صعوبات المنافسة التجارية
أفقير نوال
باحثة في قوانين التجارة والاعمال ومهتمة بالبحث في الفانون الخاص
مقدمة:
يعيش العالم اليوم مرحلة جديدة تغيرت فيها أموراً كثيرة عما كان سائداً في السنوات القليلة الماضية، فبالإضافة إلى التغيرات التي حدثت على الصعيد السياسي، نشأت أوضاع اقتصادية جديدة تدور حول مفاهيم تحرير التجارة الدولية و تأكيد أهمية دور القطاع الخاص و التحول نحو اقتصاديات السوق في كثير من دول العالم، كما أن على الصعيد التقني و العلمي شهد العالم تحولات هائلة أنتجت واقعاً جديداً يبدو للجميع يقوم على التواصل و الاتصال الحظي من خلال الأقمار الصناعية و الإنترنت.
وقد كان أخطر آثار العصر الجديد بروز التنافسية كحقيقة أساسية تحدد نجاح أو فشل المؤسسات بدرجة غير مسبوقة، و من هنا أصبحت المؤسسة في موقف يحتم عليها العمل الجاد و المستمر لاكتساب الميزات التنافسية لإمكان تحسين موقعها في الأسواق أو حتى مجرد المحافظة عليه في مواجهة ضغوط المنافسين الحاليين و المحتملين.
وعليه فقد أصبحت المقاولة المغربية في وقت أكثر مما مضى في موقف يحتم عليها العمل الجاد والمستمر لاكتساب الميزات التنافسية، والعمل على تحسين موقعها قي الأسواق
عن طريق الخلق والابتكار والإنتاجية المستمرة ، وتحسين موقعها في الأسواق حتى يتسنى لها مواجهة المنافسة سواء الوطنية أو الدولية.
فالمنافسة تعد روح التجارة بل هي محرك الحريات الاقتصادية للأفراد والجماعات لأنها كما تكون بين التجار والمنتجين في ميدان التجارة والصناعة و ميادين الاستغلال الأخرى من زراعة وغير ذلك فقد تكون أيضا بين الشعوب والأمم . فهي من ناحية تعتبر طبيعية لما تخلقه من أساليب تؤدي إلى التقدم الاقتصادي ووفرة الإنتاج وتنوعه ، ومن ناحية أخرى ضرورية لتقدم الإنتاج في ميادينه المختلفة ولنمو التجارة الداخلية والخارجية فمبدأ حرية المنافسة يخول لكل تاجر الحق في استعمال كل الوسائل التي يراها مناسبة لاستقطاب الزبناء . وذلك ببحثه المتواصل لإيجاد أحسن الطرق لتحسين منتوجه . ولا يخفى على أحد ما لهذه المنافسة من آثار حسنة تتجلى في تقدم التجارة وازدهارها ، وفي تعميم الرخاء وتحسين الإنتاج ، لأنها تقوم على الأخلاق والشرف والاستقامة والخلق والإبداع.
إلا أن المنافسة كعمل مشروع ، قد تتعدى حدودها الطبيعية لتتحول إلى عمل غير مشروع نتيجة لجوء البعض إلى وسائل تتنافى وأعراف وعادات التجارة ، وتنافي الشرف المهني . ولذا لا تتردد الدول في تنظيمها للمنافسة بين التجار ، حماية لعموم المستهلكين والاقتصاد الوطني لضمان استعمالها في الحدود المشروعة ، بحيث تعتبر وسائل غيرمشروعة التي يقوم بها التاجر المنافس في سبيل الحصول على عملاء الغير من قبيل العمل غير المشروع الذي يرتب مسؤولية التاجر عن تعويض الضرر الذي أصاب الغير والكف عن الاستمرار في هذا العمل عن طريق دعوى المنافسة غير المشروعة فهذه الدعوى الأخيرة تحد من مساوئ حرية النشاط التجاري.
وعليه سنخصص موضوع بحثنا للحديث عن المنافسة المشروعة والمنافسة الغير المشروعة انطلاقا من الإشكالات التالية.
فما هو الحد الفاصل بين ما يعتبر منافسة مشروعة وبين ما يعتبر منافسة غير مشروعة ؟ وهل المقاولة المغربية قادرة على تحقيق الرهانات المنوطة بها بالرغم مما تعانيه من
منافسة؟.
؟ وماهي الضمانات المخولة لهذه المقاولة من أجل حمايتها من المنافسة الغير المشروعة؟
لمعالجة هذه الإشكاليات، فقد قسمت الموضوع إلى مطلبين تحدثت في المطلب الأول على المنافسة المشروعة أسبابها وخصائصها أما المطلب الثاني خصصته للحديث عن المنافسة الغير المشروعة صورها ونطاق تطبيقها.
المطلب الأول: المنافسة المشروعة أسبابها وخصائصها.
سنخصص هذا المطلب للحديث في فقرة اولى على مفهوم المنافسة المشروعة أما الفقرة الثانية سنخصصها للحديث عن أسباب المنافسة المشروعة وخصائصها .
الفقرة الأولى: مفهوم المنافسة المشروعة .
يقصد بالمنافسة المشروعة هي تلك المنافسة التي تحدث بين المؤسسات التي تعمل في قطاع واحد(1) وهناك تعريف أخر يرتكز على السوق ومفاده أن المنافسة تقاس من خلال أداء المؤسسة في السوق مقارنة بنظيراتها وذلك استنادا لتقويم حصة السوق النسبية وقد باتت المنافسة أمرا طبيعيا ومبدأ أساسيا في عالم الاقتصاد بعد أن تأكد أن حرية التجارة والمنافسة آمران لا ينفصلان بحيث أن الضرر الناشئ عن النافسة يعتبر ضررا مشروعا وأن حالة المنافسة التجارية من الحالات التي يجز فيها القانون إلحاق الضرر بالغير طالما كانت تجارة مشروعة ومنافسة شريفة تقوم على العمل والذكاء والنجاح والالتزام بأصول التعامل التجاري (2)
ويعتبر من أهم مبادئ التجارة حرية المنافسة وفق القيود التي ترد عليها من أجل المصلحة العامة. ومتى كانت المنافسة مشروعة وغير ممنوعة جاز لكل تاجر أن يتخذ كل الوسائل لتنمية أعماله حتى لو أضر ذلك بالتجار الآخرين.
ويقصد بالتنافس تزاحم التجار أو الصناع على ترويج أكبر قدر من منتجاتهم أو خدماتهم من خلال جذب أكبر عدد من العملاْء ، ويحقق التجار هذه الغاية مستندين إلى حرية المنافسة فيما بينهم و حرية الاختيار لدى جمهور المستهلكين ، وإذا تحقق هذا التنافس بشرف وأمانة أي وفقا لأحكام القانون والعادات التجارية والاتفاقات الخاصة ، أدى ذلك إلى تحقيق مزايا اقتصادية عديدة أبرزها انخفاض الأثمان وارتفاع القيمة الحقيقية للنقود ، وتحقيق جودة عالية للسلع والخدمات وبالتالي إلى ازدهار التجارة و رفاهية واضحة للجمهور(3).
ولما كان التجار أو الصناع المتماثلين في مهمتهم يعرضون بضائعهم وخدماتهم لذات الجمهور ، فان زيادة عملاء أحدهم لا بد أن يقابلها نقص في عملاء الآخرين ، وحتى يكون جذب عملاء الآخرين مشروعا بالرغم من أن ذلك يقابله ضرر بالنسبة للتجار المنافسين ، فإنه يتعين تنظيم هذا التنافس بحيث لا يسمح للتجار تجاوز حدود حرية المنافسة بأفعال مخالفة للقانون بمعناه الواسع ، وتتضح مخالفة أفعاله للقانون من خلال استخدام الشخص لوسائل تؤثر على حرية اختيار الجمهور.
الفقرة الثانية: أسباب المنافسة المشروعة وشروطها.
سنتناول في هذا المطلب أسباب المنافسة المشروعة (أولا) ثم نتحدث بعد ذلك على شروطها (ثانيا)
أولا: أسباب المنافسة المشروعة.
عندما نتحدث عن أسباب المنافسة المشروعة فإننا نجد أن نشوؤها يرجع إلى أسباب اقتصادية و أخرى نفسية.
فبالنسبة للأسباب الاقتصادية نجد بأن بعض المنافسين يعتمدون على بعض الطرق التنافسية لاستمرار نشاطهم الاقتصادي والزيادة في أرباح المقاولة، وذلك باتخاذهم لبعض الإجراءات التي تعتبر مشروعة كتخفيض أثمنة منتجاتهم مع الحفاظ على جودة المنتوج وذلك لكسب عدد كبير من الزبناءbonne qualité avec un prix bas
وبالتالي السيطرة على السوق بمنتجاته وتحقيق ربح أكثر، والابتعاد عن كل ما قد يؤدي بمقاولته إلى الوقوع في صعوبات.
أما فيما يخص الأسباب النفسية فإنها تهم كل من المقاول والمستهلك والمتمثلة في خلق الاطمئنان والثقة في التعامل فيما بينهم التي تحقق التراضي فباقتناع المستهلك بجودة المنتوج يقبل عليه حتى ولو كان هذا الأخير بسعر أغلى من منتوج مماثل بأقل جودة (4).
فدراسة الحالة النفسية للمستهلك تظهر عن طريق دراسة رغباته التي هي محل اهتمام المشروعات التنافسية، ويأخذ هذا الاهتمام أشكالا متنوعة ليتوافق مع مقتضيات السوق والياته، ولا شك أن المشروع الذي يتمتع بمكانة جيدة في السوق يهمه وجود متنافسين اقل من مستواه حتي يستفيد من قوته أمام ضعفهم.
ثانيا: شروط المنافسة المشروعة.
لتحقق المنافسة المشروعة لا بد من توافر أربع شروط لا يقل أحدها عن الأخر أهمية طبقا
لأصول الاقتصاد حتى تقوم المنافسة المشروعة والكاملة وهذه الشروط هي :
– وجود عدد كبير من المشترين والبائعين للسلعة آو الخدمة:
والمقصود بهذا الشرط مشاركة أعداد كبيرة في السوق بالبيع والشراء بحرية كاملة وأن يتصرف كل بائع وكل مشتري بإرادته ويتخذ قراراته بحرية دون مشاركة الآخرين، مما يجعل المستهلك يختار أفضل الأسعار التي تحقق له أعلى منفعة، ويلتزم البائع بالأسعار التي يحددها السوق (5).
– الحرية التامة في انتقال عناصر الإنتاج :
يجب أن تجد عناصر الإنتاج الحرية الكاملة في الانتقال بسهولة ويسر أيا كانت هذه العناصر مادية، كالمواد الأولية، ورؤوس الأموال، ومعنوية كبراءة الاختراع والعلامات التجارية ورسوم ونماذج صناعية….إلخ إلى جانب العناصر البشرية على اختلاف مستوياتها.
فكلما كان من السهل دخول بعض المؤسسات الجديدة للإنتاج وتسويق منتوج معين كلما زادت المنافسة والعكس صحيح(6).
– تجانس السلع والخدمات:
حتى تتم المنافسة يجب أن يتجه جميع المنتجين إلى إنتاج سلع متجانسة أو خدمات متشابهة بحيث يستطيع المستهلك أن يشتري أي سلعة من أي منتج في آية مقاولة بدون أن يشعر بفارق بين السلعتين.
وهذا التجانس يساعد على وجود سعر واحد في السوق لنفس السلع، رغم تعدد المنتجين وبالتالي لا يستطيع أحد المنتجين أن يبيع سلعته لأخر بسعر أعلى لأن المستهلكين يتجهون مباشرة إلى المنتوج الأرخص سعرا.
– دراسة السوق:
هذا الشرط يسري على طرفي السوق من المنتجين والمستهلكين على السواء ليتمكن كل منهم من دراسة البيانات والمعلومات عن السوق والسلعة، التي يرغبون في بيعها آو شرائها والأسعار المقبولة لديه وذلك لان المعلومات الفنية والعلمية بصفة خاصة والاثمنة التي يدفعها المقاول لعناصر الإنتاج تعتبر من أهم العناصر التي تحتاجها المقاولة ومن ناحية أخرى فإن المستهلكين أيضا يكونون في حاجة إلى البيانات والمعلومات التي تساهم على تحديد اختياراتهم وأسس تفضيلهم للسلع والمعلومات التي يرغبون في شرائها.
المطلب الثاني : المنافسة الغير المشروعة صورها ونطاق تطبيقها.
سنتناول في هذا المطلب الحديث عن مفهوم المنافسة الغير المشرعة في الفقرة الأولى لنتحدث في الفقرة الثانية عن صور المنافسة الغير المشروعة ونطاق تطبيقها.
الفقرة الأولى: مفهوم المنافسة الغير المشروعة وتميزها عن بعض المصطلحات
المشابهة
أولا : مفهوم المنافسة الغير المشروعة.
لم يكن المشرع المغربي يتضمن أحكاما عامة تنظم المنافسة غير المشروعة إلى أن صدر القانون الجديد للملكية الصناعية والتجارية (7) لسنة 2000 فتناولها المشرع بالتحديد في المادة 148 التي نصت على أنه ” يعتبر عملا من أعمال المنافسة غير المشروعة كل عمل منافسة يتنافي وأعراف الشرف في الميدان الصناعي أو التجاري”
وتمنع بصفة خاصة.
– جميل الأعمال كيفما كان نوعها التي قد يترتب عليها بأية وسيلة من الوسائل خلط مع مؤسسة أحد المنافسين آو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري.
– الادعاءات الكاذبة في مزاولة التجارة إذا كان من شانها أن تسيء إلى سمعة مؤسسة أحد المنافسين آو منتجاته آو نشاطه الصناعي أو التجاري .
– البيانات أو الادعاءات التي يكون من شأن استعمالها في مزاولة التجارة مغالطة الجمهور في طبيعة البضائع أو طريقة صنعها أو مميزاتها أو قابليتها للاستعمال أو كميتها”.
حيث يلاحظ أن المشرع عمل من خلال هذه المادة على وضع قاعدة عامة تحظر أعمال المنافسة غير المشروعة – متداركا بذلك ما كان يعاني منه القانون المغربي فيما سبق – مع وضع تعريف عام لتلك المنافسة (الفقرة الأولى) وبيان أهم صورها (البنود رقم 1و2و3) والتي وردت على سبيل المثال فقط مادام أن النص استعمل صيغة “وتمنع بصفة خاصة”، مما يفيد بوضوح وعي المشرع باستحالة حصر تلك الصور، من هنا فهو قد سعى إلى الإشارة فقط إلى تلك الصور المهمة والشائعة منها.
وكنا نفضل ألا يحشر المشرع نفسه في مسألة التعريف الذي يلاحظ عليه أنه جاء معيبا في صيغته فهو قد استعمل عبارة “أعراف الشرف” وهي عبارة تفقد لأي مدلول قانوني لأنها تجمع بين اصطلاح قانوني “أعراف” يفيد القواعد القانونية العرفية المستقرة في الوسط التجاري وبين عبارة لغوية “شرف” تشير إلى مبدأ أخلاقي ليس له أي مدلول قانوني، وهو ما أسفرت عن صيغة ركيكة لا من الناحية اللغوية ولا من حيث المدلول القانوني.
ولعل السبب في ذلك أن المشرع ارتأى استعمال ذات التعريف الذي تبنته اتفاقية اتحاد باريس سنة 1883 (8). المادة 10 مكرر) بشأن حماية الملكية الصناعية ، التي عرفت المنافسة الغير المشروعة بأنها.
« Tout acte de concurrence contraire aux usage honnîtes en matière industrielle et commerciale »
حيث تبنى المشرع المغربي هذه الصيغة وضمنها النص الأصلي الموضوع باللغة الفرنسية غير أنه عوض أن يلائمها في النص العربي الذي هو النص الرسمي وقد اكتفى يوضع ترجمة خاصة لها.
ومن هنا فإنه يجب فهم “أعراف الشرف” على أنها تعني مبادئ الشرق والاستقامة كقواعد سلوك استقر عليها الوسط التجاري تستمد قوتها الملزمة من الشعور الجماعي داخل النشاط بأنها قواعد أخلاقية مهنية لا يمكن الحياد عنها في التنافس على اجتذاب الزبائن(9)، وهذا يعني أن التاجر ليس ملزما باحترام القوانين في ممارسته للنشاط التجاري بل عليه كذلك احترام القواعد الأخلاقية المهنية والتي جاءت المادة 184 المشار إليها أعلاه تضفي عليها الصفة الرسمية القانونية(10).
انطلاقا من كل ما سبق يمكن أن نستنتج تعريف المنافسة الغير المشروعة بأنها استخدام التاجر أو المقاولة لوسائل منافية لمبادئ الشرف والاستقامة التجارية في مزاحمته لغيره من المقاولات على اجتذاب الزبائن على نحو يؤدي إلى إلحاق الضرر بأحدها أو ببعضها .
ولا يشترط لاعتبار الفعل المكون للمنافسة غير مشروعة أن يكون مرتكبه متعمد أو سيء النية بل يكفي أن يكون منحرفا عن السلوك المألوف للشخص العادي حتى يعتبر خطأ موجبا للمسؤولية أساس دعوة المنافسة غير المشروع.
: تمييز المنافسة غير المشروعة عن المؤسسات المشابهة بها. ثانيا
1- المنافسة غير المشروعة والمنافسة الممنوعة
إن المنافسة تعتبر أمرا ضروريا ومطلوبا في ميدان النشاط التجاري متى كانت في حدودها المشروعة ، أما إذا انحرفت عن هذه الحدود كأن تتحول إلى صراع بين التجار يحاول كل منهم جذب عملاء غيره من التجار وإلحاق الضرر بهم بوسائل غير مشروعة ، فإنها تصبح شرا واجب المحاربة ويكون ضررها أكبر من نفعها ، فإذا استخدم التاجر أساليب غير مشروعة من أجل التأثير على عملاء غيره من التجار واجتذابهم إليه فإن هذه الأساليب تعتبر من قبيل المنافسة غير المشروعة أو بعبارة أخرى تلك المنافسة التي يحرمها القانون بنص خاص أو عن طريق اتفاق الأطراف .
ومن أمثلة المنافسة الممنوعة بنص القانون نذكر مزاولة مهنة الصيدلة على غير الحاصلين على شهادة الصيدلة فإذا زاول شخص هذه التجارة دون أن يكون حاصلا على هذه الشهادة جاز لأي تاجر آخر أن يواجهه بدعوى المنافسة الممنوعة (11)
أما المنافسة بمقتضى الاتفاق فهي التي تقوم على شرط صريح أو ضمني للعقد هذا الخرق الذي يرتب المسؤولية العقدية المنصوص عليها في الفصل 230 وما يليه من ق.ل.ع.
2- المنافسة غير المشروعة ودعوى التقليد.
تختلف دعوى المنافسة غير المشروعة من دعوى التقليد في عدة أوجه دعوى التقليد تفترض أساسا بأن هناك حقا قد تم الاعتداء عليه أي اعتداء مس بحق المدعي ، بينما في دعوى المنافسة غير المشروعة فإن المدعى ينتقد أمام القضاء موقف أو تصرف المدعي عليه غير اللائق أي أن الدعوى تنصب على التصرف المنتقد للمدعي عليه (12).
وكذلك نجد بأن دعوى التقليد تحمي الحق المعتدى عليه بجزاءات متعددة تصل إلى عقوبة الحبس فهي دعوى زجرية في حين أن دعوى المنافسة غير المشروعة لا تصل إلى نفس صرامة الدعوى الأولى فهي دعوى خاصة ترمي إلى ردع التصرفات غير المشروعة في إطار مدني صرف (13)
فدعوى التقليد هي جزاء للاعتداء على الحق بينما المنافسة غير المشروعة هي جزاء لعدم احترام الواجب.
لا يمكن إقامة دعوى التقليد إلا إذا توفرت شروطها الخاصة في حين أن دعوى المنافسة غير المشروعة لا تتطلب نفس الشروط ، فشروطها هي شروط كل دعوى وبذلك تكون دعوى التقليد أضيق نطاقا من دعوى المنافسة غير المشروعة.
الفقرة الثانية: صور المنافسة الغير المشروعة ونطاق تطبيقها.
سنتحدث في هذه الفقرة عن صور المنافسة المشروعة (أولا) على أن نتحدث بعد ذلك على نطاق تطبيقها (ثانيا).
أولا: صور المنافسة الغير المشروعة. .
إن أول ما يتعين الإشارة إليه في هذا المقام هو أن صور المنافسة غير المشروعة أو أعمال المنافسة غير المشروعة أحد شروط دعوى المنافسة غير المشروعة بل وأهمها ، وبدونها ليس ثمة منافسة غير مشروعة لأنها تمثل السلوك الخاطئ المنشئ للمنافسة الغير المشروعة لأن أفعال المنافسة غير المشروعة – من حيث صورها – لا يمكن أن تدخل تحت حصر دقيق ، فهي تتغير بتغير طبيعة الأنشطة وأدوات العمل ، كما أنها تتأثر بالعادات المرعية في مجتمع التجارة المعني ، وبما يبتكره التجار من وسائل للتأثير على العملاء ومن هذه الصور نذكر.
ـ الاعتداء على سمعة التاجر المنافس ونشر بيانات كاذبة عنه.
كإدعاءاته لمعلومات غير صحيحة أو إشاعات كاذبة عن إفلاسه أو ارتباكه المالي أو عزمه على تصفية متجره أو بيعه أو نقله أو تشويه الحقائق على البضائع والسلع والمنتجات موضوع نشاط المحل التجاري حتى ينصرف عنه العملاء.
فهذه الأعمال من شأنها إحداث الخلط أو اللبس حول التاجر أو منتجاته أو نشاطه بحيث يترتب على ذلك انصراف العملاء عن المحل التجاري إلى محل التاجر مرتكب الأعمال ،
والمثال على ذلك استعمال اسم تجاري لتاجر آخر ، أو تقليد علامة تجارية ، أو الرسوم والنماذج الصناعية ، كذلك وضع بيانات غير صحيحة على المنتجات ، واستعمال وسائل الدعاية والإعلان التي يستخدمها تاجر آخر.
ـ الاعتداء على الاسم التجاري أو التسمية المبتكرة.
كاتخاذ المحل المنافس اسما تجاريا مشابها لإسم محل آخر أو اعتدائه على التسمية لمحل آخر.
ـ الاعتداء على العلامة التجارية.
يعتبر الاعتداء على العلامة التجارية التي يتخذ منها المتجر إشارة لتمييز منتجاته أو بضائعه بتقليدها أو تزويرها من قبيل أعمال المنافسة الغير المشروعة. إلى غير ذلك من الأساليب التي توقع العملاء في اللبس فيختلط عليهم الأمر بالنسبة للمحلات المتنافسة أو البضاعة التي تتجر فيها هذه المحلات- الادعاءات المغايرة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي قد تسبب نزع الثقة عن منشاة احد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري ..
ـ وضع بيانات تجارية مغايرة للحقيقة.
يعد من أعمال المنافسة غير المشروعة وضع بيانات تجارية مغايرة للحقيقة بقصد منافسة الخصم و إيهام الجمهور بتوافر شروط معينة في البضائع المتنافس عليها كإذاعته أمور مغايرة للحقيقة خاصة بمنشأ بضاعته أو أوصافها أو تتعلق بأهمية تجارته بقصد إيهام الغير بمميزات الغير حقيقية ككون المتجر على غير الحقيقة حائز لمرتبه أو شهادة أو مكافأة بقصد انتزاع عملاء تاجر آخر ينافسه.
فقد يورد على منتجاته أنها (صنعت في كذا) (صنعت بترخيص من كذا) ، أو أنها صنعت باستخدام وسائل التصنيع الفولانية وهي ليست كذلك ، آو الزعم أنها صالحة للاستخدام خلافا للحقيقة ، أو بإيراد بيان غير صحيح بالنسبة لكمية المادة الموجودة داخل الوعاء أو الغلاف من حيث عدد الوحدات أو الوزن ، إلى ما ذلك من ادعاءات يقصد منها إسباغ صفة ووصف غير حقيقيين في كيفية صناعة المنتج أو خصائصه أو صلاحيته للاستعمال ، وتؤدي مثل هذه البيانات والادعاءات إلى تضليل الجمهور الذي قد ينكب على سلعة معينة لتوفر خاصية فيها ظنا منه أنها كذلك ، وابرز الأمثلة الشائعة على هذا النوع من الادعاءات ، البيانات التي ترد على كثير من المنتجات الغذائية بأنها منتجات طبيعية وهو ادعاء غير صحيح ، أو البيانات التي تفيد أنها خالية من الدسم أو قليلة الدسم وهي ليست كذلك ، أو البيانات الواردة على علب السجائر بشان نسب النيكوتين والقطران في حين أنها لا تتطابق مع الحقيقة ..
ـ تقليد طرق الإعلان.
تعتبر أعمال المنافسة غير المشروعة تقليد طريقة الطبع أو طرق الإعلان أو البيع فمثل هذه الأعمال تمس أهم عناصر المتجر وهو عنصر الاتصال بالعملاء.
ـ تحريض العمال.
قد يكون أعمال المنافسة غير المشروعة في صورة تحريض العمال الذين يعتمد عليهم المشروع المنافس ومثال ذلك تحريضهم بترك العمل أو تشجيعهم على الإضراب وبث الفوضى في المحل المنافس أو إغراء عمال المتجر المنافس بالعمل لديه حتى يجذب العملاء وقد يعمد المنافس إلى إغراء العامل بالمتجر الآخر بالمال للوقوف على أسرار أعمال المنافسة في صناعة معينة أو تركيب معين للمواد التي تباع أو تدخل ضمن نشاط المتجر.
ـ تخفيض أسعار البيع.
ولا يكون أسعار البيع منافسة غير مشروعة إلا إذا استمر مدة طويلة مدعوما بحملات إعلانية موضح بها الأسعار التي يبيع بها أسعار منافسيه فهنا يتضح أن المقصود هو تحطيم تجارة الغير بطريقة غير مشروعة كما يعد أيضا منافسة غير مشروعة البيع بأقل من السعر المتفق عليه أدنى بين التجار عموما لما يؤدي إليه ذلك من حرمان المنافس من عملائه بطريق غير مشروع..
وهى كلها أعمال يقصد بها النيل من سمعة التاجر المنافس أو الطعن في شخصيه أو التنديد بضعف ائتمانه وعدم ملاءته . كذلك قد يقصد من هذه الأعمال الحط من قيمة البضاعة التي يبيعها تاجر آخر أو الادعاء بأنها مغشوشة أو لا تتضمن العناصر الواجب توفرها فيها أو أنها غير صالحة للاستعمال أو ضارة ، إلى غير ذلك من الأساليب التي يترتب عليها انصراف العملاء عن المحل الذي اعتادوا عليه أو عن استعمال السلعة التي يتجر فيها .
ويتوصل التاجر المنافس إلى تحقيق غرضه بوسائل مختلفة كتوزيع المنشورات أو النشر في الصحف أو المجلات أو تقديم المذكرات إلى الجهات الإدارية المختلفة إلى غير ذلك من أساليب الإذاعة والنشر، لكن لا تعتبر الأعمال المتقدمة من قبيل القدح والذم والتحقير المعاقب عليه جنائيا إلا إذا كان من شأنها المساس بشرف المجني عليه .
ثانيا: نطاق تطبيق المنافسة الغير المشروعة.
لقد نصت المادة الأولى من قانون الأسعار والمنافسة في فقرتها الثانية على انه يطبق هذا القانون على.
– جميع أعمال التوزيع والخدمات.
وبذلك يبقى هذا القانون قابلا للتطبيق على كل سوق اقتصادي متى تواجد عنصر العرض والطلب بشأن منتوج أو خدمة معينة وعلى كل القطاعات ذات الطابع الاقتصادي.
وهكذا يخرج من نطاق تطبيق هذا القانون الأنشطة التي ليس لها طابعا اقتصاديا كالأجهزة التي تقوم بتقديم خدمات اجتماعية أما بالنسبة للأنشطة التي يتولى الأشخاص العموميون ممارستها فهي بدورها تخضع لقواعد قانون المنافسة كلما كان الغرض منها غرضا صناعيا آو تجاريا إلا إذا كانت الممارسة الصادرة عن هؤلاء الأشخاص تندرج في إطار امتيازات السلطة العامة.
ومن هنا يتبين أن قانون المنافسة يطبق على كافة النشطة الاقتصادية بغض النظر عن الأشخاص والجهات القائمة بها في أغلب الحالات متى تمت في نطاق الإنتاج والتوزيع أو الخدمات وبمفهوم المخالفة فإن الممارسات التي تتم خارج هذا النطاق فلا يتم أعمال هذا القانون عليها كما أنه توجد استثناءات تفرضها خصوصية بعض القطاعات بالنسبة لنقل المسافرين والبضائع عبر الطرق والسكك الحديدية.
خاتمة .
وانطلاقا مما سبق نستنتج أن المنافسة أصبحت تشكل دعامة أساسية في الوقت المعاصر ولاسيما بفعل هيمنة العولمة الاقتصادية والقدرة التكنولوجية التي أصبح لها دور فعال ومهم في دعم القدرة التنافسية وكذا اكراهات المنافسة غير الشريفة ولاسيما التهرب الجمركي.
فحاليا تجد المقاولة المغربية نفسها غير قادرة على منافسة مثيلاتها الأجنبية مما يستوجب العمل الجاد من اجل خلق بنية تحتية قوية قادرة على رفع الإنتاجية وتقوية نظام مالي وتسويق حديث وكل هذا لن يتأتى إلا بمفهوم جديد لتنمية الموارد البشرية.
المراجع:
(1) عبد السلام أبو قحف، التنافسية وتغيير قواعد اللعبة، مطبعة الاشعشاع الإسكندرية، مصر1997ص 25.
(2) احمد محمد محرز، الحق في النافسة المشروعة بدون ذكر المطبعة ، طبعة 1994، ص 9.
(3) عبد الله درميش، حماية الدولية للملكية الصناعية وتطبيقاتها القانونية، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة بجامعة الحسن الثاني كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء 1988 ص1138 .
(4) احمد محمد محرز، م س، ص 64.
(5) أحمد محمد محرز، م س، ص 24.
(6) عبد السلام ،م س، ص 26.
(7) تم تنفيذه بالظهير رقم 1.00.19 الصادر في ذي القعدة 1420(موافق 15 فبراير 2000) الجريدة الرسمية عدد 1776 بتاريخ 2 ذي الحجة 1420( موافق 9 مارس 2000).
(8) ادخل هذا التعريف في للاتفاقية مؤتمر لهاي لسنة 1925.
(9) J.VRG et J Heene. Principe de droit commercial II.2éme édition Etablissement emille Beylant. Bruxelles 1976 N 190.
(10) فؤاد معلال، شرح القانون التجاري المغربي الجديد، الجزء الأول، نظرية التاجر والنشاط التجاري، مطبعة الأمنية الطبعة لثالثة سنة 2009 ص 246.
(11) محمد محبوبي، تسجيل العلامة التجارية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في قانون الأعمال ، كلية العلوم الاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء سنة 1999 ص 7.
(12) – Paul Roubier : le Droit de la propriété industrielle : librairie de Recueil Sirey Paris 1952 P 305.
(13) امين جموع ، المنافسة غير المشروعة بين النظرية والتطبيق، مجلة المحامي، عدد 31 السنة1997 ص 45.
اترك تعليقاً