جريمة الثأر أو (القتل ثأرا)
الثأر لغة :
ث أ ر (الثأر) ـ ثار (هاج) أي تحرك واهتز وماج (يمنة ويسرى) وقياما وقعودا , في المكان وحوله صعودا وهبوطا ومنها حركة الثور , ولذلك عرف هذا المخلوق بهذا الاسم , الذي يثور لرؤيته اللون الأحمر .. لأنه في العربية (الثورة) هي الحمرة أو (الثورة) الذحل أي (المحركة) ـ (المهيجة) ـ (الدافعة) , وفي جرم القتل (ثأر) تعني القتيل بالقتيل أي قتل قاتل القتيل .
الثأر في الأدب :
وهو دفاع مبرر ضد الاعتداء (ثأر لكرامته) , ومنها الثورة ضد الظلم والقهر فرديا أو جماعيا (يثور ضد ..) ـ ويقال (ثار البركان) أي أخرج ما فيه من حمم بعد أن احتفظ بها وغلت واستعرت زمنا , وغالبا ما تكون أو تبدأ نارية حمراء إلى أن تخمد بعد أن تخرج كل ما بها إما إلى حين آخر أو نهائيا .
يقال ثورة حمراء , واللون الأحمر هو لون الدم الذي غالبا ما يكون وحتى في جسم مخلوق ومنه (الإنسان) حاميا . وبذلك قصد بعض الشعر بالقول (وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق) أي مضرجة ـ ومليئة ومفعمة ـ بالدم الأحمر .
الثأر في القانون :
لا يوجد أي قانون في العالم أو أي شرع سماوي أو وضعي ينص على أو يبرر جريمة القتل ثأرا . بل إن العديد من القوانين تعتبر القتل ثأرا سببا مشددا للعقاب , أو أحد أسباب التشديد , خلافا للاعتقاد السائد خطأ بأنه سبب من أسباب التخفيف أو عذرا يعفي من العقوبة , وذلك إنما يرجع إلى الخلط بين (قتل الثأر) ونوعين آخرين من القتل وهما (جرائم الشرف) و (الاستفزاز والغضب) .
تعريف الثأر أو القتل ثأرا :
لا يوجد أي تعريف جامح مانع لجرم القتل أخذا بالثأر وإنما يستقى ويستخلص من سياقه بذاته كفعل أو رد فعل وهذا الأصوب (رد فعل) والتعريف الأمثل له هو : (قتل واحد أو أكثر من أفراد أسرة أو قبيلة أو جماعة أخرى) .
أو بمعنى مختصر (سفح ـ سفك = دم= مقابل سفح ـ سفك = دم =) .
وهذا ما يؤكد أن القتل أخذا بالثأر هو عرف قبلي ومظهرا من مظاهر التضامن القبلي وعادة موروثة عن الجاهلية , وغالبا فإن قاتل الثأر يعترف فورا بجريمته ويباهي بها ويقبل بالعقاب أيا كانت شدته .
هذا وإن القتل ثأرا هو قتل عمد دائما مما لا بد فيه من توافر شروط القتل العمد , فإذا اختل أحد هذه الشروط تنتفي صفة العمد عنه أي لا يوصف بأنه قتل أخذا بالثأر مما يتيح للقضاء عدم التشديد في العقاب وإنما قد يكون العكس أي منح الفاعل التخفيف وأحيانا العذر المحل إذا توافرت شروطه .
والمثال على ذلك القرار الصادر عن محكمة النقض السورية رقم 125 أساس جناية /90/ تاريخ 3/2/1976 ـ القاعدة رقم /15713/ الموسوعة العربية للاجتهادات القضائية الجزائية (المجلد الأربعون) صفحة /28182/ للمحامي محمود زكي شمس . و خلاصته :
{قتل قصد ـ عمد ـ ثأر : إن العم الذي يرتكب جرم القتل نتيجة نزوة عارضة و ثأرا لمقتل ابن أخيه الذي رباه وعني به كابنه ودون توفر عنصر الروية لديه ودون هدوء في باله أو نفسه أو اتزان في تفكيره , لا يمكن اعتباره شريرا بطبيعته وإن الميل إلى الجريمة متأصل في طبيعته وسلوكه وخلقه , مما يستوجب تجريمه بجريمة القتل القصد لا العمد } .
أي أن تلك الحالة ليست قتل ثأر لأنها فورية التنفيذ وليس متراخية الزمن .
إذا فإن قتل الثأر هو جرم قتل عمد وتتوافر فيه عناصر القتل العمد كافة … وخاصة كلا من سبق الإصرار والترصد .
إن القتل ثأرا ليس إلا عادة تستند إلى اعتقاد قبلي جاهلي سائد يقول بأن الدم لا يغسل إلا بالدم وبأن روح القتيل لا تستقر وتستريح إلا بالأخذ بثأره إما من قاتله أو عاقلته (ابنا ـ أخا ـ أبا ـ ابن عم ـ عم … الخ) .
وهكذا انتقلت هذه العادة من عصور الجاهلية والظلام إلى عصور بعدها واستوطنت بعض التجمعات وخاصة في البوادي والأرياف في العديد من الدول العربية , وأهم أسباب تأصل هذه العادة هو الجهل وحتى في أمور الدين والشريعة أي الإسلام على حقيقته , مثل تصرفات وعادات أخرى سيئة و مرفوضة و لكن الثأر أخطرها لأنها تمس الروح والحياة .
ومرجعها الفهم الخاطئ لبعض النصوص حتى من القرآن الكريم على عكس التفسير الصحيح لها مثل النص في الآية الكريمة : بسم الله الرحمن الرحيم وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص …
والثأر ليس إلا فعل انتقام وتشفي , وهو عمليا رد فعل على فعل (قتل بسبب قتل سبقه). ويستتبع قتلا بعده لنكون أمام سلسلة قد لا تنتهي لزمن طويل من قتل (الثأر) والقتل المقابل (الثأر) وهكذا .!؟
وكذلك الفهم الخاطئ أو التفسير المغلوط لنص آخر من القرآن : (ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحقّ) حيث فهموا عبارة (بالحق) بأنها قتل القاتل أو أحد أهله من عشيرته وأسرته وقبيلته وأن ذلك حق .. تبريرا وتسويغا غير صحيحين وبلا تبصر المقصد لمفهوم الآية الكريمة ومثيلاتها في هذا الخصوص .
ونسوا أو تناسوا أو لم يفهموا أو يحبوا أو يريدوا أن يفهموا ويقبلوا التعامل بنصوص قرآنية أخرى منها قوله تعالى : (كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى ..) .
وقوله عز وجل أن القصاص لمن يملك إيقاعه وليس بالاقتصاص ثأرا .
وكذلك قوله سبحانه وتعالى : ((ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون)) .
وتأسيسا على أن الثأر نادرا أو قليلا ما يكون فوري التنفيذ , إذ الغالب هو أنه لابد من مرور زمن للتحضير و الاختيار للضحية وللمنفذ للثأر وافتعال سكون العاصفة ليتحقق الغدر وينجح التنفيذ (سبق الإصرار والترصد) قانونا , وهي المقولة التي يتحصن بها خطأ من يؤمن بهذا الفكر أو هذه العادة وهي مقولة (القاتل يقتل ولو بعد حين) .
فلا اعتبار أو وزن لشرع أو قانون أو سلطة أو قضاء أو نظام .
ونشير إلى أنه لا يدخل في مفهوم الثأر القتل الذي يقع بسبب آخر غير المفهوم الذي شرحناه (تضامن قبلي جاهلي) أو عادات خاطئة موروثة .
ونؤكد في هذا أن القتل ثأرا مفهوم آخر غير القتل ردا وانتقاما للشرف المثلوم (الدافع الشريف) غسل العار الذي إلى الآن وفي العديد من المجتمعات وحتى في بعض الدول المتحضرة (أو كما توصف) بأن هذا القتل دفاعا عن الشرف إذا تم ضمن شروطه وملابساته التي تحيط به اجتماعيا ووطنيا وحتى سياسيا مع اعتبار ما تكرسه التقاليد والعادات المتأصلة في المحيط . فإنه يمكن هنا الأخذ بالدافع الشريف وفق عرف الرأي العام , مما يقتضي تطبيق أحكام وعقوبات تختلف عن القتل ثأرا للدم فقط , وننوه في هذا الموضوع إلى أن المشرع السوري قد أصدر تعديلا في مسألة القتل بدافع الشرف وذلك في منتصف عام 2009.
هذا وإن الأخذ بالثأر , لا ينم ولا يعتبر في الأساس من قبيل المنفعة الخاصة , لأنه معالجة خطأ بخطأ , حيث يؤدي لأذى القاتل ثأرا بذاته ويعرضه للنقمة والملاحقة والعقاب , عدا أنه يصبح هدفا للثأر منه أو من ذويه وأقربائه وعشيرته أو قبيلته بالتالي بدوره ..
حيث أن الثأر سلسة لا تنتهي إذا ما بدأت ـ كالشرارة في الهشيم ـ وهذا أهم أخطارها وأسباب رفضها ومحاربتها .
ولا ننسى أن جريمة القتل ثأرا قد تقع وتنفذ من قبل أكثر من شخص (كلهم فاعلون) وأيضا قد لا تقتصر على شخص واحد ضحية لها وإنما قد تقع على أكثر من شخص (أسرة ـ قبلية ـ جماعة) .
والإحصائيات تشير إلى تراجع نسبة جرائم الثأر في الآونة الأخيرة قياسا على ما كانت عليه قبل خمسين عاما وما قبل فإحصائية عام 1939 في مصر مثلا تشير إلى أن من أصل /3053/ جناية قتل أو شروع في قتل ذاك العام ما نسبته /463/ منها وقعت بسبب الثأر ..
أما آخر أو أحدث إحصائية وبسبب الوعي وتطور وسائل التعليم والاتصال والنظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فإن الرقم تراجع إلى حدود يمكن التأمل معها في القضاء على هذه العادة المقيتة , فأرقام عام 2001 تقول أن نسبة جرائم الثأر لا تشكل أكثر من 5% من مجمل جرائم القتل في كامل الدول العربية , وفق الإحصائيات لدى وزارات العدل في هذه الدول مما يعني التراجع عما كانت عليه من نسب عالية فيما مضى . ولقد ساهم التطور الاجتماعي والتعليمي في خبو هذه الظاهرة مساهمة فعالة , مما يؤكد الدور الهام لمسألتي الصفح و الدية والتصالحات بين من عليه الثأر ومن يريد الأخذ بالثأر , فحدث التخفيف من وطأة المشكلة تدريجيا .
وكان للتعليم و للفن والثقافة عموما وخاصة بعض أنواع الغناء والعروض المسرحية والسينما والتلفزيون وأيضا الفن التشكيلي دورا هاما في تكريس السعي للقضاء على هذه الظاهرة , فحل التسامح محل الأخذ بالثأر , وكان لعادة أو طريقة أن يعرض المطلوب الثأر منه تضحيته بنفسه مساهمة كبيرة في القضاء على هذه الظاهرة أوالتخفيف منها عل الأقل , وهذا موجود في البوادي والأرياف العربية , وشيئا من ذلك في بعض الحواضر والبلدات القريبة من العواصم والمدن الكبرى , حيث يحضر المطلوب الثأر منه إلى دار أو قبيلة أو عشيرة أو بلدة وقرية طالب الثأر حاملا على كفيه كفنه مشرعا صدره للاقتصاص منه , ويكون بالمقابل أهل المشورة والصلح والعقل قد هيئوا الظروف للصلح فيتم سواء بمقابل (دية أو تعويض) أو بدون ذلك وتنتهي المسألة .
تفصيلا للموضوع نقول :
إن الثأر مرحلة عبر التاريخ والتي يمكن تسميتها مرحلة (الانتقام الفردي) والتي تتمثل بأنه :
1 – في القتل : القتل في الشريعة إما أن يكون عمدا أو لا يكون . فالقتل العمد يوجب القود أو القصاص لقوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم} .
وقوله تعالى : {ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون} .
وقوله تعالى : {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} .
وتشترط بعض المذاهب , في تنفيذ القصاص , المساواة في الدين والحرية والذكورة والأنوثة , ولا تشترطها بعض المذاهب الأخرى , وقد يقتل المسلم بالذمي في رأي بعضهم .
أما إذا لم يكن القتل عمدا فلا قصاص وتجب الدية فقط .
ورغم تأكيد الشرائع السماوية على حق المجتمع (الجماعة) في القصاص وليس الثأر وذلك في القتل :
نهى الإسلام عن القتل , وورد في القرآن الكريم قوله تعالى :
{ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاءه جهنم} .
وفي سورة الإسراء : {ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا} .
وروى القرآن الكريم ما روته التوراة من قصة ابني آدم وكيف قتل أحدهما الآخر , وجاء في سورة المائدة قوله تعالى :
{واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قرّبا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين , لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين , إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين , فطوّعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين} .
والقتل من جرائم القصاص في الإسلام , وقد ورد النص على آيات كثيرة , منها ما ورد في سورة البقرة :
{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم , ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون} .
وفي سورة المائدة أيضا :
{و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدّق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} .
وفي السورة ذاتها أيضا :
{من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ..} .
وقال تعالى في سورة النساء :
{وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} .
وحددت هذه الآية عينها عقوبة القتل فنصت :
{ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصّدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدّية مسّلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما} .
أنواع القتل في الإسلام :
والقتل في الفقه الإسلامي أربعة أنواع , وبهمنا منها هنا الأول وهو :
القتل العمد : ومعنى العمد هنا هو انصراف إرادة الفاعل إلى فعل القتل وإلى النتيجة الضارة التي أفضى إليها , وهي إزهاق الروح , ولا يستلزم أن يكون مصحوبا بسبق التصور والتصميم والإصرار والترصد .
فالقتل العمد إذن في حكم الإسلام هو أن يقصد الجاني إزهاق روح المجني عليه فيضربه في موضع أو أكثر من جسمه بآلة مفرقة للأجزاء والأوصال كالسيف والسكين والرمح والأشفار , أو بما يعمل عملها في الجرح والطعن كالنار والزجاج والسم , وكذلك الآلة المتخذة من النحاس أو الحديد الذي لا حد له كالعمود والعود القاسي والأحجار وشظاياها وظهر الفأس .
ويشترط بعضهم في القتل العمد أن تكون الآلة جارحة أو محددة لأن في استعمالها قرينة على توافر النية الجرمية أو قصد إحداث الموت وإزهاق الروح , ويكتفي بعضهم بأن يعرّف القتل العمد على الوجه التالي : هو ضرب الآدمي قصدا مما لا تطيقه بنيته بمثل قطعة كبيرة من خشب .
وإذا أردنا أن نضع تعريفا للقتل العمد في لغة الفقه الجزائي الحديث مستمدا من الشريعة الإسلامية الغراء قلنا : (القتل العمد هو الاعتداء المقصود والمباشر على حياة إنسان مما يقضي إلى إزهاق روحه)ولايهم أيا كانت الوسيلة المستعملة في القتل سواء القديم منها , أوالمستحدث بعد اختراع البارود والسلاح الناري ( المتفجر ) .
ويستوي في هذا التعريف أن يكون الجاني مبيتا في نفسه فكرة القتل والعزم على تنفيذها بسابق تصور وتصميم , أو أن يكون قصده إليها آنيا حين ارتكابها . وهو في الحالتين يستحق عقوبة الإعدام قصاصا .
فأركان القتل العمد إذا في الشريعة الإسلامية هي :
أولا ـ فعل من شأنه إحداث الموت بآدمي .
ثانيا ـ حدوث الموت فعلا .
ثالثا ـ قصد إزهاق الروح , وينم عنه استعمال أداة قاتلة بطبيعتها .
ولا إعادة إن قلنا أنه يجب النظر في موضوع الثأر إلى نشأته الأولى حيث كان يجب النظر إلى جنسية المجني عليه و (جنسية) الجاني , فإن كانا من قبيلة واحدة كانت المعاقبة من اختصاص المعتدى عليه وأسرته . وبما أن التشريعات القديمة تقبل دون استثناء هذه الفكرة بأن كل احتكاك بين طرفين يولد وجيبه , وكل وجيبه يمكن أن تقوم بمال , كان المتضرر مخيرا بين أمرين الانتقام الشخصي أو قبول التحكيم , والسبب في ذلك أن الدعوى العامة لم تكن معروفة .
ولكن يجب ألا نبالغ في هذا الزعم كثيرا , لأن الأبحاث الحديثة أثبتت أن دعوى الحق العام كانت تقام في أحايين كثيرة على جرائم الدين والجرائم التي ندعوها اليوم بالجرائم السياسية , فالجرمان القدماء كانوا يشنقون الخونة والذين يفرون من المعركة إلى صفوف العدو , كما كانوا يغرقون المتعهرين والجبناء في حفرة مملوءة بالطين … واليهود السكسونيون كانوا يسلمون الزناة إلى الجماهير الحانقة تفعل بهم ما تشاء .
وإن كان أحدهم (أجنبيا) بالنسبة إلى الآخر , كان الجرم سببا لحرب طاحنة تشنها القبيلة المتضررة بغية الثأر , وكانت تنتهي عادة بنصر أو هزيمة , أو تكون سببا لمفاوضات تنتهي إلى صلح يحقن الدماء , ويعوض على الطرف المتضرر يعضه عن ضرره أو يتم تمكينه من الاقتصاص بنفسه ممن سبب له الضرر أي القاتل فإما أن يقتله أو يعفو عنه بعد أن يؤخذ العهد من ذوي الآخر بأن ذلك نهاية المطاف في المسألة يمتنع عليهم بعد ذلك أي رد فعل انتقامي تحت طائلة الحكم عليهم جماعيا بالنفي من القبيلة أو العشيرة وما شابه , ولكن المطالبة بالثأر لم تكن قاصرة على هذه الحال وحدها , لأن أهل المقتول كثيرا ما كانوا ينتقمون من القاتل بفعل الغريزة , حتى ولو كان من قبيلتهم , إذالم يتح الوقت الكافي للعقلاء لإطفاء نار الشر والتعطش للأخذ بالثأر .
فليس عجيبا إذا , أن يكون طلب الثأر (الداخلي) سببا جوهريا في تمزيق القبيلة إلى بطون متعادية .
ولنقل كلمة موجزة عن تطور فكرة العقاب في تلك المرحلة البربرية كما يدعوها الكثيرون .
آ ـ الثأر :
وقد كانت المسؤولية شاملة لأن التضامن بين أفراد القبيلة الواحدة كان على أشد ما يكونه تضامن , فإذا ارتكبت جريمة قتل , تكون قبيلة المغدور قد منيت بضرر مادي سببه فقد يد عاملة مقاتلة , وبضرر معنوي سببته نكبتها بابن تربطه بها جامعة النسب والقربى , وتكون قد نكبت بالإساءة إلى سمعتها بما تتناقله الألسنة من ضعفها واستكانتها إذا تخلت عن صاحبها وتركت دمه يذهب هدرا . لذلك كان جماعة الفقيد يعملون جاهدين , على الاقتصاص من القاتل إن ظفروا به , أو من كل من تربطه به رابطة القرابة أو القبيلة والعشيرة, لأنهم كانوا جميعهم , بفعل التضامن القوي , مسئولين عن الدم المراق .
وقد عرفت المجتمعات القديمة كلها الثأر , ولكن بعضها يتميز عن بعض , لا بالفكرة ولا بالأسلوب , وإنما ببعض اعتبارات خاصة , نستطيع أن نقول عنها أنها ثانوية لا تمس جوهر المؤسسة (الحقوقية) يجدها طالبوا التوسع في كتب علم الاجتماع ومطولات تاريخ الحقوق الجزائية , وخاصة كتاب ألبير دوبوا .
نسوق مثلا على ذلك , الثأر عند العرب الجاهلين .
كان العرب في جاهليتهم يعتقدون أنه ما من قتل يقتل إلا وتخرج من رأسه هامة . فإن لم يؤخذ بثأره نادت الهامة على قبره (اسقوني فإني صدية) , أي (عطشى) , والهامة ـ في اعتقادهم ـ لا تشرب إلا من دم القاتل أو ذويه وكثيرا ما تردد اسمها في الشعر الجاهلي .
قال أبو داود الإيادي :
سلط الموت والمنون عليهم فلهم في صدى المقابر هام
وكان من عادة العرب أنهم يحرمون على أنفسهم النساء والدهن والغزل والقمار حتى يدركوا ثأرهم , وكان من عادتهم أيضا أن يعقروا الخيل ويكسروا الرماح , وقد نهاهم مهلهل عن ذلك حين قتل كليب , وقال لهم (لقد ذهبتم شر مذهب , أتعقرون خيولكم وتكسرون رماحكم , حين افتقرتم إليها) .
وكان من عادة النساء ألا يبكين المقتول إلا أن يدرك بثأره , فإذا أدرك بثأره يبكينه.
ويظهر أنهم كانوا يجمعون الأوتار , وقد جاء في يوم (فيف الريح) : وكانت بنو عامر تطلب بني الحارث بن كعب بأ وتار كثيرة .
وكان أهل القتيل يبحثون عن القاتل ليعاقبوه , ولكنهم ما كانوا يكتفون بدمه إذا لم يكن كفئا , في رأيهم , فإذا كان المقتول من قبيلة رفيعة والقاتل من قبيلة وضيعة , طلب أهل المقتول دم حر عن دم عبد , ودم رجل عن دم امرأة , ودم حرين عن دم واحد , وطلبوا في الجراح عضوين أو أكثر بعضو , وفي النهي عن هذا التعامل الجائر نزلت الآية : {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} .
والرواة يحدثوننا أن بعض أفراد من (غني) قتلوا شاسا بن زهير بن جذيمة فسار إليهم أبوه في جمع غير من أحلافه , فأرسلوا إليه يقولون , سل في شاش فقال : أريد إحدى ثلاث لايغنيني غيرها : تحيون لي شاسا أو تملئون ردائي من نجوم السماء أو تدفعون غنيا بأسرها إلي فأقتلها ثم لا أرى أني أخذت عنه عوضا .
وحين قتل مهلهل بحيرا , قال الحارث عمه : نعم القتيل قتيل أصلح بين ابني وائل , وأرسل إلى مهلهل : إذا كنت قتلت بحيرا بكليب وانقطعت الحرب بينكم وبين إخوانكم فقد طابت نفسي بذلك , فأرسل إليه مهلهل :
(إنما قتلته بشسع نعل كليب) .
ولكن الثأر بشكله القديم , كان سببا في حروب لا تنتهي , لذلك فكر العقلاء الأقدمون ـ وخاصة حين أصبح للقبيلة نفوذ أكبر ـ بأن يضيقوا من رقعته الفسيحة . ولكن جهودهم لم تثمر بسرعة , كما يحلو للخيال أن يتصورها , لأن الانتقال من الثأر الإجماعي إلى نظام الدية القائم على فكرة العفو لم يتم بين عشية وضحاها بل مرّ بصفحات متعددة , يخيل إلينا أن التعامل الجاهلي خلو منها أو أنها لم تصلنا مع ما وصلنا من معلومات بسيطة عن ذلك العصر .
ب ـ القصاص :
ويسميه علماء الاجتماع قانون (العين بالعين) , وهو أول تدبير جنحت إليه البشرية للقضاء على الحروب الأهلية , وهذا التدبير يقضي بإزهاق روح القاتل وأهله راضون , بسلاح أهل المقتول , ترضية لهم وحقنا للدماء البريئة .
ويظهر أن ذلك قديم في البشرية , لأننا نراه مقننا في تشريع حمو رابي الذي كان يبيح لأب المقتول أن يطلب ابن القاتل ليقتله . كان الناس يرون هذا التدبير إلى عهد قريب غاية في القسوة ولكن الأبحاث المجردة أثبتت أنه خطوة جبارة في معارج العلم والمدنية وإليه يعود الفضل في القضاء على مشاحنات وخصومات متأججة في وسعها أن تشبب نيران المعارك في معسكرات كبيرة . أليس في الكيل للمعتدي بالكيل الذي كان هو به , صاعا بصاع , وفي إذاقته ما أذاقه هو للمقتول تهدئة لخواطر أهل الفقيد , وترضية لهم عما لحق بهم من أذى ؟.. إن أهل القاتل يبيتون وإياهم على فراش شائك من الثكل والحسرة , وفي هذا تعزية لهم لا يعدلها تعزية إلا قيام فقيدهم من تحت صفائح رمسه …
وقد كان الرومان يرون أن هؤلاء الورثة قد اكتسبوا حقا على القاتل متولدا من الجريمة , ولهم أن يستوفوا حقهم تاما غير منقوص . وقد رأى بعض الفقهاء في دخول هذا الأسلوب إلى التعامل القضائي ـ إن جاز التعبير ـ المرحلة الأخيرة لانحلال الأسرة الأبوية القاسية , واعتبروه تقريبا من الخاتمة السعيدة التي ختم بها عهد المسؤولية الشاملة البغيضة .
ج ـ الدية :
الدية ثمن الدم من نقد أو عين . وتنتسب إلى أكثم بن صيفي أو قيس بن عاصم هذه الكلمة : (لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم) , ولم توجد الدية لشراء دم أريق ولكنها وجدت لافتداء دم تراد إراقته . ونظام الدية بدعة رائعة من بدع الذكاء البشري ومظهر نبيل من مظاهر الليونة والرحمة اللتين تسللتا إلى التقاليد القديمة وذلك بتأثير تطور العواطف القاسية الذي ابتغض القتال إلى النفوس ودفع من يثق بهم المتخاصمان إلى التدخل قبل استفحال الشر , إذ أن الدولة , حتى في المحال التي وجدت فيها , كانت عاجزة عن فرض أوامرها وإن لم تكن مهمة هؤلاء الساعين في الصلح هينة , لأنهم كانوا يصطدمون بمطالب أهل المقتول غير المعقولة وبتردد القاتل وأهله عن دفع التعويض .
ولذلك كانوا مضطرين إلى استخدام دهائهم في إقناع الطرفين , والاستشهاد بما تم في الماضي في ظروف مماثلة , للوصول إلى نتيجة مرضية . ومعنى هذا أن قضية الديات أشبه ما تكون بعقد تجاري يعمل الطرفان على الاستفادة منه ما وجدا إلى ذلك سبيلا , إلى أن جاء اليوم الذي أصبح لها فيه نظام رسمي , فكانت الجريمة المشهودة مثلا أغلى من الجريمة غير المشهودة .
ولكن كلما كانت الجريمة حديثة العهد , كان إرضاء أهل المقتول أوعر مسلكا , فكان من مصلحة القاتل أن يفر من وجههم , حتى يمر زمن ما ,فتهدأ العاصفة وتصبح المفاوضة ممكنة . وقد لعب هذا النفي الاختياري , عدا عن كونه يعصم دم القاتل , دورا هاما في تخفيف وطأة التضامن الأسروي , وفي إيجاد فكرة التمييز بين القتل المقصود والقتل الخطأ . وهو يختلف عن عقوبة النفي التي كانت تحكم بها الجماعة على مجرم خطير أقلق راحتها وأقض عليها مضجعها .
ومتى عرفنا أن المنفي , حين يطرد من مجتمعه , يصبح بلا رب يحميه ـ لأن رب الأسرة يبقى عندها ـ ويكون في عداد الموضوعين خارج القانون , عرفنا أن النفي كان عقوبة قاسية ولربما كانت عقوبة الموت لا تفوقها شدة .
وحين يتم الاتفاق على الدية , يكون الخلاف قد فض . ولكن الجماعة في المرحلة التي تلت هذه المرحلة , تدخلت في تنظيم (تعرفة) الديات , وخصت نفسها بجانب منها . وقد كانت الدية المعتادة في قريش مئة بعير , ودية الأمراء ألفا .
ولكن الحالة تبدلت حين تكونت الدولة , وأصبح العقاب قائما على أسس جديدة , على الرغم من بقاء ذكريات مزعجة من المرحلة الراحلة .
وأخيرا يجب الإشارة إلى مسألة هامة في موضوع قتل الثأر .
وهي مسألة (التحريض) التي على تماس وتواصل وارتباط بموضوع الثأر , حيث قد يكون الثأر بصفته عادة (خدرا ونائما في أعماق نفس وفكر الشخص) كالعاصفة الهادئة أو البركان الخامد . والموضوع لا ينشط ما لم يثار وتوقد ناره من قبل الآخرين (شخصا أو جماعة) تقوم بالتحريض والدفع , والشواهد تشير إلى أن العديد من جرائم الثأر لم تكن لتحدث لولا التحريض .
والتحريض هو خلق فكرة الجريمة لدى شخص ثم تدعيمها كي تتحول إلى تصميم على ارتكابها , أو بعبارة أخرى هو دفع الجاني إلى ارتكاب الجريمة , والتحريض نوعان , فردي وعام , وكلاهما يجعل القائم به شريكا في الجريمة إذا توافرت شروطه .
التحريض الفردي :
التحريض الفردي هو التحريض الوارد في الفقرة الأولى من المادة 40 من قانون العقوبات ويشترط لتوافر الاشتراك به شرطان :
1 ـ حصول تحريض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة .
2 ـ أن يقع هذا الفعل بناء عليه .
الشرط الأول : حصول التحريض على ارتكاب الفعل المكون للجريمة لم يحدد القانون طرقا أو وسائل معينة يقع بها التحريض .
ويجب أن يكون التحريض مباشرا , أي أن ينصب على فعل غير مشروع , ولكن القانون لا يتطلب أن ينصب التحريض على فعل واحد معين بكل ظروفه , فيتصور التحريض على جملة أفعال كي ترتكب جميعها أو يرتكب الفاعل واحدا منها حسب اختياره , أما التحريض غير المباشر , وهو الذي يكون موضوعه غير ذي صفة إجرامية ولكنه أفضى إلى ارتكاب جريمة فهو لا يصلح وسيلة للاشتراك , مثال ذلك من يخلق العداوة والبغضاء بين شخصين لدرجة أن أحدهما ارتكب ضد الآخر جريمة فلا يعد من أوقع بينهما شريكا في هذه الجريمة لأنه لم يحرض عليها مباشرة .
وسبل التعبير عن التحريض كثيرة , فقد تكون بالقول أو بالكتابة أو بالإيحاء ـ إذا كانت له بالنظر إلى الظروف التي صدرت منها دلالة واضحة ـ .
وتقدير قيام التحريض مسألة تتعلق بالوقائع وتفصل فيها محكمة الموضوع نهائيا ما دامت تعلل ما تستنتجه بطريقة تسوغ اعتقادها بحقيقة حصوله .
الشرط الثاني : أن يكون الفعل المكون للجريمة قد وقع بناء على التحريض ، وهذا الشرط منصوص عليه صراحة المواد 216 و 217 العقوبات ، وهو شرط عام في جميع وسائل الاشتراك ، فلا يكفي وقوع الفعل ، بل يجب أن يكون مرتبطاً.
التحريض العام:
التحريض العام هو الذي يكون موجهاً إلى الجمهور عن طريق وسيلة من وسائل العلانية وهو أخطر من التحريض الفردي ، لأنه لا يوجه إلى شخص أو أشخاص معينين بل إلى الجمهور كافة ، وقد يكون من بين من يوجه إليهم من هو سهل التأثير( التأثر ) فيكون أسهل انقياداً له ، فضلاً عن اتساع نطاقه بحكم توجيهه بوسيلة من وسائل العلنية.
وختاماً فإن الثأر عادة مستهجنة و مرفوضة بكل المعاني .. فإنه لابد من العمل على الخلاص منها ، وخير السبل طالما عرفت أسباب المشكلة … ألا وهو الجهل الذي لا يحارب إلا بالعلم.. وفي مجال الحقوق والقانون .. ومع تطور وسائل الإعلام والثقافة ، فإن الثقافة والتعليم والتثقيف الحقوقي والقانوني بكافة الوسائل وخاصة الإعلام .. فإن ذلك كفيل بإنهاء هذه الظاهرة , وخاصة في بيئتها والمجتمعات التي تتأصل بها وتستوطن فيها كالوباء (بداوة – وريفاً – وأماكن نائية – وحتى بلدات ومدن وحواضر …الخ).
ولا ننسى دور رجال الحقوق ابتداء بطلبة الحقوق ودارسي الدراسات العليا وحملة الإجازات في الحقوق والأخص ممارسي العمل في مجال القانون المحامون والقضاة .. الذين لا يجب أن يألوا جهداً في العمل على إنهاء هذه الظاهرة اللا حضارية ونحن في الربع الأول من القرن الحادي والعشرون .. في عالم يسير نحو الفضاء والتقنية الرقمية والكمبيوتر والغد الواعد بالتطورات الإنسانية مما وهبه الله عز وجل من إمكانات لخلقه وخاصة الإنسان أكرمها.
وأهم ما قيل في عادة أو ظاهرة الثأر :
إن ظاهرة الثأر من أبشع الجرائم وأشنعها , ومن أسوأ الظواهر وأخطرها , إذا تفشت في مجتمع أو انتشرت في بيئة أوردت أهلها موارد الهلاك , إنها تفتح أبواب الشر , وتحوّل حياة الناس إلى صراعات لا تنتهي .
وظاهرة الثأر من العادات السيئة , ومن بقايا الجاهلية التي كانت منتشرة في الناس قبل الإسلام , فلما أشرق الإسلام بتعاليمه السمحة , قضى على هذه الظاهرة وشرّع القصاص , حيث يطبق بالعدل , ويقوم به ولي الأمر , وليس آحاد الناس حتى لا تكون الحياة فوضى , ولا بد من التعرف إلى أسباب ظاهرة الثأر , لإنهائها ومنعها وعدم تكرارها :
ـ فمن أسباب هذه الظاهرة :
ضعف الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه , ولا شك أن ضعف الإيمان يكون بسبب ضعف الأعمال الصالحة وقلتها , وأن قوة الإيمان وزيادته تكون بزيادة الطاعات والقرب من الله سبحانه وتعالى , لأن الإيمان يزيد وينقص , فيزيد بزيادة الأعمال الصالحة وينقص بنقصها , فمن سمات المؤمنين الكاملين ما ذكره الله تعالى في قوله في وصف الكاملين في إيمانهم :
{إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم } الأنفال 2 ـ 4 .
ـ ومن أسباب ظاهرة الثأر : رواسب الحقد والضغائن وحب التشفي والانتقام من الآخر , والتباغض والتقاطع والتدابر وقطع الأرحام والمخاصمات , وقد نهى الإسلام عن هذه الرذائل التي تشعل نار البغضاء والانتقام فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( لا تباغضوا , ولا تحاسدوا , ولا تدابروا , ولا تقاطعوا , وكونوا عباد الله إخوانا, ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث )) رواه البخاري ومسلم .
إن الشحناء التي تندلع في نفوس بعض الناس هي التي تؤجّج نار الثأر عند بعض الناس , ولذا كان الوعيد الشديد لأهل الشحناء , عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا انظروا هذين حتى يصطلحا )) رواه مسلم , ومعنى <انظروا> أمهلوا .
ـ ومن أسباب ظاهرة الثأر : التحريش بين النفوس أي بث العداوة والغيرة العمياء والبغضاء بين الناس , والإفساد وتغيير القلوب عندما يستجيب أصحابها لوساوس الشيطان, وعن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن التحريش بينهم )) رواه مسلم .
ومن سوء العادات أنه إن كان أخوه قد أساء إليه في شيء يسير يكيل له الصاع صاعين , ويثأر للماضي , ويسلك سبيل التشفي والظلم والعدوان ! فكيف إن كان من أساء غريبا عنه ؟.
نصيحة :
إنني أدعو الذين تحدثهم أنفسهم الأمّارة بالسوء ويستمسكون ويستعصمون بالسلف غير الصالح أدعوهم إلى البعد عن ظاهرة الثأر , أدعوهم إلى أن يتوبوا إلى الله تعالى حتى لا يموتوا على شعبة من شعاب النفاق وضعف الإيمان لأن ظاهرة الثأر تخرج صاحبها من حظيرة الإيمان , وتلعب برأسه وساوس الشيطان ولننظر إلى رسولنا صلى الله عليه وسلم وهو القدوة الحسنة فما انتقم لنفسه قط و لا دعا أوحرّض على انتقام أو ثأر إلا لعزة الله وإعلاء كلمة الحق والدين , عن عائشة رضي الله عنها قالت : (( ما خيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما كان أبعد الناس منه وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله تعالى )) رواه البخاري ومسلم , فلتكن لكم في رسول الله أسوة حسنة ياأولي الألباب.
فلنبدأ بأنفسنا في أطفالنا وشبابنا بغرس روح الحب والتسامح والله ولي التوفيق .
المحامي بسّام محتسب بالله
اترك تعليقاً