بحث قانوني حول حماية الشهود وضمانات حق المجني عليه في التعويض

حماية الشهود كضمانة لحماية حق المجني عليه في التعويض

الأستاذ الدكتور مستاري عادل- الباحثة رواحنة زوليخة

كلية الحقوق والعلوم السياسية جامعة بسكرة

ملخص:
للشاهد دور مهم وجوهري في تقديم المعلومات المتعلقة بالوقائع الجرمية للجهات القضائية، لذلك فإنه يكون عرضة للخطر نتيجة للإدلاء بشهادته، وعليه فقد وضع المشرع ضمانات قانونية موضوعية وإجرائية تكفل حمايته من الاعتداءات التي قد يتعرض لها، كالإكراه واستخدام الوسائل العلمية المؤثرة في إرادته ومدى مساسها بالسلامة الجسدية والذهنية للشاهد وكذا مساسها بالحرية والكرامة الإنسانية، وتقرير التدابير الإجرائية والغير إجرائية لحماية الشاهد يكون في سبيل إثبات الجريمة وإسنادها إلى المتهم، وبالتالي تعويض المجني عليه عن الضرر الناتج عن هذه الجريمة سواء كان ماديا أو معنويا.

Abtract :

The witness has an important and substantial role in the presentation of informations related to criminal facts in front of the judicial authorities , Therefore he is exposed to danger as a result of his testimony ( witness) . So the legislator has established substantive and procedural legal guarantees to protect him from the attacks he may face , such as coercion and the use of scientific means affecting his swill and how they infringe The physical and mental safety of the witness , and also their infringe to freedom and human dignity ,and the determination of procedural and non-procedural measures for protecting the witness ,for proofing the crime and Accuse it to the accused and thuscompensate the victim for the harm resulting from this crimewhether was material or moral.

مقدمة
تعتبر الشهادة من أهم وسائل الإثبات الجزائي، فالشاهد هو عين القاضي وأذنه لأنه يساهم بشكل كبير في إظهار الحقيقة التي يسعى إليها القاضي دائما في جميع الدعاوى المرفوعة إليه، وبما أن الشاهد هو مصدر من مصادر الأدلة التي يستعين بها القاضي في إثبات الواقعة والتوصل إلى الجناة، فإنه يكون عرضة للخطر نتيجة لإدلائه بشهادته، وعليه فلقد سن المشرع الجزائري مجموعة من القواعد القانونية العامة سواء في قانون العقوبات أو في تعديل قانون الإجراءات الجزائية لسنة 2015 تعتبر كضمانات تكفل حماية الشاهد من كل الاعتداءات التي قد يتعرض لها.

إذا فمقابل ما يقدمه الشاهد من مساعدة للقضاء في سبيل إظهار الحقيقة، فإنه يجب حمايته لكي يحس بالأمان والطمأنينة ليتشجع وتكون لديه الجرأة في تقديم شهادة صحيحة وسليمة غير معيبة، أما إذا لم توفر له الحماية الجزائية الكافية فإنه سيحجم عن الإدلاء بها لإحساسه بوجود خطر يحدق به مما سيؤدي إلى عدم إظهار الحقيقة والتأثير على السير الحسن للعدالة، وعدم إثبات الواقعة سيؤدي إلى إفلات الجاني من العقاب وبالتالي عدم تعويض المجني عليه المتضرر من هذه الجريمة الذي يعتبر محل اهتمام السياسة الجنائية الحديثة التي تسعى للوصول والبحث عن سبل وضمانات لكفالة حقه في التعويض عن الضرر المادي أو المعنوي الذي أصابه لإصلاح بعضا مما أفسدته الجريمة، فليس من الهين مبلغ الأضرار التي يعاني منها المجني عليه من جراء الجريمة التي تصل إلى حد فقدان الحياة، فحتى لو تم تعويضه لا نوفيه حقه، فما بالك لا يتم تعويضه أصلا، وإذا خسر المجني عليه شهادة الشاهد التي تعتبر المصدر الرئيسي والهام لإثبات الجريمة ونسبتها إلى المتهم، فإنه لن يحصل على تعويض عادل ومناسب وهذا فيه إهدار لمبدأ العدالة.

فهل وفق المشرع الجزائري في تكريس حماية جزائية فعالة وكافية للشاهد بصفة عامة،لحماية حق المجني عليه في التعويض عن الضرر؟

وللإجابة على هذه الإشكالية استخدمنا المنهج التحليلي، وذلك بتحليل مختلف النصوص القانونية المتعلقة بالموضوع، وكذلك أسلوب المقارنة بين القانون الجزائري وبعض من القوانين الأخرى، ولقد اتبعنا الخطة التالية:

مقدمة

المبحث الأول: مظاهر الحماية الجزائية الموضوعية للشهود

المطلب الأول: حماية الشهود بين الإكراه وأسباب الإباحة

الفرع الأول: حماية الشهود من الإكراه

الفرع الثاني: الحماية الجزائية للشهود من خلال أسباب الإباحة

المطلب الثاني: وسائل التأثير في الشهود

الفرع الأول: وسائل النشر وتأثيرها في الشهود

الفرع الثاني: الوسائل العلمية وتأثيرها على الشهود

المبحث الثاني: مظاهر الحماية الجزائية الإجرائية للشهود

المطلب الأول:أحكام الشهادة

الفرع الأول: شروط الشهادة

الفرع الثاني: ضمانات حماية شهود المجني عليه

المطلب الثاني: تدابير حماية الشهود

الفرع الأول: أحكام اتخاذ تدابير الحماية

الفرع الثاني: أنواع تدابير الحماية

الخاتمة

المبحث الأول: مظاهر الحماية الجزائية الموضوعية للشهود

تعتبر الشهادة[1] بمختلف

أنواعها[2]من أهم[3] أدلة الإثبات الجزائي، فهي من الأدلة القولية التي تكون من شخص طبيعي شاهد وقائع الجريمة ويستطيع إفادة الجهات القضائية الجزائية بمعلومات جرمية عن الحادثة، لكن قد يتعرض

الشاهد[4] لضغوطات خاصة من قبل المتهم وأهله، لذا تم تقرير ضمانات من خلال النصوص القانونية الموضوعية تكفل حماية جزائية للشهود من كل المخاطر والاعتداءات التي قد يتعرض لها، حيث سنتطرق في (المطلب الأول) إلى حماية الشهود بين الإكراه وأسباب الإباحة.

المطلب الأول: حماية الشهود بين الإكراه وأسباب الإباحة

نظرا لأهمية الشهادة كدليل جزائي في إثبات أو نفي الجريمة، فإن القائم بها أي الشاهد قد يتعرض لمجموعة من الضغوطات، لذا وجب حمايته منها وهذا ما سنتطرق إليه في (الفرع الأول)، كما أنه من خلال شهادته يمكن أن يرتكب جريمة مثل جريمة إفشاء سر مهني لكن إدلاءه بشهادته يدخل ضمن نطاق أسباب الإباحة ،وهذا سيكون محل دراسة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: حماية الشهودمن الإكراه

إن إكراه الشهود يؤدي لا محال إلى تضليل العدالة وإخفاء الحقيقة لأنهم عيون وآذان القضاء، لذا وجب حمايتهم من خلال تجريم الأفعال المكرهة لهم، ولكن قبل ذلك نعرج على تعريف الإكراه وأنواعه كما يلي:

أولا: مفهوم الإكراه

نتطرق لتعريف الإكراه ثم أنواعه كالآتي:

1-تعريف الإكراه: يعتبر الإكراه مانع من موانع المسؤولية الجزائية، نصت عليه المادة 48من قانون العقوبات[5]، فبالرغم من قيام الجريمة إلا أن الجاني لا يتحمل تبعة أفعاله لانتفاء حرية الإختيار، وقد عرفه الفقه على أنه: “عمل غير مشروع صادر عن إنسان بقصد حمل الغير على القيام بعمل أو امتناع عن فعل…”[6].

وعرف أيضا على أنه:” سبب نفسي ينفي حرية الاختيار ويسلب الإرادة…”[7].

2-أنواع الإكراه: ويتخذ الإكراه صورتين هما:

أ-الإكراه المادي: ويقصد به محو إرادة الفاعل على نحو لا تنسب إليه فيه غير حركة عضوية أو موقف سلبي مجردين من الصفة الإرادية[8]،

ويشترط فيه أن يكون غير متوقع وأن لا يكون بوسع الشخص مقاومة القوة المكرهة[9].

ب-الإكراه المعنوي: يقصد به قوة معنوية ضاغطة ومؤثرة على إرادة الإنسان على النحو الذي يجعله يفقد حرية الاختيار وتتخذ صورة التهديد في الغالب[10]، وله نفس شروط الإكراه المادي السابقة الذكر.

3-المقصود بإكراه الشهود:إن الشهود يجب أن يدلوا بأقوالهم بحرية واختيار، وإكراههم يؤدي إلى تغيير الحقيقة ومن ثم إلى بطلان الشهادة، ويتجسد الإكراه المادي للشهود مثلا في حجزهم، أما الإكراه المعنوي فيتمثل في تهديدهم أو تهديد ذويهم بالقتل أو الخطف مثلا.

ثانيا: تجريم أفعال إكراه الشهود

لقد تم النص على هذه الأفعال وتجريمها من خلال نصوص قانونية متضمنة في قانون العقوبات والقوانين المكملة لها وسنعرضها كما يلي:

1-الفعل المجرم بنص المادة 236 قانون العقوبات: تنص المادة 236 من قانون العقوبات على أنه:” كل من استعمل الوعود أو العطايا أو الهدايا أو الضغط أو التهديد أو التعدي أو المناورة أو التحايل لحمل الغير على الإدلاء بأقوال أو بإقرارات كاذبة أو على إعطاء شهادة كاذبة وذلك في أية مادة وفي أي حالة كانت عليها الإجراءات بغرض المطالبة أو الدفاع أمام القضاء سواء أنتجت هذه الأفعال أثرها أم لم تنتجه يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 500 إلى 2000، دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين ما لم يعتبر الفعل اشتراكا في إحدى الجرائم الأشد المنصوص عليها في المواد 232 و233 و235″.

من خلال استقراء هذه المادة، نجد أن الركن المادي لهذه الجريمة وهي جريمة التحريض على شهادة كاذبة أو زور يتمثل في السلوك الإجرامي من قبل الشخص باستعمال الوسائل المحددة حصرا في هذه المادة دون غيرها، وتتنوع بين وسائل عنف ووسائل بدون عنف تستعمل لحمل الشاهد على إعطاء شهادة كاذبة في أي مرحلة من مراحل الدعوى العمومية، وبالنسبة للنتيجة فهي تتمثل في الضغط على الشاهد والتأثير عليه ومن ثم تحريف الشهادة سواءا تحققت أم لا، وهذا من أجل التوسيع في الحماية الجزائية للشاهد، حيث يعاقب الجاني حتى وإن لم يؤدي شهادته، وكذلك علاقة سببية مباشرة بين السلوك الإجرامي والنتيجة.

وما يلاحظ على هذه المادة أنها جاءت عامة من خلال نصها على:” … لحمل الغير…” ويدخل في إطار هذه العبارة الشاهد.

أما بالنسبة للركن المعنوي فيكمن في القصد الجنائي العام، المتمثل في علم الجاني بأن فعله سوف يترتب عليه إدلاء الشاهد لشهادة كاذبة وبالتالي الانحراف عن الحقيقة واتجاه إرادته المقصودة الغير معيبة لذلك.

وقد عاقب المشرع الجزائري على هذه الجريمة بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، وغرامة من 500إلى 2000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين ما لم يعتبر الفعل اشتراكا في إحدى الجرائم الأشد المنصوص عليها في المواد 232 و233 و235.

ما نلاحظه في العقوبة أنها بسيطة خاصة الغرامة مقارنة مع الفعل المجرم، إذ يمكن أن تكون في وقائع جرمية معينة دليل واحد وهو الشهادة، وإذا قام شخص بالتأثير على الشاهد فهنا يضيع الحق المحمي جنائيا وتطمس مقولة” الشهود عيون وآذان القضاء” ولا تتحقق العدالة، ومع هذا فقد أدرك المشرع ذلك أي تعديل عقوبة الغرامة سنة 2006 من خلال المادة 467 مكرر ق ع[11] والتي تنص على:” ترفع قيمة الغرامات المقررة في مادة الجنح كما يأتي:

-يرفع الحد الأدنى للغرامات إلى 2000 دج، إذا كان الحد أقل من 20000 دج.

-يرفع الحد الأقصى للغرامات إلى 100000دج إذا كان الحد أقل من 100000 دج.

-يضاعف الحد الأقصى لغرامات الجنح الأخرى إذا كان هذا الحد يساوي أو يفوق 100000 دج، ما عدا الحالات التي ينص القانون فيها على حدود أخرى “.

وبالتالي ومن خلال هذه المادة يصبح مقدار الغرامة من 2000 دج إلى 100000 دج.

ولم يكتفي المشرع بالعقوبات الأصلية، بل سن عقوبات تكميلية على سبيل الجواز تمثلت في الحرمان من خمس سنوات على الأقل إلى عشر سنوات على الأكثر من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 ق ع أي الحقوق المدنية(المادة 241 ق ع).

2-الفعل المجرم بنص المادة 44 من القانون رقم 06/01 :تنص المادة 44 من قانون 06/01 على أنه:” يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 50000 إلى 500000 دج:

1-كل من استخدم القوة البدنية أو التهديد أو الترهيب أو الوعد بمزية غير مستحقة أو عرضها أو منحها للتحريض على الإدلاء بشهادة زور أو منع الإدلاء بالشهادة أو تقديم الأدلة في إجراء يتعلق بارتكاب أفعال مجرمة وفقا لهذا القانون.

2-كل من استخدم القوة البدنية أو التهديد أو الترهيب لعرقلة سير التحريات الجارية بشأن الأفعال المجرمة وفقا لهذا القانون.

3-كل من رفض عمدا ودون تبرير تزويد الهيئة بالوثائق والمعلومات المطلوبة”.

هذه المادة تقابل المادة 236 ق ع السالفة الذكر في فعل التحريض على الإدلاء بشهادة زور، أي شهادة كاذبة باستخدام أيضا وسائل محددة حصرا كما في نص المادة لكن هنا في جرائم الفساد، وأضافت هذه المادة المنع من الإدلاء بالشهادة، فالجاني لديه قصد جنائي عام وهو الوصول للإدلاء بشهادة زور أو منع الإدلاء بالشهادة، أما بالنسبة للعقوبة فتمثلت في عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة مقدارها من 50000 دج إلى 500000 دج، ونلاحظ أنها عقوبة لا بأس بها في مقابل الفعل المجرم الذي يهدف إلى تعطيل سير العدالة، وضياع حق المجني عليه في التعويض.

بالإضافة إلى العقوبات التكميلية التي يحكم بها القاضي على سبيل الجواز، وهذا حسب ما نصت عليه المادة 50 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته[12].

3-لفعل المجرم بنص المادة 45 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته :تنص المادة 45 من قانون الوقاية من الفساد على أنه:”يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 50000 إلى 500000 دج، كل شخص يلجأ إلى الإنتقام أو الترهيب أو التهديد بأية طريقة كانت أو بأي شكل من الأشكال ضد الشهود أو الخبراء أو الضحايا أو المبلغين أو أفراد عائلاتهم وسائر الأشخاص الوثيقي الصلة بهم”.

يقوم الجاني في هذه الجريمة بالترهيب أي التخويف والتهديد والإنتقام مهما كان شكله ضد المجني عليهم من بينهم الشهود وأفراد عائلتهم وكل الأشخاص الوثيقي الصلة بهم، وهذا توسيع منه لنطاق الحماية.

ويقصد الجاني من فعله هذا منع الشهود من الإدلاء بشهادتهم، وبالنسبة للعقوبة فهي الحبس من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبغرامة من 50000دج إلى 500000 دج، بالإضافة إلى عقوبات تكميلية جوازية (المادة 50 ق ع السالفة الذكر).

فالفرق بين المادة 44 والمادة 45 من قانون الوقاية من الفساد ومكافحته هو الاختلاف في الوسائل التي تؤدي إلى المنع من إدلاء الشهادة، فالمادة 45 وسعت من محل الحماية أي المجني عليهم إلى الخبراء والمبلغين والضحايا وأفراد عائلاتهم…، وبالنسبة للشهود فإنها امتدت إلى أفراد عائلاتهم وكل الأشخاص وثيقي الصلة.

ومن خلال ما سبق وفي حال قيام الشاهد المكره بالأفعال الإيجابية أو السلبية السابقة الذكر من شهادة زور أو المنع من الإدلاء أو تقديم إقرارات كاذبة…، فإنه لا يتحمل المسؤولية الجزائية لوجود مانع الإكراه.

في المقابل نجد المادة 300 من قانون العقوبات المصري[13] تنص على أنه:” من أكره شاهدا على عدم أداء الشهادة أو على الشهادة زورا يعاقب بمثل عقوبة شاهد الزور مع مراعاة الأحوال المقررة في المواد السابقة”.

ما نلاحظه أن المشرع المصري قام هو أيضا بتجريم إكراه الشاهد سواءا كان إكراه مادي أو معنوي من أجل عدم أداء الشهادة أو على الشهادة زورا، وعاقب على ذلك مثل عقوبة من يشهد زورا [14]، وبالنسبة للمسؤولية الجزائية فإن الشاهد لا يتحملها لتوفر مانع من موانعها، وتكون هنا شهادته باطلة[15].

الفرع الثاني: الحماية الجزائية للشهود من خلال أسباب الإباحة

عندما يستدعى الشاهد للإدلاء بشهادته، فإن أقوال شهادته يمكن أن تنطوي على عبارات هي في الأصل تمثل جريمة عند القيام بلفظها، لكن نظرا لتوفر سبب مبيح[16] فإن هذا يخرجه من دائرة التجريم، ويكون ذلك في موضعين، إذا كانت أقواله تشكل قذفا(أولا)، أو كانت أقواله إفشاء لسر مهني(ثانيا).

أولا: الفعل المجرم من خلال نص المادة 296 ق ع

تنص المادة 296 ق ع على أنه:” يعد قاذفا كل ادعاء بواقعة من شأنها المساس بشرف واعتبار الأشخاص أو الهيئة المدعى عليها به أو إسنادها إليهم أو إلى تلك الهيئة ويعاقب على نشر هذا الإدعاء أو ذلك الإسناد مباشرة أو بطريق إعادة النشر حتى ولو تم ذلك على وجه التشكيك أو إذا قصد به شخص أو هيئة دون ذكر الاسم ولكن كان من الممكن تحديدهما من عبارات الحديث أو الصياح أو التهديد أو الكتابة أو المنشورات أو اللافتات أو الإعلانات موضوع الجريمة”.

يتمثل السلوك الإجرامي في جريمة القذف في الإدعاء بواقعة مشينة أو إسنادها للغير، وكذا توفر عنصر العلنية، إضافة للقصد الجنائي لاكتمال البنيان القانوني لهذه الجريمة، ويعاقب على جريمة القذف من خلال نص المادة 298 ق ع[17].

فالشاهد إذا امتثل أمام الجهات القضائية وكانت أقوال شهادته فيها قذف أي ادعاء بواقعة مشينة ضد شخص ما أو إسنادها إليه فهذا أمر مباح ،لأنه امتثل لأمر القانون وهو ذو طبيعة موضوعية متعلق بموضوع الدعوى، فالشاهد يسعى لتحقيق مصلحة أهم من مصلحة الشخص الموجه له القذف.

ويشترط لإباحة الشهادة في هذه الحالة ما يأتي[18]:

1-ثبوت صفة الشاهد: لكي يدلي الشخص أمام القضاء بأقوال تتضمن ألفاظا مشينة والإدعاء بها أو إسنادها للغير مشكلا بذلك جريمة قذف تخرج من الإطار المجرم إلى الإطار المباح، يجب أن تكون له صفة شاهد، ويخرج من نطاق هذه الصفة إذا كان الشاهد صفة في تشكيل المحكمة أو يقوم بمساعدتها في أداء مهمتها أو كان الشاهد في وضع الخصم.

2-تعلق الوقائع التي تتضمنها الشهادة بموضوع الدعوى: للشاهد الإدلاء بشهادته بمنتهى الحرية مادام لم يخرج عن نطاق الدعوى، فإذا خرج عن موضوع الدعوى فإنه يدخل إطار عدم المشروعية أي الجريمة، فيعاقب على ما تتضمنه أقواله من قذف، ما لم يثبت للمحكمة أنه كان يعتقد بأن أقواله متعلقة بموضوع الدعوى ويهدف من خلالها مساعدة القاضي في معرفة الحقيقة فهنا ينتفي قصده الجنائي، وقاضي الموضوع هو المختص بتقدير ما إذا كان الشاهد قد خرج عن نطاق الدعوى أو لا.

3-حسن نية الشاهد: تتوافر حسن نية الشاهد إذا كان يستهدف معاونة القاضي بكشف الحقيقة له، ويفترض هذا الشرط الإعتقاد بصحة الواقعة وبذل المجهود في تحري صحتها، أما إذا كان غرض الشاهد التشهير بالمعني فهنا ينتفي حسن النية لديه.

وبالرجوع لموقف المشرع الفرنسي فإنه تحدد بعد صدور حكم محكمة النقض الفرنسية في 5 أغسطس، 1884، مقررا أن الشهود لا يستفيدون من الإباحة المقررة للخصوم والمنصوص عليها في المادة 41 من قانون 1881م، وإنما يستفيدون من الإباحة المستمدة من النظام القانوني الذي يطالبه بقول الحقيقة[19].

ثانيا: الفعل المجرم من خلال نص المادة 301 من قانون العقوبات

تنص المادة 301 ق ع على أنه:” يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة وبغرامة من 500 إلى 5000 دج الأطباء والجراحون والصيادلة والقابلات وجميع الأشخاص المؤتمنين بحكم الواقع أو المهنة أو الوظيفة الدائمة أو المؤقتة على أسرار أدلى بها إليهم وأفشوها فيغير الحالات التي يوجب عليهم فيها القانون إفشاءها ويصرح لهم بذلك.

ومع ذلك فلا يعاقب الأشخاص المبينون أعلاه رغم عدم التزامهم بالإبلاغ عن حالات الإجهاض التي تصل إلى علمهم بمناسبة ممارسة مهنتهم بالعقوبات المنصوص عليها في الفترة السابقة إذا هم أبلغوا بها، فإذا دعوا للمثول أمام القضاء في قضية إجهاض يجب عليهم الإدلاء بشهادتهم دون التقيد بالسر المهني”.

من خلال نص المادة نستنتج أن جريمة إفشاء السر المهني تقوم على ركن مادي وفيه عنصر صفة من اؤتمن على السر وهم الأطباء والجراحون و…، والسلوك الإجرامي المتمثل في إفشاء السر من قبلهم في غير الحالات التي يوجبها القانون، وركن معنوي يكمن في القصد الجنائي المتمثل في علم من اؤتمن على السر بأن هذا الأخير أي المعلومة التي بحوزته عبارة عن سر لا يجوز إفشاؤه واتجاه إرادته الحرة غير المعيبة لذلك.

ويعاقب على هذه الجريمة بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة مقدارها 500إلى 5000دج، لكن هذه الغرامة معدلة حسب المادة 467 مكرر السابقة الذكر، فيصبح مقدارها من 2000 إلى 100000 دج.

من خلال ما سبق نستنتج أن المؤتمنين بالسر المهني لهم الامتناع عن أداء الشهادة إذا استدعوا أمام الجهات القضائية كشهود وذلك من خلال نص المادة 97 فقرة 1 من قانون الإجراءات الجزائية[20] التي تنص على أنه:” كل شخص استدعي لسماع شهادته ملزم بالحضور وحلف اليمين وأداء الشهادة مع مراعاة الأحكام القانونية المتعلقة بسر المهنة”.

وتنص المادة 232 فقرة 1 ق إ ج على أنه:” لا يجوز سماع شهادة المدافع عن المتهم فيما وصل إلى علمه بهذه الصفة، أما الأشخاص الآخرون المقيدون بالسر المهني فيجوز سماعهم بالشروط والحدود التي عينها لهم القانون”.

وهكذا يكون المشرع الجزائي الجزائري قد غلب واجب الكتمان على واجب أداء الشهادة ، فالشاهد إذا امتنع عن أداء الشهادة في مثل هذه الحالات أي الأحوال التي يجيز له القانون فيها ذلك فإنه لا يعاقب، لكن هذه القاعدة ليست مطلقة، فقد تم الخروج عنها من خلال نص المادة 182 فقرة 3 ق ع بنصها على أنه:” ويعاقب بالعقوبات نفسها كل من يعلم الدليل على براءة شخص محبوس إحتياطيا أو محكوم عليه في جناية أو جنحة ويمتنع عمدا عن أن يشهد بهذا الدليل فورا أمام سلطات القضاء أو الشرطة، ومع ذلك فلا يقضي بالعقوبة على من تقدم من تلقاء نفسه بشهادته وإن تأخر في الإدلاء بها”، وكذلك المادة 301 السابقة الذكر في الفقرة الثانية فيما يخص مسألة الإجهاض.

من خلال نص المادتين فإن الشاهد ملزم بأداء شهادته، وهو غير مقيد بواجب كتمان السر المهني وإلا فإنه يعاقب.

نصل إلى أن المشرع الجزائري قد تدخل من خلال قانون العقوبات والقوانين المكملة له لحماية الشاهد بصفة عامة والذي يكون أكثر عرضة للضغط عليه من أجل الإدلاء بشهادة زور أو عدم الإدلاء بها، وهذا ما وجدناه في القوانين المقارنة أيضا، وتتواصل حماية الشاهد من مختلف التأثيرات الأخرى وهذا ما سنتطرق إليه في (المطلب الثاني).

المطلب الثاني: وسائل التأثير في الشهود

كنا قد تناولنا في المطلب السابق مختلف الأفعال المجرمة التي يرتكبها الجاني والذي عادة يكون المتهم أو أي شخص آخر له علاقة أو هدف من الدعوى ضد الشهود الذين يشهدون لصالح المجني عليه الذي يكون قد اعتدي على حقه المحمي جنائيا، وتكملة لما سبق سنتعرض في هذا المطلب لمختلف الوسائل[21] التي يمكن أن تؤثر على الشاهد ومنها وسائل النشر التي ستكون محل دراسة (الفرع الأول) والوسائل العلمية التي ستكون محل دراسة (الفرع الثاني).

الفرع الأول: وسائل النشر وتأثيرها في الشهود

عند حدوث واقعة إجرامية فإنها تكون محل اهتمام مختلف وسائل النشر والإعلام،كل يتناولها من حيث الزاوية التي يراها منها خاصة إذا كانت قضية رأي عام، وهذا ما سيؤثر سلبا على معطيات القضية وكل أطرافها ومن لهم علاقة بها، ولهذا فقد تؤثر هذه الوسائل على الشاهد الذي سيدلي بشهادته في هذه القضية من خلال ما عاينه بواسطة حواسه الخمسة، لكن قد تسبقه مختلف وسائل الإعلام والنشر في سرد وقائع الحادثة الإجرامية من خلال ما توصلت إليه من معلومات عن طريق تحرياتها الخاصة فتشوش عليه معلوماته الحقيقية مما يؤدي إلى تحريف وقائع الحقيقة.

وقد تنشر الصحف مثلا أسماء شهود المجني عليه مما يؤثر ذلك عليهم فيمتنعون عن الشهادة أو يدلون بها عن غير حقيقتها، وقد يؤثر الرأي العام من خلال ما اطلعوا عليه على الشهود وذلك بدفعهم لاتجاه معين مثل تبرئة المتهم على أساس أن الدعوى كيدية ضده[22].

ولكي لا تتسرب مجريات التحقيق، فقد حث المشرع الجزائري على سريتها من خلال المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه:” تكون إجراءات التحري والتحقيق سرية ما لم ينص القانون خلاف ذلك، ودون إضرار بحقوق الدفاع.

كل شخص يساهم في هذه الإجراءات ملزم بكتمان السر المهني بالشروط المبينة في قانون العقوبات وتحت طائلة العقوبات المنصوص عليها فيه.

غير أنه تفاديا لانتشار معلومات غير كاملة أو غير صحيحة أو لوضع حد للإخلال بالنظام العام، يجوز لممثل النيابة العامة أو لضابط الشرطة القضائية بعد الحصول على إذن مكتوب من وكيل الجمهورية أن يطلع الرأي العام بعناصر موضوعية مستخلصة من الإجراءات على أن لا تتضمن أي تقييم للأعباء المتمسك بها ضد الأشخاص المتورطين.

تراعى في كل الأحوال قرينة البراءة وحرمة الحياة الخاصة”.

من خلال نص المادة نجد أن الأصل في مجريات التحري والتحقيق هو السرية، ماعدا ما يدور أثناء المحاكمة لأن الأصل فيها هو العلنية إلا استثناءا تكون جلسات المحاكمة سرية مثلا في جرائم الآداب. واستثناءا خرج المشرع الجزائري عن القاعدة العامة وذلك من خلال تعديل قانون الإجراءات الجزائية لسنة 2015 [23] بغية عدم انتشار معلومات غير كاملة أو كاذبة أو لوضع حد للإخلال بالنظام العام وأيضا عدم التأثير على الشهود، حيث أقر نشر معلومات عن القضية لممثل النيابة العامة أو ضابط الشرطة القضائية، وبطبيعة الحال يكونون متصلين بوقائع القضية بعد أخذ إذن مكتوب وليس شفوي من وكيل الجمهورية وهو شرط ضروري للإفصاح عن ما اتخذ من إجراءات التحري والتحقيق في الدعوى العمومية، وبالنسبة لطبيعة المعلومات محل اطلاع الرأي العام عنها فهي معلومات موضوعية لا تتضمن أي تقييم للأعباء المتمسك بها ضد الأشخاص المتورطين، أي عدم إعطاء حكم مسبق للمتهمين والدعوى عموما، إذ تراعى دائما قرينة البراءة المنصوص عليها في الدستور التي مفادها بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم نهائي وبات في الدعوى العمومية وكذلك مراعاة حرمة الحياة الخاصة.

إن وسائل النشر بقصد أو دون قصد ستؤدي من خلال فعلها وهو النشر المتعلق بحيثيات موضوع الدعوى إلى إعاقة سير العدالة وتضليل الحقيقة، لأنه سيؤثر ذلك على الشاهد خاصة إذا كانت ذاكرته ضعيفة نوعا ما أو متوسطة، أو كان ذو شخصية تتأثر بما حولها من أحداث وأشخاص فتختلط عليه الوقائع بين ما شاهده وبين ما تم نشره.

وتتنوع وسائل النشر بين المكتوبة والمسموعة والمرئية…، وكل منها يخدم صورة معينة ومختلفة عن الأخرى حول الأحداث الجرمية المتعلقة بالدعوى وبشكل علني.

ومن هنا نصل إلى أن سرية إجراءات التحري والتحقيق وجوبية مراعاة لواجب كتمان السر المهني، وإذا ما أفشى شخص سر مهني يقع عليه واجب الكتمان في غير الحالات المنصوص عليها في القانون فإنه حتما سيتعرض للعقوبة، إلا أنه حسب المادة 11 من قانون الإجراءات الجزائية يخرج عن هذا الأصل ممثل وكيل الجمهورية أو ضابط الشرطة القضائية كما أسلفنا سابقا.

الفرع الثاني: الوسائل العلمية وتأثيرها على الشهود

إن الإثبات الجزائي يكون من خلال الوسائل والأدلة التقليدية، إلا أنه مع التطور التكنولوجي والعلمي يمكن اللجوء للوسائل العلمية التي قد تؤثر في الشاهد، وسنبين الوسائل العلمية المؤثرة في إرادة الشاهد (أولا)، ثم الوسائل العلمية الغير مؤثرة في إرادة الشاهد (ثانيا).

أولا: الوسائل العلمية المؤثرة في إرادة الشهود

نبين المقصود بالوسائل العلمية المؤثرة في إرادة الشاهد ثم بيان مدى مشروعيتها.

1-المقصود بالوسائل العلمية المؤثرة في إرادة الشهود : هي تلك الوسائل العلمية التي تستخدم ضد الشاهد، فتؤدي إلى تعطيل التحكم في إرادته في شأن ما يريد الإفصاح عنه أو عدم ذلك، وتهدف إلى معرفة مدى مصداقية أو كذب الشاهد، أي التوصل إلى الحقائق التي يعلمها الشاهد دون أن يتحكم شعوره فيما يقرره[24].

ومن بين هذه الوسائل نذكر استخدام مصل الحقيقة وهو عبارة عن استخدام العقاقير المخدرة فتجعل الشخص الذي حقن بهذه العقاقير في حالة غيبوبة واعية لمدة قصيرة، ويتدفق منه الكلام دون تحكم الإرادة [25]، ونذكر أيضا التنويم المغناطيسي وهو عبارة عن نوم لبعض ملكات العقل الظاهر، فالشاهد المنوم مغناطيسيا يكون مستعدا لقبول ما يوحى إليه فتأتي إجابته طبقا لذلك[26].

2- موقف المشرع الجزائري من الوسائل المؤثرة في إرادة الشهود : من خلال النصوص التشريعية لم يوضح المشرع الجزائري موقفه صراحة حيال هذه الوسائل من حيث الاستعانة بها أو لا خلال التحقيقات السارية في الدعوى العمومية، إلا أننا نجد بعض المواد التي توحي إلى عدم الاستعانة بمثل هذه الوسائل العلمية واستخدامها على الشاهد لما فيه مساس بالسلامة الجسدية، منها المادة 40 من دستور 1996[27] والتي تنص على أنه:” تضمن الدولة عدم انتهاك حرمة الإنسان ويحظر أي عنف بدني أو معنوي أو أي مساس بالكرامة.

المعاملة القاسية أو اللا انسانية أو المهينة يقمعها القانون”.

والمادة 275 ق ع التي تنص على:” يعاقب بالحبس من شهرين إلى ثلاث سنوات وبغرامة من 20000 إلى 100000 دينار كل من سبب للغير مرضا أو عجزا عن العمل الشخصي وذلك بأن أعطاه عمدا أو بأية طريقة كانت وبدون قصد إحداث الوفاة مواد ضارة بالصحة.

وإذا نتج عنها مرض أو عجز عن العمل لمدة تتجاوز خمسة عشر يوما فتكون العقوبة الحبس من سنتين إلى خمس سنوات.

ويجوز علاوة على ذلك الحكم على الجاني بالحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 14 وبالمنع من الإقامة من سنة على الأقل إلى خمس سنوات على الأكثر.

وإذا أدت المواد المعطاة إلى مرض يستحيل برؤه أو إلى عجز في استعمال عضو أو إلى عاهة مستديمة فتكون العقوبة السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة.

وإذا أدت إلى الوفاة دون قصد إحداثها فتكون العقوبة السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة”.

وفي مصر يتفق الفقه والقضاء على عدم مشروعية هذه الوسائل في مجال التحقيق أو الإثبات الجنائي، وقد استندا في ذلك إلى أن مثل هذه الوسائل تجرد الإنسان من قدراته العقلية، والإرادة هنا لم تعد معتبرة قانونا، فهي خطر على السلامة الجسدية والنفسية، والشاهد يجب أن يدلي بأقواله تلقائيا دون أي تأثير، كما أن استخدام هذه الوسائل هي اعتداء على مشاعر الفرد ومكنونه الداخلي، ولقد نصت المادة 218من تعليمات النيابة العامة على أنه:” لا يجوز استخدام العقاقير المخدرة لحمل المتهم على الاعتراف، باعتبار أن مثل هذا الإجراء من قبيل الإكراه المادي الذي يبطل الاستجواب عن طريقه، ويهدر الاعتراف المترتب عليه” ونفس الشيء بالنسبة للتنويم المغناطيسي( المادة 219 من تعليمات النيابة العامة)[28].

صحيح أن المادتين 218 و219 من تعليمات النيابة العامة نصتا على بطلان استخدام العقاقير المخدرة والتنويم المغناطيسي من أجل استخلاص الحقيقة على المتهم فقط،وهذا يسري أيضا على الشاهد ولا يعتد برضاه.

ثانيا: الوسائل العلمية غير المؤثرة في إرادة الشهود

نتناول بالتحديد المقصود بهذه الوسائل العلمية الغير مؤثرة في إرادة شاهد المجني عليه ثم بيان مشروعيتها.

1-المقصود بالوسائل العلمية الغير مؤثرة في إرادة الشهود :هي تلك الوسائل التي تستخدم على الشاهد، وتكون إرادته خارج تأثير هذه الوسائل، فهي تقتصر على تسجيل الحركات التعبيرية الإرادية التي تنتاب الشاهد إثر توجيه أسئلة معينة.

ومن بين هذه الوسائل نجد جهاز كشف الكذب، وهو الجهاز الذي يستخدم لقياس نبضات الإنسان ومن ثم تسجيل الذبذبات المتباينة في أعصابه وحواسه وبالتالي تحديد أوجه الكذب في أقواله وأفعاله[29].

2-موقف المشرع الجزائري من جهاز كشف الكذب : بالرجوع إلى التشريع الجزائري، فإن المشرع لم ينص على استخدام جهاز كشف الكذب إطلاقا في أي مرحلة من مراحل الدعوى العمومية سواءا على المتهم أو الشاهد وذلك راجع لمبدأ الشرعية (المادة 158 من دستور 1996) وكذلك المادة 1 من قانون العقوبات التي تنص على أنه:” لا جريمة ولا عقوبة أو تدابير أمن بغير قانون”، ويسحب هذا المبدأ من الجانب الموضوعي إلى الجانب الإجرائي، لذلك فإنه لا يجوز استخدام جهاز كشف الكذب على الشاهد وإلا قضي ببطلان الإجراء وفقا للمواد 157-161 والمادة 191 من قانون الإجراءات الجزائية وبالتالي بطلان الشهادة.

وبالنسبة للتشريع المصري فإن تعليمات النيابة العامة ومن خلال المادة 220 تقضي بعدم جواز استخدام جهاز كشف الكذب للحصول على اعتراف المتهم وهو ما يسري على الحصول على شهادة الشاهد، لأن نتائج هذا الجهاز يكتنفها شك وعدم الثقة فيما تسفر عنه[30]، وفي فرنسا لم يستخدم جهاز كشف الكذب بسبب المبدأ القانوني الذي يقضي بأن الشخص لا يلزم بتقديم دليل ضد نفسه، وهو ما ينطبق على الشاهد، كما أنه يمكن استدعاء المتهم على أنه شاهد.

من خلال ما سبق نجد أن التشريعات تتفق على عدم جواز استعمال جهاز كشف الكذب صراحة أو ضمنا، لما قد يسفر عنه نتائج خاطئة.

نصل إلى القول بأنه قد تم إقرار حماية إجرائية وموضوعية للشاهد من أجل عدم التأثير في شهادته سواءا من خلال أفعال مجرمة في قانون العقوبات والقوانين المكملة له والتي تمارس ضده من الغير أو من خلال وسائل ضاغطة على تفكيره وإرادته، وكل ذلك لتضليل العدالة، ولتوسيع نطاق الحماية الجزائية نتطرق في المبحث الموالي إلى الحماية الإجرائية للشهود.

المبحث الثاني: مظاهر الحماية الجزائية الإجرائية للشهود

بعد أن تعرضنا للحماية الموضوعية للشهود، وبغية ضمان جبر ضرر المجني عليه وتعويضه ماديا ومعنويا، وتكملة لبلوغ هذا الهدف وكذلك الشق الثاني للحماية وهي الحماية الإجرائية ارتأينا تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين يتناول (المطلب الأول) أحكام الشهادة، و(المطلب الثاني) يتناول تدابير حماية شهود المجني عليه.

المطلب الأول:أحكام الشهادة

نتطرق لأحكام الشهادة وكل ما يدور في فلكها، لكي نبين ما يقدم عليه الشاهد كواجب يعرضه للخطر وحتى يكون على علم بها من أجل أن يكون موقفه والشهادة التي يؤديها في إطار قانوني، لذا نبين في (الفرع الأول) شروط الشهادة وفي (الفرع الثاني) ضمانات حماية الشهود.

الفرع الأول: شروط الشهادة

هناك شروط تتعلق بالشهود (أولا) وأخرى بالشهادة (ثانيا).

أولا: الشروط المتعلقة بالشهود

لكي يكون الشخص قادرا على أداء شهادته فإنه يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية:

1-الإدراك والتمييز: يجب أن يكون الشاهد عند أداء شهادته مدرك ومميز، أي له القدرة على فهم وتمييز ماهية فعله وتحمل تبعته.

إلا أنه توجد عوامل تؤثر في الشهادة مثل صغر السن لا يتحمل مسؤولية أداء شهادته (المادة 228ق إج)، وكذلك الشيخوخة والمريض عقليا حيث تخضع شهادتهما للسلطة التقديرية للقاضي واحتمال كبير يتم استبعادها.

2- حرية الإختيار بالشهادة: يؤدي الشاهد شهادته بكل حرية واختيار دون تأثير خارجي نفسي عليه، لذا لا يجوز قطع شهادته أو طرح أسئلة أثناء الإدلاء بشهادته وإلا يعتبر ذلك توجيه الشاهد إلى اتجاه معين.

3-عدم تعارض صفة الشاهد مع أي صفة أخرى في الدعوى: إن الإدلاء بشهادة صادقة يعني ذلك أن الشاهد محايد ليس له أي مصلحة في الدعوى، حيث تتعارض صفة الشاهد مع القاضي، وكيل الجمهورية، أمين الضبط، المحلفين والمترجم…، لأن أداء الشخص لشهادته وهو بإحدى هذه الصفات قد تتعارض مع ضوابط المحاكمة العادلةويكون بذلك خلل في تشكيلة المحكمة ومنها بطلان الحكم، ولا تتعارض أيضا مع الخبير أو محامي المتهم أو ضابط الشرطة القضائية.

إن توفر هذه الشروط في الشاهد يقع على عاتقه واجبات[31].

ثانيا: الشروط المتعلقة بالشهادة: وتتمثل في:

1-شفوية الشهادة: يجب أن تؤدى الشهادة أمام المحكمة شفويا(المادة 233 إج) لتسمعها بنفسها لتعرضها للمناقشة (المادة 212ق إج) من قبل القاضي وأطراف الدعوى العمومية والنيابة العامة حتى تقدرها تقديرا سليما، لأن القاضي يبني حكمه على الشهادة التي اطمأن لها، وتكمن علة جعل الشهادة شفوية في أن الشاهد قد يقع في أخطاء، تلعثم في الكلام…، ومن هنا القاضي يعرف قيمة الشهادة على عكس إذا كانت مكتوبة، إذ أن الأفكار متسلسلة ومنقحة، إلا أنه استثناءا تكون مكتوبة(المادة 327ق إج) في حالة الشهود الذين يتعذر عليهم حضور الجلسة حيث يتلوها الرئيس ويعرضها للمناقشة من قبل النيابة العامة والأطراف إذا أدوا اليمين، والعكس على سبيل الإستدلال مثل شهادة شاهد على فراش الموت.

2-وجاهية الشهادة: نصت عليها المادتين 233 و 234 ق إج، فيتم الإدلاء بالشهادة ثم طرح الأسئلة من قبل الخصوم بطريقة غير مباشرة عن طريق الرئيس وهو يعطي الكلمة للشاهد، ويجوز إجراء مواجهات بين الشهود وهذا خاضع للسلطة التقديرية للقاضي، ويواجه الشاهد بدليل الإثبات، وبالنسبة للنيابة العامة فإنها توجه أسئلتها للشاهد مباشرة.

الفرع الثاني: ضمانات حماية شهود المجني عليه

لكي يتحرر الشاهد من أي ضغط، ويدلي بشهادته في ظروف ملائمة لا بد من توفر ضمانات تضمن ذلك وتتمثل في:

أولا: سرية التحقيق

لقد تم التطرق لهذا العنصر سابقا، ومفاده أن إجراءات التحقيق وما أسفرت عنه تكون سرية ولا يجوز الإطلاع عليها من طرف أي شخص وهذا ما نصت عليه المادة 11 ق إ ج، ويترتب على مخالفة هذا الالتزام جريمة إفشاء السر المهني وفقا لقانون العقوبات، إلا أنه يجوز للنيابة العامة إطلاع الرأي العام على عناصر موضوعية بشرط أن لا تتضمن أي تقييم للإتهامات وهذا بهدف وضع حد للإخلال بالنظام العام الذي عادة ما تثيره وسائل الإعلام المختلفة من خلال نشر معلومات خاطئة والتأثير من خلالها على الشهود.

ثانيا: ترجمة أقوال الشاهد

يتم الإستعانة بمترجم لترجمة أقوال الشاهد إذا كان هذا الأخير لا يتكلم اللغة العربية أو إذا كان أصما أو أبكما ولا يجيد الكتابة، ويؤدي المترجم اليمين وفي ذلك اطمئنان للشاهد بأن كلامه يصل للجهة التي تسمعه بشكل مفهوم وسليم (المادتين 91 و 92 من ق إ ج).

ثالثا: تصدي المحكمة للإعتداء على الشاهد كجريمة من جرائم الجلسات

إن جرائم الجلسات هي التي تقع أثناء جلسة المحاكمة فإذا وقع اعتداء على الشاهد فيها، أي على مستوى المحكمة الإبتدائية أو المجلس القضائي، وكان وصف هذا الإعتداء جنحة أو مخالفة يحرك القاضي الدعوى العمومية ويأمر بتحرير محضر عنها،وهذا ما جاء في نص المادة 568 ق إج.

فإذا كان الإعتداء على أمام محكمة الجنايات وكان وصف الجريمة المرتكبة فيها جنحة أو جناية أو إذا ارتكبت جنحة أو مخالفة في جلسة محكمة تنظر فيها قضايا الجنح أو المخالفات فإن القاضي يحرك الدعوى العمومية ويصدر أمرا بتحرير محضر ويقضي فيها في الحال بعد سماع المتهم والشهود والنيابة العامة والدفاع عند الإقتضاء وهذا حسب نص المادة 569 ق إج.

وأيضا ما جاء في نص المادة 571من ق إج عند ارتكاب الجناية والتي تنص على أنه:”إذا ارتكبت جناية في جلسة محكمة أو مجلس قضائي فإن تلك الجهة القضائية تحرر محضرا وتستجوب الجاني وتسوقه ومعه أوراق الدعوى إلى وكيل الجمهورية الذي يطلب افتتاح تحقيق قضائي”.

زيادة على هذه الضمانات فإن الشاهد يتمتع بجملة من الحقوق تتمثل في:

1-حق الشاهد في المعاملة الحسنة: بما أن الشاهد هو عين وأذن القاضي، فيتعين على هذا الأخير أن لا يسبب له أي مشقة فقد يكون الشاهد شيخا مسنا أو مريضا لا يقوى على الوقوف طويلا أو صغيرا خائفا لذا يجب على القاضي أن يراعي كل هذا لكي لا يبعد الشاهد عن الحقيقة[32].

2-حماية الشاهد خلال كل مراحل الدعوى: أي من بداية تكليفه بأداء الشهادة حتى الإدلاء بها أمام المحكمة.

3-حق الشاهد في الحصول على مصاريف الإنتقال: لا يوجد نص صريح خاص بتقدير هذه المصاريف، ولكن بالرجوع لنص المادة 274 ق إج فإننا نجدها تنص على أن المتهم هو الذي يتحمل مصاريف شهوده أمام محكمة الجنايات، في المقابل لا يوجد نص خاص بمصاريف شهود الطرف المدني أمام محكمة الجنايات والجنح والمخالفات، لذلك فإنه يمكن تطبيق نفس الأحكام المتعلقة بمصاريف الشهود في المواد المدنية، وبالتالي يتحصل الشاهد في المواد الجزائية على تعويض عن الحضور بمقدار 500 دج لليوم الواحد، ومنحا تعويضية للمصاريف التي تنفق في النقل والإيواء[33].

المطلب الثاني: تدابير حماية الشهود

لقد عملت التشريعات الوطنية والدولية على وجوب اتخاذ تدابير لحماية الشهود بصفة عامة، فنصت على ذلك المادة 32 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وألزمت الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب الصادرة بتاريخ 22/4/1998 باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية الشاهد في المواد من 34 إلى 38، وكذلك المادة 24 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة.

وفي المقابل اتخذت التشريعات الوطنية ومنها المشرع الجزائري مجموعة من التدابير لحماية الشهود بصفة عامة،وذلك من خلال الأمر رقم 15/02 في الكتاب الأول الموسوم ب: في مباشرة الدعوى العمومية وإجراء التحقيق، الباب الثاني المعنون: في التحقيقات، الفصل السادس:” في حماية الشهود والخبراء والضحايا”، لذا نتناول في هذا المطلب فرعين هما أحكام اتخاذ تدابير الحماية(الفرع الأول)، وأنواع تدابير الحماية (الفرع الثاني).

الفرع الأول: أحكام اتخاذ تدابير الحماية

لقد نص المشرع الجزائري من خلال الأمر رقم 15/02 على جملة من الأحكام تبين شروط وكيفية اتخاذ هذه التدابير الإجرائية والتي سنعرضها كالتالي:

شروط اتخاذ التدابير: لقد نصت المادة 65 مكرر 19 على أنه:” يمكن افادة الشهود والخبراء من تدبير أو اكثر من تدابير الحماية الاجرائية و/أو الاجرائية المنصوص عليها في هذا الفصل إذا كانت حياتهم أو سلامتهم الجسدية أو حياة أو سلامة أفراد عائلاتهم أو أقاربهم أو مصالحهم الأساسية معرضة لتهديد خطير، بسبب المعلومات التي يمكنهم تقديمها للقضاء والتي تكون ضرورية لإظهار الحقيقة في قضايا الجريمة المنظمة أو الإرهاب أو الفساد”، ومن هنا يمكن أن نستشف مجموعة من الشروط وهي:

-إذا كان هناك تهديد خطير يمسهم شخصيا في حياتهم أو سلامتهم الجسدية وكذلك حياة وسلامة أفراد أسرهم وأقاربهم وكذلك مصالحهم الأساسية، فالمشرع لم يقتصر على حماية الشاهد شخصيا فقط بل تعدى لحماية أفراد أسرته وأقاربه من أجل اطمئنان الشاهد وأداء شهادته بشكل صحيح بعيدا عن كل المؤثرات الخارجية، فتوفير الأمن الشخصي للشاهد يمنع ذلك من تأثره بمختلف الضغوطات التي تجعل شهادته في ميزان اللاحقيقة، وتوسيع الحماية هنا أمر محمود تفطن له المشرع الجزائري.

-وهذا التهديد الخطير ناتج عن المعلومات التي يمكن تقديمها من قبل الشهود للقضاء.

-الإدلاء بالشهادة في القضايا التالية:

* الجريمة المنظمة: لقد عرفتها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية(اتفاقية باليرمو لسنة 2000) من خلال وصف المنظمة للجرائم التي ترتكبها، والأهداف التي تسعى لتحقيقها، حيث قدمت المقصود بالجماعة الإجرامية المنظمة بقولها:” جماعة ذات هيكل تنظيمي مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر تدوم لفترة من الزمن وتعمل بصورة متظافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهذه الإتفاقية من أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى”، ويدخل في إطارها جرائم المخدرات، التهريب، وتبييض الأموال.

*الجريمة الإرهابية: المنصوص عليها في المواد من 87 مكرر إلى 87 مكرر 10 من ق ع الجزائري.

* جرائم الفساد، المنصوص عليها في قانون الوقاية من الفساد ومكافحته.

نلاحظ أن المشرع الجزائري قد أقر هذه الحماية في الجرائم التي تتسم بالخطورة والجسامة بغض النظر عن مقدار الضرر الذي نتج عنها، لكن حبذا لو أقرها في جرائم أخرى كالقتل مثلا، فالشهادة دليل يؤدي إلى تنوير القضاء حتى في القضايا العادية أو التي تكون أقل خطورة، والعدالة القضائية يجب أن لا تميز بين الأفعال الإجرامية فكلها تؤدي إلى خرق القانون وما ينجم عنه من آثار سلبية.

السلطة التي تتخذ التدابير: يؤول اختصاص اتخاذ التدابير المناسبة قصد ضمان حماية الشهود إلى وكيل الجمهورية، ويؤول هذا الاختصاص إلى قاضي التحقيق عند فتح تحقيق قضائي، وبالرغم من ذلك يسهر وكيل الجمهورية على تنفيذ ومتابعة تدابير الحماية.

كما يمكن لكل من قاضي التحقيق و وكيل الجمهورية تعديل هذه التدابير عند الضرورة تبررها خطورة التهديد وهذا ما نصت عليه المادة 65 مكرر 22 بقولها:” يقرر وكيل الجمهورية بالتشاور مع السلطات المختصة، اتخاذ التدابير المناسبة قصد ضمان الحماية الفعالة للشاهد أو للخبير المعرض للخطر. بمجرد فتح تحقيق قضائي تؤول هذه السلطة لقاضي التحقيق المخطر. تبقى التدابير المتخذة سارية مادامت الأسباب التي بررتها قائمة، ويمكن تعديلها بالنظر لخطورة التهديد. يعمل وكيل الجمهورية على تنفيذ ومتابعة تدابير الحماية”.

الإشارة في محضر السماع إلى الأسباب أو الشروط التي بررت اتخاذ تدابير الحماية: وهذا حسب المادة 65 مكرر 24 بنصها:”إذا رأى قاضي التحقيق أن شاهدا أو خبيرا معرضا للأخطار المذكورة في المادة 65 مكرر 19 اعلاه وقرر عدم ذكر هويته وكذا البيانات المنصوص عليها في المادة 93 من هذا القانون، فإنه ينبغي أن يشير في محضر السماع إلى الأسباب التي بررت ذلك. تحفظ المعلومات السرية المتعلقة بالشاهد في ملف خاص يمسكه قاضي التحقيق”.

– الحفاظ على سرية هوية الشاهد: وهذا من عمل قاضي التحقيق إذ يجوز عرض الأسئلة التي تطرح على الشاهد قبل ذلك أو عند سماعه، لكننا نحبذ أن هذا الأمر لو جاء على سبيل الوجوب لا الجواز، كما أن القاضي يتخذ كل التدابير الضرورية من أجل عدم كشف هوية الشاهد، وهو ما نصت عليه المادة 65 مكرر 25 بقولها:”. يجوز للنيابة العامة أو المتهم أو الطرف المدني أو دفاعهما عرض الأسئلة المراد طرحها للشاهد على قاضي التحقيق قبل أو عند سماع الشاهد. يتخذ قاضي التحقيق كل التدبير الضرورية للحفاظ على سرية هوية الشاهد ويمنعه من الجواب على الأسئلة التي قد تؤدي إلى الكشف عن هويته”. – كشف هوية الشاهد يخضع للسلطة التقديرية لجهة الحكم: وهو ما نصت عليه المادة 65 مكرر 26:” إذا أحيلت القضية على جهة الحكم، يتعين على هذه الأخيرة أن تقرر إن كانت معرفة هوية الشخص ضرورية لممارسة حقوق الدفاع وذلك بالنظر لمعطيات القضية “.

– استخدام الوسائل التقنية لكتمان هوية الشاهد: فنصت عليها المادة 65 مكرر 27 فقرة 1 بقولها:” :يجوز لجهة الحكم تلقائيا أو بطلب من الأطراف، سماع الشاهد مخفي الهوية عن طريق وضع وسائل تقنية تسمح بكتمان هويته، بما في ذلك السماع عن طريق المحادثة المرئية عن بعد واستعمال الأساليب التي لا تسمح بمعرفة صورة الشخص وصوته”.

شهادة الشاهد المخفي الهوية مجرد استدلالات، حسب المادة 27 فقرة 3 بنصها على أنه:”وإذا لم يتم الكشف عن هوية الشاهد تعتبر المعلومات التي يكشف عنها مجرد استدلالات لا تشكل لوحدها دليلا يمكن اعتماده كأساس للحكم بالإدانة”، وحسنا فعل المشرع الجزائري من أجل ممارسة حقوق الدفاع وتغليب هذه الكفة على كفة العمل فقط على حماية الشاهد.

– العقاب عن كشف هوية الشاهد: من خلال نص المادة 65 مكرر 28 فإنه:” يعاقب على الكشف عن هوية أو عنوان الشاهد أو الخبير المحمي، طبقا لهذا القسم بالحبس من ستة (6) أشهر الى خمس سنوات وبغرامة من 000 50 دج الى 000 500 دج”، بالرغم من أن النص التجريمي والعقابي يكون في الشق الموضوعي أي قانون العقوبات.

الفرع الثاني: أنواع تدابير الحماية

حسب الأمر رقم 15/02 تنقسم تدابير الحماية إلى نوعين هما التدابير الإجرائية لحماية الشاهد(أولا)، والتدابير غير الإجرائية لحماية الشاهد(ثانيا).

أولا: التدابير الإجرائية لحماية الشاهد

نصت عليها المادة 65 مكرر 23[34]هي:

-عدم الإشارة لذكر هوية الشاهد أثناء مجريات التحقيق أو ذكر هوية مستعارة من اسم وعنوان ومهنة، إلى غير ذلك، وهذا من أجل ضمان عدم التعرف عليه.

-وبالنسبة للعنوان فإنه يحول إلى مقر الشرطة القضائية أين تم سماعه، أو إلى الجهة القضائية التي سيؤول إليها النظر في القضية، ومن ثم يصعب الوصول إليه.

-يتلقى المعني أي الشاهد تكاليف الحضور عن طريق النيابة العامة، وتحفظ هويته وعنوانه الحقيقي في ملف خاص يمسكه وكيل الجمهورية، وعلى مستوى التحقيق يمسكه قاضي التحقيق.

وسميت هذه التدابير بالتدابير الإجرائية لأنها تتخذ أثناء مجريات التحقيق في أوراق الإجراءات وهي سهلة إذ يمكن اتخاذها دون صعوبة.

وبالنسبة لحفظ الهوية فإنه يكشف عنه خاصة أمام جهة الحكم إذا ما ارتأت ذلك وإلا كانت شهادة الشاهد على سبيل الإستدلال، ولضمان حماية أكثر فإنه يعاقب كل من يعمل على كشفه بعقوبة سالبة للحرية وغرامة وهذا ما تناولناه سابقا.

ثانيا: التدابير غير الإجرائية لحماية الشاهد

نصت على هذه التدابير غير الإجرائية لحماية الشاهد المادة 65 مكرر 20 بقولها:”تتمثل التدابير غير الإجرائية لحماية الشاهد والخبير، على الخصوص، فيما ياتي:

– إخفاء المعلومات المتعلقة بهويته. – وضع رقم هاتفي خاص تحت تصرفه. – تميكنه من نقطة اتصال لدى مصالح الأمن. – ضمان حماية جسدية مقربة له مع إمكانية توسيعها لأفراد عائلته وأقاربه. – وضع أجهزة تقنية وقائية بمسكنه. – تسجيل المكالمات الهاتفية التي يتلقاها أو يجريها بشرط موافقته الصريحة. – تغيير مكان إقامته. – منحة مساعدة اجتماعية مالية. – وضعه، إن تعلق الأمر بسجين، في جناح يتوفر على حماية خاصة. يستفيد الضحايا أيضا من هذه التدابير في حالة ما إذا كانوا شهودا. تحدد كيفيات تطبيق هذه المادة، عند الإقتضاء عن طريق التنظيم”

ومن خلال نص المادة تتمثل التدابير غير الإجرائية في:

إخفاء المعلومات المتعلقة بهويته: وهذا ما تم تناوله في التدابير الإجرائية، ولا نفهم العلة من ذكره في التدابير غير الإجرائية.

-وضع رقم هاتفي خاص تحت تصرفه: أي إعطاؤه رقم لا يعرفه أحد إلا هو والجهات القائمة بحمايته للإتصال به دون أن التوصل إليه.

-تمكينه من نقطة اتصال لدى مصالح الأمن: أي وضع ربما وسيط اتصال بينه وبين مصالح الأمن، إن دعت الضرورة لذلك.

-ضمان حماية جسدية مقربة له مع إمكانية توسيعها لأفراد عائلته وأقاربه: مثلا وضع حراسة مشددة أمام منزله.

– تسجيل المكالمات الهاتفية التي يتلقاها أو يجريها بشرط موافقته الصريحة:فربما يأتيه تهديد عن طريق الهاتف فيسهل معرفة مصدره.

-وضع أجهزة تقنية وقائية بمسكن الشاهد: كجهاز إنذار مثلا.

تغيير مكان إقامته: ويكون ذلك لفترة معينة.

-منحه مساعدة اجتماعية أو مالية: ففي هذه الفترة قد يتوقف الشاهد عن أداء عمله الذي يسترزق منه.

-وضعه إن تعلق الأمر بسجين في جناح يتوفر على حماية خاصة: بغية عدم اختلاطه بباقي السجناء.

ويتخذ تدبير أو عدة تدابير غير إجرائية لحماية الشاهد في أي مرحلة من مراحل الدعوى العمومية، ولتوسيع الحماية أكثر تتخذ حتي قبل مباشرة المتابعات الجزائية بطلب من ضابط الشرطة القضائية أو بطلب من الشاهد أو تتخذ تلقائيا من قبل السلطة القضائية المختصة، وهذا ما نصت عليه المادة 65 مكرر 21 بقولها:” يمكن أن تتخذ التدابير غير الاجرائية للحماية قبل مباشرة المتابعات الجزائية وفي أية مرحلة من الإجراءات القضائية، ويتم ذلك إما تلقائيا من قبل السلطة القضائية المختصة أو بطلب من ضابط الشرطة القضائية أو بطلب من الشخص المعني”. ونصل في الأخير إلى أنه، لكي تؤدى الشهادة في إطار تشريعي يجب الإلتزام بأحكامها القانونية من شروط وواجبات وحقوق الشاهد وكذا ضمانات حمايته، حيث أقرت حمايته الإجرائية فعليا من خلال الأمر رقم 15/02، وعند توفر كل هذه الظروف المناسبة فإن الشهادة تأتي بثمارها وتعتبر كدليل جزائي يعتمد عليه ولما لا ربما هي التي تحدد مصير الدعوى العمومية وإرجاع الحقوق لأصحابها ومن ثم تعويض المجني عليه.

الخاتمة

من خلال دراستنا لصور الحماية الجزائية للشاهد الموضوعية والإجرائية، يمكن القول بأن المشرع الجزائري قد وفق إلى حد ما في إضفاء حماية جزائية فعالة للشاهد، إلا أنها تبقى غير كافية لعدم وجود تطبيقات قضائية بشأن التدابير المستحدثة من قبل المشرع الجزائري بغية حماية الشاهد ومساعدة القضاء للكشف عن الحقيقة التي يسعى إليها القاضي دائما.

ولقد توصلنا إلى جملة من النتائج تتمثل في:

-إضفاء المشرع الجزائري حماية جزائية للشاهد من خلال تجريم الإكراه على الإدلاء بشهادة الزور وعدم الإدلاء بشهادته.، وإعفاء الشاهد المكره على شهادة الزور من المسؤولية الجرائية، واستفادته من أسباب الإباحة في جريمة القذف وجريمة إفشاء السر المهني.

-عدم جواز استخدام الوسائل العلمية المؤثرة في إرادة الشاهد لما فيها من مساس بالسلامة الجسدية والذهنية، ومساس بالحرية والكرامة الإنسانية، وكذا عدم جواز استخدام الوسائل الغير مؤثرة في إرادة الشاهد لما فيها من مخالفة للشرعية الإجرائية.

-فرض واجبات عديدة على الشاهد تتمثل في التزامه بالحضور وحلف اليمين وأداء الشهادة، مع تقرير ضمانات لحمايته تتمثل في سرية التحقيق، والإستعانة بمترجم واختصاص جهة الحكم بالفصل في الإعتداء على الشاهد كجريمة من جرائم الجلسات.

-اقتصار اتخاذ تدابير حماية الشاهد في الجرائم المنظمة والإرهاب والفساد فقط، مع جواز اتخاذ هذه التدابير بالنسبة للشاهد المهدد بخطر أو أحد أفراد عائلته أو أقاربه، واستخدام التقنيات الحديثة للإدلاء بالشهادة بهدف إخفاء هوية الشاهد.

ويمكن تقديم بعض التوصيات:

-سن نصوص تنظيمية تحدد بشكل دقيق كيفية تطبيق تدابير حماية الشاهد الواردة في قانون الإجراءات الجزائية.

-إنشاء وحدة أو مصلحة خاصة على مستوى المحاكم الجزائية تعمل على تقديم المساعدات اللازمة للشاهد والمجني عليه.

-إقرار حماية خاصة لشهود المجني عليه، وعدم الإكتفاء فقط بحماية الشهود بصفة عامة، لكفالة حقه في التعويض.

قائمة المراجع

1- القوانين

(1) المرسوم الرئاسي رقم 96/438 مؤرخ في 26 رجب 1417، جريدة رسمية عدد 76، مؤرخة في 8 ديسمبر 1996، المتضمن الدستور الجزائري المعدل والمتمم.

(2) قانون رقم 58 لسنة 1937 الصادر في 23 جمادى الأولى لسنة 1356 المتضمن قانون العقوبات المصري.

(3) قانون رقم 150 لسنة 1950، المعدل بقانون رقم 37 لسنة 1972 جريدة رسمية رقم 39 الصادر في 28/9/1972 المتضمن قانون الإجراءات الجنائية المصري.

(4) الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 8 يونيو سنة 1966، المتضمن قانون الإجراءات الجزائية الجزائري المعدل والمتمم.

(5) الأمر رقم 66/156 المؤرخ في 8-6-1966 المتضمن قانون العقوبات، جريدة رسمية، عدد 49، مؤرخة في 11/6/1966، المعدل والمتمم.

(6) قانون رقم 06-01، مؤرخ في 20 فيفري 2006، المتضمن الوقاية من الفساد ومكافحته، جريدة رسمية، عدد 14، مؤرخة في 8-3-2006.

(7) قانون رقم 06-23، مؤرخ في 20 ديسمبر 2006، المتضمن تعديل قانون العقوبات، جريدة رسمية، عدد 84، مؤرخة في 24 ديسمبر 2006.

(8) أمر رقم 15-02، المؤرخ في 23 جويلية 2015، المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية، جريدة رسمية، عدد 40، مؤرخة في 23 جويلية 2015.

2- الكتب

(1) أحمد يوسف محمد السولية، الحماية الجنائية والأمنية للشاهد-دراسة مقارنة-، ط1، القاهرة، دار النهضة العربية، 2006.

(2) أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، ط4، الجزائر، دار هومة، 2014.

(3) محمد نجيب حسني، شرح قانون العقوبات-القسم العام-، مصر، دار النهضة العربية، 1997.

(4) عبد القادر عدو، مبادئ قانون العقوبات الجزائري-القسم العام- الجزائر، دار هومة، 2010.

(5) عبد الله أوهايبية، شرح قانون العقوبات الجزائي-القسم العام- الجزائر، موفم للنشر، 2011.

3- المذكرات الجامعية:

(1) براهيمي صالح ، الإثبات بشهادة الشهود في القانون الجزائري-دراسة مقارنة في المواد المدنية والجزائية، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه، قسم الحقوق، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 2012.

(2) وفاء عمران، الوسائل العلمية الحديثة في مجال الإثبات الجنائي، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، قسم الحقوق، جامعة قسنطينة.

[1] تعريف الشهادة: هناك تعريف لغوي وتعريف قانوني.

-التعريف اللغوي للشهادة: وتأخذ معنى الخبر القاطع والمعاينة وشهد شهودا أي حضره بمعنى الحضور، انظر: جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، ط1، بيروت، دار صادر، 1990، ص 239-240.

-التعريف القانوني للشهادة: لم يتطرق المشرع الجزائري لتعريف الشهادة وإنما قام بتحديد كل ما يدور في فلكها من شروط وإجراءات، وحسن فعل حيث ترك ذلك للفقه إذ عرفها على أنها:” إثبات واقعة معينة من خلال ما يقوله أحد الأشخاص عما شاهده أو سمعه أو أدركه بحواسه من هذه الواقعة بطريقة مباشرة، انظر: العربي الشط عبد القادر ونبيل صقر، الإثبات في المواد الجزائية، ج3، الجزائر، دار الهلال، 2004، ص115.

ما يلاحظ على هذا التعريف أنه اقتصر على الشهادة المباشرة وهذا هو الغالب في الشهادة، كما عرفت على أنها إخبار الشاهد بواقعة شاهدها أو سمعها أو اتصلت بعلمه بعد أداء اليمين أمام الجهات القضائية المعنية، انظر: خليل جريح، النظرية العامة للموجبات، ج3، بيروت، مطبعة صاعد، 1960، ص136.

[2] أنواع الشهادة: تنقسم الشهادة إلى أربعة أنواع نذكر منها: الشهادة المباشرة وهي التي عاينها الشاهد بنفسه، والشهادة السماعية والتي يدلي فيها الشاهد بما نقل إليه من شخص آخر قد عاين الواقعة، والشهادة بالتسامع وهي الشهادة بما تسامعه الناس، والشهادة بالشهرة وهي ليست شهادة بالمعنى الصحيح، وإنما هي عبارة عن ورقة مكتوبة تحرر أمام موظف رسمي عمومي، تدون فيها وقائع معينة لا تدخل في المواد الجزائية بل المدنية.

[3] أهمية الشهادة: للشهادة أهمية كبيرة في الإثبات الجزائي إذ هي من بين الأدلة التي تحتل الصدارة كونها لا يمكن الإستغناء عنها في مختلف الوقائع فهي ضرورية في إثباتها أو نفيها.

[4] يمكن تعريف الشاهد من خلال ما تم استنتاجه من التعريفات المقدمة للشهادة، فهو الشخص الذي عاين وشاهد الوقائع الجرمية بمختلف حواسه، واللجوء إلى الجهات القضائية الجزائية للبوح بكل ما عاينه بعد توفر شروطها.

[5] الأمر رقم 66/156 المؤرخ في 8-6-1966 المتضمن قانون العقوبات، جريدة رسمية، عدد 49، مؤرخة في 11/6/1966، المعدل والمتمم.

[6] عبد الله أوهايبية، شرح قانون العقوبات الجزائي-القسم العام- الجزائر، موفم للنشر، 2011، 357.

[7] أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، ط4، الجزائر، دار هومة، 2014، ص246.

[8] محمد نجيب حسني، شرح قانون العقوبات-القسم العام-، مصر، دار النهضة العربية، 1997، ص579.

[9] للتفصيل أكثر انظر: أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص338-339.

[10] عبد القادر عدو، مبادئ قانون العقوبات الجزائري-القسم العام- الجزائر، دار هومة، 2010، ص 237-238.

[11] قانون رقم 06-23، مؤرخ في 20 ديسمبر 2006، المتضمن تعديل قانون العقوبات، جريدة رسمية، عدد 84، مؤرخة في 24 ديسمبر 2006.

[12] قانون رقم 06-01، مؤرخ في 20 فيفري 2006، المتضمن الوقاية من الفساد ومكافحته، جريدة رسمية، عدد 14، مؤرخة في 8-3-2006.

[13] قانون رقم 58 لسنة 1937 الصادر في 23 جمادى الأولى لسنة 1356 المتضمن قانون العقوبات المصري.

[14] راجع المواد 294 و295 و296 من قانون العقوبات المصري.

[15] المادة 302 من قانون رقم 150 لسنة 1950، المعدلة بقانون رقم 37 لسنة 1972 جريدة رسمية رقم 39 الصادر في 28/9/1972 المتضمن قانون الإجراءات الجنائية المصري.

[16] مفهوم أسباب الإباحة: تعتبر أسباب الإباحة ظروفا موضوعية تلحق السلوك الإجرامي فتمحو عنه الصفة الإجرامية فتجعل منه فعلا مباحا رعاية لمصالح أهم من المصالح التي من أجلها جرم الفعل ابتداء. انظر: عبد الله أوهايبية، المرجع السابق، ص161.

وقد نص عليها المشرع الجزائري تحت اسم الأفعال المبررة في المادة 39 ق ع:” لا جريمة:

1-إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون.

2-إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء”.

[17] تنص المادة 298 ق ع على أنه:” يعاقب على القذف الموجه إلى الأفراد بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة من 25000 دج إلى 50000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ويضع صفح الضحية حدا للمتابعة الجزائية.

ويعاقب على القذف الموجه إلى شخص أو أكثر بسبب إنتمائهم إلى مجموعة عرقية أو مذهبية أو إلى دين معين بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 10000 دج إلى 100000دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط إذا كان الغرض هو التحريض على الكراهية بين المواطنين أو السكان”.

[18] أحمد يوسف محمد السولية، الحماية الجنائية والأمنية للشاهد-دراسة مقارنة-، ط1، القاهرة، دار النهضة العربية، 2006، ص 100-103.

[19] المرجع نفسه، ص104.

[20] الأمر رقم 66-155 المؤرخ في 8 يونيو سنة 1966، المعدل والمتمم.

[21] من بين الوسائل المؤثرة على الشاهد نجد الرشوة، لكن هذه الأخيرة نجدها من جرائم الموظف والقانون الذي يحكمها هو قانون رقم06-01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، لذلك تدخل جريمة الرشوة المؤثرة في الشاهد ما تم تناوله في إكراه شهود المجني عليه.

[22] أحمد يوسف محمد السولية، المرجع السابق، ص153.

[23] أمر رقم 15-02، المؤرخ في 23 جويلية 2015، المتضمن تعديل قانون الإجراءات الجزائية، جريدة رسمية، عدد 40، مؤرخة في 23 جويلية 2015.

[24] أحمد يوسف محمد السولية، المرجع السابق، ص 175-176.

[25] أحمد يوسف محمد السولية، مرجع سابق، ص176.

[26] المرجع نفسه، ص 180-181.

[27] المرسوم الرئاسي رقم 96/438 مؤرخ في 26 رجب 1417، جريدة رسمية عدد 76، مؤرخة في 8 ديسمبر 1996، المتضمن الدستور الجزائري المعدل والمتمم.

[28] أحمد يوسف محمد السولية، المرجع السابق، ص 178-179، وص 182-183.

[29] المرجع نفسه، ص185.

[30] وفاء عمران، الوسائل العلمية الحديثة في مجال الإثبات الجنائي، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، قسم الحقوق، جامعة قسنطينة، ص33.

[31] تتمثل هذه الواجبات في:

-الإلتزام بالحضور: يلتزم الشاهد بالحضور أمام الجهة التي استدعته بتكليف سواءا المحكمة أو قاضي التحقيق، ووفقا للمادة 97 ق إج فإن تخلف الشاهد عن الحضور دون عذر مقبول يتم استحضاره بالقوة العمومية ومعاقبته بغرامة بناءا على طلب وكيل الجمهورية ونفس الأمر إذا تخلف عن الحضور أمام جهات الحكم (المادة 223 ق إج)، واستثناءا عن هذه القاعدة العامة إذا تعذر على الشاهد الحضور ربما نتيجة لوضعه الصحي فيجوز لقاضي التحقيق أن ينتقل بنفسه لسماع الشاهد أو يتخذ لهذا الغرض طريق الإنابة القضائية (المادة 99 ق إ ج).

-حلف اليمين: إن حلف اليمين من قبل الشاهد يجعل شهادته أقرب للحقيقة، لما فيه من تذكير برقابة الله سبحانه وتعالى على أقواله التي يدلي بها، ومن ثم فإن الجزاء الإلهى المترتب عن عدم قول الحقيقة بعد حلف اليمين قد يكون دنيوي فضلا عن الجزاء الأخروي وكذلك الجزاء الوضعي.

وصيغة الحلف وكيفية أدائه منصوص عليه في المادة 93 ق إج، ويعفى من حلف اليمين الأشخاص المحددين من خلال المادة 228 ق إج، لكن استثناءا يقومون بأداء شهادتهم بعد حلف اليمين إذا لم تعارض النيابة العامة أو أحد أطراف الدعوى، ويعاقب الشاهد بغرامة في حال امتناعه عن حلف اليمين (المادة 97 ق إج).

-أداء الشهادة: يعد أداء الشهادة واجب قانوني يقع على الشاهد بعد استدعائه لأدائها، وإلا تطبق عليه عقوبة الغرامة (المواد 97 فقرة 2 و 3، والمادة 223 فقرة 1 ق إ ج).

[32] براهيمي صالح ، الإثبات بشهادة الشهود في القانون الجزائري-دراسة مقارنة في المواد المدنية والجزائية، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه، قسم الحقوق، جامعة مولود معمري، تيزي وزو، 2012، ص163.

[33] براهيمي صالح، مرجع سابق، ص167.

[34] تنص المادة 65 مكر23 على أنه:”: تتمثل التدابير الإجرائية لحماية الشاهد والخبير فيما ياتي: – عدم الإشارة لهويته أو ذكر هوية مستعارة في أوراق الإجراءات. -عدم الإشارة لعنوانه الصحيح في أوراق الإجراءات. – الإشارة بدلا من عنوانه الحقيقي، الى مقر الشرطة القضائية أين تم سماعه أو الجهة القضائية التي سيؤول اليها النظر في القضية. – تحفظ الهوية والعنوان الحقيقيان للشاهد أو الخبير في ملف خاص يمسكه وكيل الجمهورية. -يتلقى المعني التكاليف بالحضور عن طريق النيابة العامة.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

شارك المقالة

1 تعليق

  1. شكرا على الافادة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.