إن تشبيه الأجانب بالوطنيين(1). أو مبدأ مساواة الأجنبي بالوطني كما يسميه البعض(2) ، هو في الأصل ليس صورة مستقلة من صور المعاملة بالمثل ، كما هو الحال في الصورتين السابقتين ، بل هو بحد ذاته نظام مستقل في معاملة الأجانب ، يقوم على فكرة الأصول المثالية في تنظيم المجتمع الدولي ، الذي يقضي بالمساواة بين الأجنبي والوطني ، بالنسبة لكافة الحقوق التي يتطلبها كيانه الإنساني والقانوني(3) . وهو يمثل قمة السخاء الذي تصل إليه الدولة في معاملة الأجانب ، الى حد تشبيههم بمواطنيها(4) . والدول تلجأ إلى هذا الأسلوب في معاملة الأجانب مراعاةً منها لمصالحها القومية التي تقضي الى السخاء في معاملة الأجانب والترحيب بهم ، وذلك في حالة احتياجها لوفود الأجانب إليها للسياحة أو الاستثمار أو لكونها من الدول المستوردة للسكان أو غيرها من الأغراض التي تتفق مع سياسة الدولة التجارية أو الاقتصادية(5) .
وان تشبيه الأجانب بالوطنيين بوصفه نظام مستقل في معاملة الأجانب ، لا يغير من صفة الأجنبي ، فيبقى أجنبياً في جميع الأحوال(6) . كما انه لا يعني تسوية الأجانب مع المواطنين في التمتع بالحقوق فقط ، بل أن تلك التسوية تشمل الالتزامات أيضاً ، لانه من غير المعقول أن يتساوى الأجنبي مع الوطني في التمتع بالحقوق دون أن يتحمل ما يلتزم به الأخير من التزامات ، ما عدا بعض الالتزامات التي قد يتعارض تحميل الأجنبي بها مع مصلحة الدولة التي يقيم فيها ، بل الدولة التي ينتمي إليها أيضاً ، كالالتزام بأداء الخدمة العسكرية(7). وإلا فإن الأجنبي يكون في موقع احسن من الموقع الذي يتمتع به الوطني في بلده ، وهو أمر يرفضه معظم فقه القانون الدولي الخاص والعام(8). على عكس الأمر ، فيما لو ارتبط هذا النظام مع مبدأ المعاملة بالمثل ، فإن التسوية تكون في الحقوق فقط ولا تشمل الالتزامات . وقد تبنت بعض التشريعات مبدأ تشبيه الاجانب بالوطنيين كنظام مستقل في معاملة الأجانب ، مثل القانون الألماني والياباني وكذلك التشريع المدني السويسري ، الذي نص في المادة (11) على ان : (لكل شخص التمتع بكافة الحقوق المدنية بصفته إنساناً دون الاعتداد بصفته الأجنبية)(9) ، في الوقت الذي جاء فيه القانون الدولي الخاص السويسري خالياً من مثل هذا النص .
غير إن الغالب في المعاملات الدولية ، إن الدول تأخذ بنظام تشبيه الأجانب بالوطنيين ولكن بعد ربطها بنظام المعاملة بالمثل ، وفي هذه الحالة يصبح نظام تشبيه الأجانب بالوطنيين صورة من صور المعاملة بالمثل ، وتسمى حينئذ بـ (المعاملة بالمثل على أساس تشبيه الأجانب بالوطنيين) والمعاملة بالمثل وفقاً لهذه الصورة ، إما أن تتقرر بموجب نص في تشريع الدولة ، عندئذ تسمى بـ (معاملة تشريعية قائمة على أساس تشبيه الأجانب بالوطنيين). مع ملاحظة، أن التسوية هنا تشمل الوطنيين والأجانب كافة ، والذين ينتمون إلى دول توفر نفس المعاملة للأجانب في إقليمها(10). وفي هذه الحالة يجب على الدولة ان تقرر معاملة أخرى للأجانب ، تسمى بـ (المعاملة الاحتياطية) ، تتبع عند تخلف شرط المعاملة بالمثل مع بعض الدول ، قد ينص عليها التشريع أو قد تتعين بالاجتهاد الفقهي ، والتي تقضي إما بحرمان الأجنبي من التمتع بالحق أو إباحة تمتعه به على نحو أخر على حسب الأحوال(11). او قد يرد هذا الشرط في معاهدة دولية ، تقضي بالتشبيه بين الوطنيين والأجانب، وتسمى حينئذ بـ (معاملة دبلوماسية بالمثل قائمة على أساس تشبيه الأجانب بالوطنيين)(12) ، مع ملاحظة ، إن التشبيه في هذه الحالة غالباً ما يكون مقيداً من حيث الأشخاص ، باقتصاره على طائفة أو فئة معينة من الأجانب دون غيرهم(13). وتتحقق هذه الصيغة بشكل خاص في معاهدات الإقامة ، والتي هي عبارة عن ، اتفاقية ثنائية ، بموجبها تضمن دولتان لرعاياهما في إقليم الأخرى نوع من المعاملة ، والتي تسمح لهم بتنفيذ نشاطاتهم على إقليم الدولة الأخرى وعلى أساس (المعاملة بالمثل) وذلك بتشبيههم بالمواطنين فيما يتعلق بالإقامة والمرور وممارسة التجارة والصناعة والمهن والحرف والحيازة والملكية والإيجار والتصرف بالأموال المنقولة وغير المنقولة(14).
أما فيما يتعلق بنظام التشبيه بين الأجانب والوطنيين ، فان هذا التشبيه إما أن يكون بالمساواة العامة بين الأجنبي والوطني من حيث التمتع بالحقوق ، مع الإشارة إلى أن مجال المساواة هو القانون الخاص مهما كان عموم شرط المعاملة بالمثل أو عموم موضوع المعاهدة ، أما القانون العام فلا يتصور فيه المساواة بالوطنيين إلا في بعض المسائل كالضرائب ، دون البعض الأخر ، كالحقوق السياسية(15). وقد تكون المساواة خاصة ، بالنسبة لحق أو حقوق خاصة معينة دون أن تنصرف إلى حقوق أخرى ، فيتم التشبيه بين الأجانب والوطنيين في نطاق مجموعة الحقوق تلك دون أن تتعداها إلى الحقوق الأخرى(16). ومهما كان نطاق التشبيه بين هذا وذاك ، يبقى هناك تساؤلاً حول الحقوق المستحدثة في القانون الخاص في تشريع إحدى الدولتين ولا نظير لها في تشريع الدولة الأخرى(17)، فهل يستفيد منها ، رعايا الدولة التي لا تعرف تشريعاتها تلك الحقوق أم لا؟ في الحقيقة ، انقسم الفقه في الجواب عن هذا التساؤل ، إلى اتجاهين :
الاتجاه الأول ، يرى حرمان الأجانب من التمتع بتلك الحقوق ، لأنها مستحدثة بعد المعاهدة، ولم يكن يدور في خلد طرفيها ، عند تقرير المعاملة بالمثل(18).
أما الاتجاه الثاني ، وهو الاتجاه الراجح – يرى بأنه يكفي أن تتقرر المساواة بأصل الحق ، لكي يتمتع الأجانب بالحقوق الجديدة التي تستحدث من الحق الأصلي ولو كانت غير معروفة في تشريعاتهم(19).
ونعتقد بسلامة هذا الرأي الأخير ، لانه وان كان الحق المستحدث معروفاً في تشريع إحدى الدولتين دون الأخرى ، فهذا لا يعني عدم استفادة رعايا الدولة التي لا تعرف تشريعاتها مثل تلك الحقوق المستحدثة بعد ، في إقليم الدولة الأخرى ، بل على العكس من ذلك ، فإن من شأن ذلك ، أن يدعو الدولة التي لم تنظم تلك الحقوق المستحدثة بعد، أن تحدو حدو الدولة الأخرى ، وذلك بمعالجة أو تنظيم تلك الحقوق في تشريعاتها ، وبذلك يكون من المتاح لرعايا كلتا الدولتين التمتع بتلك الحقوق في أقاليم بعضها البعض ، ودون الخوض أساساً في مثل هذه الاشكالات وهذه الصورة للمعاملة بالمثل ، شأنها في ذلك بقية الصور الأخرى ، لم تسلم من وجوه النقد التي وجهها إليها الفقه . حيث يرى البعض(20) بان هذه الصورة تحقق توازناً من حيث الشكل فقط ، ولكنها لا توفر تعادلاً فعلياً بين حقوق الدولة المتعاهدة والتزاماتها وذلك في حالة الاختلاف الظاهر بين الحقوق الممنوحة للمواطنين في الدولة ، والحقوق الممنوحة للمواطنين في دولة أخرى ، وتتحقق هذه الفرضية عندما تكون إحدى الدولتين سخية في معاملة وطنييها ، وتكون الدولة الأخرى اقل سخاءاً من الدولة الأولى ، فأن الغبن يلحق – لا محالة – برعايا الدولة التي تمنح حقوقاً اكبر لرعاياها مما تمنحه الدولة الأخرى . نحن بدورنا نتفق مع هذا الرأي ، ونرى معه ، بأن هذه الصورة للمعاملة بالمثل ، لا تحقق هدفها في التوازن الفعلي ، إلا إذا انعقدت المعاهدة بين دول تتقارب في أنظمتها القانونية والسياسية والاجتماعية ، بحيث تكون الحقوق والمزايا المقررة للمواطنين في كل دولة قريبة الشبه من الحقوق والمزايا المقررة للمواطنين في الدولة الأخرى . فلا تنجح هذه الصورة في تحقيق هدفها ، إذا تم تبنيها في معاهدة بين دولة من الدول الاشتراكية على سبيل المثال ودولة رأسمالية أو بين دولة من الدول النامية ودولة صناعية ، وذلك نظراً للتباين الواضح بين أنظمة كل من تلك البلدان ، فيما يتعلق بالاعتراف للفرد المواطن ، من حقوق اقتصادية أو اجتماعية وغيرها من الحقوق والممارسات الاخرى .
_____________________
[1]- نشأ هذا المبدأ في ظل المذاهب الفردية ، ولقي تأييداً من فقهاء القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، لتسهيل ممارسة النشاط الاقتصادي دون تمييز بين الأجانب والوطنيين . راجع : د. جابر إبراهيم الراوي، القانون الدولي الخاص في أحكام مركز الأجانب في القانون الأردني ، ط1 ، الدار العربية للنشر والتوزيع، عمان ، 1986، ص24 .
2- راجع : د. إبراهيم احمد إبراهيم ، مصدر سابق ، ص47 ، ود. فؤاد عبد المنعم رياض ، الجنسية ومركز الأجانب وتنازع الاختصاص القضائي الدولي ، مصدر سابق ، ص354 ، ود. عوض الله شيبه الحمد سيد ، مصدر سابق ، ص229 .
3- د. فؤاد عبد المنعم رياض ، مصدر سابق ، ص354 .
4- د. إبراهيم احمد إبراهيم ، مصدر سابق ، ص47 .
5- د. عوض الله شيبة الحمد سيد ، مصدر سابق ، ص229 .
6- د. جابر إبراهيم الراوي ، القانون الدولي الخاص في أحكام مركز الأجانب في القانون الأردني ، مصدر سابق ، ص24 .
7- د. إبراهيم احمد إبراهيم ، مصدر سابق ، ص48 .
8- راجع في هذا الخصوص : د. حسن الهداوي ود. غالب الداودي ، مصدر سابق ، ص242 وما بعدها .
9- د. إبراهيم احمد إبراهيم ، مصدر سابق ، ص48 .
0[1]- د. إبراهيم احمد إبراهيم ، المصدر السابق ، ص52 .
1[1]- د. احمد مسلم ، القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق ، ص305 .
2[1]- مثال على ذلك ، المادة الخامسة من اتفاقية (برن) لحماية المصنفات الأدبية والفنية ، والتي نصت على: (يتمتع المؤلفون في دول الاتحاد ، غير دولة منشأ المصنف ، بالحقوق التي تخولها قوانين تلك الدولة حالياً أو قد تخولها مستقبلاً لرعاياها ، بالإضافة إلى الحقوق المقررة بصفة خاصة في الاتفاقية ، وذلك بالنسبة للمصنفات التي يتمتعون على أساسها بالحماية بمقتضى هذه الاتفاقية) .
3[1]- د. جابر إبراهيم الراوي ، القانون الدولي الخاص في أحكام مركز الأجانب في القانون الأردني ، مصدر سابق ، ص24 .
-14 Yvon Loussouarn، Pierre Bourel ، Op. Cit.، P-712 .
5[1]- د. احمد مسلم ، القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق ، ص306 .
6[1]- احمد مسلم ، القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق ، ص307 .
-17 Yvon Loussouarn ، Pierre Bourel، Op. Cit.، P.712.
8[1]- راجع : د. احمد مسلم ، القانون الدولي الخاص ، مصدر سابق ، ص308 .
-19 See – Yvon Loussouarn ، Pierre Bourel ، Op. Cit.، P.711.
20- د. شمس الدين الوكيل ، مصدر سابق ، ص355 .
المؤلف : مراد صائب محمود البياتي
الكتاب أو المصدر : مبدأ المعاملة بالمثل في مجال المركز القانوني للأجانب
الجزء والصفحة : ص59-64
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً