يترتب على صدور الحكم الاستئنافي في الدعوى الاستئنافية اثاراً قانونية مختلفة ، واهم هذه الاثار هي اكتساب الحكم الاستئنافي حجية الشئ المقضي به وخروج النزاع من ولاية المحكمة وتقرير الحقوق وانشائها والحكم بمصاريف الدعوى ، كما ترتب على الحكم اعلاه الغاء الاجراءات التنفيذية اذا ما قررت محكمة الاستئناف فسخ الطعن وتأييد الحكم المستأنف . ونتناول دراسة هذه الاثار في الفروع الخمسة الاتية :
الفرع الاول : اكتساب الحكم الاستئنافي حجية الشيء المقضي به
حجية الشئ المقضي به قرينة قانونية قاطعة لا تقبل اثبات العكس مؤادها ان الحكم الصادر من المحكمة قد صدر صحيحاً من الناحيتين الشكلية والموضوعية ، ولذلك يعد حجة بما قضى به(1). ويكون للحكم الاستئنافي حجية ولو كان قابلاً للطعن فيه بطريق من طرق الطعن المقررة قانوناً ، وعليه يجوز التمسك بحجية الحكم القضائي ، أي بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الحكم فيها ولو كان قابلاً للطعن فيه ، وهذه الحجية لا تزول الا اذا ابطل الحكم او عدل او فسخ او نقض(2). والاصل ان الحجية تكون لمنطوق الحكم فقط دون غيرها من اجزائه ، لأن منطوق الحكم هو الذي تعبر فيه المحكمة عما حكمت به في الفاظ صريحة وواضحة ، اما بقية اجزاء الحكم فلا تكتسب هذه الحجية ، ومع ذلك فأن اسباب الحكم بوصفها توضح الحجج القانونية والادلة الواقعية التي يستند عليها الحكم ، يمكن ان تحتوي على قضاء يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما قضت به المحكمة في منطوقها ويعد مكملاً له(3)، بل قد يحدث ان تتضمن اسباب الحكم جزءاً من قضاء المحكمة ويكون الجزء الاخر موجوداً في منطوقه ، فقد تناقش المحكمة ضمن اسباب الحكم مسؤولية المستأنف عليه عن التعويض وتحكم بثبوتها فعلياً ، ثم يقتصر منطوق حكمها على ندب خبير لتقدير التعويض الذي يجب على المستأنف عليه دفعه بالفعل في ضوء تحديد مسؤوليته عنه والتي حكمت المحكمة بثبوتها في اسباب الحكم ، واستناداً لذلك تكتسب مثل هذه الاسباب حجية المنطوق ذاتها(4).
الفرع الثاني : خروج النزاع من ولاية المحكمة
اذا ما اصدرت المحكمة الاستئنافية حكماً في الموضوع فانها قد أدت وظيفتها الاساسية واستنفدت ولايتها ، فلا يجوز لها ان تعيد النظر مرة اخرى في النزاع ذاته ، ولكن المحكمة لا تستنفذ ولايتها في حالة اصدارها لقرارات تتعلق بالدعوى قبل الفصل في النزاع ، وفي ضوء ذلك ، يترتب على صدور الحكم النهائي الحاسم للنزاع والنطق به بوساطة القاضي خروج النزاع من ولاية المحكمة التي اصدرته ، بحيث لا يجوز لهما ان تضع يدها عليه ثانية سواء من تلقاء نفسها او بناء على طلب الخصم(5)، فلا يملك القاضي الحق في احداث تغيير او تعديل او اضافة الا اذا كان ذلك بعد سلوك احدى طرق الطعن التي يقررها القانون فالقاضي بعد اصداره للحكم يستنفذ ولايته فيه فلا يحق له العودة ثانيةً الى مباشرة سلطته القضائية التي استتنفذها والعدول عما قضى به ، ولو تبين له عدم عدالة او عدم صحة ما قضى به ، والسلطة التي استنفذها القاضي في هذا الخصوص هي سلطته القضائية وليس غيرها اذ ان الاستنفاذ لا يكون الا نتيجة للنطق بالحكم ، والحكم القضائي لا يكون الا استعمالاً للسلطة القضائية(6) ، ويرد على هذا الاثر عدة استثناءات عديدة اهمها جواز المحكمة ان تعدل عما تصدره من قرارات وقتية اذا تغيرت الاسباب التي استند اليها الحكم وتصحيح الاخطاء المادية والحسابية في الاحكام اتي اصدرتها المحكمة(7).
الفرع الثالث : تقرير الحقوق وانشاؤها
يعد تقرير الحقوق وانشاؤها من اهم الاثار التي تترتب على الحكم الاستئنافي ، والاصل في الاحكام انها مقررة أي كاشفة للحقوق وليست منشئة لها ، لأن سلطة القضاء لا تقوم بسن القوانين وانما تقوم بحمايتها ، وعندما تفصل المحكمة في النزاع ، انما تكشف عن الحقوق المتنازع عليها ولا تنشئ لاطراف الدعوى حقوقاً جديدة ، أي ان للاحكام القضائية اثر رجعياً ، فاذا حكمت المحكمة لشخص بحق الملكية فأن الحكم بثبوت هذا الحق لا ينشئ حق الملكية وانما يقره ويؤكد هذا الحق الذي تنشأ عن واقعة قانونية سابقة لصدور هذا الحكم هي المصدر المنشئ لأصل الحق ذاته كالعقد او الميراث وغيرها(8). واذا كانت الاحكام القضائية وبضمنها الحكم الاستئنافي – كاشفة للحقوق ولا تنشئ الحق للمحكوم له ، الا ان هذه الاحكام تمنح صاحب الحق مزايا منها تأكيد الحق بقطع النزاع فيه ومنع المحكوم له من تجديده في المستقبل ، وايضاً ان هذا الحق ينشئ للمحكوم له سنداً قابلاً للتنفيذ الجبري على المحكوم عليه وينشئ له ايضاً سنداً رسمياً يحل محل السند الذي كان اساساً لما ادعاه ويفترض القانون صحة كل ما ورد به ما لم يتم الطعن فيه بالتزوير(9). وتجدر الاشارة ان هناك قرارات منشئة للحقوق وذلك خلافاً للاصل العام في حالة ما اذا كان من شأن الحكم ان ينشئ حالة جديدة أي حقاً او مركزاً قانونياً لم يكن قائماً قبل صدوره ، ومثال ذلك الاحكام الصادرة باشهار افلاس تاجر او ايقاع حجر على شخص بسبب امور مالية وعقلية او حجز احتياطي او تعيين حارس قضائي(10).
الفرع الرابع : مصاريف الدعوى
مصاريف الدعوى هي مجموع الرسوم القضائية والمصاريف الاخرى التي استلزمها رفع الدعوى ، ويتحملها من يخسر الدعوى مع اتعاب المحاماة(11)، وتحسب من تاريخ اقامة الدعوى حتى انتهائها في اخر مراحلها وتشمل رسم الدعوى ورسم التبليغ واجور الخبراء والمترجمين ونفقات الشهود واجور الكشف والمعاينة وكل مبلغ يدفع لأغراض السير فيها نص القانون على وجوب دفعه(12). ومصاريف الدعوى يحكم بها في صلب الحكم الصادر ، ولكن تفاصيلها تذكر في اسفل الحكم او في ظهره بوساطة المعاون القضائي ، اذا اغفل ذكر مفردة منها فبأمكان الخصم مراجعة القاضي او رئيس الهيئة لغرض التشكي من هذا الاغفال ودرج تلك المفردة(13). فأن الطرف الذي يتحمل مصاريف الدعوى هو المحكوم عليه الذي خسر الدعوى جزءاً لخسرانه لها ، اما اذا خسر كل من الطرفين جزء من الدعوى فعلى المحكمة تحميل كل منهما المصاريف بنسبة الجزء الذي خسره(14).
وغني عن البيان ان الشخص الذي دخل في الدعوى او ادخل فيها واصبح طرفاً فيها يلزم بالمصاريف مع الطرف الذي دخل الى جانبه وخسر الدعوى ، اما اذا حكم على الشخص الثالث بمفرده فيلزم هو وحده بالمصاريف(15)، واذا ما اقيمت الدعوى على اكثر من مستأنف عليه ، وطلب المستأنف حصرها بأحدهم وابطال الدعوى الاستئنافية عن الباقين فعلى المحكمة في هذه الحالة ان تقرر تحميل المستأنف مصاريف الخصم الذي طلب المستأنف اخراجه من الدعوى واتعاب محاميه لانه لم يكن محقاً في اقامة الدعوى عليه(16). وبصدد اتعاب المحاماة ، فلا يحكم بها الا مرة واحدة في مراحل الدعوى كافة كما هو الحال في الدعوى البدائية ، فأن محكمة البداءة تحكم بها لمحامي الطرف الذي كسب الدعوى فاذا ما طعن المحكوم عليه بالحكم البدائي استئنافاً ، فلا يحكم لوكيل من كسب الدعوى باتعاب المحاماة مرة اخرى عدا تلك التي حكم بها في الحكم الصادر عن محكمة البداءة ، ولو تغير شخص المحامي في المراحل الاخرى وكذلك لا يحكم باتعاب المحاماة بشكل متعدد تبعاً لتعدد المحامين فمهما كان عددهم فيعدون كالمحامي الواحد لكل خصم ويجري توزيع الاتعاب الواحدة عليهم بشكل متساوٍ(17).
الفرع الخامس : الغاء الاجراءات التنفيذية بعد الفسخ
اذا ما تقرر فسخ الحكم البدائي وابطاله عن طريق محكمة الاستئناف ، فأن هذا الفسخ اما ان يشمل جميع اجزاء الحكم البدائي(18)، او يشمل قسماً منه(19)، وفي كلتا الحالتين يصبح الحكم البدائي الذي تقرر فسخه ورد الدعوى بشأنه او الجزء الذي تقرر تعديله غير موجود ولا اساس قانوني لبقاء أي اثر له لان قبول الطعن بدعوى الاستئناف يعني ان الحكم البدائي المستأنف غير صحيح ، لذا فاذا قام المحكوم له بداءة بتنفيذ حكم بدائي ثم طلب اتخاذ بعض الاجراءات التنفيذية ، كما لو كان هناك حجز احتياطي تقرر تحويله الى حجز تنفيذي ، او طلب المحكوم له حجز مال يعود للمدين فان رفع الاستئناف ، لا يلغي هذه الاجراءات بل يؤخر تتنفيذها ولكن قبول الاستئناف وجرح وفسخ وتعديل الحكم البدائي يؤثر بطبيعته على تلكم القرارات والاجراءات التنفيذية المتخذة ، ولا بد من عودة الطرفين الى الحالة التي كانا عليها قبل صدور الحكم البدائي(20). وقد نص القانون العراقي النافذ بانه (اذا فسخ الحكم نتيجة الاستئناف تلغى اجراءات التنفيذ التي تمت قبل وقوع الاستئناف)(21). لذا يستطيع من كسب دعوى الاستئناف ان ينفذ الحكم الاستئنافي الجديد ، وبالتالي تلغى كل الاجراءات التي تمت قبل تقرير تأخير تنفيذ الحكم البدائي(22)، ولا بد عندئذٍ من رفع الحجز وتسليم المحجوز الى المحكوم له ، علماً ان رفع الحجز لا يتم الا بعد اكتساب الحكم الدرجة القطعية في هذه الحالة ، واذا لم يلغ الحكم الاستئنافي او يعدل الا قسماً من الحكم البدائي ، فيجري تعديل الحكم البدائي المنفذ حسبما تم تعديله استئنافاً ويستمر بتنفيذ الجزء الذي ايدته محكمة الاستئناف(23). اما عن موقف القوانين المقارنة من اثار الحكم الاستئنافي ، فقد اجمع فقه المرافعات المدنية على ترتب تلك الاثار على صدور الاحكام القضائية باختلاف انواعها(24).
________________
1- انظر المادتين (105و106) من قانون الاثبات العراقي النافذ.
2- د. سعيد عبد الكريم مبارك ، التنظيم القضائي واصول المحاكمات المدنية في التشريع الاردني ، ط1 ، جامعة اليرموك الاردنية ، الاردن ، 1996، ص207.
3- استاذنا الدكتور عباس العبودي ، شرح احكام قانون المرافعات المدنية ، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل ، 2000ق ، ص393.
4- د. احمد ابو الوفا ، المرافعات المدنية والتجارية ، ط14، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 1986. ص748.
5- جمال مولود ذبيان ، ضوابط صحة وعدالة الحكم القضائي في الدعوى المدنية ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد ، 1992 ، ص131.
6- د. عبد الباسط جميعي ، سلطة القاضي الولائية ، بحث منشور في مجلة العلوم القانونية والاقتصادية ، العدد الثاني ، 1969 ، ص608.
7- جمال مولود ذبيان ، المصدر نفسه ، ص132.
8- استاذنا الدكتور عباس العبودي ، شرح احكام قانون المرافعات ، مصدر سابق ، ص394.
9- د. احمد ابو الوفا ، المرافعات المدنية والتجارية ، مصدر سابق ، ص747.
10- د. سعيد عبد الكريم مبارك ، التنظيم القضائي ، مصدر سابق ، ص206.
11- الفقرة الاولى من المادة (166) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ.
12- مدحت المحمود ، شرح قانون المرافعات المدنية وتطبيقاته ، ج2 ، مطبعة الخيرات ، بغداد ، 2000.
، ص33.
13- مدحت المحمود ، ج2 ، المصدر نفسه ، ص34.
14- الفقرة الرابعة من المادة (166) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ.
15- الفقرة الرابعة من المادة (69) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ.
16- الفقرة الاولى من المادة (63) من قانون المحاماة العراقي النافذ.
17- مدحت المحمود ، ج2 ، مصدر سابق ، ص35.
18- قرار محكمة استئناف منطقة بغداد / الكرخ المرقم 360/س/2002 في 8/6/2002 وبالاتجاه ذاته قرار محكمة استئناف كركوك المرقم 29/س/2001 في 12/2/2001 – القرارين غير منشورين – .
19- قرار محكمة استئناف منطقة نينوى المرقم 314/س/2001 في 8/11/2001 وبالاتجاه ذاته قراراها المرقم 246/س/2001في 6/9/2001 – القرارين غير منشورين – .
20- د. سعدون ناجي القشطيني ، شرح احكام المرافعات ، ج1 ، مطبعة المعارف ، بغداد، 1976. ص407.
21- المادة (194/ف2) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ.
22- المادة (51/ف2) من قانون التنفيذ العراقي النافذ .
23- د. سعدون ناجي القشطيني ، مصدر سابق ، ص407.
24- د. وجدي راغب فهمي ، النظرية العامة في العمل القضائي ، منشأة المعارف ، الاسكندرية، 1974، ص ص 226، 228 ؛ د. فتحي والي ، الوسيط ، مصدر سابق ، ص167 ؛ ود. محمود الكيلاني ، مصدر سابق ، ص354؛ ود. احمد ابو الوفا، اصول المحاكمات المدنية ، مصدر سابق ، ص653؛ ود. علي صالح القعطي ، مصدر سابق ، ص140 ؛ وكذلك : Rene Morel، Op. Cit.، p.689; Jean Larguier، Op. Cit.، p.90.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً