هل تملك السلطة القضائية حق تقديم مشاريع ومقترحات القوانين؟ / القاضي سالم روضان الموسوي
يظهر بين الحين والآخر مقال في وسيلة إعلامية أو صوت في منتدى او ورشة عمل قانونية يلقى فيه اللوم على السلطة القضائية بعدم سعيها لتغيير التشريعات النافذة التي أصبحت لا تتفق وتحولات ما بعد عام 2003 ومنها التشريعات التي تعنى بالهيكلية القضائية ، وهذه الأصوات تصدر عن أشخاص غير مختصين في القانون أو القضاء حرصا منهم على توفير الأفضل للمواطن ، إلا أن ما يلفت النظر إن البعض الآخر مختص في القانون ويعمل في البيئة القانونية ، ويفترض فيه ملما بالمعرفة بآليات التشريع وكيفية إصداره ، وهذا قد لا يدعوا أحيانا إلى طرح فرضية حسن النية ، وان كنت ومازلت أظن بالآخر حسن النية حتى يثبت العكس ، وفي مثال على ذلك مقال نشره موقع العدل نيوز على الشبكة الدولية للمعلومات ( الانترنيت) بعنوان (أيهما أولى : قانون للسلطة القضائية أم تعيين أعضاء لمحكمة التمييز) ووجدت في ثناياه بعض العبارات التي يفصح فيها عن ذلك اللوم المشار إليه واقتبس منه العبارة الآتية (ولهذا كنا نتمنى من مجلس القضاء بدلاُ من أن يفتح شهية المتصيدين باستقلاله أن يحسم أمره بالإصرار على تقديم تشريعات تخص وظائف ومهمات السلطة القضائية إلى مجلس النواب) وتوضيحا لكاتب المقال ومن لا يملك المعرفة تجاه آلية التشريع في ظل دستور العراق لعام 2005 أتقدم بالآتي :ـ
1. إن السلطة القضائية حصلت على استقلالها عن السلطة التنفيذية بموجب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة رقم (35) لسنة 2003 وهذا الأمر لم يصدره الحاكم المدني آنذاك بمنة أو مكرمة منه، وإنما كان نتاج سعي ومدافعة من رجال القضاء والقانون وبجهد وضغط متواصل امتد لشهور ساهم فيه عدد ليس بالقليل من المخلصين لمبدأ استقلال السلطة القضائية، قضاة بما فيهم رئيس السلطة القضائية صاحب الدور الأكبر الذي لا ينكر ومحامون وحقوقيون وناشطون في المجتمع المدني ومن أصدقاء القضاء من السياسيين والمستشارين واحدهم كان صاحب موقع العدل نيوز بحكم عمله مع الطاقم العدلي لسلطة الائتلاف في حينه ، وكللت هذه الجهود بالنجاح في نيل الحد الأدنى لطموح الأسرة القضائية والحقوقية ، إذ كان في الجانب الآخر من قاتل بشراسة لمنع صدور الأمر (35) لسنة 2003 ومازال متواصلا في حربه تجاه مبدأ استقلال القضاء ويسعى للحد أو النيل من هذا المكسب الذي لا يمثل كل الطموح ، وفي هذا المثل أوضح للجميع بان السلطة القضائية حينما وجدت لها منفذا تجاه إصدار تشريع لم تألوا جهد لاستثماره ، إلا أن آليات إصدار التشريع تغيرت ، وأصبح للتشريع سلطة المستقلة وآليات دستورية، لابد من احترامها ومراعتها وتشكل المسطرة التي تقاس عليها مشروعية النصوص القانونية النافذة.
2. بعد صدور قانون إدارة الدولة للقترة الانتقالية منح رئيس الوزراء سلطة إصدار التشريع واستثمر القائمين على السلطة القضائية وبجهد لا يقل عن سابقه بمناصرة ومؤازرة من أصدقاء القضاء والمؤمنين باستقلاله فأكملوا المؤسسات الدستورية في باب السلطة القضائية بإنشاء المحكمة الاتحادية العليا بموجب الأمر (30) لسنة 2005 وأصبح في العراق لأول مرة محكمة تعنى بالنظر في عدم دستورية القوانين بعد أن كانت مجرد مبادئ ونصوص قانونية غير مفعله في دساتير ألغاها دستور عام 1970 الملغى وهذه مؤشر على إن من آمن بمبدأ استقلال القضاء يكثف الجهد والمسعى لإكمال بناء مفردات تكوين السلطة القضائية في جانب التشريع أو البنى التحتية والكادر القضائي .
3. في دستور العراق لعام 2005 الذي حل محل قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية أصبح التشريع من مهام السلطة التشريعية حصرا وعلى وفق حكم المادة (60) من الدستور التي جاء فيها الآتي (أولا : – مشروعات القوانين تقدم من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء. ثانيا : – مقترحات القوانين تقدم من عشرة من أعضاء مجلس النواب، أو من إحدى لجانه المختصة) وكاتب الدستور رسم طرق واليات التشريع، وكل تشريع لابد ان يبدأ بخطوة اولى تتمثل في الجهة التي تتقدم بالمشروع أو المقترح وهذه المنافذ فقط التي تبدأ من خلالها عملية ولادة التشريع وظهوره للعلن وهي طرق حصرية لا بديل عنها ولا اجتهاد فيها، وازعم إن المختص يدرك الآثار التي ترتبت على أحكام هذه النصوص ومنها عدم إمكانية السلطة القضائية او غيرها في تقديم مشاريع او مقترحات قوانين إلى مجلس النواب بشكل مباشر وإنما عبر بوابات السلطة التنفيذية أو التشريعية ، وفي رأي شخصي أعلنته في أكثر من مناسبة إن ذلك نقص دستوري لابد من تداركه في التعديلات الدستورية المقبلة ، لان السلطة القضائية حتى وان قدمت أفكارها تجاه حاجتها إلى التشريع أو المتعلقة بالقوانين التي تمس المواطن وتكون محلا للتطبيقات القضائية اليومية، فان الأمر متروك لمشيئة السلطة التنفيذية ولا إلزام عليها ، وتضطر السلطة القضائية أحيانا الاستعانة بأصدقاء القضاء من المؤمنين بمبدأ استقلال القضاء في طرح الأفكار ، ولم يقف جهد السلطة القضائية عند هذا الحد وإنما شكلت لجان لدراسة القوانين النافذة التي تنظم العلاقات بين الأفراد والتي شخصت من خلال التطبيق اليومي في عمل المحاكم ورفعت التوصيات إلى المنافذ الدستورية لكن دون أن نرى في البيدر حاصلاً. وبذلك نجد إن الذي يضع اللوم على السلطة القضائية إما ان يكون غير عارف بالآليات الدستورية أو ساعيا لقصدٍ لا اعلمه.
4. أما عن المصادقة على أعضاء محكمة التمييز فان كاتب المقال أشار إلى جزء من المعاناة، لكن هذا هو الدستور وعلى الجميع أن يحترم ما ورد فيه لان بناء المؤسسات الدستورية وتشييد دولة تنعم بسيادة القانون لا يكون إلا باحترام الدستور والعمل على وفق ما ورد فيه لحين التعديل ، ولابد إن أشير إلى أن العمل المؤسساتي لا يتم بالجهود الفردية وإنما عبر وسائل تنظيمية ومع ذلك فان المطلع والقريب من عمل السلطة القضائية سيجد الجميع بلا استثناء يعمل لتوضيح الصورة تجاه تامين معززات الاستقلال ودعم القضاء ومنها المصادقة على أعضاء محكمة التمييز بكل ما يتوفر له من مسرب لا يخل باستقلال القضاء وعمل المؤسسة القضائية ، وان لا يشكل تدخلا في العمل السلطة التشريعية لان السلطة القضائية تحرص على هذا الأمر بمثل حرصها على عدم السماح للغير في التدخل بعملها، فضلا عن ثقة السلطة القضائية بمجلس النواب ولا ترى في الجدل التشريعي إلا رغبة للمشرعين في وصول الأفضل إلى موقع مهم مثل محكمة التمييز ، وهو إشارة مفرحة على إن الجميع يسعى لبناء عراق ديمقراطي تحكمه المؤسسات على وفق الدستور.
ونأمل أن يشكل موقع العدل نيوز إضاءة في مجال نشر الوعي والثقافة القانونية والقضائية تجاه تعريف المواطن بحقوقه وواجباته على وفق حكم القانون وهذا ما عهدته في ما ينشر وأثره اللامع في ساحة الإعلام القضائي والقانوني على حداثة عمره .
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً