مطالب العمال … ومشروعية الإضراب
كتبه: محمود سالم
< السعي لتنفيذ المطالب العمالية المشروعة يبدأ باستخدام المفاوضة
< المفاوضة إذا وصلت إلى طريق مسدود يتمّ التلويح بالاعتصام ثم الإضراب
< جميع النقابات تعمل من خلال أطر قانونية ودستورية.. فعلى المسؤولين أن يتعاونوا معها
< جهل بعض المسؤولين بطبيعة العمل النقابي هو سبب مباشر لاستخدام سلاح الإضراب
< الإضراب وسيلة مشروعة لدعم حقوق العمال طبقاً للاتفاقيات الدولية ولقرارات منظمة العمل الدولية
سوف نتناول في هذا المقالة الحدث الأهمّ على الساحة العمالية والنقابية ألا وهو استخدام سلاح الإضراب من قِبل العاملين بوزارات الدولة والمؤسّسات الأخرى، حيث لاحظنا- وبشكل واضح- انتشار التلويح بالإضراب واستخدامه بالفعل في العديد من مراكز العمل بوزارات الدولة على خلفية المطالب العمالية التي لم تتحقق، وسوف نتناول بعضًا من تلك المطالب العمالية ومدى أحقية أصحابها في استخدام سلاح الإضراب لنيل حقوقهم المشروعة.
< ولكن هل التلويح بالاعتصام والقيام بالإضراب هي الوسيلة الوحيدة للنقابات لتنفيذ مطالبها؟
ممّا لا شك فيه أن تنفيذ المطالب العمالية لا يكون فقط بالاعتصام أو الإضراب، فهناك من الوسائل النقابية العديدة التي يمكن أن يلجأ إليها النقابيون، وذلك من خلال كوادرهم، لتحقيق مطالب العاملين وللدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم، فمن المعروف أن المنظمات النقابية تهدف- في المقام الأول- إلى رعاية مصالح العمال والدفاع عن حقوقهم وتمثيلهم في كافة الأمور المتعلقة بشؤون العمل لتحقيق مصالح العمال، مع تقديم المذكرات القانونية الوافية التي تدعم هذه المطالب، بالإضافة إلى استخدام المفاوضة والاستمرار في استخدامها إلى أن تتحقق المطالب المشروعة للعمال جميعها، وهذا الأسلوب- نعني أسلوب المفاوضة- غالبًا- ما يكون ناجحًا ومثمرًا في تحقيق المطالب أو جزء منها، وأبرز مثال على ذلك: تلك المفاوضات المضنية التي قام بها اتحاد البترول ونقاباته في الفترة الأخيرة لأخذ كادر النفط، وقد كانت تلك المفاوضات شاقة وصعبة إلا أنها تكللت بالنجاح، حيث وافقت الحكومة على إقرار الكادر والموافقة عليه، وفي أحيان أخرى تصل المفاوضات إلى طريق مسدود ولا يتمّ تحقيق تلك المطالب وهنا يتمّ التلويح بالاعتصام أولا ثم الإضراب في حالة فشل الأول، وذلك لمحاولة الضغط لنيل الحقوق المشروعة، وهذا الإجراء- نعني الإضراب- وإن كان نادر الحدوث إلا أنه قد يُفرض فرضًا على النقابيين لاستخدامه من أجل تحقيق مطالبهم.
الأسباب المباشرة لاستخدام سلاح الإضراب
نحن نعلم جميعًا أن النقابة هي جزء من منظومة المؤسّسات الدستورية في الدولة، وهى تسعى- كما ذكرنا- إلى رعاية مصالح أعضائها والدفاع عن حقوقهم، وهذه النقابات تعمل وفقاً لأحكام القانون ولها شخصيتها الاعتبارية التي تسمح لها بممارسة كافة الأنشطة المحدّدة لها، كما أنها تعمل كذلك تحت مظلة الاتفاقيات الدولية التي أكدت مواثيقها على استقلالية المنظمات النقابية وممارسة نشاطها دون تدخّل من جانب السلطة، وقد التزمت دولة الكويت بتلك الاتفاقيات بمجرد قبول عضويتها في منظمة العمل الدولية في 13/6/1961م، إذاً يتضح لنا أن النقابات تعمل من خلال أطر قانونية ودستورية، ومن هذا المنطلق: فقد أصبح لزامًا على المسؤولين بالدولة القيام بالتعاون مع تلك المنظمات النقابية التي تمثل العاملين بالدولة، وهناك بالفعل مسؤولون يدركون ذلك تمامًا ويفهمون طبيعة العمل النقابي ويعملون على تذليل العقبات ومصالحة القضايا وتحقيق المطالب، إلا أنه- وفي المقابل- هناك بعض من المسؤولين ممّن هم على جهل بطبيعة العمل النقابي وأهميته، حيث يضعوا العراقيل والعقبات أمام الزملاء من النقابيين، الأمر الذي يؤدّي- في النهاية- إلى حدوث الصدام المتوقع الذي ينتهي بعواقب وخيمة، حيث لا ترضى المنظمات النقابية بالظلم الواقع على العمال فتبدأ في اتخاذ الإجراءات الأشدّ في هذا الخصوص.
مدى مشروعية الإضراب
لقد شرحنا- فيما سبق- الإجراءات التي يجب على المنظمات النقابية اتخاذها وذلك لتحقيق مطالبهم المشروعة، إلا أنه قد تصل الأمور إلى الطريق المسدود، وهنا يقوم العمال باستخدام الإضراب، ومن المعلوم أن حق الإضراب من الحقوق الأساسية للعمال ومنظماتهم النقابية، والإضراب يعدّ وسيلة مشروعة لدعم حقوق العمال وتلبية مطالبهم، وقد جاء هذا الحق متوافقاً مع الاتفاقيات الدولية الصادرة في هذا الشأن والمصدّق عليها من دولة الكويت، حيث أصبحت جزءًا لا يتجزأ من التشريع الداخلي للدولة، وأهم هذه الاتفاقيات الاتفاقية 78، 98 وبيانهما كالآتي:-
1- الاتفاقية (78) بشأن الحرّيات النقابية
والتي صدّقت عليها دولة الكويت في عام 1961م، وتنصّ الاتفاقية على «أن لمنظمات العمال الحق في إعداد لوائحهم والقواعد الإدارية وانتخاب ممثليهم في حرية تامّة، وتنظيم إدارتها وأوجه نشاطها وصياغة برامجها»، كما تنصّ على «أنه يُمتنع على السلطات العامة أي تدخّل من شأنه أن يحدّ من حقوق المنظمات النقابية أو يعوق الممارسات المشروعة له، وأنه لا يجوز أن تكون منظمات العمال عُرضة للحلّ أو لوقف نشاطها عن طريق السلطة الإدارية» .
2- الاتفاقية (98) بشأن تطبيق مبادئ التنظيم والمفاوضة الجماعية
والتي صدّقت عليها دولة الكويت بالمرسوم لقانون رقم 234 لسنة 2004م، وقد تضمّنت «أنه يجب توفير الحماية الكافية للنقابيين ضدّ الأعمال التي يُقصد منها الحدّ من حرّيتهم، وأنه يجب ألا يؤدّي العمل النقابي إلى الإضرار بالنقابيين بسبب مشاركتهم في النشاط النقابي».
كما تجدر الإشارة إلى أن القرارات الصادرة عن لجنة الحريات النقابية في مجلس إدارة منظمة العمل الدولية اعتبرت أن حق الإضراب هو إحدى الوسائل التي ينبغي توافرها لدى منظمات العمال، وأن مطالبة العمال بزيادة الأجور وضرورة إحداث تغيير في السياسة الاقتصادية هو إضراب مشروع ويقع ضمن النشاط الطبيعي لمنظمات النقابيين (تقرير 248 في القضية 1381)، كما جاء في قرارات لجنة الحريات لمنظمة العمل الدولية أن الإعلان عن عدم قانونية الإضراب وتجريمه بسبب تعبيره عن الاحتجاج على العواقب الاجتماعية والاقتصادية والعمالية لسياسة الحكومة الاقتصادية يشكّل انتهاكاً خطيرًا للحريات النقابية (التقرير 179 في القضية 1562).
وممّا تقدّم يتضح لنا: ضرورة منح العمال الحق في الإضراب، باعتباره وسيلة مشروعة للمطالبة بالحقوق المشروعة، وذلك لتوافقه مع الاتفاقيات الدولية الصادرة في هذا النشاط المصدّق عليها ولقرارات منظمة العمل الدولية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً