الأصل أنه وبمجرد تبليغ أطراف الدعوى بموعد المرافعة، يتحتم عندها على الأطراف الحضور في الزمان والمكان المعينين وذلك لإبداء أقوالهم ودفوعهم في الدعوى، وبخلافه تضطر المحكمة لإصدار الأحكام الغيابية بحقهم مما يعني أن الأطراف قد تنازلوا عن حقهم في الحضور. والتشريعات ان أوجبت على أطراف الدعوى المعنيين الحضور أمام المحكمة لإجراء المرافعة فهي في نفس الوقت أجازت لهم الحق في توكيل أشخاص آخرين للحضور أمام المحكمة إذا تعذر حضورهم أمامها، أو إذا كانت دقة إجراءات التقاضي أو تعددها توجب ذلك بحيث يتعذر على الأشخاص العاديين من معرفتها أو العلم بمواعيدها(1). وتبدو أهمية الوكالة بالخصومة بوصفها توفر الطمأنينة للأفراد وذلك من خلال تخويل أشخاص من الغير لهم دراية واسعة وكافية بالمسائل القانونية والمتعلقة بالدعوى مما يصون حقوق الأطراف، لا بل أن الوكالة بالخصومة قد أصبحت ضرورية في الحياة العملية في وقت تشعبت فيه القوانين والإجراءات بحيث لا يكون بمقدور الشخص العادي من الإلمام بها(2).
ان الوكالة بالخصومة بهذا المعنى هي تلك الوكالة التي تخول الوكيل حق ممارسة الأعمال والإجراءات والتي تحفظ حق الموكل ورفع الدعاوى والمرافعة فيها وحتى ختامها، فضلاً عن مراجعة طرق الطعن القانونية وذلك مالم ينص سند الوكالة على خلاف ذلك أو إذا لم يوجب القانون فيه تفويضاً خاصاً(3). والوكالة بالخصومة قد تكون عامة وقد تكون خاصة، أما الوكالة العامة بالخصومة فهي تلك الوكالة التي تخول الوكيل حق ممارسة الأعمال والإجراءات في مختلف الخصومات والدعاوى وفي جميع مراحلها، في حين أن الوكالة الخاصة بالخصومة فهي ما كانت عن دعوى واحدة أو قد تكون منحصرة بقسم من حقوق المرافعة أو في درجة معينة من درجاتها دون غيرها(4). مهما يكن من أمر، فالوكالة بالخصومة وعلى اعتبارها ذو طبيعة عقدية، فانها ترتب التزامات متقابلة ما بين الوكيل بالخصومة والموكل، إذ يلتزم الوكيل بالسير وفق حدود الوكالة دون تجاوزها، واطلاع الموكل على سير الوكالة، فضلاً عن إرجاع كل ما تحت يديه من أوراق ووثائق إلى الموكل عند انجازه لمهمته، وفي المقابل يلتزم الموكل بدفع الاتعاب للوكيل وكافة النفقات التي أنفقها الأخير والتي تكبدها في سبيل تنفيذ الوكالة. أما ما يتعلق بانقضاء الوكالة بالخصومة فالملاحظ أنها تنتهي بطرق عدة، فقد تنتهي بسبب وفاة الموكل أو بسبب فقدانه لأهليته أو بوفاة الوكيل أو لفقدانه لأهليته أو قد تنتهي الوكالة باتمام الوكيل للعمل الموكل به، إلا أن ما يهمنا هنا وبقدر تعلق الأمر بعلاقة التبليغات القضائية بالوكالة بالخصومة، هي مسألة انتهاء الوكالة بعزل الموكل للوكيل أو اعتزال الأخير للوكالة ومدى تأثير التبليغات ودورها في هذه المرحلة. بدءاً لابد من الإشارة إلى أن الوكيل له الحق في الاعتزال وذلك اذا استشعر بالحرج أو اذا منعه حائل من الاستمرار بالوكالة لمرض أو ما شابه ذلك، إلا أن حقه هذا مقيد بشرطين أساسيين :
الأول، أن لايحدث الاعتزال في وقت غير لائق أو غير مناسب، ويحدث ذلك كأن تكون الدعوى في مراحلها النهائية أو اذا كان الموكل بأمس الحاجة لخدمات الوكيل، ففي هذه الحالة من حق المحكمة أن ترفض طلب الاعتزال ورفض تنحيه عن السير في الدعوى(5).
أما الشرط الثاني فيتمثل بوجوب قيام الوكيل بتبليغ موكله بقرار الاعتزال وذلك حتى يتمكن الأخير من تهيئة شخص آخر ليحل محل الوكيل المعتزل.
وسواء انتهت علاقة الوكيل بالموكل بسبب الاعتزال أو العزل، فان مسألة التبليغات تحتل أهمية بالغة الأثر في هذه المرحلة بالتحديد، حيث يتوجب على الموكل ابلاغ المحكمة كتابة بقرار اعتزال الوكيل أو عزله، وإبلاغ المحكمة بنيته بتعيين آخر مكانه أو قيامه بمباشرة الدعوى بنفسه، وبخلافه أي عند عدم إشعار المحكمة بقرار العزل أو الاعتزال، فان المحكمة تستمر في نظرها للإجراءات في مواجهة الوكيل، حيث تسير بإجراءاتها حضورية بغياب الوكيل أو الموكل(6).فان الوكيل يظل ملتزماً بإجراءات الدعوى، عند عدم إبلاغ المحكمة بقرار العزل أو الاعتزال من قبل الموكل، وتطبيقاً لذلك فقد جاء في قرار لمحكمة التمييز العراقية(7). “يعتبر الوكيل مبلغاً إذا استنكف عن التبليغ بحجة عزله عن الوكالة باعتباره ملزماً بالتبليغ إذا كان قد استعمل وكالته في ذات الدعوى المطلوب إجراء التبليغ فيها وتحسب المدة القانونية لتمييز الموكل اعتباراً من تاريخ استنكاف وكيله عن التبليغ“. من هنا تظهر أهمية التبليغات في الوكالة بالخصومة، وعلى وجه التحديد في مرحلة عزل أو اعتزال الوكيل بحيث أن مدى قبول العزل أو الاعتزال مرهون بوجوب تبليغ ذلك القرار إلى المحكمة وبخلافه لا يكون لذلك القرار أي تأثير في سير الدعوى.
_______________________________________
1- د. أحمد أبو الوفا، المرافعات المدنية، مصدر سابق، ص551-552/ د. عبد المنعم الشرقاوي، د. فتحي والي، مصدر سابق، ص15.
2- د. فتحي والي، الوسيط، مصدر سابق، ص307-308/ أستاذنا د. عباس العبودي، شرح أحكام المرافعات، مصدر سابق، ص241.
3- راجع الفقرة (1) من المادة (52) مرافعات عراقي- والمادة (75) مرافعات مصري- والمادة (380) أصول لبناني- والمادة (65) أصول أردني.
4- فارس الخوري، أصول المحاكمات الحقوقية، الدار العربية للنشر والتوزيع، عمان، 1987، ص296.
5- د. أحمد أبو الوفا، أصول المحاكمات المدنية، مصدر سابق، ص518/ مدحت المحمود، مصدر سابق، ج1، ص90.
6- راجع الفقرة (2) من المادة (53) مرافعات عراقي، والمادة (80) مرافعات مصري، والمادة
(385-386) أصول لبناني، والمادة (66) أصول أردني.
7- القرار التمييزي المرقم 83/هيئة عامة أولى/1973 في 16/2/1974، أشار إليه المشاهدي، المبادئ القانونية، مصدر سابق، ص119.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً