإلمام بها، أو كان هذا الخطأ راجعا إلى الإهمال أو عدم بذل العناية اللازمة.”
وبالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي[6] في الفصلين 432 و 433 نجد أن المشرع ذكر فيه بعض الصور التي يقوم عليه الخطأ الطبي الذي يمكن على أساسهما مساءلة الطبيب جنائيا، وهذه الصور هي:
أولا: عدم التبصر وتعني نقصان المهارة، كأن يقوم الطبيب بعملية جراحية للمريض دون الاستعانة بطبيب مختص في التخدير، أو أن يقوم بقطع الشرايين في عملية جراحية دون أن يربطها كما تقتضي الأصول العلمية.
ثانيا: عدم الاحتياط وتعني عدم الاحتراز واتخاذ الاحتياطات اللازمة، ومثالها أن يقدم الطبيب على عمل طبي خطير مدركا خطورته؛ لكن في الوقت نفسه لم يتخذ الاحتياطات اللازمة التي من شأنها الحيلولة دون تحقق هذه الآثار.
ثالثا: الإهمال وعدم الانتباه ويقصد به أن يقف الطبيب موقفا سلبيا دون أن يتخذ ما يمكن اتخاذه، كأن يقوم مثلا بعلاج شخص دون أن ينتبه لبعض الأمراض التي يعاني منها هذا الشخص كالسكري مثلا، أو إجراء عملية جراحية للشخص دون مداومة الطبيب عليه في غرفة الانعاش بعد لحظات من العملية.
رابعا:عدم مراعاة النظم القوانين التي تنظم المهنة أو التي تنظم المهن الأخرى المرتبطة بالمهنة نفسها كمدونة مزاولة مهنة الطب، وجميع القوانين الأخرى ذات الصلة بها.
المطلب الثالث : شروط قيام مسؤولية الطبيب اتجاه مريضه.
لكي تتحقق مسؤولية الطبيب تجاه مريضه سواء كانت هذه المسؤولية عقدية، أو مسؤولية تقصيرية لابد من توفر مجموعة من الشروط وهي:
أولا : أن يكون الطبيب قد اقترف خطأ.
ثانيا : أن يكون هذا الخطأ قد أحدث ضررا لمريضه.
ثالثا : وجود علاقة سببية بين الخطأ و الضرر.
بالنسبة للخطأ الطبي يراد به كل فعل أو حركة قام بها الطبيب أدت بحدوث ضرر معين للمريض، كما لو أخل بواجب الحيطة والحذر الذين تقتضيهما قواعد المهنة، فالطبيب دائما ملتزم اتجاه مريضه ببدل العناية والتبصر[7]، وملتزم بتحسين حالة المريض وتقديم العلاج اللازم له دون ارتكاب الأخطاء، وفي هذا الصددجاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء ما يلي: “ إن الطبيب المولد قد ارتكب خطأ فني حينما أقدم على توليد امرأة بطريقة عادية دون مراعاة ملفها الطبي الذي يتجلى منه أنه لا يمكن توليدها إلا بإجراء عملية قيصرية لكونها مصابة بانكماش في الحوض كان حدث لها في حادثة سير، ويتعين على الطبيب أن يؤدي للضحية بالتضامن مع عيادة أنفا تعويضا قدره 300.000 درهم مع إحلال شركة التأمين محل المؤمن لديها في الأداء”.[8]
أما بالنسبة للضرر فهو الذي يلحق المريض إما في جسمه، أو في ماله، أو ضرر فوت على هذا المريض فرصة مهمة إما فرصة الكسب، أو فرصة الشفاء،وفي هذا الصدد أقرت محكمة النقض الفرنسية بمسؤولية الطبيب عن تفويت فرصة الشفاء على مريضة توفيت بعد الوضع إثر نزيف دموي حاد لم تتوصل الممرضة إلى إيقافه بشكل نهائي ومع ذلك أمرتها بالعودة إلى منزلها بعد ثلاثة أيام من الولادة نتج عن ذلك الوفاة، وقررت محكمة النقض الفرنسية بمسؤولية الطبيب المولد عن تفويت فرصة الشفاء على الضحية بسبب خطئه في المراقبة والتوجه حيث ترك الانميا تشدد لدى المريضة”[9]
وقد يكون الضرر معنويا عندما يتم المس بسلامة جسم المريض، وقد ينعكس الضرر على عائلة المريض في حالة كان هو من يعيلهم.”
ولا يكفي وجود الخطأ والضرر بل لابد من وجود علاقة سببية بين الضرر الذي أحدثه الطبيب وخطأ هذا الطبيب، لكن في حالة استحالة الربط بين الخطأ والضرر، أو في حالة وجود شك قائم حول الرابطة السببية ففي هذه الحالة يمكن للقاضي تدارك وتغطية الشك عندما يبلغ الخطأ درجة عالية من الجسامة عن طريق الاستعانة بنظرية تفويت الفرصة.
وهذا ما سيحاول الباحث مناقشته في مثن المبحث الثاني من خلال الوقوق عند أصول نظرية تفويت الفرصة ومفهومها، بالاضافة إلى عبئ اتباث وجود الفرصة عند المريض من عدمها.
المبحث الثاني : تفويت الفرصة في المجال الطبي.
القضاء الإداري الفرنسي هو السباق إلى نقل فكرة التعويض عن تفويت الفرصة من مجال المسؤولية المدنية عامة إلى مجال المسؤولية الطبية، وذلك بموجب القرار الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي بتاريخ 24 أبريل 1964[10] والذي ذهب فيه إلى أن إهمال الطاقم الطبي الممثل في عدم تقديم العلاج المناسب للمريض قد فوت عليه فرصة تجنب بتر العضو، وسار القضاء الفرنسي على هذا النهج، حيث أصدرت محكمة الاستئناف بباريس قرارا بتاريخ 7 جويلية 1964[11]قضت فيه بمسؤولية الطبيب عن تعويض فرصة الشفاء التي أضاعها على المريض نظرا لعدم تشخيصه لمرض الطفل الشيء الذي أدى إلى إعاقته.
وفكرة تفويت الفرصة تلعب دورا مهما في التصدي لظاهرة عدم التأكد، أو عدم إثبات العلاقة السببية بين الخطأ الطبي والضرر اللاحق بالمريض نظرالتعقد جسم الإنسان وتغير حالاته بالإضافة إلى عدم وضوح أسباب المضاعفات الظاهرة التي قد تحدث إذا تطور المرض، أو عدم وضوح أسباب الخطأ الطبي، لهذا يطبق القضاء الفرنسي نظرية تفويت الفرصة متى تلاشت الرابطة السببية لتغطية الشك القائم حول علاقة الخطأ بالضرر، في الوقت نفسه ضمان تعويضا مقدرا عن الفرصة الضائعة عن المريض.
فماهو مفهوم تفويت الفرصة عن المريض ( المطلب الأول) ومن يقع عليه عبئإثبات وجود الفرصة من عدمها ( المطلب التاني).
المطلب الأول: مفهوم تفويت الفرصة
الفرصة تعني الطريقة،أو الطرق التي يتوقف عليها تحقيق واقعة احتمالية تحقق شروط غير معلومة، وغير معروفة مسبقا، فالمقصود بالفرصة إمكانية التحقق واحتماليته، أو احتمال وإمكان الكسب، أو إحتمال وإمكان شفاء المريض ، وتفويت الفرصة المقصود بها الحيلولة دون وصول الشخص إلى الحدث الذي سيجعله سعيدا أو حدثا مرغوبا فيه والذي قد يتجسد في تحقيق غنم، أو دفع غرم.
ويقصد بتفويت الفرصة في الفقه الاسلامي تفويت المنفعة، ويشترط هذا الفقه شرطين أساسين في تفويت الفرصة وهما:
أن تكون هناك منفعة انعقد سبب وجودها
أن تكون هناك منفعة متحققة حصل عليها ضرر
وظهرت نظرية تفويت الفرصة في الميدان الطبي سنة 1964 حينما قرر مجلس الدولة الفرنسي في القرار المؤرخ 24 أبريل 1964 بأن إهمال الطاقم الطبي المتمثل في عدم تقديم العلاج المناسب للمريض قد فوت عليه فرصة تجنب بتر العضو[12].
في مصر أيضا عمل بهذه النظرية حيث جاء في قرار للمحكمة النقض المصرية بتاريخ 18 يناير 1989 مايلي : “يتحمل الطبيب والمولدة كامل التعويضات عندما فوت إزدياد الطفل سليما من العواقب التي بقي يعاني منها بسبب ما قامت به المولدة أثناء ساعة الولادة، وذلك استناذا على أن غياب الطبيب كان له علاقة مباشرة في فقدان الحظ في الازدياد[13]”.
وفي القضاء المغربي لم نجد حكما، أو قرارا قضى فيه القاضي بالتعويض عن تفويت الفرصة على المريض سواء كانت الفرصة التي تم تفويتها على المريض هي فرصة الشفاء أو العلاج، أو فرصة البقاء على قيد الحياة، وغالبا ما يبحث القاضي المغربي عن العلاقة السببية التي تربط خطأ الطبيب وحجم الضرر الواقع على المريض للحكم بالتعويض اللازم للمريض. وهذا ما أكدته استئنافية اكادير في قرارها المؤرخ 27 يوليوز 1995 حيث جاء فيه ما يلي ” يجب على المحكمة أن تبرز العلاقة السببية بين الخطأ والضرر ومن تم فإن معرفة السبب في حالة الشك هي من الأمور التقنية التي يعود لذوي الإختصاص أمر البث فيها”.[14]
ونظرية تفويت الفرصة هي في واقع الأمر يمكن الحكم على أساسها بعد استحالة الربط بين الخطأ والضرر في بعض الحالات لهذا لابد من القضاء المغربي الأخد بها في المنازعات التي تقع بين الأطباء والمرضى على غرار الاجتهاد القضائي الفرنسي.
ويبقى أمر إتباث وجود فرصة لدى المريض من عدمها أمرا صعبا جدا قد تفوت هذهالصعوبة على المريض هي الأخرى فرصة الحصول عن التعويض الممكن.
المطلب الثاني: إثبات وجود الفرصة
قبل الحديث عن إثبات وجود فرصة لدى المريض لابد أولا أن نشير نقطة في غاية من الأهمية تتعلق أساسا بأن تفويت الفرصة هو ضرر خاص قائم بين ضررين هما:
الفرصة الضائعة على المريض من جهة أولى الذي يستوجب التعويض.
والضرر النهائي أو الحالة النهائية التي يوجد عليها المريض .
والمدعي الذي يطالب بالتعويض عن تفويت الفرصة يتوجب عليه إثبات وجود فرصة من عدمهاّ؛ لأنه لا يكفي فقط ثبوت إهمال الطبيب، أو عدم عنايته بالمريض بل يجب على المريض أيضا إتباث تمتعه بفرصة الشفاء، أو البقاء على قيد الحياة قبل التدخل الطبي، في الوقت نفسه يقع على عاتق الطبيب المكلف بالمريض إثبات أن تدخله لن يغير شيئا في حالة المريض لكي يدفع المسؤولية عن نفسه منذ البداية.
لكن إثبات وجود فرصة لدى المريض غالبا ما يشكل صعوبة حقيقية لأن جسم الانسان تتحكم فيه عوامل خارجية أخرى خارجة عن سلطة الطبيب، بالاضافة إلى تعقد جسم الانسان وسرعة تغير أحواله[15]، فلو أراد مثلا ورثة المتوفى إثر عملية جراحية إثبات إمكانية تمتع مورثهم بفرصة الشفاء فإنه يقتضي ذلك منهم إثبات السبب الحقيقي في الوفاة، وهو الأمر الذي يكون مستحيلا جدا في بعض الحالات التي يعاني منها الشخص من عدة أمراض، أو كان يعاني من أمراض مزمنة تسبب مضاعفات كالسكري مثلا، كل هذه العوامل تكون متداخلة وتشكل عوائق أمام امكانية إتباث وجود فرصة حقيقية من عدمها لدى المريض؛ لأن الفرصة قد تعدم من مرض أخر لا يد للطبيب فيه.
لهذا يجد الورثة صعوبة في كيفية التدليل[16] وإثبات ما إذا كان الطبيب الجراح يمكنه تفادي وفاة مريضه باتباع أسلوب معين في الجراحة غير الأسلوب الذي اتبعة في الأول الذي نتجت عنه واقعة الوفاة.
ولأجل التخفيف على المرضى الفرنسيين وآهاليهم من الصعوبات التي يواجهونها في قضايا الإتباث حاولت محكمة النقض الفرنسية إعفاؤهم كليا من هذا الأمر حيث جاء في قرارها المؤرخ 25 ماي 1971: ” يتحمل الطبيب والممرضة المساعدة المسؤولية الكاملة عن فوات فرصة البقاء على قيد الحياة على المريضة ولو أن أسباب الوفاة غير المعروفة، ويكفي فقط أن الطبيب أخرج المريضة من المستشفى رغم إصابتها بحمى شديدة “[17].
خاتمة
نظرية تفويت الفرصة في المجال الطبي ذات أهمية كبيرة لأنها تتعلق بحياة الإنسان وجسمه، ولأجل تفادي تهرب الطبيب من خطئه الثابت، والشك الذي يهيمن على موضوع الرابطة السببية أقر القضاء الفرنسي في المنازعات المدنية الطبية هذه النظرية ابتداء من سنة 1965 والتي تقوم على حل وسط، وتقوم على إحتمال حصول المريض على شيء، وتوافق هذه النظرية بين الشك واليقين، وبواستطها يمكن للقاضي تسبيب التعويض الذي منحه للمريض، أو ذويه؛ لأن التعويض على أساس هذه النظرية يبقى ممكنا بين حالتين عند تلاشي الرابطة السببية؛ حالة التعويض الكامل، وحالة رفض التعويض .
[1]) عبد القادر العرعاري، ” المسؤولية المدنية-دراسة مقارنة على ضوء النصوص التشريعية الجديدة” مطبعة دار الأمان- الرباط- الطبعة الثانية- 2014، ص 11.
[2]) عبد القادر العرعاري، مرجع نفسه، الصفحتان: 13 و 14.
[3]) هشام فرعون، “محاضرات في القانون المدني المغربي المدني المغربي القيت على طلبة السنة الثانية إجازة الحقوق بفاس” 1977 1978 ، ص 216.
[4]) نور الدين العمراني:”مسؤولية الطبيب الجراح الجنائية بالمغرب”، رسالة لنيل دبلوم الماستر بجامعة الرباط، سنة : 93-94، ص 131.
[5]– يوسف أديب،”المسؤولية الجنائية للطبيب عن أخطائه المهنية، رسالة لنيل دبلوم الماستر بجامعة المولى اسماعيل بمكناس:2012-2011، ص 20.
[6] – جاء في المادة 432 ما يلي:
من ارتكب، بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين، قتلا غير عمدي،أو تسبب فيه عن غير قصد، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى ألف درهم.
وجاء في المادة 433 ما يلي:
من تسبب بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين، في
جرح غير عمدي أو إصابة أو مرض، نتج عنه عجز عن الأشغال الشخصية تزيد مدته عن ستة أيام،
ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين، وغرامة من مائة وعشرين إلى خمسمائة درهم، أو بإحدى
هاتين العقوبتين.
[7]) أحمد أدريوش: “مسؤولية الأطباء المدنية بالمغرب”، رسالة لنيل دبلوم الماستر بكلية الرباط، سنة : 1989-1984، الصفحتان، 167-168.
[8] – قرار عدد 2425/82 ملف مدني عدد 1284/87 أورده يوسف أديب، مرجع سابق.ص 63.
[9] – أشار إليه بوبشير محند أمقران ” فوات الفرصة في إطار المسؤولية الطبية ، مذكرة نيل شهادة الماجستير في القانون الخاص بجامعة تيزي وزو، السنة الجامعية 2011/2012، ص 17.
[10]( CF.24av 1964 – hopital –hospice de varon . cite in: SABIN BOUSSARO. La perte de crance en matiere de responsabilite hospitaliere.les vicisstudes de la perte de chance dens le droit de la responsabilite hospitaliere R.F.D.A n5.2008.p 1024.
[11]) George Boyer chammarda. Paul monzen.la responsabilite medicale PU F PARIS 1974.P 93.
[12] – قرار مجلس الدولة الفرنسي المؤرخ 24 أبريل 1964، أشار إليه بوبشير محند، مرجع سابق، ص 12.
[13] – قرار محكمة النقض المصرية بتاريخ 18 يناير 1989 منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 67 نونبر – دجنبر 1993، ص 2010.
[14] _ قرار استئنافي اكادير عدد 5.94.12 بتاريخ 27 يوليوز 1995 منشور بمجلة الاشعاع عدد 13 دجنبر 1995 ص 201.
[15] – محمد أمين محجوبي، عبئ إتباث الخطأ الطبي، رسالة للنيل دبلوم الماستر بجامعة الرباط سنة 2006/2007، الصفحتان 44 و 45.
[16] – بوبشير محند، مرجع سابق، ص 96.
[17] – قرار محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 24 ماي 1971 اشار اليه بوبشير محند، مرجع سابق، الصفحتان 97 و 98.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً