الدولة الحديثة ونظام مكافحة التحرش
د. أسامة بن سعيد القحطاني
صدر أخيرا نظام مكافحة جريمة التحرش، وهي خطوة عظيمة نحو استكمال بناء الدولة الحديثة ومعالجة الظواهر السلبية في المجتمع من خلال القانون المنظم والمنشور للجميع والمبني على الشريعة الإسلامية.
كان هناك معارضة ثقافية من البعض حول فكرة تشريع نظام في هذا الصدد، ومع الأسف دخلت استقطابات ثقافية في الموضوع وهي في الحقيقة بعيدة كل البعد عن الصحيح ومصلحة البلد، وكان من بين ما طُرح في تلك الفترة أن “وضع نظام لمكافحة التحرش هو تشريع للمحرمات!” حسب تعبير البعض، وطرح مثل هذه الآراء في الحقيقة هي ممارسة لعملية تجهيل وإعاقة تحديث البلد والمجتمع من حيث لا يشعرون.
ولو أجرينا إسقاطاتهم على نقاط كثيرة لما استقامت لنا الحياة أبدا، فمثل هذا الإسقاط يقول: إن وضع عقوبة لشارب الخمر إباحة لصناعته كونه لم يشرب! وفي نظام مكافحة المخدرات تشريع لشرب الخمر كونه يتحدث عن المخدرات فقط، وهكذا اللائحة تطول! ولا يمكن فهم كلام هؤلاء إلا أنه تفسير لتصرفات وآراء الآخرين بأسوأ معانيها وهو ظن السوء الذي يحرمه القرآن.
البعض أيضا يستدعيه عقله الباطن ويلجأ إلى لوم الضحية وترك الجلاد؛ بأنها كانت متبرجة أو غير مستترة وهكذا؛ وهذا مؤلم فعلا وغايته في الحقيقة أنه تبرير لسلطة القوي على الضعيف! فهل القصر الفخم مبرر للسارق؟ وهل فساد القتيل مبرر للقاتل؟ أعود لموضوع النظام الذي نحتاج إليه جدا لحل مشكلة التحرش في مجتمعنا؛ حيث إنه يعاني حالة التحرش على الرغم من أنه أكثر شعوب العالم محافظة، وهناك حالات كثيرة تحدث في أماكن مختلفة ليست مكشوفة وتحتاج إلى علاج قانوني، كالتحرش في مكان العمل وهو من أخطر حالات التحرش، حيث يجتمع تصادم بين الحاجة إلى الوظيفة والضعف أمام صاحب العمل وفي الوقت نفسه امتلاك السلطة وهكذا.
ولأجل ذلك فقد عالج النظام كل حالة بحسبها، حيث إذا صاحب عملية التحرش كون المجني عليه طفلا أو من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ فإن العقوبة تكون مغلظة، كما إنه في حال كانت الجريمة في مكان العمل أو الدراسة تكون مغلظة أيضا، أو في أي حال يصاحب الجريمة وجود استغلال مثل كون الجاني له سلطة مباشرة أو غير مباشرة على المجني عليه فعندها تكون العقوبة مغلظة أيضا، وذلك بأن تكون العقوبة بالسجن لمدة لا تزيد على خمس سنوات وغرامة مالية لا تزيد على 300 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين حسب المادة السادسة من النظام.
وفي المقابل وحفظا لحقوق المجتمع والتوازن فيه؛ وضع النظام عقوبة قاسية لمن يثبت عليه كيدية الدعوى بالتحرش، حيث إنه يمكن أن يعاقب بعقوبة المتحرش نفسها حسب المادة السابعة فقرة “3” من النظام. وهذا بالتأكيد يحفظ التوازن بين الحقوق. *محام ومستشار قانوني
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً