يرى أنصار هذا الرأي ان الوكالة بالخصومة عقد ينشأ عن اتفاق بين الموكل والوكيل بالخصومة، الا ان أصحاب هذا الرأي اختلفوا في تسمية هذا العقد ، فسماه البعض عقد خدمة عامة، بينما سماه البعض الآخر عقد مقاولة ، في حين أطلق عليه البعض الآخر عقد عمل. وإزاء هذا لاختـلاف بالتسميات ظهر راي يعد الوكالة بالخصومة عقداً غير مسمى. في هذا المطلب سنتناول جميع هذه التسميات لعقد الوكالة بالخصومة وذلك في الفروع الآتية:
الفرع الأول : الوكالة بالخصومة عقد خدمة عامة :
ذهب الفقيه الفرنسي Appleton(1) إلى القول بان الرابطة بين الوكيل بالخصومة ومن يتوكل عنه هي رابطة خدمة عامة تتمثل بالمشاركة في حسن سير العدالة والعمل على تحقيقها، إذ أن تحقيق العدالة بمثابة خدمة عامة ، وان الاستشارات والمرافعات واللوائح هي جزء لا يتجزء ومتمم لعناصر هذه الخدمة وان الوكيل بالخصومة عندما يستشار او يترافع انما يسهم مساهمة فعلية وايجابية في سبيل الخدمة العامة. ويضيف صاحب(2) هذا الرأي انه في الحالات التي يرتبط فيها الوكيل بعقد وكالة مع موكله فان هذه الوكالة تخضع لأحكام القانون العام الذي له أسسه وقواعده الخاصة وإذا كانت بعض أحكام هذه الوكالة غير منصوص عليها فان على القضاء الاجتهاد في استنباطها من قواعد العدالة وحاجات المجتمع ، وهي في كل الاحوال تختلف عن الوكالة المنصوص عليها في القانون الخاص. ويقول الفقيه بوتيه(3) متأثرا بهذا الرأي: (اننا لا نستطيع ان ننسى ان مهمة المحامي ليست قاصرة على الدفاع عن الموكل، بل تتعدى ذلك إلى انه شريك في توزيع العدالة ، وهو يقوم بوظيفة عامة تخوله بعض الحقوق، وتضع على عاتقه بعض الالتزامات ولذلك فان مصلحة موكله ليست هي كل ما يصبو اليه، بقدر ما يسمو برسالته إلى تنوير العدالة في صدق وأمانة وتيسير القيام بوظيفتها). لقد لقي هذا الرأي تاييدا من بعض الفقهاء(4) ووصف بانه افضل الاراء لانه يفتح المجال لتضمين التقاليد والالتزامات الاخلاقية في القواعد التي تحكم تلك العلاقة ، كما ان هذا الرأي يدعم إحساس الوكيل بالخصومة بالدور الاجتماعي الملقى على عاتقه بوصفه مساهماً في تحقيق العدالة. ولئن كان هذا الرأي صحيحا من ناحية ان الوكيل بالخصومة يساعد في تسيير مرفق عام بوصفه مساعدا للعدالة في اداء مهمته إلا أن الادعاء بوجود رابطة قانونية بين الوكيل بالخصومة والسلطة العامة غير صحيح فالوكيل بالخصومة لا يتبع اية سلطة او جهة ولا يخضع لتدرج وظيفي بل يخضع أولا واخيرا لضميره والقانون(5) ، وان القول بان الوكيل بالخصومة موظف عام يقتضي تطبيق قواعد المسؤولية التي تطبق على الموظفين في حالة مخالفته لالتزاماته ، كذلك تطبيق أحكام مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع ومن ثم فان خطأ الوكيل بالخصومة يعطي للمضرور الحق بالرجوع على الدولة (المتبوع) مطالبا اياها بالتعويض وهذا القول محال التسليم به وبعيد عن الواقع العملي(6)، وبهذا المعنى قضت محكمة التمييز الأردنية بان(7) (تولي المحامي الأستاذ لأعمال المحاماة في مؤسسة رسمية أو شبه رسمية لا ترقى إلى درجة الوظيفة والتي يبقى المحامي معها محتفظا باستقلاله). وعلى افتراض صحة هذا الرأي فانه قد يصح لتفسير العلاقة بين الوكيل بالخصومة والموكل عندما يتم التوكيل عن طريق نظام المعونة القضائية على الرغم من انها حالة نادرة جدا(8)، إلا أن الأمر يختلف تماما عندما يتفق الموكل مع الوكيل بالخصومة على تمثيله امام القضاء اذ ينشأ بينهما عقد يرتب حقوق والتزامات تخضع لأحكام القانون الخاص(9). وقد يتصور ان هذا الرأي قد يصح لتكييف العلاقة بين المكتب الاستشاري القانوني وبين موكليه لاسيما وان المكاتب الاستشارية القانونية هي مؤسسات حكومية وأن أعضاءها هم موظفون تابعون للسلطة العامة ومن ضمن أعمالهم التوكل في خصومات الغير وتمثيلهم أمام القضاء ، الا ان هذا التصور – ان وجد – غير صحيح اذ بالرجوع إلى قانون مكاتب الخدمات العلمية والاستشارية في مؤسسات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم (7) لسنة 1997 يتضح ان الغاية من صدور هذا القانون هو ايجاد مورد مالي اضافي لاعضاء المكاتب الاستشارية بغية تحسين وضعهم المادي وليست الغاية دعم مسيرة مرفق القضاء والعمل معا على تحقيق العدالة ، وان صح هذا التصور فان نسبة توكل المكتب الاستشاري القانوني(10) قليلة جدا وتكاد تكون معدومة فلا يجوز تعميم هذا التصور – على افتراض صحته – على بقية وكالات الخصومة التي غالبيتها تمنح للمحامين.
الفرع الثاني : الوكالة بالخصومة عقد مقاولة :
يرى أنصار(11) هذا الرأي ان الوكالة بالخصومة هي عقد مقاولة لان الوكيل بالخصومة يتقاضى اجرا عن تمثيله للموكل أمام القضاء وانه يعمل على وجه الاستقلال عن موكله ، وان طبيعة الأعمال التي يقوم بها هي أعمال مادية وليست تصرفات قانونية مثل الحضور امام القضاء والترافع عن الموكل، وبما(12) ان هذه الأعمال لا يمكن ان تكون محلا لعقد الوكالة لذا فان الوكالة بالخصومة هي عقد مقاولة . ان هذا الرأي اذا كان موفقا في تكييف الأعمال المادية التي يقوم بها الوكيل بالخصومة وعده مقاولا ، الا انه عاجزٌ عن تكييف التصرفات القانونية التي يقوم بها الوكيل بالخصومة نيابة عن موكله مثل رفع الدعوى وتقديم الطلبات وابداء الدفوع(13) ، وازاء هذا النقد وعملا على تفاديه بعد التسليم بالطبيعة المختلطة للخصومة عد(14) جانب من الفقه الوكالة بالخصومة عملا خليطا بين المقاولة والوكالة بحيث تطبق احكام الوكالة على التصرفات القانونية وأحكام المقاولة على الاعمال المادية ، وعند تعارض تلك الأحكام فانه يجب ترجيح عقد الوكالة على عقد المقاولة لان العنصر الغالب في اعمال الوكيل بالخصومة هو عنصر الوكالة. بينما يرى جانب من الفقه العراقي(15) . ان العقد يكون وكالة اذا كان العمل الصادر من الوكيل بالخصومة نيابة عن الموكل سواء كان العمل تصرفاً قانونياً ام عملاً مادياً ، ويكون مقاولة إذا قام الوكيل بالخصومة بالعمل لمصلحة الموكل دون نيابة . ان عد الوكيل بالخصومة مقاولا رأي بعيد عن جادة الصواب لأن نطاق الوكالة بالخصومة لا ينحصر على تقديم(16). المشورة القانونية بل يشمل المشورة القانونية والترافع معا، كما ان الوكيل بالخصومة يقوم بمباشرة الخصومة نيابة عن الموكل بينما المقاول يؤدي العمل المتفق عليه مع رب العمل دون نيابة، فضلاً عن ان عقد المقاولة عقد لازم لا ينتهي بموت المقاول مادامت شخصيته ليست محل اعتبار ، بينما الوكالة بالخصومة عقد غير لازم ينتهي بموت الوكيل او بموت الموكل(17).
الفرع الثالث : الوكالة بالخصومة عقد عمل :
كيف بعض الفقهاء(18) الوكالة بالخصومة على انها عقد عمل لان الوكيل بالخصومة يأخذ مقابلا لما يقوم به من عمل لمصلحة الموكل. ومع وجاهة هذا الرأي، الا انه غير صحيح اذ ان أهم ما يتميز به عقد العمل من غيره من العقود ، ان العامل يخضع لأشراف رب العمل ومراقبته ويسير على وفق التوجيهات التي تصدر الية من رب العمل وهذا ما يعرف بالعلاقة التبعية بين العامل ورب العمل ، وان مثل هذه العلاقة لا وجود لها في الوكالة بالخصومة ، فالوكيل بالخصومة يعمل باستقلال عن الموكل ، بل ان الموكل يتلقى النصح والارشاد فيما يخص خصومته من الوكيل بالخصومة اعتمادا على الخبرة القانونية التي يتمتع بها الاخير ، وان القول بتبعية الوكيل للموكل يتنافى مع الاستقلال الذي يتمتع به الوكيل وكذلك يتنافى مع الدور الذي يطمح ان يؤديه في خدمة العدالة(19) وتأكيداً لهذا المعنى فقد قضت محكمة النقض المصرية(20) بان (تمييز عقد العمل من عقد الوكالة بالخصومة وغيره من العقود مناط توافر عنصر التبعية ولو في صورتها التنظيمية او الإدارية). ومن الانتقادات الموجهة إلى هذا الرأي ان محل عقد العمل(21) هو عمل مادي بينما الوكالة بالخصومة يكون محلها خليطاً من الاعمال المادية والقانونية ، كما ان الوكيل بالخصومة لا يحق له مباشرة خصومة غيره الا بعد منحة التفويض(22) ، في حين ان العامل يقوم بالعمل دون حاجة إلى التفويض، واخيرا فان الاجر(23) الذي يتلقاه العامل يعد ركنا من الاركان التي يقوم عليها عقد العمل، بينما الاتعاب التي يستحقها الوكيل بالخصومة نتيجة مباشرة لخصومة غيره تعد التزاماً يلقى على عاتق الموكل(24).
الفرع الرابع : الوكالة بالخصومة عقد غير مسمى :
ذهب بعض الفقهاء(25) إلى القول ان علاقة الوكيل بالخصومة بموكله تدخل في طائفة العقود غير المسماة بموجبه يلتزم الوكيل وكذلك يلتزم الموكل بكل الالتزامات التي تفرضها الأحكام العامة للعقد وعرف المهنة وما تقره قواعد العدالة، يقول الفقيه جارسونيه(26) عن هذا العقد بانه (عقد من العقود غير المسماة اعتنقها القانون الفرنسي ، فأباح ما التزم به عاقدوه صراحة او ضمنا ، ورتب عليه الاثار التي يجيزها العرف وتقرها العدالة ويكون التحلل من الوفاء في جزء منه اخلالا بكامل الالتزام وفيه اثراء على حساب الغير ، وينشأ عن القيام مثل هذا العقد حقوق وواجبات متبادلة). لقد تعرض هذا الرأي للنقد لان التسليم به ينطوي على اعتراف بالعجز عن ايجاد أساس قانوني للوكالة بالخصومة(27) ، وهروب من المحاولة الصحيحة والجادة لتكييف هذا العقد(28) . ويقول احد الباحثين(29) ردا على هذا الرأي (ان هذا لا يعني حلا لاشكالية بل وسيلة للهروب من تكييف أي عقد يصعب تكييفه ، فهي فكرة تودي إلى تجنب او تلافي المشكلة أكثر من حلها).
__________________________
– ابلتون ، مصدر سابق ، ص193 .
2- المصدر السابق ، ص 193 .
3- نقلا عن ابلتون ، مصدر سابق ، ص192 .
4- د. حسن محمد علوب ، مصدر سابق ، ص85 ؛ وللمزيد لاحظ ندوة الطاولة المستديرة لوزارة العدل العراقية الموسومة بمهنة المحاماة في القطر ، منشورة في مجلة العدالة التي تصدرها وزارة العدل العراق، العدد الثاني ، السنة الثانية ، (نيسان ومايس وحزيران)1976 ، ص557 .
5- د. محمد احمد لكو ، مسؤولية المحامي المدنية والتاديبية والجزائية ، بحث مقدم إلى المؤتمر العلمي السنوي لكلية الحقوق بجامعة بيروت العربية والمنشور في المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين، ج2، المسؤولية المهنية للمحامين والمهندسين ، القسم الأول ، مسؤولية المحامين ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2000 ، ص138 ؛ د. عبدة جميل عصوب ، مسؤولية المحامي المهنية بين النظرية والتطبيق ، بحث مقدم للمؤتمر العلمي السنوي لكلية الحقوق بجامعة بيروت العربية ، منشور في المجموعة المتخصصة في المسؤولية القانونية للمهنيين ، ج2 ، المسؤولية المهنية للمحامين والمهندسين ، القسم الأول ، مسؤولية المحامين ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، 2000، ص102.
6- د. فرنان بالي ، علاقة المحامي بزبائنه ، دون اسم المطبعة ، عمان ، 1998 ، ص5 .
7- رقم القرار (9/80) مشار اليه عند المحامي جمال مدغمش ، مجموعة اجتهادات محكمة العدل العليا في قضايا المحامين ، دون ذكر اسم المطبعة ، عمان ، 2000 ، ص23 .
8- بتاريخ 1/12/2001 اجرى الباحث استبياناً حول عدد التوكيل بالخصومة عن طريق المعونة القضائية المنصوص عليها في قانون المحاماة على قضاة محكمتي استئناف نينوى والتاميم وكانت الاجابة ليس هناك تطبيق عملي للتوكيل عن طريق المعونة القضائية .
9- د. محمود محمد ابراهيم ، قانون القضاء الخاص ، ج1 ، دار الفكر العربي ، دون مكان الطبع ، 1946، ص282 ؛ د. ابراهيم نجيب سعد ، القانون القضائي الخاص ، ج1 ، مطبعة اطلس ، منشاة المعارف ، الاسكندرية ، 1976 ، ص324 .
10- بلغ مجموع الدعاوى المدنية التي توكل فيها المكتب الاستشاري القانوني لكلية القانون جامعة الموصل (3) دعاوى لعام 2002 ، ومجموع الدعاوى المدنية العام 2003 (16) دعوى، ومجموع الدعاوى المدنية العام 2004 (11) دعوى.
11- Planiol ، Traiteele mentair de doitcivil parg ، Ripert Tome 2،11em ed ، 184 ،
ود. فتحي والي، الوسيط في قانون القضاء المدني، مطبعة جامعة القاهرة، القاهرة، 1987، ص313؛ د. عبد المنعم الشرقاوي ود. فتحي والي ، المرافعات المدنية والتجارية ، مصدر سابق، ص20.
2- يصدق هذا القول في ضوء أحكام القانون المدني المصري دون القانون المدني العراقي والاردني ، راجع ص ( 10) من هذه الاطروحة .
3- جليل الساعدي ، مصدر سابق ، ص100 .
4- د. عبد الرزاق السنهوري ، الوسيط ، ج7 ، مصدر سابق ، ص21 ؛ وانور العمروس ، التعليق على نصوص القانون المدني المعدل ، ج3 ، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية ، 1983 ، ص8 .
5- د. كمال قاسم ثروت، الوجيز في شرح أحكام عقد المقاولة، ج2، ط1، مطبعة أوفسيت، بغداد، 1976، ص354 ؛ واستاذنا الدكتور جعفر الفضلي، الوجيز في العقود المدنية، دار الثقافة، عمان، 1997، ص384.
6- يقول الفقيهان بودري وفاهل (ان المحامي اذا كان لا ينوب عن موكله لا يعتبر وكيلا ، كما اذا اقتصر على اعطاء فتاوى)، مشار اليه عند: محمد كامل مرسي بك ، العقود المدنية الصغيرة ، ط3 ، مطبعة فتح الله الياس نوري ، مصر ، 1942 ، ص464 .
7- عمر محمد حلمي الشريدة ، حق المتهم في الاستعانة بمحام ، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية القانون جامعة بابل ، 2000 ، ص28 .
-18 Glasson، Baudry، Laurent
مشار اليهم عند د. فرنان بالي ، مصدر سابق ، ص4.
9- عبد الباقي محمود سوادي ، مصدر سابق ، ص76-77 ؛ ود. فرنان بالي ، مصدر سابق ، ص5.
20- رقم الطعن (533) في 29/4/1996 مشار اليه عند سعيد احمد شعلة ، قضاء النقض المدني في العقود، ج2 ، منشاة المعارف ، الإسكندرية ، 2000 ، ص112.
2- الفقرة اولا من المادة (900) من القانون المدني العراقي .
22- الفقرة اولا من المادة (51) من قانون المرافعات المدنية العراقي .
23- المادة (903) من القانون المدني العراقي .
24- د. مروان كوكبي، العقود المسماة، دراسة مقارنة، ط2، دون اسم المطبعة، بيروت، 1993 ، ص318.
25- Mollot، Regles dela prafession d’avocat، 2 eme ed .T،1 P 8et 13 ،t،2،P105 et .ss ، Gresson، us ، ageste regles de la profession d’avocat،t t،1،30 etss .
26- نقلا عن ابلتون ، مصدر سابق ، ص193
27- د. فرنان بالي ، مصدر سابق ، ص5 .
28- عبد الباقي محمود سوادي ، مصدر سابق ، ص81 ؛ وجليل الساعدي ، مصدر سابق ، ص101.
29- د. محمد احمد لكو ، مصدر سابق ، ص 142 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً