دور القاضي في ارساء معالم الأمن القانوني بين المتاح له والمطلوب
حمزة التريد :
طالب باحث بماستر الوسائل البديلة لفض النزاعات
بكلية الحقوق بفاس
دور القاضي في ارساء معالم الأمن القانوني
بين المتاح له والمطلوب
قد يبدو للوهلة الأولى ، ومن خلال الوقوف على أهم المتطلبات الأساسية اللازم توفرها في القانون قصد ضمان تكريس مطلب الأمن القانوني على أرض الواقع ، أنه من أساسيات هذا المبدأ وجود فكر قضائي قادر على بلورة النص القانوني وتطبيقه على الوجه المطلوب ليحتل بذلك الجهاز القضائي احدى المحطات الأساسية التي يمر منها مسلسل توفير المناخ القانوني السليم لمطلب الأمن القانوني بدءا من جودة الاعداد والتحرير التي تشهدها القاعدة القانونية وصولا الى تنزيلها وتنفيدها على الوجه المطلوب من قبل القاضي ، خصوصا في الحالة التي تثار فيها القاعدة القانونية أمام القضاء للعب دورها كقاعدة لحل النزاع بين المتخاصمين .
ان دور القضاء في تحقيق مطلب الأمن القانوني ببلادنا لا يمكن تحديد مدى فعاليته ، الامن خلال النظر الى دور القاضي هذا من جراء ماهو متاح له بين قواعد قانونية ينبغي أن تكون واضحة المعالم سواء من حيث سهولة فهمها وكذا تلافي تناقضها وغيرها ، وبين المتاح والمطلوب لايسعنا الا أن نقف عند أحد أهم الأدوار التي تناط بالقاضي في ظل غياب قاعدة قانونية والمتجسدة بالأساس في ابتكاره للقاعدة القانونية تحت لواء الاجتهاد القضائي ، ليشهد بذلك مسلسل الأمن القانوني بدايته الأولى في منأى عن السلطة المكلفة بسن القاعدة القانونية وبالمقابل الاعتراف للقاضي بالدور التشريعي وان كان يمس في جوهره بأحد المبادىء الأساسية المتمثلة بالأساس في مبدأ فصل السلطات عن طريق تقمص القاضي في هذه الحالة لدور المشرع .
ولعل السبب الرئيسي وراء ارتكازي على هذا الدور القضائي ومدى قدرته على تحقيق وتجسيد معالم الأمن القانوني ببلادنا ، هو يرجع بالأساس الى اشكال جوهري متجسد في غياب الاستقرار الذي لازال يطبع ملامح الاجتهاد القضائي على مستوى محاكم المملكة المغربية وماله من أثار وخيمة على مبدأ الأمن القانوني وكذا جودة الأحكام المقدمة للمتقاضين .
ناهيك أيضا عن عدم قابلية الاجتهادات القضائية للتوقع كأحد أهم المعاني والدلالات التي يحملها مبدأ الأمن القانوني في طياته ، والتي ينبغي للاجتهاد القضائي أن يرسى عليها قصد ضمان وتحقيق رؤية واضحة المعالم لمفهوم كان ولازال يغيب أثناء صياغة واعداد وتنزيل القواعد القانونية التي تؤطر المنظومة القانونية ببلادنا .
أضف الى ذلك ، أن دور القاضي في تحقيق الأمن القانوني لم يبقى رهين انفتاحه على الاجتهاد القضائي قصد ملء الفراغ القانوني وكذا قابليته للتوقع بل تعداها ليشمل أحد الأدوار الجوهرية التي من شأن القاضي القيام بها تعزيز الأمن القانوني ألا وهي ضرورة تعليل الحكم والقرار القضائي الذي تعدى حدود الاجراءات الشكلية ليصبح بدوره أحد الأسس التي يقوم عليها جوهر القرار والحكم ، لكن الى جانب ذلك يبقى من المطلوب على القاضي وهو بصدد تعليله للقرار الاعتماد على الاتفاقيات الدولية التي أبانت الممارسة العملية على ضعف القاضي في اللجوء اليها وبالتالي التماشي مع الطرح الذي أتاه دستور 2011 فيما يخص سمو المواثيق الدولية على القوانين الوطنية .
لذا ومادام أن مسلسل الأمن القانوني قد تكتب له بداية المشوار بين أحضان القضاء في حالة الفراغ التشريعي أو مايمكن الاصطلاح عليها بفترة الأزمة ، حيث تبدأ ملامح الاجتهاد والنضال القضائي في سبيل استكمال وسد النقص التشريعي باجتهاد قادر على كسب رهان القيمة القانونية التي يحظى بها الاجتهاد القضائي ، فانه بالمقابل ينبغي الحرص على الرقي بمستوى الفكر القضائي باعتباره هنا وبالأساس ضمانة أساسية على تجسيد معالم الأمن القانوني في ظل غياب التشريع ، هذا الحرص اليوم انقلب رأسا على عقب في ظل بعض العيوب والشوائب التي انطوت عليها مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية والتي يمكن القول معها بطمس معالم الاجتهاد القضائي ، هذا الأخير الذي سيعرف لامحالة تراجعا كبيرا في حالة المصادقة على هذه المشاريع بالعوار الدستوري الذي يطالها وبالتالي سيشكل خرقا صارخا لأحد المحطات الأساسية التي كان يمر منها مسلسل الأمن القانوني في ظل غياب النص القانوني ، وهو أيضا ما سينعكس سلبا ليس فقط على مبدأ الأمن القانوني بل أيضا على مبدأ الأمن القضائي .
وفي الأخير لا يسعني الا أن أقف عند أحد أهم الأسئلة الجوهرية التي أصبحت تشكل حجر الزاوية ومؤشر الرقي بمستوى الأمن القانوني ببلادنا في المحطات المقبلة ، لكن في حالة اذا ما تمت اجابة واضحة وصريحة بخصوصها، وبالتالي تفادي الخوف الذي لازال يخيم على المشرع بخصوص النص الصريح وباعتلاء هذا المبدأ لعتبات المنظومة التشريعية ببلادنا ، وتأتي بذلك معالم هذا التساؤل فيما يلي :
هل ضمان تحقيق مطلب الأمن القانوني ببلادنا سيبقى بمنأى عن دسترته ، خصوصا اذا علمنا أن دسترة مثل هذا المبدأ وحمله للصفة الدستورية سيلعب لا محالة دورا مهما في الانفتاح على أوراش اصلاحية قصد ضمان تنزيله وتكريس حمايته على الوجه المطلوب ، ولعل خير دليل على ذلك الدسترة التي شهدها مبدأ الأمن القضائي وتتوجيه في نهاية المطاف بميثاق اصلاحي هادف بالأساس الى تعزيز الثقة في المؤسسة القضائية من خلال الأهداف الاصلاحية الكبرى التي حملها في طياته ؟
المراجع المعتمدة :
عبد المجيد غميجة : “مبدأ الأمن القانوني وضرورة الأمن القضائي”،عرض مقدم في اطار الندوة المنظمة من طرف الودادية الحسنية للقضاة بمناسبة المؤتمر الثالث عشر للمجموعة الافريقية للاتحاد العالمي للقضاة ، الدار بيضاء ، 28 مارس 2008.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً