لا يمكن أن تكون حرية الأشخاص في ممارسة النشاط التجاري مطلقة بل لابد من أن ترد عليها قيود تفرضها الضرورة العملية والمصلحة العامة . فحماية الآداب أو منع الغش وتضليل المستهلك أو صيانة الأمن ، أو تحقيق أهداف وطنية وقومية جميع هذه العوامل وغيرها . تفرض عدم إطلاق الحرية التامة للأشخاص عند ممارسة النشاط التجاري (1) . وهذا المنطلق فقد تدخلت الدولة ، بما لها من سلطة ونفوذ ومن خلال التشريع في هذا الميدان لغرض توجيهه وجهة تتفق مع أهميته ودوره المؤثر في الحياة الاجتماعية العامة . والأمثلة على ذلك متعددة فالقوانين المتعلقة بالنقل والصناعة والتجارة في المواد الغذائية والوكالات التجارية وكذلك القوانين المتعلقة بالعلامات والأسماء التجارية والبيع بالمزايدة العلنية وغيرها ، لدلائل واضحة على مدى نطاق هذا التدخل في الحياة التجارية . إلا أن المشرع قد وفر بنفس الوقت الحماية اللازمة لمشروع التجاري الفردي أو الجماعي من الصراع ” المنافسة ” الذي قد يقع في البيئة التجارية بأساليب غير قانونية .
وتتمثل الحماية المذكورة بجزاءات قانونية مدنية وجنائية فلا يجوز بحكم القانون أن يتبع المشروع التجاري أو التاجر أساليب من المنافسة لا تتفق والممارسات المألوفة ونزاهة التعامل التي تقتضيها الحياة التجارية وتؤدي الى الإضرار بالآخرين الذين يمارسون ذات النشاط . والمنافسة الغير المشروعة تخضع من حيث المبدأ للأحكام العامة المتعلقة بالالتزامات التجارية . ومن هذا المنطلق عالجها قانون التجارة الملغى رقم 149 لسنة 1970 فوضع لها قاعدة عامة (2) حدد من خلالها مفهوم المنافسة الغير المشروعة وبعض صورها والجزاءات المترتبة عليها . بيد أن قانون التجارة الحالي رقم 36 لسنة 1984 ألغى باب الالتزامات التجارية وترك كما يبدو موضوع هذه المنافسة للقواعد العامة وللأحكام الخاصة التي وردت بشأنها في بعض القوانين ، كقانون براءة الاختراع والنماذج الصناعية رقم 65 لسنة 1970 ، وقانون العلامات والبيانات التجارية رقم 21 لسنة 1957 وبعض القواعد الخاصة بالاسم التجاري التي يتضمنها قانون التجارة . من جانب آخر فإنه يجب ملاحظة أن الحماية من المنافسة الغير المشروعة قد لا تقف عند تدخل المشرع فقط . فعلاوة على ذلك فإنه يمكن الاتفاق بين أطراف العلاقة القانونية على استبعاد هذه المنافسة ، كما هو شائع مثلا في استعمال الشروط التي يفرضها مشتري المحل التجاري على البائع لتلافي ما قد يقع بينهما من مزاحمة غير مشروعة . عليه فإن المنافسة تكون غير مشروعة إما قانوناً وإما أتفاقاً .
أولاً : المنافسة غير المشروعة قانوناً :
المنافسة غير المشروعة قانوناً هي تلك المنافسة التي تقع جراء أي فعل يتعارض مع معطيات التعامل التجاري سواء كانت تلك المعطيات مقررة بحكم القواعد القانونية أم بحكم القواعد المتعارف عليها في البيئة التجارية بهذا المعنى ذهب قانون التجارة الملغى من خلال نص المادة الثامنة والتسعين التي تقرر بأنه : ” يعتبر منافسة غير مشروعة كل فعل يخالف العادات والأصول الشريفة المرعية في المعاملات التجارية … ” . وبناء عليه فإن أي فعل يقع مخالفة للممارسات والقواعد المرعية في المعاملات التجارية يعد منافسة غير مشروعة ويعتبر هذا المفهوم واسعاً يسمح بالإحاطة بجميع صور المنافسة قدر الإمكان . وللمنافسة غير المشروعة صور مختلفة وإذا تحققت فإنها ترتب جزاءات قانونية .
1. صور المنافسة الغير المشروعة .
يمكن رد صور المنافسة غير المشروعة الى مجموعتين :
الاولى : جميع الاعمال التي من شأنها بأية وسيلة كانت أن تسيء الى سمعة المنافس وان تخلق الالتباس مع محله التجاري أو سلعة أو نشاطه ويعتبر من ضمن هذه الاعمال الاعتداء على علامة الغير التجارية او رسومه أو نماذجه الصناعية (3) أو لاعتداء على براءات الاختراع (4) أو اتخاذ المحل المنافس اسماً تجارياً مشابهاً لاسم المحل المنافس . وينضوي تحت هذه المجموعة كذلك بث ونشر الادعاءات الكاذبة التي تستهدف تشويه الحقائق عن البضائع والسلع التي ينتجها ، حتى ينصرف عنه جمهور عملائه وزبائنه ويتحطم بالتالي مركزه المالي .
الثانية : جميع الأعمال التي من شأنها بأية وسيلة كانت أن تحدث الاضطراب في محل منافس . ويدخل ضمن هذه المجموعة تحريض العمال الذين يعتمد عليه محل تجاري آخر منافس إما بترك العمل أو بإغرائهم بشتى الطرق ، للعمل لديه لغرض استقطاب عملاء المنافس . إذ كثيراً ما يرتبط إقبال المستهلك على متجر معين بما يتحلى به القائمون بإدارته والخدمة فيه من صفات شخصية وخبرة ومهارة في التعامل بحيث يؤدي ترك هؤلاء للخدمة فيه الى صرف جمهوره عنه والتأثير بشكل ملموس على نشاطه . وقد يعمد المنافس الى اغراء العاملين بالمحل لأجل الوقوف على أسرار اعمال منافسة ، كمعرفة اسماء الموردين او طريقة البيع للعملاء والتسهيلات التي يقدمها لهم أو التوصل الى معرفة اسرار صناعية معينة او تركيب معين للمواد التي يقوم موضوع التجارة عليها . ويعتبر القيام بمثل هذه الأفعال منافسة غير مشروعة لأنها تؤدي الى خلق الاضطراب في محل منافس ومن ثم الإضرار به .
2. الجزاءات :
يترتب على القيام بعمل من أعمال المنافسة غير المشروعة دعوى مسؤولية أساسها لفعل الضار ، وذلك طبقاً للقواعد العامة القانونية المقررة في نص المادة 204 من القانون المدني ، والتي تقضي بأن : ” كل تعد يصيب الغير بأي ضرر ….. (فإنه) يستوجب التعويض ” . إذ لم يضع المشرع التجاري عندنا حكماً خاصاً بهذا الشأن . عليه إذن فإن دعوى المنافسة هي دعوى مسؤولية تقصيرية شروط قيامها خطأ وضرر وعلاقة سببية بينهما . ويتحقق لخطأ بصدور فعل من الأفعال التي يحرمها القانون ن أو بصدور أي فعل يتنافى والأصول المتعارف عليها في البيئة التجارية . ويتحقق الخطأ بمجرد وقوع الفعل المادي . وعليه فيعتبر الخطأ قائماً سواء صدر بنية الإضرار أو وقع نتيجة الإهمال وعدم التحرز ولا تمييز هنا بين الضرر المادي أو المعنوي . فكلاهما يستلزم التعويض ويجب أخيراً قيام علاقة سببية بين الفعل الضار والضرر . فلا تجوز مسألة المخطئ إلا إذا كان الضرر الذي أصاب الغير هو نتيجة لفعله الضار وبسببه . فإذا توفرت هذه الشروط في الدعوى كان على المحكمة أن تحكم بالتعويض المتناسب مع الضرر الحاصل مادياً كان أم معنوياً . ولها ان تقضي أيضاً وفي حدود الممكن ، بإزالة الضرر عينا كأن تأمر بحظر استخدام الاسم التجاري أو العلامة التجارية . ويجوز للمحكمة كذلك أن تأمر بنشر الحكم على نفقة المحكوم عليه في الصحف المحلية كنوع من رد الاعتبار للمدعي . بيد أن هذه الدعوى لا تحول دون قيام الجزاءات الجنائية المقررة في قوانين خاصة فبمقتضى نص المادة الرابعة والأربعين من قانون براءة الاختراع والنماذج الصناعية رقم 65 لسنة 1970 : ” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بغرامة لا تزيد على ألف دينار أو بكلتا العقوبتين : ” كل من قلد اختراعاً منحت عنه براءة ” ” وكل من قلد نموذجاً صناعياً ” ” وكل من حاز بغير وجه حق براءة أو شهادة نموذج صناعي سبق وسجل في داخل العراق أو خارجه ” . وتقضي المادة الخامسة والثلاثين من قانون العلامات والبيانات التجارية رقم 21 لسنة 1957 بعقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تزيد على مائتي دينار و بإحدى العقوبتين على كل من زور علامة تجارية أو قلدها أو وضع بسوء نية علامة مملوكة للغير .. ويقرر قانون التجارة أخيراً عقوبة الغرامة من مائة دينار الى الألف دينار في حالة الاعتداء على الاسم التجاري المسجل قانوناً . م 38 قانون التجارة .
ثانياً : المنافسة الممنوعة اتفاقاً :
الحماية من المنافسة غير المشروعة لا تقتصر فقط على ما قرره المشرع من أحكام في هذا الموضوع . فغالبا ً ما يحتاط التجار من هذه المنافسة عن طريق الاتفاق الخاص أو بتضمين الشروط في العقود التي يبرمونها فيما بينهم (5) ومن الأمثلة على ذلك ما درج عليه التعامل عند بيع المحل التجاري من وضع شرط يمنع البائع من إنشاء محل تجاري آخر مماثل . ويعتبر مثل هذا الشرط موافقاً للقانون ومن الممكن أن يتفق على خلافه . فإذا تضمن الاتفاق مثل هذا الشرط فليس للبائع عندئذ أن ينشئ متجراً مماثلا أو مشابها للمحل الذي باعه وذلك خشية إيذاء المشتري وصرف عملائه عنه . من جهة أخرى ، فإن شرط التحريم لا يمكن أن يكون مطلق المدة ، وعليه يعتبر باطلا الشرط الذي يتضمن منعاً زمنياً غير محدد أو يقرر مدة غير مقبولة (طويلة نسبياً) . ويجب كذلك أن لا يرد شرط التحريم عاماً لكل أنواع التجارة وإلا كان باطلاً . بل لابد لصحته من أن يقتصر على منع البائع من ممارسة ذات نوع التجارة التي باعها أو من شبيه بها . ويترتب على مخالفة البائع لأحكام الاتفاق أو الشروط دعوى لمصلحة المشتري أساسها المسؤولية العقدية ، فيما اذا اصاب هذا الأخير ضرر أكيد من جراء مخالفة البائع الاتفاق أو للشرط . فيحق للمشتري عندها طلب التعويض للضرر الحاصل . وللمشتري بالإضافة الى ذلك الحق في طلب فسخ العقد أو أن يطلب غلق المحل التجاري الذي اسسه البائع خلافاً للاتفاق . وله ايضاً الامتناع عن دفع المتبقي من ثمن المحل التجاري الذي اشتراه ، وذلك مقابل فقده للمميزات التي كان يحققها شرط المنع (6) . أما إذا انقضت مدة شرط التحريم فإن للبائع كل الطرق المشروعة في إنشاء محل تجاري جديد مشابه وان يباشر نوع التجارة التي يرغب فيها حتى لو كان ذلك في ذات المكان الذي حرم عليه الاشتغال فيه .
___________________
1. انظر د. محسن شفيق ، الموجز في القانون التجاري ص 123 .
2 . انظر نص المادة 98 من قانون التجارة الملغى .
3 . انظر المواد 35 و 36 من قانون العلامات والبيانات التجارية رقم 21 لسنة 1957 .
4 . انظر المواد 44 و 47 من قانون براءة الاختراع والنماذج الصناعية رقم 65 لسنة 1970
5 . انظر : De Juglart etlppolito: op. cit. 341.
6 . انظر : د. محسن شفيق . مصدر سابق ذكره ص 130 .
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً