الاختصاص الجزائي للمحكمة الاتحادية العليا
سلام مكي
المتابع لقرارات المحكمة الاتحادية منذ تشكيلها بموجب القانون رقم 30 لسنة 2005 وحتى الآن، يعرف ان تلك القرارات اما تخص تفسير نصوص الدستور او النظر بدستورية نص قانوني او تعليمات، او النظر في صحة الأحكام الصادرة من القضاء الإداري والتي تم تعطيل هذا الاختصاص مؤخرا.
لذلك، فإن التطبيقات القضائية للمحكمة الاتحادية تكاد تخلو من أي جنبة جزائية، باعتبار ان هذا ليس من اختصاصها وانما من اختصاص القضاء العادي، في حين ان المادة 93 سادسا، نصت على اختصاص المحكمة الاتحادية بالنظر في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء، على ان ينظم هذا الأمر بقانون! وللأسف لم ينظم هذا القانون حتى الآن، رغم مرور اكثر من عقد كامل على نفاذ الدستور.
وحتى مشروع قانون المحكمة الاتحادية لعام2015 لم يتضمن أي إشارة الى الإجراءات التي تنظم عمل المحكمة فيما يخص الفصل في الاتهامات الموجهة الى أعضاء السلطة التنفيذية، حيث اكتفت المادة 5 من مشروع القانون بنقل اختصاصات المحكمة الاتحادية من الدستور حرفيا.
لذا فإن بقاء هذه الفقرة معطلة يعني عدم إمكانية محاسبة أعضاء السلطة التنفيذية، في القضايا التي يتهمون بها، خصوصا قضايا الفساد المالي والإداري وحتى قضايا الإرهاب والقضايا الجنائية.
رغم ان الواقع يشير الى ان العديد من الوزراء الحاليين والسابقين متهمون بالفساد وهناك قضايا بحقهم منظورة امام القضاء. اشتراط تطبيق الفقرة السادسة التي تخص الفضل في الاتهامات الموجهة الى أعضاء السلطة التنفيذية، يعني عدم إمكانية محاسبتهم في الوقت الحاضر الا في حالة سن قانون، ينظم الإجراءات الجزائية الخاصة بهم.
ونجد ان هذا النص يعرقل وبشكل واضح جهود مكافحة الفساد إضافة الى انه يخرق مبدأ المساواة التي نصت عليها المادة14 من الدستور، حيث انها تميز بين الوزراء وبين المواطنين، الذين يخضعون لسلطة القضاء العادي في توجيه الاتهام لهم، في حين ان أعضاء السلطة التنفيذية يخضعون للقضاء الدستوري! المحكمة الاتحادية، التي كثيرا ما سعت الى وضع آليات دستورية خرجت من رحم الدستور، وساهم بتعديل مضمر لنصوص جامدة وغامضة، تكشف عن قصور واضح لدى المشرع، حين وضع تلك النصوص، غير قادرة على معالجة هذا الخلل، كون ان اشتراط وجود قانون لتطبيق النص الدستوري، يجعل من أي اجراء تتخذه يفتقر الى السند القانوني او الدستوري. خصوصا وان القانون رقم 30 لسنة2005 الذي تسير عليه الآن، لا يتضمن اية إشارة الى هذا الاختصاص.
ومن المعروف ان العادة التي جرت عليها المرافعات في المحكمة الاتحادية تتم بالسرعة والدقة، بالتالي، فإن تفعيل الجانب الجزائي للمحكمة والمتمثل بمحاسبة أعضاء السلطة التنفيذية أمر يسهم الى حد كبير في تقليل حجم الفساد عبر محاكمة الوزراء ورئيس مجلس الوزراء، في اية قضية تخص المال العام بالتحديد.
ان بقاء تلك الأحكام معطلة، او متوقفة على اصدار قانون، امر يشكل خلالا دستوريا وقانونيا كبيرا، اذ لابد من وجود أساس قانوني، لمحاسبة أعضاء الوزارة ورئيس الجمهورية، كونهم معرضون للخطأ وارتكاب مخالفات بحق المال العام والوظيفة، كما انه يسهم بردع وزجر من يحاول تجاوز حدوده الوظيفية، اما ان الوزير يرى انه لا يوجد قانون ينظم عملية محاسبته او النظر في الاتهام الذي يوجه اليه، سواء من الأفراد او من الجهات الرقابية، امر يؤدي الى ما لا يقبله احد.
على الدورة التشريعية الجديدة ان تأخذ بنظر الاعتبار جميع الثغرات التي تعاني منها المنظومة القانونية، وتتولى وضع خارطة طريق حقيقية وتضع لها سقوف زمنية تتولى سد تلك الثغرات من خلال سن وتشريع القوانين ووضع التعليمات اللازمة لتسهيل تنفيذها.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً