استقلال القضاء.. خطوات صحيحة
سلام مكي
شهدت الفترة الماضية، تقدما واضحا في مسيرة استقلال القضاء عن باقي السلطات، عبر تشريع سلسلة من القوانين التي تصب في ذلك الجانب، وكان آخرها قانونا ضم المعهد القضائي الى مجلس القضاء الأعلى، ونشره في الجريدة الرسمية. هذا القانون الذي تم اقراره قبل أشهر، تحول قبل ايام الى قانون نافذ بعد أن نشر في الوقائع العراقية، ليدشن مرحلة جديدة من تاريخ المعهد القضائي.
تلك المؤسسة العريقة التي شهدت تخرج مئات القضاة الذين شكّلوا اعمدة السلطة القضائية بمختلف مكوناتها. المعهد.كما هو معروف كان ضمن سلطة وزارة العدل، ويدار من قبل جهات سياسية وليست قضائية، وحيث ان عمل القاضي هو تطبيق القانون فقط، فكان لابد من اخضاع المعهد الى السلطة الأولى المعنية بتطبيق القانون وهي مجلس القضاء الأعلى الذي يمتاز بالمهنية والقدرة الكبيرة على تطبيق القانون أكثر من غيره من المؤسسات. ثم شهدت الفترة الماضية ايضا، التصويت على فك ارتباط مجلس شورى الدولة، بوزارة العدل، وجعله تابعا الى رئاسة الجمهورية، عبر تشريع قانون مجلس الدولة، وهي خطوة لا تقل اهمية عن فك ارتباط المعهد القضائي بالعدل، حيث ان فلسفة النظام الحالي للدولة العراقية، هو الفصل بين السلطات.
وهذا ما يقتضي فصلا تاما، خصوصا السلطة القضائية التي نص الدستور على تبعيتها الى القانون فقط، ولا سلطان لأحد عليها الا القانون.. وهذا لا يقف عند استحداث مجلس القضاء الأعلى وجعل تطبيق القانون يمارس من قبل جهة مستقلة، بل لابد من مراجعة جميع القوانين التي تخدم اتجاه الفصل بين السلطات. مجلس شورى الدولة وكما هو معروف، يمارس اختصاصات مهمة وخطيرة، ومنها القضاء الاداري، اذ يتألف من المحكمة الادارية العليا ومحكمة القضاء الاداري ومحكمة قضاء الموظفين. وهذه المؤسسات تمارس القضاء الذي يختص بفئة محددة وهي الموظفون، او النظر بالقرارات التي تنشأ من تطبيق قانون مجالس المحافظات رقم 21 لسنة 2008 المعدل، اذ تختص المحكمة الادارية بالنظر في الطعون في القرارات الصادرة من مجالس المحافظات، باعتبار ان القانون لم يحدد الجهات التي يطعن في قراراتها وبالتالي تكون مشمولة بقضاء المحكمة الادارية. هذه الاختصاصات، مهمة وخطيرة، ولا تقل أهمية عن اختصاصات مجلس القضاء الاعلى، لكن المشرع منحها خصوصية معينة على غرار الدول الاقليمية، حيث جعل القضاء الاداري يرتبط برئيس الجمهورية وليس بالحكومة ممثلة بوزارة العدل. وهو اجراء صحيح، ويسهم الى حد كبير في استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية، خصوصا ان رئيس الجمهورية كما وصفه الدستور رمز الدولة وحامي الدستور. (رغم ان رئاسة الجمهورية جزء من السلطة التنفيذية). نستطيع القول ان استقلال القضاء قطع اشواطا طويلة في ظل حالة الفوضى السياسية وعدم الاستقرار الأمني، وهذا ما يكشف عنه الواقع، حيث يمارس القضاء دورا حيويا ومهما في ديمومة الحياة العامة، وتوفير وسائل الحماية لأفراد المجتمع وتطبيق القوانين في المنازعات التي تعرض امامه.
والكشف عن الجرائم التي يرد فيها اخبار من المواطنين او الجهات الاخرى، لكن لابد من تحريك بركة القوانين التي شرعت في زمن النظام السابق، ومضى على اقرارها اكثر من ثلاثة عقود، دون ان تعدل، واكتفى النظام الجديد، بتعديلها عبر تغيير المفردات والعبارات التي تشير الى النظام السابق، اما اليوم، فالتوجه نحو تجاوز تغيير الالفاظ الى مضمون تلك القوانين، من خلال الغاء القوانين السابقة، خصوصا تلك التي صدرت عام 1979 وتشريع قوانين تناسب المرحلة الجديدة والتغيير الذي شهده القضاء العراقي، بعد أن أصبح سلطة مستقلة قائمة بذاتها. بقيت مسؤولية رئاسة الجمهورية في الاسراع بالتصديق على القوانين التي اقرها مجلس النواب، وعدم هدر الوقت في ابقائها اشهرا دون توقيع، وكذلك مسؤولية وزارة العدل في نشر تلك القوانين في الجريدة
الرسمية. وللأسف، نجد ان مجلس النواب قد اقر قوانين مهمة، وتمس شرائح من المجتمع، لكنها تأخذ وقتا طويلا حتى تنفذ، بسبب التأخير في نشرها وتصديقها. اهم ما يحتاجه القضاء ليرسخ استقلاليته هو القانون الذي يؤطر عمله المؤسساتي، فلا يمكن لأن يكون القضاء مستقلا ويمارس تطبيق القانون وهناك نص قانوني يبيح للسلطة التشريعية التدخل في عمله، كما في قانون مجلس القضاء الأعلى الذي شرع قبل اشهر. فأي ثغرة يمكن للسياسة ان تدخل منها الى القضاء هي بمثابة رصاصة الرحمة التي تطلق في جسد الفصل بين السلطات ومبدأ استقلالية القضاء.
ننتظر من البرلمان، الا يكتفي بما شرعه من قوانين تخص عمل السلطة القضائية، بل يلتفت الى تشريع قوانين جديدة، والاسراع بإقرار القوانين التي مازالت قيد القراءة، كون القضاء يحتل مساحة كبيرة من جسد النظام السياسي للبلد، واية شائبة في قوانينه، ستؤدي الى انهيار الجسد كله. ولا ننسى دور المحكمة الاتحادية التي تمارس دورا كبيرا، في مراقبة التشريعات والقوانين، خصوصا تلك التي شرعت في زمن النظام السابق والتي تخالف الدستور. اضافة الى دورها في تفسير نصوص الدستور المبهمة والتي يختلف السياسيون في تفسيرها. فهذه المحكمة تحتاج الى قانون جديد، يواكب المرحلة الجديدة، ويرسخ عملها ودورها في حماية النظام والدستور.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً