التبليغات القضائية وتأجيل الدعوى :
قد يقتضي الأمر في بعض الأحيان من المحكمة تأجيل الدعوى إلى مواعيد جديدة وذلك إما من أجل الحصول على أوراق أو وثائق مهمة من جهات رسمية قد تفيد في حسم الدعوى، أو من أجل إكمال الإجراءات اللازمة لنظر الدعوى، أو لإفساح المجال أمام المحامي الذي أوكل حديثاً لدراسة أوراق الدعوى وغيرها من الحالات التي توجب تأجيل الدعوى. إن تأجيل الدعوى وان كان له مبرراته، إلا أنه يحمل في طياته جوانب سلبية متمثلة بتأخير حسم الدعوى، فالتأجيل يؤدي إلى قضاء بطيء وهو بذلك إلى الظلم أقرب مما قد يؤثر سلباً على الأطراف، إلا أن المشرع قد تنبه إلى مخاطر هذه الحالة وحال دون استخدامها كوسيلة تسويف أو مماطلة، فقد وضع السقوف الزمنية لحسم الدعاوى فضلاً عن وضع ضوابط أخرى للحد من الآثار السلبية للتأجيل(1).فمن ضوابط التأجيل أنه لايجوز للمحكمة تأجيل الدعوى إلا إذا وجد سبب مشروع يدعو لذلك، كما أنه لايجوز التأجيل أكثر من مرة لنفس السبب إلا إذا رأت المحكمة ما يقتضي لذلك(2).إن السبب المشروع هنا هو السبب الذي تقتضيه طبيعة الإجراءات التي تقوم بها المحكمة في الدعوى والذي يجب أن يقترن بموافقتها(3).أما الضابط الآخر لتأجيل الدعوى فيتمثل في عدم قبول تجاوز مدة التأجيل عن عشرين يوماً إلا اذا اقتضت الضرورة تجاوز تلك المدة(4).
والجدير بالذكر هنا، أنه يتوجب على الخصم طالب التأجيل غير الحاضر في المرافعة مراجعة المحكمة من اجل التبليغ بيوم المرافعة الذي أجلت إليه الدعوى، وفي كل الأحوال يعد طالب التأجيل مبلغاً باليوم المذكور وذلك دون الحاجة لإصدار ورقة التبليغ له(5). ويترتب على هذا الإجراء آثارٌ في غاية الأهمية وتتمثل بأنه اذا حل موعد المرافعة ولم يحضر الخصم طالب التأجيل، فان المرافعة تجرى حضورية بغيابه اذا كان قد حضر إحدى جلساتها سابقاً. وتطبيقاً لذلك فقد جاء في قرار لمحكمة استئناف بغداد بصفتها التمييزية(6) “لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية فقرر قبوله شكلاً، ولدى عطف النظر على القرار المميز وجد أن وكيل المدعي قدم طلباً قبل موعد المرافعة بيوم واحد أراد فيه تأجيل الدعوى لسفره اضطراراً إلى الموصل وتعذر حضوره جلسة المرافعة المؤرخة 27/7/1993 وان هذا الطلب ولكونه قد قدم لأول مرة من قبل وكيل المدعي يعتبر مشروعاً ويمكن للمحكمة تأجيل الدعوى لمدة قصيرة، توفيقاً لصالح المحامي والخصم الآخر وباعتبار أن طالب التأجيل يعتبر مبلغاً في جميع الأحوال على الموعد الجديد استناداً إلى أحكام الفقرة (4) من المادة (62) من قانون المرافعات عليه قرر نقض القرار المميز وإعادة الدعوى إلى محكمتها للسير فيها مجدداً….“.ونرى أن المشرع العراقي حسناً فعل باعتبار طالب التأجيل مبلغاً بيوم المرافعة دون إصدار ورقة تبليغ جديدة إليه وذلك من أجل حسم الدعوى بشكل قصير نسبياً والحيلولة دون اللجوء إلى التسويف والمماطلة في مسألة تأجيل الدعوى.
____________________________________________
1- د. آدم النداوي، المرافعات المدنية، مصدر سابق، ص204.
2- راجع الفقرة (2) من المادة (62) مرافعات عراقي.
3- أستاذنا د. عباس العبودي، شرح أحكام المرافعات، مصدر سابق، ص266.
4- راجع الفقرة (3) من المادة (62) مرافعات عراقي.
5- راجع الفقرة (4) من المادة (62) مرافعات عراقي.
6- القرار التمييزي المرقم 424/مستعجل/93 في 11/8/1993، أشار إليه مدحت المحمود، مصدر سابق، ج1، ص105.
التبليغات القضائية وحالات غياب اطراف الدعوى :
غالباً ما يشكل غياب أطراف الدعوى أو غياب أحدهما عائقاً يحول دون حسم الدعاوى بشكل قصير نسبياً، إلا أن ذلك لم يمنع التشريعات من وضع المعالجات لهذه الظاهرة بحيث لم يعد الغياب عقبة تحول دون حسم الدعاوى. والغياب المتصور لهذه الحالة لا يعدو كونه أحد الاحتمالات الآتية، فأما أن يتغيب كل من طرفي الدعوى، وأما أن يتغيب المدعى عليه مع حضور المدعي، أو قد يحضر المدعى عليه في حين يتغيب المدعي. ففي حالة غياب كل من المدعي والمدعى عليه يوم المرافعة عندها تترك الدعوى للمراجعة اذا اتفق الطرفان على ذلك، فاذا ما بقيت الدعوى كذلك عشرة أيام ولم يطلب المدعي أو المدعى عليه السير فيها رغم تبليغهما أو رغم تبليغ المدعي حينذاك تعد عريضة الدعوى مبطلة بحكم القانون(1). ويقصد بترك الدعوى للمراجعة استبعاد النظر في الدعوى وعدم الفصل فيها مع بقاء الآثار القانونية المترتبة على إقامتها خلال فترة الترك(2). ويبدو ومن خلال مفهوم المخالفة أنه اذا كان عدم حضور الطرفين اليوم المعين للمرافعة راجع إلى عدم تبلغ الطرفين بذلك أو بسبب عدم تبليغ المدعي، فان ذلك يحتم على المحكمة عدم السير في الدعوى، حيث أن المحكمة تتحقق في الجلسة الأولى من مسألة إتمام التبليغات، فلا يمكن الخوض في المرافعة اذا ما تبين عدم إجراء التبليغات وفق النصوص المقررة. ان استئناف السير في الدعوى تتم بمجرد مراجعة أحد الطرفين خلال مدة عشرة أيام، إذ تقوم المحكمة بتنظيم محضر بالمراجعة يتم فيه تبليغ الطرف المراجع وتصدر تبليغاً للطرف الآخر. قد يتساءل البعض بخصوص الموقف الذي تتخذه المحكمة عند تبليغ الطرف الآخر بالموعد الجديد للمرافعة وعدم حضوره، فهل تجرى المرافعة غيابياً بحقه أم تجرى حضورياً بغيابه؟ يرى اتجاه(3). أنه وبالرجوع إلى نص الفقرة (1) من المادة (55) من قانون المرافعات والتي تؤكد على حضورية المرافعة اذا حضر الخصم في أية جلسة ولو تغيب بعد ذلك، أما بالنسبة للطرف الذي تغيب ابتداءً عن حضور المرافعة، ثم تركت الدعوى للمراجعة فلا تصدر المحكمة له تبليغاً بعد استئناف السير فيها وتعيين موعد جديد لها وذلك لأنه اختار الغياب ابتداءً. أما في حالة حضور المدعي وتغيب المدعى عليه رغم تبليغه، عندها تجرى المرافعة غيابياً، إذ تقوم المحكمة باصدار حكمها في الدعوى بما تراه مناسباً لكن بشرط أن تكون الدعوى صالحة للفصل فيها وبخلافه تؤجل الدعوى إلى حين استكمال وسائل الإثبات فيها(4).فاذا ما تبين للمحكمة بعد التدقيق عدم تبليغ المدعى عليه لحضور المرافعة أو اذا ما شاب ذلك التبليغ شائبة فعلى المحكمة أخذ ذلك بنظر الاعتبار وتقرر تأجيل الدعوى من أجل إصدار تبليغ جديد للمدعى عليه. والاحتمال الآخر لحالة غياب الأطراف، تتمثل بحضور المدعى عليه وتغيب المدعي ففي هذا الافتراض للمدعى عليه المطالبة إما بابطال عريضة الدعوى أو بالنظر في دفعه للدعوى غياباً، بعدها تبت المحكمة في الدعوى بما تراه موافقاً للقانون(5).
وتجدر الإشارة هنا، أن حق المدعى عليه في المطالبة بابطال عريضة الدعوى أو النظر في دفوعه يتوقف على قوة مركزه في الدعوى، بمعنى أن المدعى عليه اذا ما طالب بالنظر في دفوعه يكون في مركز أقوى من خصمه لأنه يترتب على قبول النظر في الدفوع رد الدعوى، مما يعني عدم إمكانية تجديد تلك الدعوى إلا بعد تغير أحد عناصرها، أما في حالة المطالبة بالابطال فيكون هناك إمكانية لتجديدها وذلك اذا ما تم دفع رسم جديد لها. ان من واجب المحكمة التأكد والتثبت من تبلغ المدعي بموعد المرافعة قبل اتخاذ قرارها بالابطال وإلا كان قرارها واجب النقض، فقد جاء في قرار لمحكمة استئناف بغداد بصفتها التمييزية(6). “لدى التدقيق والمداولة وجد أن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية فقرر قبوله شكلاً، ولدى عطف النظر على القرار المميز وجد أنه مخالف لأحكام الفقرة (2) من المادة (56) من قانون المرافعات المدنية بدلالة الفقرة (1) منها التي تشترط لغرض الاستجابة إلى طلب المدعى عليه بابطال عريضة الدعوى، عند عدم حضور المدعي أن يكون المدعي أو من يمثله مبلغاً بالحضور على جلسة المرافعة التي وقع طلب الابطال فيها، وحيث لم تجد هذه المحكمة ما يشير إلى تبلغ المدعية بالحضور على جلسة المرافعة المؤرخة 8/6/1992 على عريضة الدعوى أو على ورقة مستقلة لذا يكون القرار المميز واجب النقض قانوناً، عليه قرر نقض القرار المميز وإعادة الدعوى إلى محكمتها للسير فيها….“.
____________________________________
1- راجع الفقرة (1) من المادة (54) مرافعات عراقي.
2- مدحت المحمود، مصدر سابق، ج1، ص91.
3- مدحت المحمود، مصدر سابق، ص91-92.
4- راجع الفقرة (1) من المادة (56) مرافعات عراقي.
5- راجع الفقرة (2) من المادة (56) مرافعات عراقي.
6- القرار التمييزي المرقم 300/مستعجل/1992، أشار إليه مدحت المحمود، مصدر سابق، ج1، ص95.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً