ميراث اوباما في العراق / بقلم توماس ل. فريدمان
جريدة ال نيويورك تايمز
30 تشرين الثاني 2008
بقلم توماس ل.فريدمان
اليكم قصة لا تسمعونها كثيرا . اعلى محكمة في العراق قالت يوم الاثنين الماضي لمجلس النواب العراقي انه ليس له الحق في رفع الحصانة البرلمانية عن عضو من اعضائه حتى يتسنى لهم توجيه التهمة اليه في جريمة ما الا وهي قيامه بزيارة الى اسرائيل لحضور مؤتمر لمحاربة الارهاب .
القضاة العراقيين قالو ان عضو البرلمان السنى مثال الالوسي لم يرتكب جريمة كما طلبت منهم ان يعدلوا عن قرارهم.
ليس هذا كل شيء ولكن جريدة الامة العراقية كتبت خطابا مفتوحا وموقع من قبل اربعمائة من المثقفين العراقيين من الاكراد والعرب يدافعون فيه عن الالوسي .هذا الامر يحتاج الى شجاعة فائقة كما انه دليل واضح على حرية الصحافة . انا لا استطيع ان اتخيل انه يوجد في اية دولة عربية اليوم قضاة مستقلين يقولون لحكومتهم انه ليس في استطاعتها توجيه الاتهام لعضو برلماني بسبب زيارته لاسرائيل وكذا انه يوجد مثقفين يدافعون عنه في الصحافة.
في حالة العراق- المحكمة الاتحادية العليا – اتخذت قرارها بالاجماع وطلبت الغاء قرار المجلس برفع الحصانة عن الالوسي . وتم نطق هذا القرار شخصيا بمعرفة رئيس القضاة السيد مدحت المحمود . القرار اوضح انه بالرغم من ان قوانين عصر الخمسينات جعلت السفر الى اسرائيل جريمة يعاقب عليها القانون بالموت الا ان الدستور العراقي الجديد ارسى اسس حريات السفر والتنقل وبالتالي فان قرار مجلس النواب – كما صرح به السيد عبد الستار البيرقدار المتحدث الرسمي للقضاء – لوكالة الاسوشيتد برس – ان ذلك الاجراء يعتبر منافيا للدستور لان الدستور الحالي لايمنع المواطنين من السفر الى اي دولة في العالم.
وبالاضافة الى ذلك فان القرار طالب رئيس مجلس النواب بدفع مصاريف المحاكمة واتعاب محامي الدفاع .
انى اعتقد انه ليس من المعقول ان دولة العراق سيكون لها علاقات مباشرة مع اسرائيل في القريب العاجل ولكن كونها تتمتع باستقلالية القضاء فهذا في حد ذاته يعتبر نبأً سعيداً . انها تذكرنا بأهم الاسباب التي بنيت عليها حرب العراق الا وهي التعاون مع الشعب العراقي لبناء سياسات متقدمة ودولة فرض القانون في قلب العالم – العربي – الاسلامي- الدولة التي كان ينقصها سياسة يتقبلها الجميع ولم يحظى فيها القضاء باستقلاليته . وهذا يذكرنا بالنتيجة الطيبة التي يمكن ان يشهدها العراق وخاصة بعد ان وافق مجلس النواب العراقي على الاتفاقية مع الولايات المتحدة الامريكية والتي بموجبها سيتم انسحاب القوات الامريكية في عام 2011 .
القاعدة في العراق لم يتم هزيمتها كلية في العراق والعمليات الانتحارية لا تزال حقيقة تحدث بصورة يومية ولكنها بالرغم من ذلك تلقت ضربات في الصميم وجعلت المجاهدين الاسلاميين – هؤلاء الشجعان المتخصصين في قتل الابرياء من النساء والاطفال والسياح العزل – يستهدفوا اماكن سهلة كما فعلوا في الهند كما انهم ارادوا ان يشعلوا نيران الحرب الاهلية بين السنة والشيعة في العراق ولكنهم باءوا بالفشل ولذلك بدأوا في بث الفتنة الاهلية والطائفية بين الهندوس والمسلمين في الهند .
اذا تحسن الوضع في العراق – وإنى لست على يقين من ذلك – ستصبح عندئذ مجتمعا يتعايش فيه الاكراد والسنة والشيعة سويا في وئام وسلام وبالتالي قد تصبح سنداً استراتيجياً للولايات المتحدة وذلك في اعقاب احداث الحادي عشر من ايلول حتى تستطيع ان تروج نظاماً سياسياً مختلفاً في انحاء العالم العربي الاسلامي .
كيف يكون ذلك ؟ العراق كان موقعاً جغرافياً وسياسياً في العقود الثلاثة الاخيرة من القرن العشرين والتي كانت تسود فيها دكتاتورية البعثيين والتصدي للتوسع الايراني وقامت بذلك على حساب النظام الذي راح ضحيته عشرات الالاف من المواطنين فيها كما قامت بمهاجمة ثلاث دول من جاراتها .
في عام 2003 وتحت قيادة الرئيس بوش قامت الولايات المتحدة بغزو العراق لتغيير نظام الحكم فيها وفي اعقاب ذلك قام تنظيم القاعدة بعمليات اغتيالات ومحاولات اغتيال وذلك لاشعال حرب اهلية بين السنة والشيعة ووضعت الجغرافيا السياسية في مأزق حرج واستمر العنف الدموي لمدة اربعة سنين واصبحت القوات الامريكية بسببها متورطة في هذه الحرب الاهلية وبالتالي كان الثمن الذي دفعه العراقيين والامريكان باهظاً . هذه هي الحرب التي طالما اعترض عليها باراك اوباما .
في العام الاخير وبالرغم من تدفق القوات الامريكية والضربات التي وجهها السنة العراقية المعتدلة ضد القاعدة وكذا بعض العراقيين الشيعة ضد المتطرفين الموالين لايران فان هذه الظاهرة جلبت اوضاعاً جديدة في العراق يسودها الاستقرار . للمرة الاولى الان توجد فرصة – مجرد فرصة – ان تشكل حكومة ديموقراطية معقولة قد تكون غير نزيهة في بعض الحالات ولكنها تعتبر الاساس لنظام سياسي جديد في العراق .
هذه هي العراق التي سيرثها اوباما والتي سيبدأ سحب قواتنا منها وذلك لان الاحتلال دام مدة طويلة ولاننا ملتزمين الان بالاتفاقية . ليس هذا فقط ولكن لان العراق لديه الان المقومات التي تجعل العالم العربي الاسلامي يغير اتجاهاته وينهج نهجه .
انا واثق ان اوباما – مهما كانت وعوده اثناء الحملة الانتخابية – سيلعب دوره بذكاء . وسيتجنب اعطاء القادة العراقيين الاحاسيس التي اعتادوا عليها من بوش والتي كان عليهم يسيها الانتظار الى الابد حتى يحين الوقت لحل مشاكلهم السياسية وايضا لانه (اوباما) لن يترك المسرح في الغد القريب وبالتالي عليهم ان يكدسوا الاسلحة .
اذا استطاع ان يسيطر على الموقف كله ويساعد على تثبيت الجذور لعراق هادئة ومسالمة فان اوباما والديموقراطيين يستطيعوا ليس فقط ان ينهوا الحرب في العراق ولكن ايضا خلق شيء ايجابي منها لايوجد شيء يدعم الحزب الديموقراطي في خطته الامنية الوطنية اكثر من ذلك .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً