المحكمة الاتحادية العليا في العراق عام آخر من الانجاز
القاضي سالم روضان الموسوي
أعلن السيد رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي مدحت المحمود في الجلسة الأخيرة من هذا العام عن عدد الدعاوى التي أنجزتها المحكمة الاتحادية العليا وهذا الكم من العمل يمثل مدى الدور الذي تلعبه المحكمة الاتحادية العليا بوصفها المحكمة الدستورية في العراق لان مهامها تتعلق بمراقبة دستورية القوانين والتحقق من مطابقتها للمبادئ الدستورية التي وردت في الدستور العراقي النافذ وتوفير المشروعية الدستورية ،
ولا يعد عملاً قضائياً فحسب وإنما هو مساهمة في البناء الوطني للعراق والحفاظ على وحدته وأمنه وسلامته واستقراره السياسي والاجتماعي والمتابع لعمل المحكمة الاتحادية خلال العام الجاري عام 2017 وهو في أيامه الأخيرة سوف يلاحظ إن هذا الكم من الدعاوى لا مثيل له في المحاكم الدستورية أو المجالس الدستورية في البلدان الإقليمية القريبة من العراق على الأقل كما يؤشر لنا عدة مؤشرات تتعلق بوضع العراق السياسي والاقتصادي والفكر التشريعي للمؤسسة التشريعية ومنهج المؤسسة التنفيذية في التعامل مع القانون او مع مشروع القانون عند اقتراحه، مثلما أعطى لنا صورة عن تطور الوعي الدستوري والقانوني للمواطن العراقي ممثلاً بالأفراد أو المنظمات والنقابات والتجمعات المدنية الأخرى،
إذ كانت بعض المنازعات الدستورية قد أقيمت من هؤلاء تجاه القوانين التي تشكل خرق للمبادئ الدستورية العامة وعلى وجه الخصوص المتعلقة بحقوق الإنسان كذلك كان للمحكمة الاتحادية العليا دور في رسم الإستراتيجية المالية والاقتصادية للبلد من خلال تصديها للدعاوى التي كانت تتعلق بقوانين اقتصادية وكذلك قانون الموازنة العامة، فضلاً عن تفسيرها للنصوص الدستورية التي شكلت لبساً وغموضا ومحل اختلاف لدى القائمين على أمور المؤسسات الدستورية في مجلس النواب أو مجلس الوزراء ممثلاً بالأمانة العامة لمجلس الوزراء وكان القرار التفسيري الذي تصدره المحكمة الاتحادية العليا بمثابة خارطة طريق يعمل في ضوئها وعلى هديها، مما حصن العمل التشريعي والتنفيذي من عيب عدم الدستورية لان تفسير النصوص الدستورية وكما يشير معظم فقهاء القانون الدستوري بان المقصود به شرح النص الدستوري بما يتجاوز التفسير الضيق،
وذلك بهدف كشف الخلفيات الكامنة ورائه والغايات، وإزالة الغموض والإبهام واللبس، وتوضيح المقصود منه، واستخراج المعيار الذي ينطوي عليه، أي المعيار الواجب اعتماده في مواجهة وقائع محددة، وليس على المستوى النظري وحسب، فالتفسير ينتج معايير دستورية من خلال إعطاء الأحكام الدستورية، موضع التفسير، المعنى الواجب أن يتقيد به من يتخذ القرار،
وهذا يوضح مدى الأهمية التي يتمتع بها القرار التفسيري للدستور لان التفسير عملية عقلية تشوبها الكثير من المحاذير وتواجهها العديد من التحديات ، والنجاح فيها لا يُعد عمل خارج المألوف أو جهد يستحق الإشادة لأنه يدخل في صميم عمل من يضطلع بهذه المهمة ، لكن الإخفاق فيها قد ينتهي إلى التأنيب واللوم ، وربما يهدر حقوق وينتهي إلى تعميق الأزمة لذلك تجد المحكمة الاتحادية العليا قد اتبعت أكثر من منهج في التفسير لان كل طلب لتفسير النصوص الدستورية يختلف عن الأخر حيث تراها في قرارٍ ما تتبع أسلوب التفسير اللفظي لنصوص الدستور وفي قرارٍ آخر اتبعت أسلوب الاستنتاج من مفهوم النص الدستوري كما اتبعت في قرارات أخرى أسلوب مقاربة النصوص الدستورية لتفسير النص المطلوب تفسيره، و
هذا يدل على ثقل المهمة التي تحملتها المحكمة الاتحادية العليا ولولا وجود المعرفة والحكمة والحياد والنزاهة والحس الوطني لرئيس وأعضاء المحكمة لما خرجنا بهذه الحصيلة المشرفة من القرارات التفسيرية والأحكام القضائية الدستورية، لذلك فان هذا العام كان مثل الأعوام السابقة كله همة ونشاط وانجاز، إلا انه تميز عن غيره بأنه أسهم بدرجة كبيرة في صيانة وحدة العراق وكان لقرارات المحكمة الاتحادية العليا المتعلقة بالأزمة التي حصلت في إقليم كردستان دور في نزع فتيلها وكان الأساس الذي اعتمدته المنظمات الدولية ومنها الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوربي، مثلما أتاح الفرصة لجميع الفرقاء بالعودة إلى الدستور والعمل بموجبه.
وأتمنى للمحكمة الاتحادية العليا المزيد من التوفيق والنجاح في عملها في العام القادم والأعوام التي تليه حتى نتمكن من بناء العراق الواحد الموحد الديمقراطي على أساس احترام الإنسان وحماية حقوقه الطبيعية والدستورية .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً