هل تعلم أن عقوق الوالدين يُعاقب عليه القانون العُماني بالسجن؟ وهذه هي أحكامه
المحامي صلاح بن خليفة المقبالي
بر الوالدين أمر واجب على كل شخص، فهو أمر أرست دعائمه الشريعة الإسلامية الغراء، والبر بالوالدين يكون في صور عدة منها القولية والفعلية، والقولية هي في أسلوب الحديث والتعامل معهما، أما الفعلية فتأتي في صورة وجوب الإنفاق عليهما ورعياتهما الرعاية الكاملة، وصورة الإنفاق كانت محور الحديث في زاويتنا الماضية عبر “أثير” في الأسبوع الماضي، وفي هذه الزاوية سنتطرق بشيء من الحديث عن أمر جلل هو أهم من النفقة والإنفاق، ألا وهو رعاية الوالدين وعدم تركهما دون عناية، والتي كثيرا منا قد لا يعلم أن القانون العماني قد نظّم هذه المسألة وتعرض لها، وكما أسلفنا في زاويتنا السابقة أن منطلق ذلك ينبع من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (101/96) الذي نص في المادة رقم (2) منه، بأن: (دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية هي أساس التشريع.)، وعلى ذلك جرت بقية القوانين في تكريس أسس هذا الدين الحنيف وجعلها موضع التطبيق في صورة قوالب قانونية تواكب تطورات العصر.
فكثيراً ما تروى القصص سواءً عن عهد قد مضى، أو نسمع أحاديث في جنبات المجالس تتداول حول أن فلاناً ترك والده أو والدته وهو لا يقوى على شيء بعد أن بلغ أحدهما من الكبر عتيا وأكل عليه الدهر وشرب، وعاد من بعد قوة وفتوة إلى حالة من الضعف والفتور لا يقوى على رفع قشة من الأرض، فيتخلى عنهم الأبناء متغاضين عن حاجة الوالدين إليهما وهما في هذه الفترة من العجز والضعف، دون أن يقوموا برعايتهما أو العناية بهما، وهذا مخالف لشرع الله جل جلاله، وإثمه عظيم، وعلى ذلك ففي التنظيم القانوني الحديث فإن القانون العماني لم يغض الطرف عن هذه المسألة، بل جعل من يقوم بذلك مرتكباً لجريمة يعاقب عليها قانون الجزاء العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (7/74) في الباب الرابع منه والذي تضمن الجرائم والعقوبات التي تمس الدين والعائلة، في البند (5) من هذا الباب نص في المادة (217) على أنه: (يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنة كل من طرح أو سيّب ولداً دون سن السابعة من عمره أو أي شخص آخر عاجز عن حماية نفسه بسبب حالة جسدية أو نفسية أو ألجأه إلى التسول والاستجداء، وإذا طرح الولد أو العاجز أو سيب في مكان مقفر كان العقاب من سنة إلى ثلاث سنوات، وتضاعف العقوبة إذا كان الشخص الذي طرح أو سيب الولد أو العاجز من أصول المعتدى عليه أو ممن يلزمهم القانون برعايته، وإذا أصيب المعتدى عليه بأذى جسيم يعاقب الفاعل بالسجن خمس سنوات على الأقل، وإذا حصلت وفاة المعتدى عليه فيكون العقاب من عشر سنوات إلى خمس عشرة سنة.)
وفي هذه المادة نجد أن قانون الجزاء العماني قد تعرض إلى مسألة ترك الوالدين أو كما فضّل المشرع أن يطلق اللفظ في هذه المادة بـ”العاجز” وذلك لحكمة رآها، نجدها واضحة في التعريف الذي أورده بهذه المادة للعاجز وهو الذي لا يقوى على حماية نفسه بسسب حالته الجسدية أو النفسية، وعلى ذلك فإذا لم يكن الوالد الذي عقه ابنه ينطبق عليه وصف العاجز، فلا يصح مسألة الولد وفق أحكام هذه المادة.
ومن جانب آخر فإن الركن المادي لهذه الجريمة يتمثل في مجرد الطرح أو التسييب، أي بمعنى تركه وحيداً، وليس معنى ذلك أن يتركه ثم يعود إليه بعد أن يقضي عملاً أو ليدير الولد شؤونه، وإنما الترك المقصود هنا – من وجهة نظرنا – هو ترك للتخلص منه وعدم الاكتراث بحالته وحاجته للرعاية، فلابد أن يجتمع فعل الترك مع القصد الجرمي لتقوم أركان هذه الجريمة حالها كسائر الجرائم العمدية التي لابد من توفر ركنيها المادي والمعنوي لقيامها.
ولكن هل هذا القيد والوصف الجرمي ينطبق على الأبناء الذين تركوا والديهم أو المسؤولين عن رعايتهم بدار متخصصة لرعاية العجزة؟ إن هذا التساؤل حتماً يدخلنا في دوامة من الأفكار حول تطبيق هذه المادة عليهم أم لا؟!!، وبياناً لذلك من وجهة نظرنا القانونية أنه وفق لما قررته أحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وأحكام المادة (217) سالفة الذكر، يتجلى بأن الأصل في المسؤولية عن رعاية العاجز تكون على الأبناء أولاً، وليس لهم التنصل منها لأن في ذلك عقوقا للوالدين، وأن الاستثناء عن هذا الأصل يكون في حالة عجز الأبناء عن رعاية والدهم بالصورة التي يرضاها الشرع الحنيف، أو أن بقاء الوالد مع الابن شكل عليه ضرراً جسيماً يجعل من الأفضل لرفعه أن يبقى الوالد في الدار المعدة للرعاية، وهذه المسألة يخضع تقديرها لقاضي الموضوع الذي يقرر مدى عجز الأبناء عن رعاية والدهم، ونرى في هذا الصدد أن يقوم الادعاء العام بدوره القوّام في المطالبة بحق المجتمع بحصر كافة من تركهم أبناؤهم دون رعاية وقاموا بتسييبهم والتحقيق معهم وإحالتهم إلى المحاكم المختصة لمعاقبتهم وفق أحكام المادة سالفة البيان، وذلك لتحقيق الردع العام والخاص لكل من تسول له نفسه ترك والديه ولا يقوم برعايتهما.
من جانب آخر فالدولة لها أبرز الأثر في رعاية من ليس لهم من يعيلهم ويقوم برعايتهم، من خلال ما وفرته من دور لرعاية المسنين والعجزة، وما تبذله من دور في توفير معاشات الضمان الاجتماعي لهم، فضلاً عن أن أفراد هذا المجتمع لم يتخلوا عن دورهم في رعاية بعضهم البعض متمثلين في الأنشطة التي تقيمها الأندية والفرق الأهلية من مناشط للترفيه ورعاية المسنين والعجزة، بالإضافة إلى الدور الجبار الذي تقوم به الجمعيات الأهلية كمثل جمعية أصدقاء المسنين، التي بدورها برعت في هذا المجال، وجزى الله الجميع في هذا الأمر خيرا، إلا أنه يتطلب منهم التكاتف في أن لا يكون دورهم – أي الدولة والأفراد والأندية والجميعات – في هذا الجانب يحفّز الأبناء على عقوق والديهم والاتكال عليهم في رعايتهم، بل يجب أن تتظافر الجهود لوضع القانون موضع التطبيق بأن يتم تبليغ الادعاء العام عن كل حالة تحصل مثل ذلك، وللادعاء العام عند تحقيقه في القضية أن يتخذ ما يراه مناسباً في هذا الشأن.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً