تصويب العملية الانتخابية قضائياً
القاضي ناصر عمران
يظل القضاء الهامش والتفاصيل في بناء الجمل الديمقراطية التي يتشكل على أساسها النسيج المعرفي لكيان الدولة وبنائها المؤسسي المستند على النصوص القانونية الخارجة من صلب الوثيقة الدستورية التي صوت عليها الشعب في استفتاء عام وعلني كانت فيه مفردة (نعم ) هي الاعلى صوتاً في صناديق الاقتراع التي تمثل التجسيد الفعلي لإرادة الشعب، فما تقوله صناديق الاقتراع هو الرؤى والرؤيا التي ارادها الناخب لطريقة ادارة الدولة ومنهجها وبرنامجها ونظام حكمها وحين يداخل الصوت الانتخابي الشك بأصوات وإرادات دخيلة وطارئة وغير حقيقية فان هناك ضابطا مهما قادرا على ان يضع الامور بمسارها الصحيح لذلك جاء في الاسباب الموجبة لتشريع التعديل الثالث لقانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم 45 لسنة 2013 ما نصه (تحقيقا للشفافية في نتائج الانتخابات وحفاظا على النظام الديمقراطي في العراق وحماية العملية الانتخابية بما يؤمن الثقة بنزاهة الانتخابات وثبوت عدم صلاحية جهاز تسريع النتائج الالكترونية وتسببه في عدم ظهور النتائج بصورة حقيقية ولإجراء العد والفرز اليدوي في عموم العراق شرع هذا القانون).
ومن قراءة الأسباب الموجبة للتشريع نستطيع أن نحدد النقاط المهمة التي جاء التعديل لمعالجتها على اثر ما حصل في العملية الانتخابية التي جرت بتاريخ 12/ 5 / 2018 وما رافقها من اشكالات واهمها التشكيك في نزاهتها وهي المهمة التي شرع القانون لمعالجتها بغية استجلاء الحقيقة وتصويب العملية الانتخابية والتي اثبتت اللجنة التحقيقية العليا التي شكلها مجلس الوزراء بان هناك حاجة ضرورية وملحة تتعلق ببناء الدولة واعادة الثقة للنظام الديمقراطي تستدعي اتخاذ اجراءات واصدار تشريعات لمعالجة الخروقات التي حدثت في العملية الانتخابية.
وجاءت توصيات اللجنة التحقيقية المشكلة من قبل مجلس رئاسة الوزراء والمتعلقة بدور مجلس النواب والتي تضمنت اتخاذ المجلس إجراءات تشريعية تستدعي معالجة الخروقات الانتخابية وبالتأكيد ان ذلك لا يتم الا من خلال تشريع قانون يمنح الجهات التحقيقية صلاحيات جديدة لكشف الحقيقة وتصويب عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ولم يذهب مجلس النواب بعيداً عن الرقابة القضائية في تحديد التصويب وتبيان الحقيقة وهو اتجاه اشار اليه الدستور حين منح الرقابة على دستورية القوانين للمحكمة الاتحادية العليا في المادة (92 /اولاً) من الدستور، فمنح التعديل مجلس القضاء الاعلى انتداب تسعة قضاة لإدارة مجلس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات يتولون صلاحية مجلس المفوضين بدلا من مجلس المفوضين الحالي وقاض لكل مكتب من مكاتب المفوضية العليا في المحافظات بدلا من المدراء الحاليين وتنتهي مهام القضاة المنتدبين عند مصادقة المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات وهو امر تعرض لمواجهة التدقيق بدستوريته أمام المحكمة الاتحادية والتي صادقت عليه بقراراتها بالعدد (99، 104، 106 / اتحادية / 2018 بتاريخ 21 / 6 / 2018 واعتبرته تعديلا للمادة (49) من قانون التنظيم القضائي رقم (160 ) لسنة 1979 وردت الطعن بشأنه كما ان القانون يوقف اعضاء مجلس المفوضين الحاليين ومدراء مكاتب المحافظات عن العمل لحين الانتهاء من التحقيق في جرائم التزوير التي اشار اليها قرار مجلس الوزراء وحسب المادة (4) من قانون التعديل وبذلك تكون صلاحية القضاة المنتدبين محددة بما جاء في قانون التعديل فيقوم القضاة المنتدبين بأداء الاعمال وممارسة الصلاحيات الخاصة بمجلس مفوضين بإعادة العد والفرز اليدوي وبحضور وكلاء الكيانات السياسية والغاء العمل بجهاز تسريع النتائج الالكترونية.
وتعتمد النتائج على اساس العد والفرز اليدوي ويشمل هذا العد والفرز كافة المحطات حتى المحطات الملغاة منها حسب المادة (1) من قانون التعديل كذلك الإشراف على اجراء مطابقة اوراق الاقتراع مع التقرير الصادر من جهاز التحقق الالكتروني الخاص باركود اوراق الاقتراع وباتخاذ القرارات اللازمة لذلك وتنتهي مهمة القضاة المنتدبين بعد المصادقة على الانتخابات من قبل المحكمة الاتحادية العليا.
ان صلاحيات مجلس المفوضين الوارد ذكرها في قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات الممنوحة للقضاة المنتدبين محصورة بالصلاحيات الواردة لمجلس المفوضين بالمهمة وهي التحقق من سلامة العملية الانتخابية وما شابها حفاظاً على العملية الانتخابية والتجربة الديمقراطية وقد وردت في الفصل الرابع المادة (4) من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11لسنة 2007 صلاحيات مجلس المفوضين وهي :
أولاً : انشاء وتحديث سجل الناخبين بالتعاون والتنسيق مع مكاتب الأقاليم والمحافظات.
ثانياً : تنظيم سجل الكيانات السياسية والمصادقة عليها لغرض خوض الانتخابات.
ثالثاً : تنظيم سجل قوائم المرشحين للانتخابات والمصادقة عليها.
رابعاً : اعتماد مراقبي الانتخابات ووكلاء الكيانات السياسية والإعلاميين.
خامساً : البت في الشكاوى والطعون الانتخابية كافة وتكون قراراتها قابلة للطعن امام هيئة قضائية تمييزية مختصة.
سادساً : المصادقة على إجراءات العد والفرز.
سابعاً : إعلان النتائج النهائية للانتخابات والاستفتاء بعد المصادقة عليها من الجهات القضائية المختصة باستثناء نتائج انتخابات مجلس النواب التي تصادق عليها المحكمة الاتحادية العليا.
ثامناً : وضع الانظمة والتعليمات التي تحفظ للعملية الانتخابية نزاهتها.
تاسعاً : المصادقة على هيكلية الادارة الانتخابية والتعيينات في الوظائف العليا.
عاشراً : رسم السياسة المالية للمفوضية.
مع التأكيد ان قرارات مجلس المفوضين المنتدب تخضع للطعن والاستئناف امام الهيئة القضائية للانتخابات والتي نص قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (11) لسنة 2007 ومن قبله الامر الصادر من سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 92 لسنة 2004 على تشكيل هذه الهيئة القضائية حيث نصت المادة (8/ ثالثا ) من القانون (تقوم محكمة التمييز بتشكيل هيئة تسمى الهيئة القضائية للانتخابات تتألف من ثلاثة قضاة غير متفرغين).
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً