اجابة الدكتور فالح عبد الجبار على رد القاضي المتقاعد هادي عزيز بخصوص المقالة المنشورة في جريدة العالم (النزعة المركزية في الفقه الدستوري) بتاريخ 13/3/2011
الاستاذ الفاضل فالح عبد الجبار المحترم
تحية وبعد
قرأت موضوعكم الممتع الموسوم ( النزعة المركزية في الفقه الدستوري ), وهو خطاب صريح ومختصر موجه الى المحكمة الاتحادية العليا مفاده ان الحاق الهيئات المستقلة بالسلطة التنفيذية يعني تدمير لوظيفة الهيئات تلك , وفي صباح اليوم ذاته طلبت من المكتب الاعلامي لمجلس القضاء الاعلى ان يطلع السيد رئيس المحكمة الاتحادية العليا على مضمون الموضوع , لعلمي ان ثمة ود متبادل بينكما ,وأن الود الذي يمنحه فالح عبد الجبار المفكر لا يؤسس على اساس عاطفي حسبما اعتقد بل هو موقف مبني على اسس مبدئية محسوبة دون شك. وبعدها قابلت الرجل وجرى الحديث عن مضامين الموضوع لاحظت مسحة حزن تعتري ملامح وجهه , اعتقدت انها تصدر من مساحة الود تلك ,رغم علمي بأن سنيه الطويلة وهو يعتلي كرسي القضاء منحته القدرة على التعامل مع الحلم الذي يمكنه من اخفاء مشاعره اوالسيطرة عليها.
من حيث المبدأ اني على الحياد من موقف المحكمة الاتحادية العليا بشأن قرارها موضوع الهيئات المستقلة وعلاقتها بالسلطة التنفيذية ,والمطلوب بانسبة لي ان لا يقرأ القرار قراءة سياسية او اعلامية بل ان تتم قراءته قراءة قانونية , وفي ضوء القراءة تلك تصدر الاحكام تسبيبا , وقبل ان نبدأ قراءة القرار لا بد من الدعوة الى قراءة النصوص الدستورية التي وردت في صلب القرار بغية الخروج برؤيا قريبة من الاهداف التي انصرفت اليها ارادة المشرع الدستوري .
نقطة البداية ان الدستور قد اطلق يد مجلس الوزراء في كل انشطة الدولة وفي اكثر من نص , ففي المادة (78) نص على :- ( رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة …) . اما في الفقرة (اولا ) من المادة (80) وهي عن الصلاحيات التي يمارسها مجلس الوزراء فقد جاء النص باشكل الاتي : – ( تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة , والخطط العامة ,والاشراف على عمل الوزارات والجهات غير المرتبمة بوزارة ) , ومعلوم ان الهيئات المستقلة ومهما اختلفت اشكالها ووظائفها هي جزء من البناء المؤسسي للدولة التي تنالها النصوص الدستورية تلك , وعن طريق مجلس الوزراء المخول دستوريا بالتعامل معها وعلى مستوى الدولة, ولا مساغ هنا للاجتهاد في مورد النص , رضينا بذلك ام ابينا .
اما النصوص الدستورية التي تعاملت مع الهيئات المستقلة فقد كانت نصوصا مرتبكة يشوبها الغموض مما يجعلها نهبا للاجتهادات , فقسمها المشرع الى هيئات تخضع لرقابة مجلس النواب ولم يبين الجهةالتي ترتبط بها كهيئة النزاهه والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات والمفوضيةالعليا لحقوق الانسان , المادة (102) .
ثم نص على هيئات ترتبط بمجلس النواب وهي ديوان الرقابة المالية وهيئة الاعلام والاتصالات , المادة (103), وهيئة المساءلة والعدالة وهيئة دعاوى الملكية , المادتين(135 136 ) . ومجلس الخدمة العامة الاتحادي الذي جاء ذكره في المادة (107) من الدستور والذي لم يبين الجهة التي يرتبط بها الا ان القانون الصادر به المرقم (4) لسنة 2009 نص على ربطه بمجلس النواب .
اما البنك المركزي العراقي فلم يذكر الدستور الجهة الواجب الارتباط بها عندما جاء ذكره في نص المادة (103 \ ثانيا) وترك امره من دون مرجعية, الا انه نص على كونه مسؤولا امام مجلس النواب .
وهناك هيئات قابلها الدستور بالصمت فلا هي مرتبطة بمجلس النواب او خاضعة له او مسؤولة امامه , ولا هي تابعة او مرتبطة بمجلس الوزراء وهي الهيئة العامة لضمان حقوق الاقاليم والمحافطات غير النتظمة بأقليم , والهيئة العامة لمراقبة الواردات الاتحادية الوارد ذكرهما في المادتين (105 و106 ) .
مما تقدم يتبين لي ان المشكلة الحقيقية تكمن في النصوص الدستوري التي تشوبها عيوب تشريعية وعلى صعيد الافكار والمباديء ايضا والتي تصل في احيان كثيرة حد النتاقض الامر الذي يجعلها نهبا للاجتهادات والرؤى المختلفة ويجعل مهمة التفسير القضائية صعبة جدا .
يمكنني القول ان المؤسسة القضائية في العراق هي الافضل اداء قياسا ببقية مؤسسات الدولة ,من حيث الجانب المهني والنزاهة , وبشهادة ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة ,فاذا كانت مؤسسات الدولة تعج بالفساد المالى والاداري كبيرة وصغيره ,فأن الامر مختلف بالنسبة للمؤسسة القضائية وهذا امر تحمد عليه دون شك .
المؤسسة هذه ترسي دعائم الدولة المدنية من خلال الاحكام التي تصدرها خلافا لمؤسسات كثيرة تحاول سحب العراق الى مرحلة ما قبل الدولة من خلال ترسيخ مبدأ القضاء الرديف وهو قضاء رجل الدين وقضاء شيخ العشيرة .
المؤسسة هذه ساهمت في ظهور ملامح المجتمع المدني من خلال مؤازرتها لطلبات منظمات المجتمع المدني , كالحكم بألغاء الجلسة المفتوحة لمجلس النواب , والحكم بعدم دستورية المقاعد التعويضية , والاستجابة لكوتا النساء في مجالس المحافظات ,واعتبار الازديين خمسة مقاعد في دورة مجلس النواب القادمة وسواها من الاحكام الاخرى .
هذه المؤسسة وبجهد المخلصين فيها تمكنت وخلال السنوات الثمان المنصرمة التي عصفت بالعراق ان تنأى بنفسها من الانجرار للطائفية , او الدخول في دوامة المحاصصة وهذه لعمري ميزة تحسب لها بأمتياز .
لما تقدم فهي بحاجة الى مؤازرة القوى والشخصيات الديمقراطية , وكل الخيرين العازمين على ترسيخ مباديء الدولة المدنية والوقوف معها بوجه الخصوم الكثر .
في ختام رسالتي هذه ارجو قبول وافر الاحترام مع المودة .
القاضي المتقاعد
هادي عزيز علي
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً