تناول دستور العراق النافذ في المادتين (113-114) جملة من الاختصاصات الدستورية المشتركة بين سلطة المركز والمحافظات غير المنتظمة بإقليم والتي لا تقل اهمية عما تناولناه بالبحث مسبقاً، وهذه الاختصاصات لها اهمية كبيرة في حياة المجتمع اليومية او المستقبلية. والملاحظ ان هاتين المادتين الدستوريتين تتضامنان اكثر من مصطلح يختلف عن الاخر في موضوع التشارك في الاختصاص الدستوري، كمصطلح (بالتعاون) الوارد في المادة (113) ومصطلحات(التنسيق مع بالتعاون بالتشاور) الواردة في المادة(114)، والتي تحتاج الى تفصيل وتوضيح للمقصود منها وكيفية تطبيقها على ارض الواقع؛ لما لها من اهمية في تنظيم النصوص ذات العلاقة بالاختصاصات الدستورية المشتركة التي تتصف بالحساسية التي يمكن ان تثير ازمات حقيقية. وعند التمعن بصدر المادة (114) من الدستور التي تبدأ بأن (تكون الاختصاصات الاتية مشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الاقاليم). يعتقد ان المحافظات غير المنتظمة بإقليم لا تكون مشتركة في هذه الاختصاصات مع سلطة المركز الاتحادية، بيد ان بنود هاذه المادة قاد نصات على ان هذه الاختصاصات تمارس (بالتعاون – بالتنسيق – بالتشاور- مع ) حكومات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم، وهذا يدل على ان المشرع الدستوري اراد، من بنود هذه المادة جميعها، ان تكون اختصاصات مشتركة مع المحافظات غير المنتظمة باقليم، فضالا عان أن المشارع العادي قد أشار في التعديل الاخير لقانون المحافظات رقم 19 لسنة 2013 في المادة (2 / سادسا ) على أن المادة (114) اختصاص مشترك. وعلى الرغم من اننا نرى عدم الدقة في صياغة هذه المادة، فكان الاجدر بالمشرع الدستوري ان يبدأ المادة بأن (تكون الاختصاصات الاتية مشتركة بين السلطات الاتحادية وسلطات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم)، ثم يبدأ بوضع الاختصاصات التي يراد ان تكون مشتركة من دون تكرار عبارات التعاون والاشتراك والتنسيق والتشاور بين هذه السلطات، على ان تنظم بقانون عادي.
وهذا الموضوع سنقسمه على ثلاثة فروع، نتناول في الفرع الاول ادارة الموارد المائية الداخلية، وفي الفرع الثاني ادارة الاثار والمواقع الاثارية، وفي الفرع الثالث ادارة الاختصاص الاقتصادي والتنموي والتربوي والصحي والبيئي المشترك.
الفرع الاول//ادارة الموارد المائية الداخلية.
نص المشرع الدستوري في المادة (114/سابعاً) على يكون (رسم سياسة الموارد المائية الداخلية وتنظيمها بما يضمن توزيعا عادلاً لها وينظم ذلك بقانون) من ضمن الاختصاصات المشتركة بين سلطة المركز والاقاليم، ونعتقد وهذا الكلام مكرر ان المحافظات غير المنتظمة بإقليم مشتركة في هذه الاختصاصات، واكد التعديل الاخير لقانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم هذا الامر بالنص في المادة (2/سادساً) على وصف المادة( 114) أنها مشتركة. وعلى اساس من هذا فأن ادارة الموارد المائية الداخلية هي ليست اختصاصاً حصرياً لسلطة المركز، بل ان المحافظات غيار المنتظمة بإقليم لها سلطة اختصاص واشتراك لابد مان الوقوف عندها، وفي كل ما يتعلق بتوزيع المياه بصورة عادلة، وهاذا يشامل السدود والخزانات المائية ومشاريع الري داخل العراق وشق الجداول ومشاريع الارواء (1). ونعتقد ان توصيف هذا الاختصاص بانه مشترك بين المركز والاقاليم والمحافظات غير المنتظمة باقليم هو نص منتقد؛ كونه سيؤدي الى كثير من النزاعات في المستقبل ان لام تكان سلطة المركز هي صاحبة الاختصاص الحصري فيه، وتملك الحسم في توزيع المشاريع والسدود. مثلما نصت المادة (110/ثامنا) على ان سلطة المركز هي صاحبة الاختصاص الحصري عن تدفق المياه من خارج العراق وتخطيط سياساته وفقاً للقوانين والاعراف الدولية؛ والدليل على ان هذا النص يحتاج الى أعادة نظار، ويشكل خطورة مستقبلية، ما سنقدمه من مثال افتراضي يتمثل بأن اقليم كردستان، او محافظة غير منتظمة بإقليم، قد بادرت ببناء سد، او القيام بمشروع اروائي، يمنع تدفق المياه بصورة عادلة للمحافظات الادنى منها، فما الحل القانوني في هذه الحالة؟ لاشك ان الحل لا يخرج عن هذه الحلول الاتية:
أولا // في حالة صدور قانون يمنع اقامة هذا السد او المشروع من سلطة التشريع المركزية، فأن هذا القانون سيكون محكوم بما ورد في عجز المادة (115)، بأن الاولوية في الاختصاصات المشتركة لقانون الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم في حالة الخلاف بينهما.
ثانيا // في حالة صدور قرار من الحكومة الاتحادية، ان كان الامر متعلقاً بمحافظة غير منتظمة بإقليم، فأن الاولوية ايضاً بموجب التعديل الثاني لقانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لسنة 2008 والذي قرر في (م 7 / رابعاً) ان رسم السياسة العامة للمحافظة وتحديد اولوياتها في المجالات كافة وبالتنسيق المتبادل مع الوزارات والجهات المعنية، وفي حالة الخلاف تكون الاولوية لقرار مجلس المحافظة. اي بعبارة اخرى ان اي خلاف بين اقليم ومحافظة غير منتظمة بإقليم فيما بينها يمكن ان يواجه بقطع المياه عن المحافظة الادنى؛ بحجة الحاجة له دون اعتبار للعدالة في التوزيع، ودون ان يكون هناك حل قانوني من قبل حكومة المركز، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف الى صراع داخلي بوصف المياه سر الحياة، ولا تستطيع اية محافظة الاستغناء عنه.
عليه ندعو الى ان يصبح اختصاص ادارة الموارد المائية الخارجية والداخلية اختصاصاً حصرياً بيد سلطة المركز، ولا يترك امره بيد اقليم او محافظة غير منتظمة بإقليم. وعلى الرغم من كل هذا فاننا نرى ان هناك تناقضاً Contradiction بين نص المادة (110 / ثامناً) التي نصت على ان تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الاتية )ثامناً: تخطيط السياسات المتعلقة بمصادر المياه من خارج العراق، وضمان مناسيب تدفق المياه أليه وتوزيعها العادل داخل العراق وفقاً للقوانين والاعراف الدولية(، وبين نص المادة ( 114 / سابعاً) المذكورة اعلاه، فوجود عبارة (وتوزيعها العادل داخل العراق ) في المادة (110 / ثامنا ) يشير بوضوح الى اختصاص سلطة المركز الى انها مختصة عن توزيع المياه داخلي اً، وضمان تدفقه الى العراق خارجياً وفقاً للقوانين والاعراف الدولية، اما ورود عبارة (بما يضمن توزيعاً عادلاً لها ) في المادة ( 114 / سابعاً) ضمن الاختصاصات المشتركة فهذا يعد تناقضاً بين النصوص لابد من ازالته.
الفرع الثاني/أدارة الآثار والمواقع الآثاري.
نصت المادة ( 113 ) من دستور 2005على ان (تعد الاثار والمواقع الاثارية والبنى التراثية والمخطوطات والمسكوكات من الثروات الوطنية التي هي من اختصاصات السلطات الاتحادية وتدار بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات وينظم ذلك بقانون(. وعلى الرغم من ان هذا الاختصاص لم يرد في المادة ( 114) التي تولت مهمة تصنيف اختصاصات مشتركة، بيد ان المتمعن بهذا النص يستنتج ان اختصاص المنصوص عليه في المادة ( 113 ) يمارس بالتعاون مع المحافظات غير المنتظمة بإقليم، اي ليس بسلطة المركز الحصرية، وبالرغم من ان النص الدستوري قد احال تنظيم الاختصاص الى قانون عادي الا ان هذا النص لا يلغي سلطة المحافظات غير المنتظمة بإقليم في الاشتراك بهذا الاختصاص الذي وصفه المشرع الدستوري بأنه ثروة وطنية. وبدورنا نعتقد ان عد اختصاص ادارة الاثار ومواقعه التراثية اختصاصاً اتحادياً يدار بالتعاون مع المحافظات غير المنتظمة بإقليم، هو امر يحمد عليه المشرع؛ لتعلق هذا الاختصاص بالإرث المحلي لهذه المحافظة او تلك، وبثقافتها وتراثها، من دون اغفال وصف هذه الثقافة او التراث بأنها ثروة وطنية لابد للمركز ان تكون له سلطة عليها.
الفرع الثالث/ادارة الاختصاص الاقتصادي التنموي التربوي الصحي البيئي المشترك.
لقد تأثرت المصالح المشتركة ودرجة التنوع الخاصة بكل دولة فيدرالية؛ جراء مختلف العوامل، منها التاريخية او الجغرافية او الاقتصادية او اللغوية والثقافية والفكرية، وهذا كله انعكس على اختلاف توزيع السلطات ودرجة اللامركزية بين هذه الدول الفيدرالية(2) والمشرع الدستوري العراقي نراه في المادة (114 ) قد تأثر بالتنوع اللغوي والديني والمذهبي والفكري للتوفيق بين المصالح الوطنية والمصالح المحلية وجعل أدارة ورسم السياسات التعليمية والتربوية العامة والصحية والبيئية والتنموية وغيرها اختصاصا مشتركاً بين سلطة المركز والمحافظات غير المنتظمة بإقليم، فلقد نصت المادة المذكورة اعلاه على ان الاختصاصات الاتية هي اختصاصات مشتركة:
أولا // ادارة الكمارك بالتنسيق مع حكومات الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة بإقليم وتنظم ذلك بقانون.
ثانيا // تنظيم مصادر الطاقة الكهربائية الرئيسية وتوزيعها.
ثالثا // رسم السياسة البيئة لضمان حماية البيئة من التلوث، والمحافظة على نظافتها بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم.
رابعا // رسم سياسات التنمية والتخطيط العام.
خامسا // رسم السياسة الصحية العامة، بالتعاون مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم.
سادسا // رسم السياسة التعليمية والتربوية العامة بالتشاور مع الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم.
ونكرر ما ذكرنا بشأن ورود مصطلحات (التعاون، التشاور، التنسيق) والتي تحتاج من المشرع العادي ان يضع التفسير والتوضيح من المراد منها. بيد اننا نجد ان المشرع في قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم، وفي التعديل الثاني رقم 19 لسنة 2013 ، قد نص على العبارات ذاتها في المادة (2 / سادساً) بأن تدار الاختصاصات المشتركة المنصوص عليها بالمواد ( 112 و 113 و 114 ) من الدستور بالتنسيق والتعاون بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، وتكون الاولوية فيها لقانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم في حالة الخلاف بينهما وفقاً لاحكام المادة ( 115 )من الدستور. ونص في المادة ( 45 / اولاً) على ان تؤسس هيئة تسمى (الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات)تتولى وضع آليات لإدارة الاختصاصات المشتركة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية المنصوص عليها بالمواد( 112- 113- 114) من الدستور. فبعض الدول تمنح الولايات المسؤولية المطلقة Absolute liability عن التعليم والصحة والشؤون البلدية والسياسية الاجتماعية، في حين يتم التشارك في مجالات اخرى مع المركز كالزراعة والبيئة والهجرة واللغة والثقافة (3) والظاهر ان المشرع الدستوري في العراق قد ذهب الى مبدأ المشاركة مع المحافظات غير المنتظمة بإقليم في المجالات المذكورة مسبقاً، وبالتالي لم تعد ادارتها حكر اً على المركز او المحافظات بصورة منفردة، ونحا مع جعل بعض الاختصاصات مشتركة كالتعليم والصاحة والتنمية الاقتصادية، بيد اننا لسنا مع جعل الكمارك والطاقة الكهربائية الرئيسة اختصاصا مشتركا؛ فهذا النص يمكن أن يثير بعض النزاعات، ولابد ان تضع حكومة المركز سلطتها من اجل توحيد العمل الكمركي في كافاة المنافذ والمعابر الحدودية بوصفها تمثل دخول لحدود سيادة الدولة، وبما يضمن دخول الايرادات بصورة متوازنة مع الاخذ بنظر الاعتبار المتطلبات الاقتصادية، والحال ذاته فيما يتعلق بالطاقة الكهربائية التي يمكن ان تمس اكثر من مجتمع في المحافظات المختلفة، فلو قطعت محطة كهرباء رئيسة الطاقة عن محافظات اخرى لتزوديها محافظتها بصورة غير عادلة عندما يحصل شحة في التوليد فأن قرار المحافظة له الاولوية على قرار سلطة المركز بموجب المادة ( 115) من الدستور المادة ( 2/ سادساً) والمادة (7/رابعاً) من قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم 21 لسنة 2008 . عليه نقترح جعلها اختصاصاً حصرياً لتلافي كل ما سبق ذكره او ما ينشأ من نزاعات قانونية اخرى.
______________
1- د. اسماعيل الغزال ، الدساتير والمؤسسات السياسية ، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر ، بيروت ، 1996 ، ص 101-105
2- د. سعدي اسماعيل البرزنجي ، النفط والغاز والثروات الطبيعية الاخرى في الدستور الفيدرالي العراقي ، مقال منشور على موقع صحيفة الاتحاد الاتي : www.alitthad.com.
3- رونالد ل . واتس ، تأملات مقارنة ، من سلسلة كتيبات حوار عالمي حول الفيدرالية ، الجزء الثاني ، حوارات حول توزيع السلطات والمسؤوليات في البلدان الفيدرالية ، كندا ، 2007 ،ص 46
المؤلف : محمد جبار طالب
الكتاب أو المصدر : مجلة رسالة الحقوق السنة السابعة العدد الثاني 2015/جامعة القادسية / كلية القانون
الجزء والصفحة : ص221-223
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً