التنمر الإداري .. والوظيفي
د. عامر بن محمد الحسيني
التنمر سلوك بشري لدى بعض الأشخاص نابع من حب الذات والعدوانية تجاه الآخر. والتنمر يعني استخدام القوة، أو التهديد، أو الإكراه وسوء المعاملة، أو الترهيب أو الهيمنة العدوانية على الآخرين. في مقال للدكتور عبدالعزيز الجار الله، يذكر “هناك تنمر أقسى وأعنف وقد يكون أشرس، يمارسه المسؤول على إدارته، وفي بعض أجهزة الدولة – قطاع الخدمات – تحول بعض وكلاء الوزارة ومديري الإدارات المالية والإدارية إلى نمور ذات مخالب حادة وطويلة، استخدموها ضد الموظفين واللوائح التي لا (تروق) لهم”. ويربطها بالفساد الإداري، حين يقول “الفساد أن تعمل قيادات معنية على تدمير الموارد البشرية وتبديد ثروة بلادنا البشرية بإدارات غارقة في مصالحها ومكاسبها. وأن يتحول المسؤول إلى “نمر” يسعى إلى إيذاء الموظفين ووأد المشروعات وإقصاء المؤهلين وقصر وحصر الامتيازات والفرص.. هذا المسؤول “المتنمر” هو من ينهش في جسد التطور الوظيفي والنماء الطبيعي للموارد البشرية وتقدم بلادنا وعافيتها من وهن الأمراض الإدارية”. صحيفة “الجزيرة”، 2014.
إن التنمر في مكان العمل شائع بشكل كبير في كثير من دول العالم ويؤدي إلى خسائر فادحة. وقد أثبتت دراسة أجرتها الدكتورة جودي بلانجو في جامعة فينيكس، أن نحو 75 في المائة من الموظفين في استطلاع لحالات التنمر الإداري قد تأثروا بهذا التصرف في مكان العمل، سواء كهدف أو شاهد. يقدر مركز أبحاث التنمر في مكان العمل WBI أن 54 مليونا من العاملين في الولايات المتحدة قد تأثروا بشكل مباشر بالتنمر تجاههم أو أنهم شهدوا عملا واحدا. في دراسة استقصائية شملت 400 موظف من القطاع الحكومي والقطاع الخاص في 2008، وجد المركز أن 95 في المائة من عينة الدراسة كانوا أهدافا ذاتية للتسلط، سواء حاليا أو في الماضي.
أحد مشاهد التنمر التي بلغتني من موظف وافد عمل منذ تأسيس منظمة إقليمية في المملكة وعمل فيها ما يقارب 20 عاما، واجه تنمرا من مدير شاب خبرته لا تتجاوز ربع ما قضاه الموظف بيننا بسبب أنه وافد. ومن أشكال التنمر أيضا الانفراد بالقرارات وعدم مشاركة فريق العمل في صياغتها أو إبداء المشورة حيالها. ومن أشكالها أن يقابل مقدم الخدمة العميل أو المراجع ويقدم له معلومات مغلوطة لتضليله أو مقابلته بشكل فج وشرس. وهذه التصرفات بلا شك أنها قد تعد من باب تضارب المصالح أو السيطرة وإقصاء الآخرين، وكلها تندرج تحت أوجه الفساد الإداري.
حتى نتجاوز مثل هذه الحالات ونحن مقبلون على حقبة إدارية جديدة نطمح جميعا أن تحقق أهدافها لمصلحة مستقبل بلادنا، أصدرت وزارة الخدمة المدنية مدونة قواعد السلوك الوظيفي وأخلاقيات الوظيفة العامة، التي تهدف إلى تنمية روح المسؤولية، ونشر القيم والمبادئ الأخلاقية المهنية، وتعزيز القيم المهنية والأخلاقية بين الموظفين والمستفيدين. وذلك ينطلق من أسس ذات علاقة بالنزاهة والشفافية وعدم تعارض المصالح.
إن محاربة مثل هذه الظواهر منوطة بوجود نظام حوكمة داخلي فاعل لتوضيح العلاقات بين أصحاب المصالح الداخليين والخارجيين، وتفعيل دور اللجان المتخصصة في كشف مثل هذه الحالات أو الرفع عنها ليتم التعامل معها بشكل عاجل، حتى لا تتفاقم المشكلة وتصبح ظاهرة يسيطر فيها الفساد والمصالح الذاتية على المصالح العامة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً