يقصد بالخبرة، لغة، العلم بالشيء واختباره، فيقال خبرت الأمر اي علمته، وخبرت الأمر اخبره، اذا عرفته على حقيقته (1). وورد في القرآن الكريم (فاسأل به خبيرا)(2). اما قانونا : فالخبرة تدبير حقيقي واستشارة فنية يستعين به القاضي بغية الوصول الى معرفة علمية او فنية تتعلق بالواقعة المعروضة عليه تنير الطريق امامه ليبني حكمه على أساس سليم (3). فالخبرة نوع من المعاينة الفنية تتم بواسطة اشخاص تتوفر لديهم الكفاءة في النواحي الفنية التي لا تتوفر لدى القضاة (4). ومن ثم فليس للمحكمة ان تؤسس قضاءها في كون الاضرار الناجمة من الحاصدة قد حدثت جراء الاستعمال غير العادي بالاستناد الى البينة الشخصية وانما يقتضي الاستعانة برأي الخبير في هذا الموضوع لأن ذلك من المسائل الفنية (5).
ولا يجوز للقاضي الاستعانة بالخبراء الا في تقدير الوقائع والمسائل المادية دون المسائل القانونية، وليس للخبراء عدم اعتماد كتاب صادر من مديرية التسجيل العقاري بحجة انه كتاب قديم في الوقت الذي أيدت فيه الدائرة ما ورد في الكتاب، فهذه الواقعة تعتبر واقعة قانونية تستقل بها محكمة الموضوع ولا علاقة لها بالخبراء. فبعد ان تتوثق المحكمة عن صحة الكتاب المذكور تكلف الخبراء باعتماده واعتباره سنداً رسمياً وتكلفهم بتقديم خبرتهم (6). وعلى هذا نصت المادة 132 من قانون الاثبات (تتناول الخبرة الأمور العلمية والفنية وغيرها من الأمور اللازمة للفصل في الدعوى دون المسائل القانونية). لان القاضي، يفترض فيه، لا بل ويطلب منه العلم بالقانون بالقدر الذي يمكنه من اداء واجباته الوظيفية، ولا يجوز للقاضي الاستعانة بالخبير لمساعدته في ادراك الوقائع المشهورة والمعلومات العامة المتصلة بالمعرفة العامة التي يمكن ان يلم بها القاضي وبقية الاشخاص الذين يعيشون في مكان واحد ومرحلة زمنية واحدة، ونصت المادة 8 من قانون الاثبات على أنه (ليس للقاضي ان يحكم بعلمه الشخصي الذي حصل عليه خارج المحكمة، ومع ذلك فله ان يأخذ بما يحصل عليه من العلم بالشؤون العامة المفروض المام الكافة بها).
كما لا يجوز للقاضي اللجوء الى الخبرة الا بصدد المسائل والوقائع المتنازع عليها وغير الثابتة، اما الوقائع التي تثبت بطريق آخر فلا يجوز العودة الى اثباتها عن طريق الخبرة (7). فمهمة الخبير ليست اثبات الوقائع بل هي فنية او تقديرية (8)، ومع ذلك لا يجوز الاشراف في اللجوء الى الخبراء لما في ذلك من تكبيد للخصوم مصاريف باهضه واطالة امد النزاع (9). وثار خلاف حول الطبيعة القانونية للخبرة، فذهب اتجاه الى ان الخبرة دليل من أدلة الاثبات (10). لانها تهدف الى اكتشاف وقائع مجهولة في الدعوى من خلال الوقائع المعلوم. ويرى اتجاه اخر ان الخبرة وسيلة لتقدير عنصر اثبات الدعوى لأنها تهدف الى اثبات وجود او نفي واقعة او حالة ما (11). ذلك ان الخبرة تستخدم في تقدير مدى سلامة بعض الأدلة مثل الشهادة والاقرار (12). ويرى اتجاه ثالث، ان الخبرة اجراء مساعد للقاضي في الوصول الى تقدير فني للحالة، اذا تطلب الأمر معرفة خاصة لا تتوفر لديه. فالخبرة تساعد القاضي في تكملة معلوماته وتزويده بما يحتاج إليه من وسائل بشان تكوين عقيدته في الدعوى المنظورة أمامه (13). وذهب اتجاه رابع الى ان الخبرة نوع من الشهادة، فهي شهادة فنية وترجع هذه الفكرة الى ايام عهد الرومان، حيث كان القاضي يفصل في الدعوى واذا ما استعان بالأطباء في مسألة معينة تحتاج الى خبرة طبية فانه كان يأخذ بآرائهم على أنها شهادة (14).
ومع تطور العلوم في مختلف مجالات الحياة، ازدادت أهمية الخبرة وبدأت تختلف النظرة إليها باعتبارها وسيلة مستقلة عن الشهادة، ولم يعد هذا الرأي يلقى قبولا سواء في مجال الفقه او التشريع، وذلك لوجود اختلاف جوهري بين الشهادة والخبرة (15). فالشاهد يقرر وقائع مادية امام القضاة وكان قد رآها وأدركها بحواسه في حين ان الخبير يقدم رأيه مستخلصا من الوقائع المعروضة (16). وان عدد الشهود محدد ولا يمكن استبدالهم، لان الظروف هي التي تتحكم في تحديدهم وتعيينهم، في حين ان عدد الخبراء غير محدد ويجوز تبديلهم بآخرين، وبذلك فلا يصح ان يكون الخبير شاهداً وقد منعت المادة 75 من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979، الجمع بين صفتي الشاهد والخبير في والواقعة، وان القضاء العراقي قد استقر على ذلك أيضاً (17). ويرى اتجاه خامس، ان الخبرة استشارة فنية، لان الخبرة تتم بمعرفة اشخاص من غير القضاة يكلفون بمهمة معينة بسبب تخصصهم الفني، فيعد الخبير مستشار فنيا، يعرض رأيه الفني لكي يستأنس به القاضي (18).
اما قانون الاثبات العراقي فقد خصص الفصل الثامن من الباب الثاني لأحكام الخبرة، علما بأن الباب الثاني مخصص لطرق الاثبات، وبذلك فان الخبرة تعد طريقا من طرق الاثبات وأجازت المادة (140 / أولاً) من قانون الاثبات، اتخاذ تقرير الخبير سببا لحكم المحكمة. وتختلف الخبرة عن المعاينة في ان المعاينة تتم بمعرفة المحكمة او احد قضاتها في المسائل البسيطة التي لا تحتاج الى كفاءة فنية خاصة، اما اذا كان تقدير المعاينة يتطلب معرفة علمية او فنية فيتم بمعرفة خبير (م 126 / ثانياً – اثبات) وتنظيم المحكمة محضرا بالمعاينة تبين فيه ملاحظاتها دون انطباعاتها او آرائها الخاصة (م 127 اثبات) في حين ان الخبير ملزم بتنظيم محضر وتقرير يتضمن الاعمال التي قام بها والنتائج التي توصل إليها مع تعليلها بالأسباب التي قام عليها رأيه (م 143 و م144 – اثبات).
وتختلف الخبرة عن التحكيم، في ان المحكم يفصل في النزاع في حين يبدي الخبير الرأي في النزاع، وقد يأخذ به القاضي وقد لا يأخذ، لأن الاقتناع بصحة رأى الخبير أمر تستقل به محكمة الموضوع (م 17/ ثالثاً، م 140 / ثانياً – اثبات) ولا يتم التحكيم الا باتفاق ارادة الخصوم (م 253 مرافعات) في حين ان الخبرة يقررها القاضي بنفسه ( م 265 مرافعات) (م 133، م 135 / ثانياً – اثبات) ولا يلزم المحكم بأداء اليمين لأنه موضع ثقة الخصوم، في حين ان الخبير يؤدي اليمين عند تسجيله في جدول الخبراء (م 10 من القانون رقم 163 لسنة 1964) ويؤدي اليمين، امام المحكمة، اذا لم يكن مسجلا في الجدول (م 134 / ثانياً – اثبات) ولوجود تشابه بين الخبرة والترجمة، فقد ذهب فريق الى ان الترجمة وسيلة اثبات مثل الشهادة لأنها عبارة عن نقل عبارات من لغة الى اخرى مما لا يتطلب اجراء ابحاث فنية او علمية، في حين ان الخبرة تتناول مسائل موجودة في الدعوى وبحاجة الى بحث وتحليل معين ليتمكن الخبير من أداء مهمته وهي ابداء الرأي في المسائل موضوع البحث، ويرى فريق آخر، ان الترجمة نوع من الخبرة، ذلك ان القاضي يلجأ الى اجراء الترجمة لنقص في معرفته بلغة اجنبية ، ومن ثم فلا اختلاف جوهري بينهما، وان كليهما عبارة عن وسيلة مساعدة للقاضي في التعرف على أمر معين في الدعوى (19).
_____________________
1- ابن منظور، لسان العرب، المجلد الرابع، بيروت، سنة الطبع بلا. دار صادر ص 227.
2- سورة الفرقان الآية (59) لذلك ليس هناك ما يمنع القاضي شرعا من ان يلجأ في المسائل الفنية والعلمية التي تخفي عليه، الى اهل الخبرة في هذه المسائل لتبين الحقيقة في النزاعات التي تطرح امامه. وانظر د. عبد الباسط جميعي، الوسيط ص 884.
3-حسين المؤمن ج4 ص275.
4- توفيق حسن فرج ص190
5- قرار محكمة التمييز المرقم 863 / م3 / 87 – 88 في 1/3/1988. المجلة العربية، العدد (11) 1992 ص190 – 191.
6- قرار محكمة التمييز المرقم 63 / م1 / 1992 في 8 / 3 / 1992، الموسوعة العدلية، العدد (20) 1994 ص 2-3.
7- الدكتور رمضان ابو السعود، اصول الاثبات في المواد المدنية والتجارية، بيروت 1985 ص394.
8- القرار التمييزي المرقم 681 / م1 / 83 – 84 في 24 / 10 / 1984، مجموعة الأحكام العدلية، الاعداد (1 – 4) ص 91 – 92.
9- محمد العشماوي وعبد الوهاب العشماوي، قواعد المرافعات التشريع المصري والمقارن، القاهرة، سنة الطبع بال ج2 ص570.
10- انور سلطان، ص518.
11- د. آمال عبد الرحيم، الخبرة في المسائل الجنائية، رسالة دكتوراه، القاهرة 1964 ص17.
12- انظر انس محمد الزرري، الخبرة في المسائل المدنية، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، كلية القانون 1987 ص13.
13- الدكتور صلاح الدين الناهي، الوجيز في المرافعات المدنية والتجارية، بغداد 1962 ص54.
14- انس محمود الزرري ص17.
15- سعدون حمد عويد، الخبرة ودورها في الاثبات المدني، رسالة مقدمة في المعهد القضائي – الدراسات القانونية المتخصصة 1991 ص53 وما بعدها.
16- حسين المؤمن ج4 ص286.
17- انظر القرار التمييزي المرقم 573 / م3 / 1973 في 26 / 8 / 1973، المشاهدي، قسم المرافعات المدنية ص228.
18- احمد كمال الدين موسى، نظرية الاثبات في القانون الاداري، القاهرة، مطابع مؤسسة دار الشعب 1977 ص345
19- انظر سعدون حمد عويد ص 63.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً