آثار القبول في الكمبيالة :
إذا قبل المسحوب عليه الكمبيالة فإن ذلك يرتب آثاراً قانونية سواء في العلاقة بين المسحوب عليه والحامل، أو العلاقة بين الحامل وبين الساحب والمظهرين، أو في العلاقة بين الساحب والمسحوب عليه. وسوف نتناول هذه الآثار بالتفصيل كما يلي :
أولاً : العلاقة بين المسحوب عليه والحامل :
بمجرد قبول المسحوب عليه الكمبيالة يصبح مسئولاً قبل الحامل مسئولية صرفية عن أداء قيمتها، ويصير هو المدين الأصلي بها، وبالتالي يكون أول المطالب بقيمتها، فإذا امتنع المسحوب عليه عن الوفاء رغم قبوله الكمبيالة كان للحامل عمل احتجاج عدم الوفاء ثم الرجوع على الموقعين على الكمبيالة بالدعوى للمطالبة بقيمتها حسب أحكام قانون الصرف، ولا يستطيع المسحوب عليه القابل التمسك بسقوط حق الحامل المهمل في الرجوع عليه لأنه هو المدين الأصلي في الكمبيالة بالقبول، وبالتالي فإن هذه الإجراءات ومواعيدها مقررة في هذه الحالة للرجوع على الموقعين الآخرين في الكمبيالة(1) وينشئ عن القبول علاقة مباشرة بني الحامل والمسحوب عليه، وهي علاقة مستقلة عن علاقة المسحوب عليه بالساحب، لذلك لا يجوز للمسحوب عليه القابل التمسك بالدفوع التي كان يستطيع التمسك بها في مواجهة الساحب في مواجهة الحامل حسن النية، ولا يجوز أيضاً للمسحوب عليه القابل رد مقابل الوفاء إلى الساحب، وإذا قام بهذا الرد فإنه يظل مسئولاً أمام الحامل بالوفاء بقيمة الكمبيالة في ميعاد الاستحقاق، لأنه بالقبول أصبح المدين الأصلي. وفي ذلك تنص المادة ٤١٦ من قانون التجارة على أنه “إذا قبل المسحوب عليه الكمبيالة صار ملزماً بوفاء قيمتها في ميعاد استحقاقها. وفي حالة عدم الوفاء يكون للحامل ولو كان هو الساحب نفسه مطالبة المسحوب عليه القابل بدعوى مباشرة ناشئة عن الكمبيالة بكل ما تجوز المطالبة به بموجب المادتين ٤٤٥ ،٤٤٤ من هذا القانون”. ويعد المسحوب عليه ملتزماً بصفة قطعية لحامل الكمبيالة ولو كان قد تحفظ في قبوله بأنه لم يتلق مقابل الوفاء أو إذا قبل على المكشوف. ولكن يجب ملاحظة أن للمسحوب عليه الحق في التمسك في مواجهة الحامل ولو كان حسن النية بالدفوع التي لا يطهرها قانون الصرف مثل الدفع بنقص أو انعدام الأهلية والدفع بانعدام الرضا أو تزوير التوقيع.
ثانياً: في العلاقة بين الحامل وبين الساحب والمظهرين :
ساحب الكمبيالة والمظهرين لها يسألون بالتضامن عن قبول الكمبيالة من المسحوب عليه المواد ٣٩٠ /١،395/1 ، 420من قانون التجارة لذلك تبرأ بالقبول التزام الساحب والمظهرين من ضمان القبول وبالتالي لا يحق للحامل الرجوع عليهم قبل حلول ميعاد الاستحقاق ولكن هذا القبول لا يبرأ ذمتهم من الالتزام بضمان الوفاء. فإذا حل ميعاد الاستحقاق وتقدم الحامل للمسحوب عليه القابل للوفاء بقيمتها ورفض، كان للحامل الرجوع على الساحب والمظهرين لأنهم ملتزمين بضمان الوفاء أيضاً، وذلك بعد اتخاذ الإجراءات التي قررها قانون الصرف في مواعيدها. وإذا أفلس المسحوب عليه بعد القبول وقبل حلول ميعاد الاستحقاق جاز لحامل الكمبيالة أن يرجع على الساحب والمظهرين بعد عمل الاحتجاج لأن إفلاس المسحوب عليه يجعل قبوله كأن لم يكن، وفي ذلك تنص المادة ٤٣٨/٢ “ويجوز للحامل الرجوع قبل ميعاد الاستحقاق في الأحوال الآتية : أ – ………… ب- إفلاس المسحوب عليه قابلاً كان للكمبيالة أو غير قابل، أو توقفه عن الدفع ولو لم يثبت بحكم ، أو الحجز على أمواله حجزاً غير مجد”.
ثالثاً: في العلاقة بين الساحب والمسحوب عليه :
يعتبر قبول المسحوب عليه قرنية على وجود مقابل الوفاء لديه، غير أن هذه القرينة بسيطة في علاقة الساحب والمسحوب عليه، حيث يجوز للمسحوب عليه رغم قبوله الكمبيالة إثبات أنه لم يتلق مقابل الوفاء.
__________________
1- الطعن رقم ١٥٠٧ لسنة ٥٥ ق جلسة 1/11/1993م.
آثار الامتناع عن القبول في الكمبيالة :
قد يمتنع المسحوب عليه عن قبول الكمبيالة، أما لأنه غير مدين للساحب وبالتالي لا يوجد لديه مقابل الوفاء، أو أن الساحب وعده بتقديم مقابل الوفاء ولم يفعل، أو أن مقابل الوفاء الذي لديه غير كافي للوفاء بقيمة الكمبيالة، أو أنه يفضل دفع قيمة الكمبيالة مباشرة في ميعاد الاستحقاق بدون قبولها والدخول تحت أحكام قانون الصرف، أو غير ذلك من الأسباب. غير أنه إذا رفض المسحوب عليه القبول بدون أسباب حقيقية قائمة كان للساحب الرجوع عليه بالتعويض إذا تسبب ذلك في ضرر، وغالباً يحدث هذا الضرر إذا كان الساحب تاجراً ويعتمد على اسمه وسمعته.
ومن حق الحامل في حالة امتناع المسحوب عليه عن القبول أن يتخذ موقفاً سلبياً ويكتفي بتوقيع الساحب والمظهرين وينتظر حتى يحل ميعاد الاستحقاق ليطالبهم بالوفاء. غير ان هذا الموقف من الحامل غالباً ليس في صالحه، حيث يجب عليه أن يكون سريعاً ونشطاً في الحفاظ على حقوقه، لذلك أجاز المشرع للحامل اتخاذ إجراءات الرجوع على الموقعين على الكمبيالة لمطالبتهم بالدفع فوراً. وفي ذلك تنص المادة ٤٣٨/٢ من قانون التجارة على أن يجوز للحامل الرجوع قبل ميعاد الاستحقاق في الأحوال الآتية :
أ- الامتناع الكلي أو الجزئي عن القبول وأضافت المادة ٤٣٩/١ على أن “يكون إثبات الامتناع عن قبول الكمبيالة أو وفائها باحتجاج عدم القبول أو عدم الوفاء”. ولكن يجب ملاحظة أن المشرع لا يلزم الحامل في حالة رفض القبول الرجوع على الموقعين – إذا كان غير مجبراً على تقديم الكمبيالة للقبول – ولا يعتبر حاملاً مهملاً إذا سكت عن هذا الرجوع وانتظر حتى ميعاد الاستحقاق(1) وإذا أراد الحامل الرجوع على الموقعين في حالة رفض القبول فإن عليه تحرير احتجاج عدم القبول لإثبات امتناع المسحوب عليه، وذلك حتى يحق له الرجوع الميسر – أي قبل ميعاد الاستحقاق – على الموقعين.
احتجاج عدم القبول :
حتى يتمكن الحامل من الرجوع على الموقعين في حالة رفض القبول، يجب عليه إثبات هذا الرفض أو هذا الامتناع في ورقة رسمية تسمى احتجاج عدم القبول.
وتنص المادة ٤٣٩/١ تجاري على أن “يكون إثبات الامتناع عن القبول أو عن وفائها باحتجاج عدم القبول أو احتجاج عدم الوفاء”. واحتجاج عدم القبول ورقة من أوراق المحضرين يثبت فيها المحضر امتناع المسحوب عليه عن القبول والهدف من إثبات الاحتجاج في ورقة من أوراق المحضرين هو قطع كل شك أو أي منازعة حول هذا الامتناع. وكقاعدة عامة يجوز تحرير احتجاج عدم القبول في أي وقت بعد رفض القبول وحتى تاريخ استحقاق الكمبيالة، ولكن يجب ملاحظة أن احتجاج عدم القبول يجب عمله في المواعيد المحددة لتقديم الكمبيالة للقبول وسبق أن ذكرنا أن الكمبيالة المستحقة الوفاء بعد مضي مدة معينة من الإطلاع يجب تقديمها للقبول خلال سنة من تاريخها، لذلك يجب على الحامل عمل الاحتجاج خلال هذه المدة وإلا أصبح حاملاً مهملاً وإذا وقع التقديم الأول للقبول – وفقاً للفقرة الأولى من المادة ٤١٢ – في اليوم الأخير من الميعاد المحدد للتقديم، جاز عمل الاحتجاج في اليوم التالي، والفقرة الأولى من المادة ٤١٢ تجاري تجيز للمسحوب عليه أن يطلب تقديم الكمبيالة للقبول مرة ثانية في اليوم التالي للتقديم الأول. وقد قصد المشرع من اعتبار إثبات احتجاج عدم القبول صحيحاً إذا تم في اليوم التالي للتقديم الأول ولو كان هذا اليوم هو الأخير، إعطاء مهلة لحامل الكمبيالة في إثبات امتناع عدم القبول حماية لحقوقه وتخفيفاً من الالتزامات عليه خاصة المتعلقة بمواعيد إجراءات الرجوع، كما من شأن هذه المهلة إفساح المجال أمام المسحوب عليه لاحتمال قبوله الكمبيالة في اليوم التالي لعرض الكمبيالة عليه (2) ويغني احتجاج عدم القبول عن تقديم الكمبيالة للوفاء وعن عمل احتجاج عدم الوفاء، وذلك تسهيلاً للحامل وقد نصت على ذلك المادة ٤٣٩/٤ من قانون التجارة ويمكن للحامل أن يباشر إجراءات الرجوع على الضامنين دون إثبات عدم القبول باحتجاج، إذا تضمنت الكمبيالة شرط الرجوع بلا مصاريف أو شرط الرجوع دون عمل احتجاج عدم القبول، وإذا اشترط الساحب على صك الكمبيالة الرجوع بلا مصاريف أنتج هذا الشرط أثره على جميع الموقعين، أما إذا اشترطه أحد المظهرين أو الضامنين الاحتياطيين سرت أثاره عليه وحده طبقاً لحكم المادة ٤٤١/٣ تجاري
الرجوع على الموقعين قبل ميعاد الاستحقاق :
بمجرد قيام الحامل بعمل احتجاج عدم القبول يجوز له الرجوع على الساحب أو المظهرين بعد إعلانهم بالاحتجاج، حيث يحق للحامل مطالبتهم دفعة واحدة، أما إذا أراد الحامل الرجوع على الساحب فقط أو أحد المظهرين فعليه القيام بإعلانه فقط، ولا يلزم الحامل باتباع ترتيب معين للرجوع على المظهرين، وقد نصت على ذلك المادة ٤٤٢ من قانون التجارة حيث قالت في فقرتها الأولى أن “الأشخاص الملتزمين بموجب كمبيالة مسئولون بالتضامن قبل حاملها” ، وأضافت في الفقرة الثانية أنه “ولحامل الكمبيالة الرجوع على هؤلاء الملتزمين منفردين أو مجتمعين دون أن يلزم بمراعاة ترتيب التزاماتهم” ، ثم أضافت الفقرة الثالثة “ويثبت هذا الحق لكل موقع على الكمبيالة إذا دفع قيمتها” ، وقررت الفقرة الرابعة أن “الدعوى المقامة على أحد الملتزمين لا يحول دون الرجوع على الباقين ولو كانوا لاحقين للملتزم الذي وجهت إليه الدعوى ابتداء”. ويجوز لكل ضامن عند الرجوع عليه قبل ميعاد الاستحقاق – في حالة إفلاس المسحوب عليه قابلاً كان أو غير قابل، أو توقفه عن الدفع ولو لم يثبت بحكم، أو الحجز على أمواله حجزاً غير مجد، وأيضاً حالة إفلاس ساحب الكمبيالة المشروط فيها عدم تقديمها للقبول -، أن يقدم إلى القاضي المختص بالمحكمة التي يقع في دائرتها موطنه وخلال ثلاثة أيام من تاريخ الرجوع عريضة يطلب منحة مهلة للوفاء. فإذا رأى القاضي مبرراً لمنح المهلة حدد في أمره الميعاد الذي يجب فيه الوفاء بشرط ألا يجاوز التاريخ المعين للاستحقاق، ويكون هذا الأمر نهائياً، وقد أشارت إلى ذلك المادة ٤٣٨/٣ من قانون التجارة يتضح من ذلك أن الضامن لا يستطيع أن يطلب مهلة للوفاء من القاضي في حالة امتناع المسحوب عليه كلياً أو جزئياً عن القبول وهي الحالة التي يحق فيها للحامل أيضاً الرجوع قبل ميعاد الاستحقاق. والسبب في هذه التفرقة من وجهة نظرنا أن الضامن غالباً يفاجأ برجوع الحامل عليه قبل ميعاد الاستحقاق في حالة إفلاس المسحوب عليه أو إفلاس الساحب لذلك أجاز له المشرع في هذين الحالتين فقط أن يطلب منحة مهلة للوفاء من القاضي المختص. ويلتزم الحامل بقبول الوفاء قبل ميعاد الاستحقاق إذا قام أحد الضامنين بالوفاء بناء على هذا الرجوع، وكذلك يجبر الحامل على قبول الوفاء قبل ميعاد الاستحقاق في حالة القبول بالتدخل من أحد الأشخاص لصالح أحد الملتزمين بالكمبيالة، حيث بحق لمن حصل التدخل بالقبول لمصلحته ولضامنه على الرغم من حصول القبول بالتدخل أن يلزموا الحامل بتسليم الكمبيالة والاحتجاج وتقديم مخالصة بقبض قيمة الكمبيالة مقابل دفع مبلغ الكمبيالة والعائد ومصاريف الاحتجاج وأشارت إلى ذلك المادة ٤٥٣/٢ تجاري ويجوز لحامل الكمبيالة الرجوع قبل ميعاد الاستحقاق على الضامنين إذا أفلس المسحوب عليه سواء كان قابلاً للكمبيالة أو غير قابل، أو توقف عن دفع ديونه حتى ولو لم يثبت هذا الموقف بحكم قضائي، كذلك إذا ما وقع حجز على أموال المسحوب عليه غير مجد. ويجوز لحامل الكمبيالة أيضاً الرجوع قبل ميعاد الاستحقاق على الضامنين إذا أفلس الساحب وكانت الكمبيالة تتضمن شرط عدم التقدم للقبول، لأن الساحب يعتبر هو المدين الأصلي طالما أن المسحوب عليه لم يقبل الكمبيالة، والكمبيالة المشروط فيها عدم تقديمها للقبول يحظر على الحامل تقديمها للقبول إلى المسحوب عليه لذلك يكون منطقياً في حالة إفلاس الساحب باعتباره المدين الأصلي إعطاء الحق للحامل في الرجوع على الضامنين قبل ميعاد الاستحقاق. يتضح من ذلك أن المشرع توسع في حالات رجوع الحامل قبل ميعاد الاستحقاق حماية منه للحامل وحفاظاً على حقوقه وتشجيعاً للائتمان التجاري.
__________________
1-مصطفى كمال طه، القانون التجاري، مؤسسة الثقافة الجامعية، طبعة ١٩٨ ، ص ١26.
2- سميحة القليوبي، الأوراق التجارية، الطبعة الثالثة ١٩٩٩ م ، دار النهضة العربية، ص ١٥٩.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً