الأراضي الموات كمصدر من مصادر تكوين الرصيد العقاري للدولة (الملك الخاص)
الأستاذ: الحسن اولياس
باحث في العلوم الإدارية والقانونية
مقدمة:
يكتسي التوفر على وعاء عقاري خالص المجال الخصب للنهوض بالتنمية الحضرية والقروية ببلادنا، أملاك الدولة الخاصة جزءا من هذا الوعاء
وبالرجوع الى مصادر تملك الدولة (الملك الخاص) للعقارات، يتضح انها متعددة ومتنوعة، اذ نجد ان التملك يتم اما بمقابل، كما هو الحال في الاقتناءات العقارية بالتراضي او عن طريق نزع الملكية، كما انه قد يكون بالمجان كما هو الامر بالنسبة للعقارات المتأتية عن طريق التركات الشاغرة، الهبات، المصادرات وحجز أموال الأشخاص الخاضعين للمسطرة الغيابية…. الى غير ذلك من طرق التملك بالمجان الأخرى.
ومن جملة مصادر تملك عقارات الدولة(الملك الخاص) بالمجان، يوجد نظام الأراضي التي لا مالك لها، او ما يعبر عنه بالاصطلاح الفقهي والقانوني” الأراضي الموات” او ” أراضي المحروم” وكلاهما تسمية لنظام قانوني واحد
فما المقصود بالأراضي الموات، وما هو النظام القانوني الذي يحكمها وكيف تعامل الفقه الإسلامي مع مسالة تأطير نظام هذا النوع من الأراضي، وما هو موقف الاجتهاد القضائي المغربي في مسالة تأكيد احقية الدولة (الملك الخاص) في تملك هذا النوع من الأراضي قبل صدور مدونة الحقوق العينية المغربية، وبعبارة اصح في فترة غياب أي نص قانوني يؤطر لأحقية تملك الدولة لأراضي الموات.
على ضوء ما تقدم، سنحاول تقسيم موضوع هذا البحث، وفق المنهجية التالية
المبحث الأول: تعريف أراضي الموات على ضوء الفقه والقانون.
المبحث الثاني: حق الدولة في تملك أراضي الموات ومشروعية احيائها واستغلالها من طرف الغير
المبحث الثالث: موقف الاجتهاد القضائي المغربي في مسالة تأكيد احقية تملك الدولة لأراضي الموات قبل صدور النص القانوني المؤطر للموضوع
المبحث الأول: تعريف أراضي الموات على ضوء الفقه والقانون:
الفقرة الأولى: تعريف الأرض الموات لغة واصطلاحا
التعريف لغة:
مصطلح الموات، مشتق من الموت والجمود أي عدم الحركة ، وهو عدم الحياة، واصله في اللغة ذهاب القوة من الشيء.
قال ابن منظور:” الموت في كلام العرب يطلق على السكون، فيقال ماتت الريح أي سكنت… وماتت النار موتا برد رمادها، فلم يبق من الجمر شيء”
وقال أيضا ” والموتان من الأرض: ما لم يستخرج ولا اعتمر…. والموات أيضا الأرض التي لا مالك لها من الادميين ولا ينتفع بها أحد”.
التعريف اصطلاحا:
ان لفظة الأراضي الموات استعملت في الفقه الإسلامي بمعان ودلالات متعددة ومتقاربةفيمابينها .
ففي الفقه الحنفي مثلا: الأرض الموات هو ذلكم العقار او الملك الذي تعذر حرثه وزراعته، اما بسبب انقطاع الماء عنه او لغلبته عليه، غير مملوك وبعيد عن العامر( عقار غير حضري) ، وقيل: ما ليس بملك لاحد ولا هي من مرافق البلد، وكانت خارجة البلد سواء قريبة منه او بعيدة.
وعند المالكية: الموات هو كل ما لم يتم تملكه من قبل أحد في الإسلام ولا عمر في الجاهلية عمارة ورثت في الإسلام، وقيل أيضا: الأرض المنفكة عن الاختصاص.
وفي الفقه الشافعي: كل ما لم يكن عامرا، ولا حريما لعامر، وقيل أيضا: العقار الغير المملوك والمنفع به من قبل أي احد.
وعند الحنابلة: الأرض المنفكة عن الاختصاصات، وملك معصوم.
ومن ثمة، فإحياء الموات هو مباشرتها واستغلالها وتسييرها وبعبارة اصح مباشرة كل عمل رام الى احيائها وبعثها ، بتأثير شيء فيها من احاطة او زرع او عمارة، وقد ورد هذا المعنى في القران الكريم، ومن ذلكم قوله عز وجل:” وءاية لهم في الأرض الميتة احييناها، واخرجنا منها حبا فمنه يأكلون”، وقوله سبحانه عز وجل: ” فانظروا الى ءاثر رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها، ان ذلك لمحيي الموتى، وهو على كل شيء قدير” .
الفقرة الثانية: التعريف القانوني لأراضي الموات:
بالرجوع الى نص المادة 222من مدونة الحقوق العينية نجد انها تنص على التالي:” الأراضي الموات التي لا مالك لها تكون ملكا للدولة، ولا يجوز وضع اليد عليها الا بإذن صريح من السلطة المختصة طبقا للقانون”.
وتضيف المادة223 من نفس المدونة على ما يلي: ” من احيا ارضا من الأراضي الموات، بإذن من السلطة المختصة، فله حق استغلالها”
وتحدثت الفصول 224 الى 226 من نفس المدونة عن حق استغلال هذه الأراضي ومن المختص بذلك…. الخ.
كما ان المشرع المغربي كذلك، أشار أيضا وبكيفية غير مباشرة الى الأراضي التي لا مالك لها او لم يتم التعرف على مالكيها في معرض تطرقه للتحفيظ الاجباري، وبالضبط في المادة51-7 التي ورد بها:” تحرر مطالب التحفيظ وتدرج تلقائيا في اسم الملك الخاص للدولة بالنسبة للقطع التي لم يتم التعرف على مالكيها اثناء اشغال البحث….”
انطلاقا مما تقدم، نجد ان المشرع المغربي اعتبر أراضي الموات هي الأملاك التي لا مالك لها، وهي بالتالي وبقوة القانون ملك للدولة، وفي توجهه هذا فان المشرع المذكور اقتصر فقط على ايراد عبارة الأراضي (أي العقارات) التي لا مالك لها، ولم يستعمل عبارة الأموال الغير المملوكة لأي أحد، عكس بعض التشريعات الأخرى ومن ذلكم القانون الجزائري، اذ تم النص في المادة 773 من قانونه المدني على انه:” تعتبر ملكا من أملاك الدولة جميع الأموال الشاغرة التي ليس لها مالك، وكذلك أموال الأشخاص الذين يموتون من غير وارث او الذين تهمل تركتهم”.
ومهما يكن من امر، فان الأراضي الموات حسب التعريف القانوني، هي الأراضي الغير المستعملة عمليا، ولا يستغلها أي أحد، وبالتالي فهي بقوة القانون ملك للدولة، غير انه بمكان الأشخاص استغلالها وفق طرق قانونية معينة يؤدي عدم سلوكها من قبلهم الى اعتبارهم في حكم المحتلين او الغاصبين لها ، والسؤال المطروح كيف يمكن لهم استغلالها وما هي الإجراءات المتبعة في ذلك، هذا التساؤل سوف تتم الإجابة عنه من خلال المحور التالي:
المبحث الثاني: حق الدولة في تملك أراضي الموات ومشروعية احيائها واستغلالها من طرف الغير
الفقرة الأولى: مشروعية احياء واستغلال الأراضي الموات في الفقه الإسلامي
لقد ثبتت وتأكدت مشروعية احياء الأراضي الموات بالقران الكريم والسنة النبوية الشريفة، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله(ص):” من اعمر ارضا ليست لاحد، فهو أحق بها”، وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله (ص)، ” من احيا ارضا ميتة فهي له”، وعن ابن عباس رضوان الله عليه، قال: قال الرسول الأمين” موتان الأرض لله ولرسوله، فمن احيا منها شيئا، فهي له”.
وبالتالي، فان حكمة الشارع الحكيم في دعوته العباد لإحياء الأرض، تتوضح من خلال التعجيل لهم بثواب احياء الأرض وفي ذلك جزيل الثواب وعظيم الاجر، للفرد خاصة وللمجتمع عامة، اذ تمنح للفقراء والمعدومين العديد من الفرص من اجل اكتساب الرزق الحلال، بطريقة تساهم في حل او على الأقل الحد من مشكلة الفقر المنتشرة في المجتمعات الإسلامية، كما ان من شان الاحياء المذكور المساهمة في بلورة رؤية توفر حاجات العباد من موارد فلاحية و زراعية، والكل في اتجاه تحقيق الرخاء الاقتصادي وتوفير الثروة والحد من مشكل الفقر والعوز.
وقد ثبت احياء الأراضي الموات، عند المالكية بغرسها او جعلها صالحة للزراعة، وذلك بأحد الأمور التالية:
زرع الأرض
غرس الأشجار
انشاء الأبنية
شق مجرى وجدول للسقي
كراب الأرض فقط (رواية عن الامام ابي يوسف)، ومعنى الكراب هو قلب الأرض
سقيها فقط (رواية عن الامام ابي يوسف كذلك)،
اما عند الشافعية، فان الاحياء المذكور، يتم بالطرق التالية:
ان يجمع لها ترابا، يحيط بها ويميزها عن غيرها
ان يسوق الماء اليها
تسويتها بطم المنخفض منها واكتساح العالي ليمكن زراعتها وحرثها
وعند الحنابلة:
يكون الاحياء بان يقيم المحيي على الأرض حائطا منيعا، لقوله صلى الله عليه وسلم:” من أحاط حائطا على ارض فهي له”، فلان الحائط حاجزان يجمع
منيع، فكان احياء.
غير ان عملية احياء الموات لا تتم هكذا وبطريقة اعتباطية، بل لا بد فيها من شروط وضوابط معينة،
وقد اختلف اهل العلم، في احياء ارض الموات، على ثلاثة اقوال:
الاتجاه الأول: يشترط في الاحياء اذن الامام، سواء فيما قرب من العمران او ما بعد، وهذا قول ابي حنيفة.
الاتجاه الثاني: لا يشترط اذن الامام، فيما كان قريبا من العمران، وهذا قول مالك وابن القاسم قال الامام مالك:” اما ما كان قريبا من العمران، وان لم يكن مملوكا فلا يحاز ولا يعمر الا بإذن الامام، واما ما كان في فيافي الأرض، فلك ان تحييه بغير اذن الامام”.
الاتجاه الثالث: لا يشترط اذن الامام سواء فيما كان قريبا من العمران، او ما كان بعيدا عنه، وهذا قول الشافعي وابي يوسف ومحمد من الحنفية، فقد قال الشافعي:” ان عطية رسول الله(ص)، اثبت العطايا، فمن احيا مواتا فهو له بعطية رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
الفقرة الثانية: حق الدولة في تملك أراضي الخواص ومشروعية احيائها واستغلالها من الغير
من المنظور القانوني نجد ان هذا الأخير انما جاء ليؤكد نفس الطرح المتبنى فقهيا، وقد تم ذلك عبر مراحل، ففي ظل النظام القانوني السعودي على سبيل المثال وقبل تاريخ 9/11/1387 هجرية، كان ذلكم النظام يتيح اثبات المحاكم لتملك المواطنين بالإحياء وإخراج صكوك التملك ( او ما يعبر عنه حجج الاستحكام)، بعد التأكد من استيفاء الشروط المعتبرة شرعا في الاحياء، دونما حاجة الى الحصول اذن السلطة المختصة ( الوالي) ، فلم يكن امام المعني بالأمر سوى تقديم طلب للمحكمة يثبت حصول الاحياء سواء كان زراعيا او سكنيا، ثم يتولى القاضي بعد ذلك العمل على تطبيق القانون.
وفي هذا المنحى جاء بالمادة 85 من نظام تنظيم الاعمال الإدارية بالدوائر الشرعية الصادر بالتصديق العالي رقم 109 وتاريخ 24/01/1372 هجرية، ما يلي:” على المحكمة اذا طلب منها عمل استحكام ان تكتب الى كل من البلدية والاوقاف والمالية ، للاستفسار عما اذا كان هناك مانع لديها من اجراء ذلك، فان لم يكن ثمة مانع، اجري الاستحكام بعد إعلانه في الجريدة الرسمية لمدة شهر”، واستمر العمل وفق هذا النهج قرابة15 سنة، حتى صدر قرارا لمقام السامي رقم 21679 بتاريخ 09/11/1387 هجرية والذي ينص على انه: ” كل من يدعي وضع اليد لا يلتفت الى دعواه من الان فصاعدا” .
استنادا لما سيق ،أصبح النظام السعودي يشترط لصحة ثبوت الاحياء بعد توفر الشروط المقررة شرعا، ان يكون ذلكم الاحياء قبل تاريخ 9/11/1387 هجرية، او الحصول على اذن الولي فيما بعد هذا التاريخ، وقد تأكد هذا المعطى بدوره من خلال نظام المرافعات الشرعية الصادر بالمرسوم الملكي عدد 2/21 بتاريخ 20/05/1421 هجرية الذي نسخ نظام تنظيم الاعمال الإدارية في الدوائر الشرعية.
وبالرجوع الى القانون المغربي نجد ان هذا الأخير لم يحكم مسالة تنظيم أراضي الموات بنص قانوني الا بعد صدور مدونة الحقوق العينية والتي باستقراء المواد 222 الى 226 منها، ( الواردة في مدونة الحقوق العينية وبالضبط في الكتاب الثاني المتعلق بأسباب كسب الملكية والقسمة-الفصل الأول المتعلق بإحياء الأراضي الموات والحريم والالتصاق والحيازة)، نجد ان تلكم الفصول تقر و تؤكد بكون الأراضي التي لا مالك لها هي ملك للدولة، كما انه لا يجوز وضع اليد عليها الا بإذن صريح من السلطة المختصة طبقا للقانون ومن جانب اخر فان من احيى ارضا ميتة بإذن من السلطة المختصة، فله فقط حق استغلالها …..الخ
انطلاقا من ذلك، وباستقراء النصوص المعنية، يتضح ما يلي:
1-الأراضي الموات هي ملك للدولة فقط
2-ان استغلالها وتسييرها من قبل الغير لا يمكن ان يتم، الا بعد الحصول على الاذن او الترخيص من السلطة المختصة
3-الغير، له الحق في الاستغلال فقط دون الادعاء في يوم من الأيام ملكية الرقبة التي هي للدولة وبقوة القانون.
4-يختص المستغل (اهل البلدة، مالك الدار، رب البئر، محدث الشجر) بالحريم، ويمنع الغير من استغلاله او احداث أي شيء فيه، وكل ما يضر بهذا الحريم يزال.
الا ان ما يعاب على التشريع المغربي، عدم تحديده طبيعة المستغل لأرض الموات والشروط الواجب توافرها فيه هل يقتصر فيه الامر على الشخص الطبيعي ام يتعدى ذلك حتى الى الأشخاص الاعتبارية وكذا الأجانب، وما هي الجهة المعنية بمنح ترخيص الاستغلال هل هي السلطة المحلية وحدها، ام تنضاف اليها مندوبية أملاك الدولة باعتبارها هي المالكة للعقار ، ام ان الامر يستدعي ضرورة ادخال جهات أخرى كالإدارة المكلفة بالفلاحة في حالة الاستغلال الفلاحي او الزراعي ….الخ، كلها تساؤلات تستدعي التوضيح للإلمام اكثر بالموضوع، وتفادي أية تأويلات قد تطرح….
المبحث الثالث: موقف الاجتهاد القضائي المغربي في مسالة تأكيد احقية تملك الدولة لأراضي الموات قبل صدور النص القانوني المؤطر للموضوع
كما سلف الذكر، فانه بالنسبة للمغرب لم تكن هناك مقتضيات تشريعية صريحة تنظم الأراضي الموات، الى ان صدرت مدونة الحقوق العينية فتطرقت بعض احكامها لتنظيم هذا النوع من العقارات، هذه المقتضيات وان كانت توضح بعض الخصائص المميزة لهذه الأملاك، الا انه لم ترصد بعض الإشكالات التي يمكن ان تتولد عن تحديد بعض المفاهيم وفق ما سبق التطرق اليه.
ومن ثمة، فالسؤال المطروح، كيف تم التعامل في الفترة السابقة لصدور و نشر الظهير الشريف رقم1.11.178 الصادر بتاريخ 22 نونبر2011 بتنفيذ القانون رقم39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، بالجريدة الرسميةعدد5998 بتاريخ 24 نونبر2011، مع نظام الأراضي الموات، وما هو الاتجاه الذي نحاه الاجتهاد القضائي المغربي في المنازعات المرتبطة بهذا النظام العقاري.
في واقع الامر، وبعد البحث المتواضع الذي تم القيام به، لم يتم العثور سوى على قرارين صادرين عن محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) في الموضوع:
الأول: تحت عدد 3395 بتاريخ 19/09/2000، في الملف عدد 651/1/1/2000، كان موضوعه نزاع تحفيظ قائم بين بعض الخواص والدولة (الملك الخاص)، ويهم عقارا كائنا بدائرة ابن احمد التابعة في ذلكم الوقت للمحافظة العقارية بالبيضاء، والذي جاء فيه:
“…. وحيث يعيب الطاعنون-المستأنف عليهم-القرار في الوسيلة الأولى بخرق الفصلين 9 و369 من ق.م.م، ذلك انه لم يتقيد بالنقطة القانونية التي بت فيها المجلس الأعلى في قراره عدد549 أعلاه لم تتم الإشارة فيه الى إحالة الملف على النيابة العامة ولا الى انها ادلت بشيء، وفي الوسيلة الثانية بانعدام التعليل،
ذلك ان المتعرض لم يثبت بأية حجة مزاعمه ملكية جزء من العقار المتعرض عليه من طرفه. وان المعاينة انما اسفرت على ان عقار المطلب شبيه بأرض المحروم الموالية له جهة القبلة، ولا يعقل انتزاع عقار من يد صاحبه بعلة انه شبيه بعقار اخر مجاور او الاكتفاء بما صرح به أحد شاهديهم بما يعرفه، وهو ما لم يصرح اطلاقا بان الجزء المذكور ملك للدولة بل لم يصرح بهذا الشاهدان معا. وفي الوسيلة الثالثة بانعدام التعليل ذلك باعتباره” ان العقار المتعرض عليه ملك للدولة” دون حجة وانهم ” لا يتوفرون على أي ترخيص مسبق من الجهة المختصة” دون تكليفهم بذلك. وهو قلب لعبء الاثبات. اذ ان المتعرض هو المدعي الذي عليه الاثبات. وطالب التحفيظ المدعى عليه غير ملزم بالحجة.
لكن. ردا على الوسائل مجتمعة.فان القرار قد أشار في صفحته الثانية الى ” تقديم النيابة العامة لملتمسها الكتابي الرامي الى تطبيق القانون”.
وانه بما للمحكمة المصدرة له من سلطة في تقييم الأدلة واستخلاص قضائها منها. حين علل بانه” ثبت من المعاينة ان الجزء موضوع التعرض شبيه بأرض المحروم او ما يسمى بالمنطقة” مكراط” الموالي امتدادا لها والتي هي على ملك الدولة.
وافاد الشاهدان المستمع اليهما بعين المكان واللذان احضرا من طرف طالبي التحفيظ ان الجزء المذكور كان ارضا محروما” مكراط” يستغل كمرعى من قبل كافة سكان المنطقة الى ان اقام عليه موروث طالبي التحفيظ سياجا من الحجر وقام باستصلاحه وضمه لأرضه.
وان الحيازة لا تثبت الملك بالنسبة لعقارات الملك الخاص للدولة.مما كان معه تعرض هذه الأخيرة في محله”، فانه نتيجة لما ذكر كله يكون القرار معللا وغير خارق لمقتضيات الفصلين أعلاه.مما تبقى معه بقية علله الأخرى المنتقدة عللا زائدة يستقيم القضاء بدونها. والوسائل جميعها غير جديرة بالاعتبار.”
انطلاقا من هذا القرار، يتضح ان محكمة النقض اقرت بملكية الدولة للأراضي الموات في فترة سابقة بكثير لتاريخ صدور النص القانوني المؤطر لهذا الموضوع، ولعل الاتجاه محمود باعتباره اقر قاعدة قانونية مهمة يمكن الاستدلال بها في أي نزاع يمكن ان يثار بين الدولة و الاغيار في شان مدى ادعاء تملك هذا النوع من العقارات خاصة في فترة غياب النص القانوني كما سلف الذكر، كما ان قيام الغير باستغلال هذا النوع من الأراضي او حيازتها باي وجه كان دون الحصول على ترخيص بذلك من لدن الجهات المختصة، يجعل ذلكم التصرف او الحيازة غير مجدي باعتبار ان أملاك الدولة لا يحاز عليها، وهي نقطة قانونية أخرى أشار اليها القرار السالف الذكر في تعليلاته لمنطوقه ،
وتزكت أيضا بقرارات أخرى صادرة في الموضوع قبل صدور الظهير الشريف رقم1.11.178 الصادر بتاريخ 22 نونبر2011 بتنفيذ القانون رقم39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، بالجريدة الرسمية عدد5998 بتاريخ 24 نونبر2011، الذي اطر كذلك في المادة267 منه ، قاعدة كون عقارات الدولة لا يحاز عليها متى ثبتت الملكية لها.
اما القرار الثاني، الصادر تحت عدد 1930 بتاريخ17/05/2001، في الملف المدني عدد985/3/2/99، فقد ورد في قاعدته القانونية ما يلي:
” …ان الاحياء الذي يؤدي الى الملكية هو الذي يكون محله ارضا غير مملوكة، اما الأرض المملوكة لشخص إذا أهملها حتى صارت ميتة، فلا يعتبر احياؤها من طرف الغير سببا لملكيتها”
هذا القرار وان كان يتحدث عن الاحياء الذي يؤدي الى التملك، فهو ينصرف بطريقة غير مباشرة الى التمييز الذي اقره فقهاء الشريعة الإسلامية بين الحيازة المنشئة للملك، وهي التي تنصب على ما لا مالك له، وبين الحيازة الدالة على الملك، المسقطة لدعوى مدعي الملك، وهي التي تنصب على ما جهل مالكه او على ما عرف مالكه، وجهل سبب حيازة الحائز له، وهو ما يطلق عليه وجه المدخل، فان عرف وجه المدخل وكان مما لا ينقل الملك فالحيازة في هذه الحالة عديمة الأثر و كمثال على ذلك ادعاء شخص تصرفه في الملك، وهو مجرد مكتر له، فحيازته هنا لا تنفعه ولو طالت.
خاتمة:
ان موضوع ملكية الدولة للأراضي الموات، يكتسي أهمية بالغة خاصة خاصة وان الامر في هذه العقارات يتعلق بمساحات اغلبها شاسعة، وبتأكيد احقية الدولة في تملكها بنص قانوني صريح سيتم حسم كافة الإشكالات التي تدور حولها، ومدى طبيعة التصرف فيها من قبل الغير، بل ان الامر سيحسم بشكل قاطع، حتى على مستوى النزاعات القضائية المرتبطة بها.
ومن جانب اخر، فان تصفية الوضعية القانونية لهذا النوع من العقارات سيمكن الدولة من تكوين رصيد عقاري يمكن تعبئته لإنعاش مختلف المشاريع التنموية بالمغرب، سواء فيما يرتبط بالاستثمار باعتباره لبنة من لبنات النهوض بالتنمية او غير ذلك من المجالات الأخرى.
تم بعون الله مع قوته
المراجع المعتمدة:
مؤلف ” ضوابط احياء الأراضي الموات.
” نوازل العقار” للأستاذ احمد بن عبد العزيز العميرة، دار الميمان للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى 2011.
” التركة الشاغرة في القانون المغربي”، للأستاذ عبد السلام الشمانتي الهواري، الطبعة الاولى2013.
المساطر الخاصة للتحفيظ العقاري، ذ/ احمد العطاوي، الجزء الأول، منشورات مجلة القضاء المدني
لسان العرب، لابن منظور.
الأحكام السلطانية للماوردي – دار الكتاب العربي – بيروت.
كتاب إحياء الأراضي الموات – ذ/ المظفر – طبعة 1972
مدونة الحقوق العينية المغربية
اجتهادات قضائية غير منشورة.
اترك تعليقاً