والشعب هو مجموعة من الأفراد المتكونة من الجنسين معًا، وتقيم بصفة دائمة في أقليم معين وتخضع لسلطان دولة معينة وتتمتع بحمايتها. والشعب هو العنصر الأول والأساسي في تكوين الدولة، إذ لايتصور وجود دولة من دون العنصر البشري المكون لها، كما لايشترط عدد معين لإفراد الشع ب، فالدولة كما تقوم بمئا ت الملايين كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية والهند والصين على سبيل المثال. تقوم ايضًا على بضع عشرات من الألاف كما في جزر القمر والبحرين ومالطة مثلا. وهذا يعني ان الناحية العددية تختلف باختلاف الدول دون ان يؤثر ذلك على المركز القانوني للدولة. وكذلك يرتبط الشعب بالدولة برابطة سياسية قانونية تعرف بالجنسية. والجنسية عبارة عن رابطة سياسية قانونية تنشئها الدولة بقرار منها تجعل الفرد تابعًا لها اي عضوًا فيها(1) ومن خلال الجنسية يمكن التمييز بين طائفتين من الأفراد:
الطائفة الأولى، وتظم الأفراد الذين تربطهم بالدولة رابطة الجنسية وهم الوطنيون. الذين يتمتعون بالحقوق الخاصة والعامة والسياسية، ويخضعون لأعباء الدولة التي ينتمون اليها كأداء الخدمة العسكرية مثلا، حتى ولو كانوا مقيمين في الخارج. وفي مقابلة ذلك فالوطني يتمتع بحماية الدولة التي ينتمي اليها(2)
أما الطائفة الثانية، فتضم الأفراد الذين لاتربطهم بالدولة التي يقيمون فيها رابطة الجنسية، وانما تربطهم بها رابطة أخرى هي رابطة الأقامة أو التوطن وهؤلاء هم الأجانب. فالدولة هي التي تحدد ومن خلال تشريعاتها الداخلية جميع المسائل المتعلقة بالجنسية من طرق أكتسابها الى فقدها وأصول سحبها. وذلك لأن كل هذه الأمور تمس بكيان الدولة(3)
مبدأ القوميات
غالبًا ما يرتبط الأفراد المكونين للشعب برابطة قوية مبنية على التضامن والتشابه في العادات والأهدا ف، وكذلك الظروف التأريخية والأقتصادية، تؤدي الى اتحادهم في مجموعة م تميزة عن باقي الجماعاتالأخرى، أي جماعة قومية ومن ثم تشكيل أمة واحدة والقانون الدولي العام لايشترط في الأفراد المكونين لشعب دولة ما ضرورة إنتمائهم لقومية أو أمة معينة، اي بعبارة أخرى فهو لايشترط وجوب التطابق بين الدولة والأمة. فقد تشكل الأمة دولا عديدة ومن ذلك الأمة العربية، وقد تشكل الأمة الواحدة دولة واحدة(4) وقد تضم الدولة الواحدة رعايا ينتمون الى قوميات أو أمم مختلفة كالأمبراطورية العثمانية وأمبراطورية النمسا والمجر (سابقأ)، وكذلك الأتحاد السوفياتي (سابقًا)، والصين وكندا وسويسرا والعراق.
مبدأ حق الشعب في مصيره (5)
ويترتب على اعتماد مبدأ القوميات في النظام القانوني الدولي ضرورة الأعتراف للشعوب كافة بالحق في تقرير مصيرها، وقد أقرت هذا المبدأ الثورة الفرنسية عام 1789 . كما لعب هذا المبدأ في تأريخ القانون الدولي دورًا خطيرًا وما يزال. فقد كان السبب المباشر في نشوء عدة دول أوروبية بعد الثورة الفرنسية، وبعض الدول التي قامت بعد إنحلال الأمبراطورية العثمانية وأمبراطورية النمسا والمجر بعد الحرب العالمية الأول ى، وعددًا غير قليل من الدول الآسيوية والأفريقية بعد الحرب العالمية الثانية. وكذلك فان مبدأ حق الشعوب يتضمن مفاهيم عديدة منها:
أ) حق الشعوب في أختيار أنظمتها السياسية وفق ما تراه ملائما لها.
ب) حق الشعوب غير المتمتعة بالحكم الذاتي (المستعمرات) في التحرر والأستقلال.
ج) إلحاق اي جزء من أقليم الدولة أو ضمه بأقليم دولة اخرى لايتم قبل أستفتاء الشعوب القاطنة في هذا الجزء المراد فصله أو ضمه.
وقد تأكد هذا المبدأ في ميثاق منظمة الأمم المتحدة في العديد من مواده كما في الفقرة الثانية من المادة الأولى إذ نصت على ان هذه المنظمة تهدف الى (إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها….) .
وكذلك الحال بالنسبة للمواد 55 ، والفقرة الثانية من المادة 73 ، والفقرة الثانية من المادة 76 كذلك جرى التأكيد على هذا المبدأ في العديد نت القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فعلى سبيل المثال نذكر القرار رقم 1514 الصادر عام 1960 بخصوص منح الأستقلال للأقطار والشعوب المستعمرة والمعروف بقرار تصفية الأستعما ر، وقد أعلن فيه (ان لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق ان تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية الى تحقيق إنمائها الأقتصادي والأجتماعي والثقافي).
وكذلك القرار رقم 1803 الصادر عن الجمعية العامة لعام 1962 بخصوص السيادة الدائمة للدول على مصادرها الطبيعي ة، والقرار الصادر ةعام 1970 الذي تؤكد فيه على حق الشعوب في تقرير مصيرها وعلى شرعية نضال الشعوب الخاضعة للسيطرة الأستعما رية والأجنبية المعترف بحقها في تقرير المصير لكي تستعيد ذلك الحق بأية وسيلة).ومن ذلك يتضح بأن تكرار النص الصريح على مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي معظم القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وبموافقة غالبية دول العالم اي الدول الأطراف في منظم ة الأمم المتحدة، لهو دليل قاطع على ان هذا المبدأ اصبح راسخًا في القواعد والمبادئ القانونية الدولية.
________________
1- كما عرفتها محكمة العدل الدولي في قضية نوتيبوم عام 1955 . أنظر في ذلك-
– I.C. J. Reports 1955، Nottebohm، S. 4.
2- Vgl. Matthias Herdegen، a.a.O.، S. 178 f.
3- Ebd.، S. 193 f.
4- لمزيد من التفاصيل عدنان طه الدوري والدكتور عبد الأمير العكيلي: القانون الدولي العام، ج 2، منشورات الجامعة المفتوحة، طرابلس، 1994 ، ص 123
5- Vgl. Matthias Herdegen، a.a.O.، S. 243 ff.
المؤلف : علي خليل اسماعيل الحديثي
الكتاب أو المصدر : القانون الدولي العام
الجزء والصفحة : ج1،ص98-102
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً