يعتبر قانون التجارة العراقي قانوناً موضوعياً بالدرجة الأولى ، فهو قانون الأعمال التجارية ، مع الأخذ بنظر الاعتبار الحرفة التجارية . وعلى هذا فإن العمل التجاري يخضع لأحكام لا يخضع لها العمل المدني ومجمل هذه الأحكام هي ما يطلق عليه بالنظام القانوني للعمل التجاري وينظر الى تطبيق هذا النظام دون مراعاة للشخص القائم بالعمل اي سواء كان محترفاً للنشاط التجاري – تاجر- ام غير محترف لهذا النشاط . وتتمثل أوجه هذا النظام في ما يلي :
أولاً : من حيث الاختصاص القانوني :
يخضع العمل التجاري لقواعد وأحكام التشريع التجاري وبعبارة أخرى للمجموعة القانونية التجارية بينما يخضع العمل المدني للمجموعة القانونية المدنية . ومع ذلك فقد تطبق قواعد القانون المدني عند خلو المجموعة التجارية من حكم خاص بالعمل التجاري وذلك انطلاقاً من كون القانون المدني مصدراً من مصادر القانون التجاري.
ثانياً : من حيث اكتساب الصفة التجارية :
إن مزاولة الأعمال التجارية احترافاً يكسب الشخص طبيعياً كان أم معنوياً الصفة التجارية ، أي يعتبر تاجراً ، وتقرر المادة السابعة من قانون التجارة ذلك صراحة بقولها: ” أولاً : يعتبر تاجراً كل شخص طبيعي أو معنوي يزاول باسمه ولحسابه على وجه الاحتراف عملاً تجارياً وفق أحكام هذا القانون” . ويترتب على اكتساب هذه الصفة نتائج قانونية هامة من حيث المركز القانوني للشخص كما تترتب عليه واجبات لا تطلب من غير التاجر.
ثالثاً : من حيث الإفلاس :
الإفلاس نظام لا يسري إلا على من يحترف النشاط التجاري أي التاجر . والإفلاس وسيلة خاصة للتنفيذ في الديون التجارية إذ يمكن من خلاله تصفية أموال التاجر المتوقف عن أداء ديونه التجارية تصفية جماعية لغرض توزيع المبالغ المترتبة عن هذه التصفية على الدائنين بصورة متساوية كي لا يتزاحم بعضهم مع بعض في التنفيذ على أموال المدين واستيفاء حقوقهم كاملة على حساب الآخرين ويترتب على حكم الإفلاس جملة نتائج أهمها منع المفلس من إدارة أموله والتصرف بها وسقوط جميع اجال الديون النقدية التي عليه ، وحرمانه من الحقوق المدنية وغير ذلك (1) ولا مجال لتطبيق هذا النظام على غير التاجر المتوقف عن أداء ديونه العادية – المدنية – إذ يخضع غير التاجر عند تخلفه عن الوفاء بديونه المدنية لنظام الإعسار المقرر في القواعد العامة (2) . ومع ذلك فإن التوجه في التشريع العراقي يسير نحو استبعاد نظام الإفلاس التجاري وتوحيد الأحكام الخاصة بالمدين المعسر سواء أكان تاجر أم غير تاجر . وصوغها في قواعد تهدف الى تصفية أموال المدين تصفية جماعية في إطار المصلحة العامة (3).
رابعاً : من حيث الفوائد :
الفوائد إما قانونية أو اتفاقية أو مركبة . وتفرق القواعد العامة بين سعر الفائدة القانوني في المواد التجارية عنه في المواد المدنية إذ تنص المادة 172 من القانون المدني على أنه : ” إذا كان مبلغ الالتزام مبلغاً من النقود . وكان معلوم المقدار وقت نشوء الالتزام وتأخر المدين في الوفاء به كان ملزماً أن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قانونية قدرها أربعة في المائة في المسائل المدنية وخمسة في المائة في المسائل التجارية “. عليه فإن سعر الفائدة القانوني في المواد التجارية 5% بينما هو في المواد المدنية 4% ويمكن تعليل الفرق في سعر الفائدة القانوني في ان المبالغ التي تستثمر في النشاط التجاري تكون ذات مردود إيجابي أوفر فيما لو استغلت في مجال آخر . كما وأن الدين التجاري يكون أكثر عرضه للخطر من الدين المدني وبهذا اعتبر المشرع فرق سعر الفائدة القانوني في المواد التجارية عنه في المواد المدنية ، بمثابة تعويض للدائن . وقد أباح المشرع للمتعاقدين الاتفاق على سعر آخر للفوائد التي تسري بينهما ، إلا أنه لم يترك لإرادتهما سلطة مطلقة في تقرير سعر الفائدة خشية التعسف والاستغلال فبمقتضى نص المادة 172 من القانون المدني : (يجوز للمتعاقدين أن يتفقا على سعر آخر للفوائد على ألا يزيد هذا السعر على سبعة في المائة . فإذا اتفقا على فوائد تزيد على هذا السعر وجب تخفيضها الى سبعة في المائة وتعين رد ما دفع زائداً على هذا القدر). ومع ذلك فإن المشرع قد استثنى البنك المركزي في القانون رقم 169 لسنة 1970 المعدل للقانون رقم 72 لسنة 1956 ، حالياً القانون رقم 64 لسنة 1976 ، من أحكام المادة السابقة (4) وتعلل المذكرة التفسيرية للقانون هذا الاستثناء ” بالارتفاع المستمر في أسعار الفوائد التي تستوفيها المصارف والمؤسسات المالية الأجنبية والتي وصلت الى نسب تزيد كثيراً عن نسب الفوائد التي تستوفيها المصارف والمؤسسات المالية العراقية والمحددة بموجب المادة 172 من القانون المدني ولغرض تجنب الخسائر التي تتحملها المصارف والمؤسسات المالية العراقية نتيجة للفرق بين سعري الفائدة في الداخل والخارج ” . أما الفوائد المركبة (5) فالأصل عدم جوازها . والاستثناء إباحاتها في المواد التجارية إذا كانت ثابتة بحكم القواعد والعادات التجارية إذ تقرر المادة 174 من القانون المدني أنه : ” لا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد ولا يجوز في أية حال أن يكون مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن أكثر من رأس المال ، وذلك كله دون إخلال بالقواعد والعادات التجارية ” . وتطبيقاً لهذه القاعدة تنص المادة 175 من القانون المدني على أنه ق ” الفوائد التجارية التي تسري على الحساب الجاري يختلف سعرها القانوني باختلاف الجهات ويتبع في طريقه احتساب الفوائد المركبة في الحساب الجاري ما يقضي به العرف التجاري “.
خامساً : من حيث صفة الاستعجال :
أن بعض الدعاوي المتعلقة بالالتزامات التجارية ينظرها القضاء بصورة مستعجلة فلا تخضع للعطل ومن ذلك دعاوي الإفلاس إذ تقرر المادة 584 من قانون التجارة والمتعلقة بالإفلاس على ما يلي : ” تنظر دعاوي الإفلاس على وجه السرعة …. “.
سادساً : من حيث النفاذ المعجل :
الأصل أنه لا يجوز تنفيذ الأحكام القضائية إلا بعد اكتسابها الدرجة القطعية وتحوز قوة الشيء المحكوم به ، أي انها لا تقبل التنفيذ إلا بعد مرور مدد الطعن المقرر قانوناً . وتستثني بعض القوانين من هذه القاعدة القرارات الصادرة في المسائل التجارية حيث تجيز نفاذها المعجل حتى لو كانت قابلة للطعن كالقانون الفرنسي والبلجيكي (6) والمصري (7) وبشرط تقديم كفالة . ولم يتعرض المشرع العراقي صراحة لهذه القرارات . فلم يتعرض قانون المرافعات المدنية للنفاذ المعجل إلا لأحكام النفقات والقرارات المستعجلة الأوامر الصادرة على العرائض دون الإشارة للأحكام التي تصدر في المواد التجارية (8) . إلا أن الأحكام الصادرة في دعاوي الإفلاس تكون واجبة التنفيذ المعجل ودون تقديم كفالة ممن صدر الحكم لصالحه (9) .
سابعاً : من حيث التنفيذ المباشر :
تقرر الفقرة الأولى من المادة الرابعة عشرة من قانون التنفيذ رقم 45 لسنة 1980 أن الأوراق التجارية القابلة للتداول قابلة للتنفيذ في دوائر التنفيذ كالأحكام القضائية بشرط أن لا يكون المدين مظهراً . وإذا كان المطلوب التنفيذ بحقه كفيلاً فيجب تبليغ المدين للوقوف على ما لديه من اعتراضات .
ثامناً : من حيث الاختصاص القضائي :
يختص القضاء التجاري بنظر المنازعات المتعلقة بالمواد التجارية أما بالنسبة للمنازعات المتعلقة بالمسائل المدنية فإنها من اختصاص القضاء المدني . بيد أن المشرع العراقي لم يأخذ بمبدأ تخصص المحاكم . إذ يقوم القضاء المدني عندنا بنظر المنازعات دون تمييز بين المسائل التجارية والمدنية ، فهو جهة تطبيق القانون التجاري والقانون المدني في آن واحد (10).
وفيما عدا ذلك فقد تم ، وانطلاقاً من مبادئ قانون اصلاح النظام القانوني ، توحيد كثير من الاحكام التي كانت تميز المسائل التجارية عن المدينة ، كما هو الأمر مثلاً بالنسبة لقواعد الأهلية (11) . أو قواعد الإثبات فقد وحد قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979 أحكام الإثبات في المسائل المدنية والتجارية وألغي لهذا السبب باب إثبات الالتزام في القانون المدني وقواعد الإثبات في القانون التجاري وقانون المرافعات المدنية .وتتفق المسائل التجارية والمدنية أيضاً من حيث مدد التقادم مع مراعاة (12) بعض صور التعامل التجاري كمدد التقادم الخاصة بدعاوي الأوراق التجارية (13) وتخضع المسائل التجارية كالمدنية لمبادئ واحدة بصدد المهل القضائية فيجوز كقاعدة عامة منح المدين بدين تجاري أو مدني مهلة للوفاء بالتزامه إذا استدعت حالته ذلك (14) . ومع هذا فلا بد من ملاحظة أن المشرع يمنع في المعاملات المتعلقة بالأوراق التجارية منح المدين مهلة للوفاء بقيمة الورقة التجارية أو للقيام بأي إجراء متعلق بها إلا في الأحوال التي ينص عليها القانون (15).
__________________
1. انظر الباب الخاص من قانون التجارة رقم 149 لسنة 1970 الملغي ، الخاص بالإفلاس والذي لا يزال نافذاً بحكم المادة 331 من قانون التجارة رقم 30 لسنة 1984 .
2. انظر المواد من 270-279 من القانون المدني .
3. انظر قانون إصلاح النظام القانوني القسم الخاص بالتشريعات التجارية .
4. انظر المادة الأولى من القانون المذكور أعلاه .
5. المقصود بالفوائد المركبة تقاضي الفوائد على متجمد الفوائد المضافة لرأس المال .
6. انظر د. أكرم يا ملكي ، د. باسم محمد صالح ، مصدر سابق ذكره ص 48.
7. انظر نص المادة 289 من قانون المرافعات المصري .
8. انظر المواد 164 و 165 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل .
9. انظر المادة 584 من قانون التجارة (باب إفلاس النافذ المفعول) .
10. انظر المواد 29 و 32 من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل .
11. قارن مع المواد من 10_16 من قانون التجارة الملغي، التي كانت تقرر قواعد خاصة بالأهلية.
12. انظر نص المادة 102 من قانون التجارة الملغي ، التي كانت تقرر مدة قصيرة للتقادم .
13. انظر نص المادة 132 من قانون التجارة .
14. انظر نص المادة 297 من القانون المدني .
15. انظر نص المادة 183 من قانون التجارة .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً