تقضي الفقرة (2) من المادة (28) من قانون الإثبات العراقي بأنه يجوز أن تكون القيود الواردة في الدفاتر التي يوجب القانون مسكها سواء أكانت منتظمة أم غير منتظمة حجة على صاحبها شريطة عدم تجزئة الإقرار المثبت فيها(1)، وهذا هو المبدأ الذي اعتمدته أغلب التشريعات(2)، فالدفاتر التجارية الإلزامية تعتبر حجة على صاحبها أو من يخلفه فيما إذا استند إليها خصمه(3)، وأساس هذه الحجية هي أن القيود الواردة في الدفاتر التجارية تعتبر من قبيل الإقرار الكتابي بالمعاملات المالية التي باشرها التاجر مع الغير لذا يكون لها حجية الدليل الكامل في الإثبات في مواجهة صاحبها(4)، ولكن وإن كانت البيانات الواردة في دفاتر التاجر تعتبر بمثابة إقرار لا يجوز تجزئته إلا أنها لا تعتبر حجة قاطعة على التاجر(5)، لأن البيانات الواردة في الدفاتر التجارية تعتبر من قبيل الإقرار غير القضائي(6) لذا فليس لها حجية قاطعة على التاجر (المُقِر) كما هو الشأن في الإقرار القضائي(7)، فيجوز للتاجر إثبات عكس ما ورد في دفاتره التجارية من بيانات بطرق الإثبات كافة(8)،
كما أن إعتبار البيانات الواردة في الدفاتر التجارية حجة على التاجر ليس أمراً ملزماً للمحكمة بل هو جوازي لها، فالمحكمة يمكن أن تأخذ بالبيانات الواردة في الدفاتر التجارية دليلاً كاملاً في الإثبات أو دليل إثبات ناقص يُستكمل بتوجيه اليمين المتممة لمن يتمسك بقيود الدفاتر التجارية في مواجهة صاحبها(9)، لأن الاستدلال على التاجر بدفاتره ليس حقاً مقرراً لخصمه واجباً على المحكمة منحه إياه متى طلبه بل إنه أمر جوازي للمحكمة إن شاءت أجابته وإن شاءت طرحته، وكل أمر يجعل فيه القانون للمحكمة خيار الأخذ والترك فلا حرج عليها إن مالت لجانب دون الآخر من جانبي الخيار(10). إن البيانات الواردة في الدفاتر الإلزامية سواء أكانت منتظمة أم غير منتظمة يجوز أن تكون حجة على صاحبها، فعدم انتظام الدفاتر الإلزامية لا يقلل من قيمة الإقرار المثبت فيها والقول بغير ذلك يؤدي إلى استفادة التاجر من إهماله وتقصيره في تنظيم الدفاتر التجارية(11)، وعليه فإن القيود الواردة في الدفاتر الإلزامية المنتظمة وغير المنتظمة تعتبر حجة على صاحبها ولا يجوز تجزئة الإقرار المثبت فيها سواء أكانت هذه القيود مدونة من قبل صاحب الدفاتر أم من قبل العاملين معه المأذونين في ذلك، حيث تعتبر في حكم القيود المدونة من قبل صاحب الدفاتر ما دامت قد دونت بعلمه ورضاه إلى أن يقيم الدليل على عكس ذلك(12)، وهذا المبدأ قد اعتمدته غالبية التشريعات فلم تجز للخصم الذي يحتج بالدفاتر الإلزامية في مواجهة صاحبها أن يجزئ ما ورد فيها من قيود سواء أكانت منتظمة أم غير منتظمة(13).
في حين إن قسم من التشريعات قد رتب على عدم انتظام الدفاتر الإلزامية حكماً يتمثل بإمكانية تجزئة القيود الواردة فيها من قبل الخصم الذي يتمسك بهذه الدفاتر في مواجهة صاحبها(14)، ويعلل البعض ذلك بأن عدم انتظام الدفاتر التجارية يعتبر قرينة على عدم صحة بعض أو كل القيود الواردة فيها، لذا يجوز للخصم الذي يتمسك بهذه الدفاتر في مواجهة صاحبها وللقاضي أن يجزئ ما ورد فيها من قيود(15)، فلو دون التاجر في دفاتره غير المنتظمة بأنه مدين لفلان وأنه وفى الدين فإن ذلك يعتبر إقراراً يجوز تجزئته على وفق حكم هذه الاتجاه التشريعي. لقد ذهب البعض إلى أن قاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار تسري على القيود الواردة في الدفاتر الإلزامية مطلقاً، فلا تقتصر على القيود التي بينها تلازم حتمي بل تمتد إلى تلك التي لا صلة بينها(16)، وهذا الرأي يتفق مع الفقرة (2) من المادة (28) من قانون الإثبات العراقي التي قضت بعدم جواز تجزئة الإقرار المثبت بالدفاتر الإلزامية بصورة مطلقة والمطلق يجري على إطلاقه، وكما إن القيود الواردة في الدفاتر الإلزامية تعتبر من قبيل الإقرار غير القضائي، لذا فإن تجزئته تكون أصعب لأن التاجر يكون أقل حيطة في أمره وأقل تمنعاً في عواقبه مما لو كان إقراراً حاصلاً أمام القضاء، فقد يقر التاجر بالدين وبانقضائه عن طريق المقاصة ثم لا يتجزأ إقراره(17)، ولكن قاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار لا تمنع المقر له من إثبات عدم صحة الواقعة الأخرى المرتبطة بالواقعة الأصلية المعترف بها(18).
إن قاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار تطبق في الدفاتر التجارية الإلزامية على القيود التي بينها تلازم حتمي وعلى تلك التي ليس بينها تلازم حتمي، خلافاً للقواعد العامة في الإثبات والتي تحصر نطاق تطبيق القاعدة المذكورة على الوقائع التي بينها تلازماً حتمياً، فإذا انصب الإقرار على وقائع متعددة وكان وجود واقعه منها لا يستلزم حتماً وجود الوقائع الأخرى فيمكن تجزئتهِ(19).
________________
1- تقابلها المادة (105/1) من قانون التجارة العراقي رقم (149) لسنة 1970 الملغي، والمادة (57) من قانون التجارة العراقي رقم (60) لسنة 1943 الملغي.
2- كالمادة (1330) من القانون المدني الفرنسي، والمادة (330/2) من القانون المدني الجزائري، والمادة (20) من قانون التجارة اللبناني، والمادة (15/1) من قانون البينات السوري، والمادة (16/1) من قانون البينات الأردني، والمادة (17/2) من قانون الإثبات المصري.
3- قرار محكمة التمييز المرقم (343/مدنية أولى/1974) الصادر بتاريخ 7/5/1975، مجموعة الأحكام العدلية، العدد الثاني، السنة السادسة، ص129 .
4- د. عزيز عبد الأمير العكيلي، القانون التجاري، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1995 ص114، وكذلك د. سمير عالية، الوجيز في القانون التجاري، الطبعة الأولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1987، ص167 .
5- د. فوزي محمد سامي، شرح القانون التجاري، الجزء الرابع، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1997، ص127 .
6- تنص المادة (70) من قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 على أن ((الإقرار غير القضائي واقعة يعود تقديرها للقاضي ويجب إثباته وفقاً للقواعد العامة في الإثبات)).
7- عدنان أحمد العزاوي، حجية الدفاتر التجارية في الإثبات، مجلة التجارة، الجزء الأول، آذار 1970، ص94 .
8- المادة (30) من قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 .
9- المادة (31) من قانون الإثبات .
10- قرار محكمة النقض المصرية المرقم (36) الصادر بتاريخ 9/3/1961، أنس كيلاني، قانون البينات، مؤسسة العلاقات الاقتصادية والقانونية، دمشق، 1976، ص295 .
11- د. نوري طالباني، القانون التجاري، الجزء الأول، الطبعة الثانية، مطبعة أوفسيت الحديثي، بغداد، 1979، ص255، وكذلك د. طالب حسن موسى، مبادئ القانون التجاري، الطبعة الأولى، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1974ص154.
12- المادة (32) من قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 .
13- كالمادة (1330) من القانون المدني الفرنسي، والمادة (20) من قانون التجارة اللبناني، والمادة (15/2) من قانون البينات السوري، والمادة (16/2) من قانون البينات الأردني.
14- كالمادة (17/2) من قانون الإثبات المصري، والمادة (330/2) من القانون المدني الجزائري.
15- د. علي البارودي – د. محمد فريد العريني، القانون التجاري، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1987، ص236 .
16- د. أحمد إبراهيم البسام، مبادئ القانون التجاري، الجزء الأول، بغداد، 1961، ص141، وكذلك عدنان أحمد العزاوي، المرجع السابق، ص94 .
17- د. عبد الرزاق احمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء الثاني، الإثبات-آثار الالتزام، دار النشر للجامعات المصرية، القاهرة، 1956، ص479 .
18- قرار محكمة النقض المصرية المرقم (216) الصادر بتاريخ 19/1/1956، د. أحمد حسني، قضاء النقض التجاري، منشأة المعارف، الإسكندرية ، 1982، ص20 .
19- أنظر: المادة (69) من قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً