دور القضاء الإداري في حل المنازعات الإدارية
أ/ عبد الله كامل محادين
خصوصية المنازعة الإدارية ودور القضاء الإداري
يساهم القضاء الإداري في الدول العربية بدور في غاية من الأهمية في مجال مراقبة مشروعية الأعمال الإدارية وحماية حقوق وحريات الأفراد وهذا من خلال فصله في القضايا المعروضة عليه ويستمد القضاء الإداري هذه الأهمية من وظيفة الطبيعة كونه الجهاز الرسمي الذي يفرض حكم القانون على جميع الهيئات وأيا كان مركزها وموقعها وطبيعتها كما يفرض حكم القانون على الأفراد وهو مايؤدي في النهاية إلى إقامة دولة القانون ودولة المؤسسات ودولة الحقوق والحريات ولا يمكن تكريس هذه المفاهيم في أرض الواقع دون دور للقضاء الإداري .
وإذا كانت مختلف القوانين العربية اعترفت للإدارة بسلطة إصدار قرارات إدارية وأن هذه القرارات تتمتع بالطابع التنفيذي وأن الإدارة لا تحتاج إلى اللجوء لسلطة أخرى ولتكن القضاء لتنفيذ قراراتها فإن الدساتير العربية أيضا اعترفت من جهة أخرى للفرد بحقه في اللجوء للقضاء لرد المظالم ووضع حد لكل تعسف قد يلاقيه من جانب الإدارة خاصة وأنه الطرف الضعيف في العلاقة بما يفرض بسط حماية له من كل اعتداء.
وإذا كان القضاء العادي ممثلا في المحاكم العادية والابتدائية وجهات الاستئناف وقضاء النقض هو الآخر يصون مبدأ المشروعية بصفة عامة ويحفظ الحقوق المقررة قانونا . وكذلك القضاء الدستوري يتولى حماية مبدأ دستورية القوانين والأنظمة فإن القضاء الإداري يظل مع ذلك يتمتع بخصوصية لا نجدها في غيره من القضاء وتتجلى هذه الخصوصية فيما يلي :
1-أن المنازعة الإدارية أحد أطرافها سلطة إدارية وقد تكون سلطة مركزية أو إدارية محلية أو مرفق عام ذو طابع إداري . فالنزاع لا يتعلق بأشخاص القانون الخاص كما هو الحال بالنسبة للقضاء المدني بل نزاع أحد أطرافه سلطة عامة ، وبذلك تميزت المنازعات الإدارية عضويا عن الخصومة المدنية .
2-يتعلق موضوع النزاع بمسألة لها علاقة بالمصلحة العامة . فلو تصورنا أن النزاع يدور حول نزع ملكية للمنفعة العامة ، أو فصل موظف عن وظيفة ، فإن القرار الإداري وإن مس مركزا قانونيا فرديا ، إلا أنه يتعلق المصلحة عامة اقتضت إصدار قرار النزاع أو قرار العزل ، وهو يميز المنازعة الإدارية من حيث الموضوع عن الخصومة المدنية التي يحكمها مبدأ المساواة بين الأطراف
3-يمارس القاضي الإداري سلطات واسعة في مجال المنازعات الإدارية ، فهو من يوجه الإجراءات وقد يأمر الإدارة بإفادة جهة القضاء بوثائق ومستندات حتى أن البعض أطلق على القاضي الإداري بأمير الإجراءات ، وهذا خلاف للقاضي المدني الذي يوجهه الأفراد تطبيقا للمبدأ القائل “الخصومة ملك للخصوم”.
4-إذا كان القاضي المدني على الوجه الغالب الأعم يطبق القانون على الوقائع المعروضة عليه ، ويجد الحل في القاعدة القانونية ، فإن القاضي الإداري في كثير من الحالات يمارس دور القاضي المبدع المنشئ للقاعدة ثم الطبق لها وهو دور في غاية الأهمية . وحسبنا أن الإشارة أن القانون الإداري كأحد أهم فروع القانون العام هو من منشأ قضائي ولو الدور الرائد للقضاء الإداري ليعرف نشأة ولا تطور كالذي نشهده في الكثير من الأنظمة القانونية خاصة تلك التي تنبت نظام القضاء المزدوج.
5-أن القانون الواجب التطبيق على الخصومة المدنية هو القانون الخاص وهذا الأخير يعترف بأنه قانون التوازن والمساواة فلا يستطيع المشرع مثلا أن يفاضل مصلحة خاصة عن مصلحة مماثلة كأن يفضل مصلحة البائع على المشتري أو المؤجر على المستأجر وغيرها. بينما القانون الواجب التطبيق على المنازعة الإدارية هو القانون العام . وهذا الأخير وصف بأنه قانون السيطرة والخضوع . فمهما يكن من أمر المساواة بين الإدارة والفرد أمام القضاء تظل الإدارة تتمتع بامتيازات السلطة العامة ، والدليل أن لجوء الفرد للقضاء الإداري طالبا إلغاء قرار إداري لا يترتب عنه وقف سريان القرار المطعون فيه ، بل تمتد أثاره إلى غاية إلغاءه قضاءا ما لم تقرر السلطة القضائية المختصة توقيف سريانه إلى غاية ….. في دعوى الموضوع .
6-أن القاضي الإداري هو أكثر القضاة عرضة للمخاطر بحكم خصوصية المنازعة المعروضة عليه فأمام القاضي الإداري يقف رئيس الدولة والوزير الأول والوزير والمدير المركزي والمحافظ وغيرهم من أصحاب النفوذ وقد يتصدى القاضي الإداري لعمل الإدارة فيصرح إما بإلغاء قرار إداري بعد تنفيذه ، أو يصرح بحق المتضرر في الحصول على تعويض يلزم جهة الإدارة ونح من نفوذها وتعسفها والمقصد العام هو تكريس مبدأ المشروعية وإقامة الدولة القانونية وحفظ الحقوق والحريات ولا يتعرض القاضي المدني لضغط مماثل في القوة لأنه يفصل في مسائل تتعلق بالمصلحة الخاصة وأشخاص القانون الخاص.
اترك تعليقاً